حتى لا ننسى !!

منذ 2020-07-11

ودنت صلاة العَصْر، وقامَ أحد العلماءِ فأذّن للصلاة، وصلّى المسلمُون العصر في (كنيسة آيا صوفيا)

 

بعيدا عن المناكفات السياسية ، والبحث عن الدوافع والتفسيرات الحقيقية للحدث ، والموقف من الأشخاص حبا أو كرها ، وغلوا أو تحاملا ، فإن المتابع لردود الأفعال الهستيرية على إعادة ( أيا صوفيا ) ليكون مسجدا كما كان من قبل ، يدرك أنه ما زال للرموز المهمة ، والأحداث التاريخية الفاصلة مكانة كبيرة جدا لدى النخبة المثقفة والحاكمة في الغرب .

ولا أظنهم نسوا قط سقوط القسطنطينية ، وأفول شمس الإمبراطورية البيزنطية الشرقية على يد الخليفة العثماني محمد الفاتح عام (1453م-857هـ) حتى إن بعضهم جعل هذا الحدث الجلل حدًّا فاصلًا بين العصرين الوسيط والحديث؛ نظرًا لما ترتب عليه من آثار خطيرة وحاسمة غيرت مسار التاريخ الأوربي بأكمله؛ فقد تهدم بنيان أكبر دولة غربية في العصور الوسطى، وبدأت أوربا تفيق من هول الصدمة باحثة عن سبل التقدم والرقي، وانتشرت حركة الكشوف الجغرافية التي وسعت الآفاق، وكشفت عن عالم جديد توالت خيراته في التدفق على أوربا، مما دفعها للسعي حثيثًا نحو تطويق العالم الإسلامي، والسيطرة عليه، واجتثاثه من جذوره .

ورحم الله الشيخ محمود شاكر الذي وصف بقلمه العملاق هذا الحدث فقال :

" وبغتةً، وقعت الواقعة في يوم الثلاثاء 20 جمادى الآخرة سنة 857/ 29 مايو سنة 1453، ودخَل (محمد الفاتح) حصنَ المسيحية الشمالية المنيع الشامخ، مدينةَ القسطنطينية، وقُضِىَ الأمر الذى فيه تَسْتَفْتِيان، دخَلها قُبيلَ العصر على صَهْوة جوادِه المطهَّم، (الضَّخم البارع الجمال)، واتجهَ إلي (كنيسة آيا صوفيا)، وجماهيرُ رعايا الكنيسة يصلون ويبتهلون ويسألون الله أن يَدْفَعَ عنهم بَلاء (التُّرك)، (أى المسلمين).

فلما علم الراهب بقدومه أمرَ بفتح باب الكنيسة على مصراعيه وارتاع المصلون وماجوا واضطربوا، ودخل (محمد الفاتح)، فتقدَم إليهم أنْ يتِموا صلاتَهُم آمنين غير مروَعين، وأمَّنهم على أموالهم وأعراضِهم، وأن يعودوا إلى بيوتِهم سالمين. ودنت صلاة العَصْر، وقامَ أحد العلماءِ فأذّن للصلاة، وصلّى المسلمُون العصر في (كنيسة آيا صوفيا)

ومن يومئذٍ حُوِّلت فصارت مسجداً. وانتشر الخبر كالبرقِ في أرجاء أوربة، ومادَت الدّنيا بالخبر، واهتزت دنيا المسيحية الأوربية هِزَّة لم تعرف مثلَها قطُ، ولم يبق عليها راهب ولا ملك ولا أمير ولا صعلوك إلاّ انتفض انتفاضَة الغضبَ لدينه. "
رسالة في الطريق إلى ثقافتنا ص 41

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة