عظماء البشرية

منذ 2021-09-26

فعلينا أن نعرف للأنبياء حقهم، ونبين للناس عامة ولأبنائنا خاصة مقام الأنبياء وأخلاقهم، ونبين لهم المقاييس الصحيحة للعظمة، ونحذرهم من تعظيم الظلمة والمفسدين وأعوانهم.

انتشر في هذا الزمان تعظيم كثير من الأمم للبشر، سواء ممن ماتوا أو لا زالوا على قيد الحياة، فنرى في كثير من المجتمعات التي تدين بالعلمانية أو بالديمقراطية، أو غيرها من النظم الوضعية، تجدهم ينحتون لهم الأصنام ويضعونها في الأماكن العامة، ويدسون صور وأخبار هؤلاء النماذج في الكتب الدراسية وفي البرامج المسموعة والمرئية وربما عملوا المسبقات في تلميع تلك الأوثان، ومن يمسها بسوء أو يتطاول عليها في مقال أو حتى تغريدة يعتبرون ذلك خيانة للوطن، وينكرون عليه أشد الإنكار، مع أنهم يصرخون ليل نهار حول حرية التعبير.

ويتم حشو المناهج الدراسية بالتعظيم لهؤلاء الرموز، مع أنهم قد يكونون من أكابر المجرمين في الأرض كـ نابليون أو جورج واشنطن أو تشرشل ، ممن سفكوا الدماء وخربوا البلاد وأذلوا العباد، وأصحاب تاريخ قذر وطويل في الافساد في الأرض، لكن يتم تلميعهم وتقديمهم للنشء على أنهم قدوات، ويتم غض الطرف عن قبائحهم.

ومن عجائب هذا الزمان، أن دعاة الديمقراطية يملئون الأرض ضجيجاً دفاعاً عن حرية التعبير كما يزعمون، ويجعلون لذلك المعاهد ويصنفون الناس والدول في قوائم حسب هذه الحرية الوهمية التي يزعمونها، فمن حرية التعبير عندهم السب والسخرية من المولى عز وجل ومن صفوة البشر وهم الأنبياء، فالمقابل لا يقبلون أبداً أن يتعرض أحد لوثن من أوثانهم، وتُفقئ فقاعة حرية التعبير التي ينادون بها عند أول مساس بوثن من أوثانهم، فهؤلاء أهل باطل ولا أدل على ذلك من التناقض الكثير الموجود عندهم؛ فالحق لا يمكن أن يتناقض كما هو معلوم.

ونلاحظ أن القرآن مليء بقصص الأنبياء وكيف كثيرا ما يُكذَّبون ويًعارَضون بل ويُقتَلون أحياناً مع أنهم من أفضل الناس أخلاقاً ومحبة لنشر الخير والعدل، ولكن أهل الباطل لا يحبون من يقف في وجه ظلمهم ويتنزع منهم حقوق المستضعفين، وهذا من غبائهم إذ أن منعهم من الظلم انقاذ لهم أولاً ولغيرهم من سوء العاقبة الوخيمة للظلم.

والآن لا يوجد بيننا نبي، ولكن بيننا ميراث الأنبياء، فكل من أخذه ُيعادَى من أهل الباطل، ونفْسُ الأمر الذي حدث للأنبياء يحدث لأتباعهم وحملة ميراثهم، لذلك فلا عجب من معاداة الكفار والمنافقين للمصلحين من أتباع الأنبياء، ولهم في ذلك وسائل عديدة، كمحاولة تفريغ المناهج من الحديث عن عظمة وحقوق الأنبياء، وبالمقابل يعظم أناس ربما يكونوا من أظلم وأتفه البشر.

فعلينا أن نعرف للأنبياء حقهم، ونبين للناس عامة ولأبنائنا خاصة مقام الأنبياء وأخلاقهم، ونبين لهم المقاييس الصحيحة للعظمة، ونحذرهم من تعظيم الظلمة والمفسدين وأعوانهم.

وهنا إشارة باختصار إلى بعض حقوق الأنبياء علينا:

  1. تصديقهم جميعًا فيما جاءوا به، وأنهم مرسلون من ربهم، مبلغون عن الله ما أمرهم الله بتبليغه لمن أرسلوا إليهم وعدم التفريق بينهم في ذلك. قال تعالى:  {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} .
  2. موالاتهم جميعًا ومحبتهم والحذر من بغضهم وعداوتهم. قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} ، وقال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} .
  3. اعتقاد فضلهم على غيرهم من الناس، وأنه لا يبلغ منزلتهم أحد من الخلق مهما بلغ من الصلاح والتقوى، إذ الرسالة اصطفاء من الله يختص الله بها من يشاء من خلقه، ولا تنال بالاجتهاد والعمل. قال تعالى: {(اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} ).
  4. الصلاة والسلام عليهم فقد أمر الله الناس بذلك وأخبر الله بإبقائه الثناء الحسن على رسله وتسليم الأمم عليهم من بعدهم. قال تعالى عن نوح:( {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ} ). وقال عن إبراهيم:( {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ} ). وقال عن موسى وهارون:( {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ} ).[1]

ومن أفضل الطرق وأحسنها وأنفعها وأبقاها أثراً بث قصصهم بين الناس عامة والأبناء خاصة، مع التركيز على الفوائد من هذه القصص وأخذ العبرة والعظة منها، وربطها بالحياة والواقع، فالقرآن به الكثير من أخبار الأنبياء مع أقوامهم، فمنها نتعلم الحكمة والأخلاق وطرق الدعوة، وأهم من ذلك طريق النجاة والفلاح والحياة الطيبة في الدارين.

فكم هي الفوائد التي ستجنيها الأسرة فيما لو اجتمعت على مائدة عنوانها قصص الأنبياء، ومعلوم أن أنجع وسائل التربية: التربية بالقصة، فكيف إذا كانت قصص صفوة البشر، ومن كلام رب البشر، حيث الحكمة والأخلاق، والفلاح والنجاح، فيا أيها الأمهات والآباء والمربِّين أمامكم كنز عظيم، ومعين لا ينفد، وغيث مِدْرار، فلا تعرضوا عنه، فتخسروا أنفسكم وأبنائكم، ولا يخفى عليكم أن معظم المناهج الحكومية تكاد تكون قاحلة من الإشارة الى قصص الأنبياء فضلاً عن اعتبارهم قدوات واعتبار طريقتهم منهج حياة، فإذا أعرضت المناهج الحكومية عن إبراز عظمة هؤلاء، فعلينا أن نُحْيِي سِيَرَهِم وأن نبرز مآثرهم في بيوتنا ومساجدنا وحياتنا بشكل عام .. ( {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} ).

( {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَىٰ وَلَٰكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ).

 

[1]  الموسوعة العقدية، إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي السقاف، الناشر: موقع الدرر السنية