آفة السهر

منذ 2021-11-10

مِنَ العادات السيئة التي ابتُلِيَ بها كثيرٌ منَ الناس في هذه الأزمان، السهرُ حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله،، وبعدُ:

فمِنَ العادات السيئة التي ابتُلِيَ بها كثيرٌ منَ الناس في هذه الأزمان، السهرُ حتى ساعةٍ متأخرةٍ من الليل.

 

عن أبي بَرْزَةَ الأسلمي رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره النوم قبلها، والحديث بعدها"؛ أي: العشاء[1].

 

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "لأنَّ النوم قبلها قد يؤدِّي إلى إخراجها عن وقتها مُطلقًا، أو عن الوقت المُختار، والسَّمَرَ بعدها قد يؤدِّي إلى النوم عن الصُّبْح، أو عن وقتها المختار، أو عن قيام الليل".

 

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب الناسَ على ذلك، ويقول: "أَسَمَرًا أوَّلَ الليل، ونومًا آخِرَه؟"[2].

 

ومن مفاسد هذا السَّهَر:

أولًا: أنه يؤدِّي إلى إضاعة صلاة الفجر، فيَحرم المسلمُ نفسَه مِن الأجْر والثواب، ويعرِّضها لعقوبة الله، قال - تعالى -: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59]، وقال - تعالى -: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78].

 

وعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن صلَّى الصبح، فهو في ذمَّة الله، فلا يَطلبنَّكم اللهُ مِن ذمَّته بشيءٍ؛ فإنه مَن يَطلُبْه مِن ذمَّته بشيءٍ يُدركْه، ثم يَكُبَّه على وجهِه في نار جهنَّم» [3].

 

وعن عمارة بن رُؤَيْبَة رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لن يَلِجَ النارَ أحدٌ صلَّى قبْل طلوع الشمس وقبْل غروبها»؛ يعني: الفجر والعصر[4].

 

ثانيًا: أنه يُؤَدِّي إلى النوم عن قيام الليل، قال تعالى يَذكُر عبادَه المؤمنين المتَّقين: {كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17، 18]، وقال أيضًا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [السجدة: 16].

 

عن سهل بن سعدٍ قال: "جاء جبريلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، واعمل ما شئتَ فإنَّك مجزيٌّ به، وأَحْبِبْ مَن شئتَ فإنَّك مُفارِقُهُ، واعلم أنَّ شَرَفَ المؤمنِ قيامُ الليل، وعِزَّهُ استغناؤه عن النَّاس"[5].

 

ثالثًا: إضاعة الوقت فيما لا فائدة فيه، وهذا الوقت سيُسأل عنه العبدُ يومَ القيامة، فعن أبي بَرْزَة الأسلمي رضي الله عنه؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قَدَمَا عبدٍ يوم القيامة حتى يُسْأَلَ: عَنْ عُمرِه فيمَ أَفْنَاه؟ وعن عِلْمِه فيمَ فعل؟ وعن ماله: مِن أين اكتسَبَه؟ وفيمَ أنفَقَه؟ وعن جسمه فيمَ أبلاه»؟ [6].

 

وهذا لمَن كان سَهَرُه في المباح، أما إذا كان سهَرُه على المُحَرَّمَات، كالنَّظر إلى القَنَوات الفضائيَّة، أو التحدُّث في أَعْراضِ المسلمين، أو غير ذلك مِنَ المنكرات، فقد جمَع إلى هذه القبائحِ إضاعةَ وقتِه فيما يُغضب ربَّه عزَّ وجلَّ.

 

رابعًا: الأضرار الصحيَّة التي تنتجُ عن السَّهر، فإن الله تعالى جعَل الليل سَكَنًا للناس، قال – تعالى -: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ} [النمل: 86]، والنوم في الساعات الأولى من الليل لا يُعوَّض.

 

وقد استثنَى العلماءُ السَّهرَ إذا كان في طاعة الله، وفيه مصلحةٌ شرعيَّةٌ، كقيام الليل، أو الدَّعوة إلى الله، أو الأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، أو طلَب عِلْمٍ شرعيٍّ، أو السَّهر مع الضَّيْف أو الزَّوجة، قالت عائشةُ رضي الله عنها: "لا سَهَرَ إلا لِثلاثةٍ: مُصَلٍّ، أو عروس، أو مسافر".

 

لذا ينبغي على المؤمن أن يَحرصَ على التَّبكير في نومه؛ حرصًا على تطبيق السُّنَّة، وتخلُّصًا من آفة السَّهر ومفاسدِه، وعليه أن يحرصَ على آداب النوم، كالنوم على طهارة، والمداوَمة على الأذكار الشَّرعيَّة قبل النوم، وغير ذلك من الآداب التي ذَكَرها أهلُ العِلم.

 

والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


[1] "صحيح البخاري" (1/195)، برقم (568).

[2] "فتح الباري" (2/73).

[3] "صحيح مسلم" (1/455)، برقم (657).

[4] "صحيح مسلم" (1/440)، برقم (634).

[5] "مستدرك الحاكم" (4/360/361).

[6] "سنن الترمذي" (4/612)، برقم (2417).

___________________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي