المسجد الأقصى في خطر

منذ 2004-08-09


تمثل مدينة القدس جزءاً من عقيدة المسلمين ، ففيها المسجد الأقصى المبارك محور معجزة الإسراء والمعراج ؛ فإليه انتهى الإسراء ؛ ومنه بدأ المعراج إلى السماوات العُلا ؛ فالمعجزة جزء من العقيدة ؛ وفيه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إماماً بالأنبياء والرسل جميعاً ، فتحها عمر رضي الله عنه دون أن تراق فيها قطرة دم ، ووقع مع صفرونيوس زعيم المسيحيين وثيقة الأمن والسلام " العهدة العمرية " التي نسير على هداها حتى الآن . وروى الصحابة والتابعون والمجاهدون الأخيار ثراها بدمائهم الزكية ، وحررها الناصر صلاح الدين من الصليبيين ، فإن قدسية هذه المدينة ومكانة المسجد الأقصى العقائدية لدى المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها جعلتها مطمعاً للغزاة ، ويمثل الاحتلال الإسرائيلي لها ولأرض فلسطين أبشع صور الغزو على مر التاريخ ، فهو يدنس المقدسات وينتهك الحرمات بمخططات ومؤامرات لا تخفى على أحد .

فقد كشف وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي النقاب مؤخراً عن أن هناك جماعات يهودية متطرفة تخطط لقصف المسجد الأقصى المبارك بطائرة محملة بالمتفجرات ؛ أو ارتكاب مجزرة جديدة ضد المصلين فيه ، وقد سبق أن كشف الشاباك والشين بيت " جهاز الأمن العام الإسرائيلي قبل فترة عن مثل ذلك .

إن هذه المخططات لم تكن الأولى ضد المسجد الأقصى ، ولن تكون الأخيرة ، فمنذ زمن بعيد بيّت اليهود النوايا للنيل من القدس ومقدساتها وبالأخص المسجد الأقصى المبارك ، وتنوعت محاولاتهم في ذلك وتواصلت ، فقد أصدرت سلطات الاحتلال القوانين والأنظمة لضمها إلى الكيان الصهيوني رغم أنها مدينة محتلة لا يجوز ضمها ؛ مخالفة بذلك القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية خاصة اتفاقية جنيف الرابعة .

واتخذت الإجراءات لطمس معالمها الحضارية العربية والإسلامية بهدم بيوتها ومصادرة أراضيها ؛ ففي 11/6/67 هدمت حارة المغاربة بكل مبانيها ومساجدها الأثرية لتوسيع ساحة البراق التي يصلون فيها ، وهدمت أيضاً حارة الشرف بكاملها في 18/4/68 والمكونة من 1034 منزلاً و425 متجراً و6 مساجد وعدد من المدارس ، وأقامت مكانها حياً لليهود . وواصلت محاولاتها لإحداث خلل ديمغرافي فيها لصالح اليهود ؛ وأخيراً ببناء جدار الفصل العنصري لعزلها عن المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية ومنع المصلين من الوصول إلى مسجدها .

ومع أن العالم قد أجمع بقرارات دولية على عدم شرعية أو قانونية ما تقوم به حكومة إسرائيل ؛ إلا أنها ماضية في تنفيذ خططها لتهويد المدينة المقدسة ومواصلة الحفريات تحت أساسات المسجد الأقصى بهدف تعريضه للانهيار بصورة تلقائية ؛ رغم أن علماء الآثار اليهود قد اعترفوا بأنهم لم يجدوا أثراً لهيكلهم المزعوم ؛ إلا أنهم أكدوا أن استمرار الحفريات يستهدف بنيان المسجد الأقصى المبارك .

وأذكر بعض اعتداءات الجماعات الدينية المتطرفة وبدعم من سلطات الاحتلال على سبيل المثال لا الحصر ؛ لكشف مخططهم وما يدبرون ضد المسجد الأقصى لعله يستبين لكل صاحب ضمير حي أن المسجد الأقصى في خطر ؛ مما يوجب على الأمة بكاملها القيام بمسؤولياتها في الدفاع عنه .

ففي 16/7/48 قصفت القوات الإسرائيلية المسجد الأقصى وساحاته بخمس وخمسين قنبلة ، وفي 6/6/67 قصفته بمدافع الهاون . أما الجريمة الكبرى فكانت في21/8/1969 ؛ حيث أقدم السائح اليهودي المجرم مايكل دينيس على إحراق منبر صلاح الدين وجزء كبير من المسجد الأقصى ،بسبب تواطؤ سلطات الاحتلال في إعاقة عمليات إطفاء النيران ، وتباطُئِها في تقديم أية تسهيلات أو إجراءات لإخمادها .

أما مخططات نسف المسجد الأقصى فهي كثيرة أذكر بعضها ؛ ففي 21/5/1980 ألقي القبض على مجموعة كانت تنوي نسف المسجد الأقصى واكتشف بحوزتها كميات كبيرة من المتفجرات لتنفيذ الجريمة .

وفي 8/4/1982 اكتشف حراس المسجد الأقصى طرداً مشبوهاً يحتوي على متفجرات موقوتة . وفي 2/3/1983 - يوم جمعة - اكتشف حراس المسجد الأقصى كذلك طرداً مشبوهاً يحتوي على ثلاثة كيلوغرام من المتفجرات . وفي 25/7/1982 خطط أحد قادة حركة كاخ لنسف المسجد الأقصى .

وحاولت مجموعة من اليهود في 26/1/1984 الدخول إلى المسجد الأقصى وهم يحملون ثلاث قنابل يدوية وست حقائب من المتفجرات في محاولة لنسف المسجد وعثر في 27/1/1984 على 18 قنبلة يدوية وعشرة كيلوغرام من المتفجرات قرب السور الشرقي للمسجد ، وعلى ثلاث قنابل مخبأة في قطعة قماش عند باب الأسباط في30/1/1984 .

أما المحاولات المسلحة لاقتحام المسجد الأقصى فمنها محاولة مجموعة مسلحة اقتحام المسجد الأقصى في 2/3/1982 ، وفي 17/10/ 1986 أقلع طيار من سلاح الجو الإسرائيلي بطائرته المزودة بالصواريخ مستهدفاً المسجد الأقصى ، لكن أوقفته طائرات من سلاح الجو .

وارتكبت فيه كثير من المجازر ؛ ففي 11/4/1982 اقتحم الجندي الإسرائيلي من أصل أمريكي هاري جولدمان مسجد قبة الصخرة وأطلق النار بشكل عشوائي فاستشهد اثنان من المواطنين وجرح ستون ، وبعد اعتقال لفترة قصيرة أفرجت عنه السلطات الإسرائيلية ، وفي 8/10/1990 ارتكبت القوات الإسرائيلية مجزرة فظيعة في المسجد الأقصى حيث استشهد فيها 23 وجرح 85 أثناء تصديهم لمحاولة وضع حجر الأساس للهيكل المزعوم .

وفي 24/9/1996 أمر رئيس حكومة إسرائيل آنذاك بنيامين نتانياهو بحفر نفق تحت المسجد الأقصى ؛ فهب أهل فلسطين في انتفاضة استشهد فيها العشرات منهم وجرح المئات ، مما اضطره ذلك إلى إغلاق النفق المذكور .

وفي تحد لمشاعر المسلمين قام المجرم شارون بتدنيس المسجد الأقصى في 28/9/2000 ؛ فيثور أهل فلسطين في انتفاضة شاملة ما زالت مشتعلة حتى اليوم سقط فيها آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى الذين نذروا أرواحهم دفاعاً عن المسجد الأقصى .

ولا تزال الاعتداءات متواصلة ففي 15/2/2004 انهار الطريق التاريخي المؤدي إلى باب المغاربة بسبب الحفريات الإسرائيلية تحت هذا الطريق ، وفي27/2/2004 اقتحمت قوات الجيش الإسرائيلي ساحات المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة مما أدى إلى إصابة 65 من المصلين بجراح .

وقبل أيام وتحديداً في 4/7/2004 انبعث من مسجد البراق دخان في ساحات المسجد الأقصى المبارك ناتج عن حريق متعمد في الأنفاق التي تم حفرها تحت المسجد الأقصى ، وهذا مؤشر خطير على انه من الممكن استغلال هذه الأنفاق لإدخال المتفجرات بهدف نسف المسجد الأقصى أو ارتكاب أي كارثة أخرى ضد المصلين فيه .

وإنني أحذر من أن المساس بالمسجد الأقصى والاعتداء عليه سيؤدي إلى كارثة ومضاعفات لا يعلم نتائجها إلا الله لأن المسلمين لا يمكن أن يقفوا مكتوفي الأيدي إذا أصاب مسجدهم أي مكروه .

وأؤكد على أن هذه الأرض لن يعمر فيها ظالم والقائم فيها مرابط إلى يوم القيامة ، فنحمد الله تعالى أن أكرمنا بالعيش فيها وبأن نكون سدنة المسجد الأقصى المبارك نفتديه بالمهج والأرواح .

قال تعالى { والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [يوسف:21].

بقلم الشيخ تيسير رجب التميمي/قاضي قضاة فلسطين - رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي - أمين سر الهيئة الاسلامية العليا في القدس .
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام