قصة أيوب عليه السلام

منذ 2021-08-17

أيُّوب عليه السلام نبي من أنبياء الله، ينتسب إلى إبراهيم عليه السلام، نبي كان مجال دعوته في منطقة البثنية بين دمشق وأذرعات، أو ما يعرف الآن بمنطقة حوران، ومن نسبه يتبين أنه كان في الفترة بين يوسف وموسى، وقيل: عاصَر يعقوب..

أيُّوب عليه السلام نبي من أنبياء الله، ينتسب إلى إبراهيم عليه السلام، نبي كان مجال دعوته في منطقة البثنية بين دمشق وأذرعات، أو ما يعرف الآن بمنطقة حوران، ومن نسبه يتبين أنه كان في الفترة بين يوسف وموسى، وقيل: عاصَر يعقوب، كان دينه التوحيد والإصلاح بين الناس، وإذا أراد حاجة سجد لله ثم طلبها.

 

كان أيُّوب ذا مال من الأغنام والأراضي الزراعية والخدم والعبيد الذين يعملون فيها، ومع هذا الثراء فقد كان يتفانى في عبادة الله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]، وعليه فإن أيوب نبي من أنبياء الله موحًى إليه، {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الأنعام: 84]، مِن هاتين الآيتين نجد أن أيوب قد ذكر في جملة الأنبياء بلا تفصيل لدعوته وقومه الذين عاش معهم، غير أن هناك آيات ذكرت أيوب في معرض الصبر على البلاء؛ فقد أخذت جانبًا مهمًّا من حياته الشخصية مثلًا على صبر الأنبياء، ولعل هذا هو الأبرز في حياته؛ قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، وهذا بعد ثلاثَ عشرة سنة من الصبر على البلاء، فخرجت الشكوى من أيوب، وهي أنه مريض أو مكلوم، أُوذي ضررًا بما لا يستطيع تحمله بشر، فما كان له إلا الالتجاء إلى ربه بآهةِ محزون وتضرع مستجير ورجاء كَلٍّ، وهذه الأنَّات لا تخرج عادة من النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد مزيد صبر وقوة تحمل، فإذا ما بلغ الأمر حدًّا لا يطاق من التحمل والصبر وبلغ "الحزام الطبيين"، فإن النفس لا تفتأ تجيش بما في داخلها، وتلجأ بقوة إلى بارئها، فلا تجد في الكون إلا هو، وسِع كرسيه السموات والأرض، فتفيض تعبيرًا بالدموع والأنَّات؛ شعورًا منها بالضعف والذل إلى الخالق لنيل الرحمة، فإذا أعلن الإنسان عن ضعفه أمام خالقه، وأوكل أمره إليه حيث لا ينفعه شيء سواه، فلا الأصدقاء ولا المقربون ولا الدواء له نفع.

 

فكل شيء من هؤلاء قد أعلن عن ضعفه وامتنع عن إحداث الأثر الشافي في جسم ذلك العليل المتهاوي ضعفًا، الذي يئن ألمًا وتوجعًا، وليس من سكن له إلا الله البارئ الشافي، فقد انقطع رجاؤه من كل مخلوق إلا إلى الله رب العالمين، لقد عملت زوجته الشريفة التي هي من معدن الطيبة والنبوة خادمة في البيوت كي تطعمه، ولما خشي أولئك الذين تعمل عندهم من نقل العدوى إليهم بسبب احتكاكها بأيوب منعوها من العمل، فلم تجد معها ما تشتري به الطعام لأيوب، فباعت إحدى ضفائرها وأحضرت له طعامًا طيبًا، فحلف ألا يأكل منه حتى تخبره من أين حصلت على الطعام، فكشفت عن رأسها وأشارت إلى مكان ضفيرتها فاشتد حزنه، وقال: {أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء: 83، 84]، رب العالمين الذي وهب الحياة للخلق جميعًا محسنهم ومسيئهم، فهل يتخلى عن أنبيائه وعباده الصالحين القانتين اللائذين العائذين به؟ حاشا وكلا: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62].

 

لقد استجاب الله لدعاء أيوب وكشف عنه الضر وعوَّضه عن الصبر بأن أعاد له عزَّه وغناه وأهله: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 84]، لقد برهَن أيوب على صبره ونجح في الامتحان، ففاز وعلت مكانته عند ربه، وارتفعت درجتُه، فكان في فترة البلاء مثالَ العابد الطائع الذي اتهم نفسه بالتقصير تجاه ربه، فزاد من العبادة والتسبيح والتقرب إلى الله، وفي سورة "ص - 41" - تبين الآية أن ما شكاه أيوب كان من كيد الشيطان له بالتعب والإرهاق، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]، وهذا ما جعل بعض المفسرين يقولون: إن إبليس - لعنه الله - استرق السمع لملائكة السماء فسمعهم يثنون على أيوب ويمتدحون عبادته وكثرة تسبيحه وذكره لله، فحسده اللعين على هذه المكانة والمنزلة التي وصل إليها، فطلب من ربه أن يسلطه عليه ليفتنه، فكان له ما أراد؛ فالله الخبير العليم بعبده أيوب كان يعلم أن أيوب سينجح في الامتحان، وأن إبليس سيبوء بالفشل؛ ليريَه نموذجًا من المؤمنين الذين يثبتون على الإيمان؛ لقوة اليقين عندهم، فلا تَثنيهم العقبات ولا تقلُّبات ظروف الدهر، فهم في طريق الإيمان ماضون.

 

وهكذا بدأ إبليس يتفنن في إيذاء أيوب، فسلطه الله على ماله فأفناه، فما كان من أيوب إلا الصبر والإقبال على العبادة، ثم تسلط على ولده، فبادوا، فصبر أيوب، ثم تسلط على جسد أيوب ونفخ في منخره فأوذي وأنتن جسمه حتى أخرجه قومُه من بلدهم؛ خشية العدوى، ولم يصبر معه سوى زوجته، فقامت على خدمته، وكان قد آمن معه ثلاثة نفر، فلما رأوه على هذه الحال بدأ الشك يأخذ مأخذه عندهم، وقال بعض الناس: لو كان لرب هذا فيه حاجة ما صنع به ما صنع، وأيوب صابر شاكر، لكنه خشي أن يكون فتنة يظن الناس في دِينه السوء وفي غيره من الشرك الخير، وهنا لجأ إلى الله بالدعاء؛ خشية فتنة الناس أن يقيسوا حاله بالمقياس الدنيوي الخاطئ؛ فاستجاب الله دعاءه: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]؛ أي: اضرب الأرض برجلك فيتفجر ينبوع حار، فاغتسل بمائه، فتشفى به القروح ففعل، ويتفجر آخر باردًا فاشرب فتشفى به الباطنة، ففعل ذلك فشفي مما كان فيه من علل بإذن الله، {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [ص: 43]؛ فقد أعاد الله أولاده على أحسن صورة، ثم وعده المزيد منهم، فكان له ذلك، وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بينما أيوب يغتسل عريانًا خرَّ عليه رِجْل جراد -رف جراد- من ذهب، فجعل يحثي -يلتقط- في ثوبه، فناداه ربه: يا أيوب، ألم أكن أغنيتُك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك»، ورُوي أنه كان له أندران - مخزنان - أحدهما للقمح وآخر للشعير، فبعث الله سحابة فأفرغت في أندر القمح ذهبًا حتى فاض، وفي أندر الشعير فضة حتى فاض، وأنه أعاد زوجته إلى شبابها فولدت له ستًّا وعشرين ولدًا ذكرًا، ولكن ما قصة زوجته الوفية التي لازمته وهو في أشد حالات المرض؟ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]، قيل عن زوجته: إنها جاءته بزيادة عما كانت تجلبه له من الخبز، فشك أن تكون باعت للحاجة عِرضها، وقيل: أقنعها الشيطان أن يذبح أيوب سخلة - أنثى الماعز وهي صغيرة - تقربًا إليه ليشفى، وهذا فعل الجهلاء الذين يستبطئون المرض فيحاولون فعل أي شيء، ولو فيه مخالفة شرعية طلبًا للشفاء، ونسوا بأن الشافي هو الله، وقيل: باعت ذؤابتيها - ضفائر شعرها - برغيفين مضطرة لكي تأتيه بالطعام، وكان أيوب يتعلق بهما إذا أراد القيام، وقيل: أتاها إبليس في هيئة طبيب فقال: أنا أشفيه إذا اعترف بأني أنا الذي شفيته ولا أريد أجرًا غير هذا، لأجل واحدة من هذه الأمور أو أكثر حلف إن شفاه الله أن يضربها مائة جلدة، ولكن الله علم إخلاصها، وأنها لا تستحق هذه المعاملة، فجعله يبَرُّ بيمينه بأن حمل حزمة فيها مائة من الأعواد والحشائش ويضربها بها، وقد امتدح الله أيوب بأنه أوَّاب رجَّاع إلى الله تعالى.

 

توفي أيوب بعد عمر مديد بلغ ثلاثًا وتسعين سنة، وكان معاصرًا لنبي الله يعقوب، وقيل: كان بعد شعيب، وقيل: بعد سليمان.

___________________________
الكاتب: د. محمد منير الجنباز