المعصية بعد الطاعة (2-2)

منذ 2019-08-26

وقد قيل: من جلس مع ثمانية أصناف من الناس, زاده الله ثمانية أشياء:....من جلس مع الفساق: زاده الله الجرأة على الذنوب والمعاصي والإقدام عليها.


 

ومنها: أن يحذر من إحسان الظن بنفسه, لأن ذلك يمنعه من رؤية عيوبها, فربما كانت تلك العيوب سبباً لعدم ثباته على الطاعة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وأما سوء الظن بالنفس, فإنما احتاج إليه لأن حسن الظن بالنفس يمنع من كمال التفتيش ويُلبس عليه, فيرى المساوئ محاسن, والعيوب كمالاً...ولا يسيءُ الظن بنفسه إلا من عرفها ومن أحسن ظنه بها فهو من أجهل الناس بنفسه.

ومنها: أن يحذر العجب بطاعته وعبادته, فيحتقر ويزدري المذنبين, فربما كان ذلك سبباً في انتكاسته, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: تعيرك لأخيك بذنبه أعظم إثماً من ذنبه وأشدُّ من معصيته, لما فيه من صولة الطاعة, وتزكية النفس وشكرها, والمناداة عليها بالبراءة من الذنب, وأن أخاك هو الذي باء به, ولعل كسرته بذنبه وما أحدث له من الذلة والخضوع والإزراء على نفسه, والتخلص من مرض الدعوى والكبر والعجب, ووقوفه بين يدي الله ناكس الرأس خاشع الطرف منكسر القلب أنفع له وخير له من صولة طاعتك, وتكثرك بها, والاعتداد بها, والمنة على الله وخلقه بها, فما أقرب هذا العاصي من رحمة الله! وما أقرب هذا المُدِلَّ من مقت الله! فذنب تذلُّ به لديه أحبُّ إليه من طاعة تُدلُّ بها عليه, وأنينُ المذنبين أحبُّ إليه من زجل المسبِّحين المُدلِّين! ولعل الله أسقاه بهذا الذنب دواءً استخرج به داء قاتلاً هو فيك ولا تشعر, فلله في أهل طاعته ومعصيته أسرار لا يعلمها إلا هو, ولا يطالعها إلا أهل البصائر, ولا يأمن كرَّات القدر وسطواته إلا أهل الجهل بالله, وقد قال تعالى لأعلم الخلق, وأقربهم إليه وسيلةً:  {ولولا أن ثبتناك لقد كدتَّ تركن إليهم شيئاً قليلاً }  [الإسراء:74] وقال يوسف الصَّديق: {وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن وأكنُ من الجاهلين} [الإسراء: 74]

ومنها: الحذر من شياطين الإنس, قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الشياطين ليس اسماً خاصاً الجن, بل حتى الإنس لهم شياطين, قال الله سبحانه وتعالى :   {وكذلك جعلنا لكل نبيٍ عدواً شياطين الإنس والجن} [الأنعام:112] وكُلُّ من يأمرك بالسوء والفحشاء وينهاك عن الصلاح والاستفادة فهو شيطان لقول الله تبارك وتعالى ( {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمره بالفحشاء والمنكر} )[النور:21]

وهؤلاء الشياطين سيبذلون الغالي والنفيس بشتى الطرق والوسائل لصدك عن طريق الطاعة, قال العلامة ابن القيم رحمه الله: وهل كان على أبي طالبٍ عند الوفاة أضرُّ من قرناء السوء؟ لم يزالوا به حتى حالوا بينه وبين كلمةٍ واحدةٍ توجب له سعادة الأبد, وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله : فما أكثر ما يمُرُّ علينا ممن يتصلون بنا يشكون من قوم كانوا مستقيمين, وأئمة مساجد, أو مؤذني مساجد, اتصل بهم أناس من أصحاب السوء, فانحرفوا انحرافاً كاملاً"

وقد قيل: من جلس مع ثمانية أصناف من الناس, زاده الله ثمانية أشياء:....من جلس مع الفساق: زاده الله الجرأة على الذنوب والمعاصي والإقدام عليها.

ومنها: ملازمة تقوى الله فلها أثر عظيم في حفظ الله جل جلاله لعبده في دينه, قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وفي الجملة فإن الله يحفظُ على المؤمن الحافظ لحدود دينه, ويحولُ بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ وقد لا يشعر العبد ببعضها…قال ابن عباس في قوله تعالى:   {أن الله يحولُ بين المرء وقلبه}  [يوسف:34] يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار.

نسأل الله الكريم أن يردَّ من انتكسوا عن الطاعة  إلى ما كانوا عليه, وليس ذلك ببعيدٍ, متى ما صدقوا في رغبتهم في العودة إلى الحياة الطيبة, والسعادة الدائمة, وجنة الدنيا التي من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.   

                              كتبه/ فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ