كيف نفهم الرزق
وتمتد خطورة الفكر الأناني إلى جعل المجتمع يعبد المال عبادة، ويستعبد الغني فيه الفقير. أما الفكر الذي يحتقر المال، فإنه يجعل الكسل والاستكانة سمة كثير من الشعوب التي تتكاسل، فتتأخر، ويتقدم غيرها!
الرزق قَدَر من الأقدار التي كتبها الله! ومع أننا مأمورون بالسعي، إلا أن الرزق لا يعتمد على ذلك السعي وحده! فكم من ساعين لا يألون جهدا ولا يدخرون وسعا في تحصيل أرزاقهم، لا يكادون يجدون ما يكفيهم، ولا يقترب ما يملكون مما يملكه غيرهم ممن هم أدنى منهم علما وعملا!
لكن الفهم الصحيح للرزق، يقتضي السعي مع التوكل على الله، والعلم بأن الله وحده هو الذي يبسط الرزق أو يقبضه، وهو الذي يتيح أسبابه أو يمنعها. والرزق ليس المال وحده؛ فنعمة الصحة رزق، وحب الناس رزق، وأخلاق أولادك رزق، ومحبة زوجتك رزق، ومعرفتك باللغة رزق، وقراءتك للقرآن رزق، وكل ما تتمتع به من نعم في هذه الحياة رزق، يفوق كثير منه ما رزقت به من مال.
وخلال سعينا وجهدنا وعملنا، علينا أن نبتغي عند الله الرزق، وأن ندرك أننا لا نحصّل ذلك الرزق بمهارتنا وحدها أو بجهدنا فقط؛ فلو كان كذلك، لتفاضلت أرزاق الناس حسب مهاراتهم وجهدهم في العمل فقط، لكنّ ذلك لا يحدث دائما في دنيا الناس.
وهناك من يقدّس المال، ويراه كل شيء في هذه الحياة، فيبذل له الغالي والرخيص، ويقطع من أجله الرحم، ويهمل عائلته، بل قد يجمعه من حلال أو حرام، كما يعطي الأولوية المطلقة للمال حين يعمل، وحين يختار، وحين يتزوج، فيحرص على الزواج من زوجة ثرية، حتى يحوز أموالها، أو لا يضطر إلى تحمل المسؤولية وحده!
وعلى النقيض من ذلك، يرى بعضهم أن المال لا قيمة له، فنرى كثيرا منهم لا يعمل، أو لا يسعى إلى تطوير قدراته ومهاراته، لأن هؤلاء يعتقدون أن العمل يؤخر العبادة أو يتنافى معها. فيلجأ هؤلاء إلى الاعتماد على غيرهم وإلى الكسل عن العمل، أو يحتقرون المال قلّ أو كثر.
وتمتد خطورة الفكر الأناني إلى جعل المجتمع يعبد المال عبادة، ويستعبد الغني فيه الفقير. أما الفكر الذي يحتقر المال، فإنه يجعل الكسل والاستكانة سمة كثير من الشعوب التي تتكاسل، فتتأخر، ويتقدم غيرها!
هاني مراد
كاتب إسلامي، ومراجع لغة عربية، ومترجم لغة إنجليزية.
- التصنيف: