مع الصديق رضي الله عنه - الصديق أشجع الصحابة

منذ 2020-09-18

ما دخل قلبي رعب بعد ليلة الغار؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى حزني قال: لا عليك يا أبا بكر؛ فإن الله قد تكفل لهذا الأمر بالتمام .

الصديق أشجع الصحابة

الشجاعة الحقيقية والقوة الإيمانية تظهر عندما يخالف الإنسان ويقهر هواه ويثبت على الحق في كل المشاهد, وهذا ما حدث مع الصديق رضي الله عنه الذي كان يوصف بلين الجانب وسماحة الطبع, فإذا جد الجد وقف لله وقفة أسد لا يلين, وهكذا كانت سيرته منذ تحمل الأمانة وواجه الدنيا بأسرها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت في كل المشاهد سواء في مكة أو الهجرة أو في المدينة وفي جميع الغزوات كان هو الأقرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم رغم أن جيوش الأعداء كانت تقصد الرسول عليه الصلاة والسلام, وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ثبت الله الصحابة بأبي بكر رضي الله عنه بعد ما دب الوهن في قلوبهم من شدة المصاب, فجمعهم وثبتهم, وقاد بهم الحروب لتثبيت أركان الإسلام ومواجهة كل من يحاول هدم عرى الإسلام سواء بالردة أو بمنع الأركان وانتقاص الشرائع.
أشجع الناس بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -
وأبو بكر رضي الله عنه كان أشجع الناس، لم يكن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشجع منه، هو أشجع من عمر، وعمر أشجع من عثمان، وعلي وطلحة والزبير. وهذا يعرفه من يعرف سيرهم وأخبارهم؛ فإن أبا بكر باشر الأهوال التي كان يباشرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول الإسلام إلى آخره، ولم يجبن ولم يحرج، ولم يفشل. وكان يقدم في المخاوف يقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه، ويجاهد المشركين تارة بيده، وتارة بلسانه، وتارة بماله، وهو في ذلك كله مقدم.
وكان يوم بدر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في العريش  . مع علمه بأن العدو يقصدون مكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ثابت القلب، رابط الجأش، يظاهر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويعاونه ويذب عنه، ويخبره بأنا واثقون بنصر الله. والنظر إلى جهة العدو، وهل قاتلوا المسلمين أو لا؟ والنظر إلى صفوف المسلمين لئلا تختل، وتبليغ المسلمين ما يأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه الحال . وفي الصحيح: «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما كان يوم بدر في العريش معه الصديق أخذت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعسة من النوم، ثم استيقظ مبتسمًا، فقال: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل على ثناياه النقع» ، وفي رواية ابن إسحاق: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله، وهذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع» يعني الغبار  .

ثم إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو وأبو بكر خرجا بعد ذلك من العريش، ورماهم النبي - صلى الله عليه وسلم - الرمية التي قال فيها: { {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى} } . والصديق قاتلهم حتى قال له ابنه عبد الرحمن: قد رأيتك يوم بدر فصدفت عنك، فقال: ولكني لو رأيتك لقتلتك.
والمسلمون كانت لهم هزيمتان يوم أحد ويوم حنين، والمذكور في السير والمغازي أن أبا بكر، وعمر ثبتا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ويوم حنين لهم ينهزما مع من انهزم .
ولما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة نزلت بهم حتى أوهنت العقول فهذا ينكر موته، وهذا قد أقعد، وهذا قد دهش فلا يعرف من يمر عليه ومن يسلم عليه، وهؤلاء يضجون بالبكاء، وقد وقعوا في نسخة القيامة، وكأنها قيامة صغرى مأخوذة من القيامة الكبرى، وأكثر البوادي قد ارتدوا عن الدين، وذلت كماته، فقام الصديق رضي الله عنه بقلب ثابت وفؤاد شجاع فلم يجزع ولم ينكل، وقد جمع الله له بين الصبر واليقين؛ فأخبرهم بموت النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الله قد اختار له ما عنده، وقال لهم: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت {
{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ} }  ثم خطبهم فثبتهم وشجعهم، قال أنس: خطبنا أبو بكر رضي الله عنه وكنا كالثعالب، فما زال يشجعنا حتى صرنا كالأسود. وأخذ في تجهيز جيش أسامة مع إشارتهم عليه. وأخذ في قتال المرتدين مع إشارتهم عليه بالتمهل والتربص، وأخذ يقاتل حتى مانعي الزكاة  حتى كان عمر مع قوته وشجاعته يقول له: يا خليفة رسول الله تألف الناس. فيقول: علام أتألفهم، أعلى دين مفترى، أم علي شعر مفتعل؟
قلت: ومن شجاعته مدافعته عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لما خنقة عقبة بن أبي معيط كما تقدم. وسبقت الإشارة إلى موقفه حين خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مهاجرين ونام الرسول تحت الصخرة ونهض أبو بكر يحرسه. اهـ
وقد روى أنه لما قيل له: لقد نزل بك ما لو نزل بالجبال لهاظها وبالبحار لغاظها وما نراك ضعفت. فقال: ما دخل قلبي رعب بعد ليلة الغار؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى حزني قال: لا عليك يا أبا بكر؛ فإن الله قد تكفل لهذا الأمر بالتمام .
فكان له رضي الله عنه مع الشجاعة الطبيعية شجاعة دينية، وقوة يقينية في الله عز وجل، وثقة بأن الله ينصره والمؤمنين. وهذه الشجاعة لا تحصل إلا لمن كان قوي القلب، لكن هذه تزيد بزيادة الإيمان واليقين، وتنقص بنقص ذلك فمن تيقن أنه يغلب عدوه كان إقدامه عليه، بخلاف من لم يكن كذلك، وهذا من أعظم شجاعة المسلمين وإقدامهم على عدوهم.
ثم قد علم كل من علم السيرة أن أبا بكر أقوى قلبًا من جميع الصحابة لا يقاربه في ذلك أحد منهم؛ فإنه من حين بعث الله نبيه إلى أن مات أبو بكر لم يزل مجاهدًا مقدامًا شجاعًا لم يعرف قط أنه جبن عن قتال عدوه، بل لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعفت قلوب أكثر الصحابة وكان هو الذي ثبتهم .

أبو الهيثم محمد درويش

دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.

المقال السابق
كاتب الوحي أزهد الصحابة رضي الله عنه
المقال التالي
الصديق كان الأحب