الانضباط بين مسألة العزلة والاختلاط
قوله -صلَّى الله عليه وسلم-: "المؤمنُ الذي يخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهم أعظم أجرًا مِن المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم"
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ ، وَنَسْتَعِينُهُ ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ ،فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ ، فَلا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)}} {آل عمران: 102}
{{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} } {النساء: 1}.
{{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}} {الأحزاب: 70 - 71}.
أما بعد :
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الأمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
ما جاء بتغير الزمان بتغير حال الناس :
«عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الحَجَّاجِ، فَقَالَ: «اصْبِرُوا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ» سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1) »
«وعَنْ مُعَاوِيَةَ ،قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ".(2) »
ما جاء من غبن كثير من الناس لنعمة الله عليهم بالصحة والفراغ،فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ ".(3)»
وما جاء بالموعظة باستغلال العبد لنعم الله عليه في طاعة الله ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ،وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ " » .(4)
ما جاء في فضل العزلة عند تغير حال الناس:
«عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: "رَجُلٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ بِمَالِهِ وَنَفْسِهِ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ اللهَ رَبَّهُ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ".(5) »
قال النووي في "شرح مسلم ": فيه دليل لمن قال بتفضيل العُزلة على الاختلاط، وفي ذلك خلاف مشهور، فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل بشرط = رجاء السلامة من الفتن، ومذهب طوائف أن الاعتزال أفضل، وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب أو هو فيمن لا يسلم الناسُ منه، ولا يصبر عليهم أو نحو ذلك من الخصوص، وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين، فيحصّلون منافع الاختلاط كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحِلَق الذكر وغير ذلك.
قال: وأما الشِّعْب فهو ما انفرج بين جبلين، وليس المراد نفس الشعب خصوصًا، بل المراد الانفرادُ والاعتزالُ، وذكر الشعب مثالاً، لأنه خالٍ عن الناس غالبًا.
قال العيني في "شرح البخاري " وذكر كلام النووي هذا: قلت: يدل لقول الجمهور قوله -صلَّى الله عليه وسلم-: "المؤمنُ الذي يخالِطُ الناسَ ويَصبِرُ على أذاهم أعظم أجرًا مِن المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه الترمذي في أبواب الزهد [2675] وابن ماجه [4032].
وجملة القول في هذه المسألة ما قاله عليُّ ملا القاريّ في " مرقاة المفاتيح " (4/743) : " والمختار هو: التوسط بين العُزلةِ عن أكثر الناسِ وعوامِّهم، والخُلطة بالصاحين، والاجتماع مع عامتهم في نحو جمعهم وجماعتهم " اهـ
«وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ مِنْ خَيْرِ مَعَايِشِ النَّاسِ لَهُمْ: رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ يَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ، كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً، طَارَ عَلَى مَتْنِهِ يَلْتَمِسُ الْمَوْتَ وَالْقَتْلَ مَكَانَهُ، أَوْ رَجُلٌ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنَ هَذِهِ الشَّعَفِ، أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الأَوْدِيَةِ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبَدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلا فِي سَبِيلِ خَيْرٍ ".(6) »
«وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً؟ رَجُلٌ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلَةً بَعْدَهُ؟ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غَنِيمَةٍ لَهُ، يُقِيمُ الصَّلاةَ، وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَيَعْبُدُ اللَّهَ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا " .(7) »
«عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ، كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ".(8) »
«وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ ،قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ»، قُلْتُ: فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ ،قَالَ: «أَعْلاَهَا ثَمَنًا، وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا»، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ ضَايِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ»،: قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ ، قَالَ: «تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ».(9) »
«وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَا النَّجَاةُ؟ قَالَ: " امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ".(10) »
«وعَنْ ثَوْبَانَ، مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ ".(11) »
«وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يُوشَكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرُ مَالِ الْمُسْلِمِ شَاةٌ يَتَتَبَّعُ بِهَا صَاحِبُهَا شَعَفَ الْجِبَالِ، وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ " .(12) »
«وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا» وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ».(13) »
«وعن عَامِر بْن سَعْدٍ قَالَ كَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِبِلِهِ فَجَاءَهُ ابْنُهُ عُمَرُ فَلَمَّا رَآهُ سَعْدٌ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا الرَّاكِبِ فَنَزَلَ فَقَالَ لَهُ أَنَزَلْتَ فِي إِبِلِكَ وَغَنَمِكَ وَتَرَكْتَ النَّاسَ يَتَنَازَعُونَ الْمُلْكَ بَيْنَهُمْ فَضَرَبَ سَعْدٌ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ." (14) »
«وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ، يَقُولُ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَفِيهِ دَخَنٌ» قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: «قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ» قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: «هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا» قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ «فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ، حَتَّى يُدْرِكَكَ المَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ».(15) »
«وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، القَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، وَالقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، وَالمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً، أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ» .(16) »
«وعن عُثْمَان الشَّحَّام، قَالَ: انْطَلَقْتُ أَنَا وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ، إِلَى مُسْلِمِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ فِي أَرْضِهِ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا: هَلْ سَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ فِي الْفِتَنِ حَدِيثًا؟ قَالَ: نَعَمْ، سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يُحَدِّثُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ: أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا. أَلَا، فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ " قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: «يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟» قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: «يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».(17) »
«وفي رواية : «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْمُضْطَجِعُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْجَالِسِ، وَالْجَالِسُ خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي»، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَعْمِدْ إِلَى سَيْفِهِ، فَلْيَضْرِبْ بِحَدِّهِ صَخْرَةً، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاةَ».(18) »
«وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ ".(19) »
وعَنْ قَيْسٍ، قَالَ: قَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: " إِنَّ أَقَلَّ الْعَيْبِ عَلَى امْرِئٍ أَنْ يَجْلِسَ فِي بَيْتِهِ " .(20)
وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: " نِعْمَ صَوْمَعَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ بَيْتُهُ، يَكُفُّ لِسَانَهُ، وَفَرْجَهُ، وَبَصَرَهُ، وَإِيَّاكُمْ وَمُجَالَسَةَ الأَسْوَاقِ، تُلْهِي وَتُلْغِي ".(21)
وعن شُعَيْبَ بْنِ حَرْبٍ يَقُولُ: لا تَجْلِسْ إِلا مَعَ أَحَدِ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ جَلَسْتَ إِلَيْهِ يُعَلِّمُكَ خَيْرًا فَتَقْبَلُ مِنْهُ، أَوْ رَجُلٍ تُعَلِّمُهُ خَيْرًا فَيَقْبَلُ مِنْكَ ، وَالثَّالِثِ اهْرُبْ مِنْهُ.(22)
وعن الْفُضَيْلَ ، يَقُولُ: " مَنِ اسْتَوْحَشَ مِنَ الْوِحْدَةِ، وَاسْتَأْنَسَ بِالنَّاسِ، لَمْ يَسْلَمْ مِنَ الرِّيَاءِ " .(23)
قَالَ (*) : وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: " مَنْ خَالَطَ النَّاسَ لَمْ يَسْلَمْ وَلَمْ يَنْجُ مِنْ إِحْدَى اثْنَتَيْنِ:
1 - إِمَّا أَنْ يَخُوضَ مَعَهُمْ إِذَا خَاضُوا فِي بَاطِلٍ.
2 - وَإِمَّا أَنْ يَسْكُتَ إِذَا رَأَى مُنْكَرًا أَوْ سَمِعَهُ مِنْ جُلَسَائِهِ، فَلا يُغَيِّرَ، فَيَأْثَمَ، وَيُشْرِكَهُمْ فِيهِ.(24)
ما جاء في فضل مخالطة الناس لمن صبر على أذاهم ولم يجاريهم في باطلهم :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ، وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ، أَعْظَمُ أَجْرًا مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ". (25)
وعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ خِيَارٍ، أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، - وَهُوَ مَحْصُورٌ - فَقَالَ: إِنَّكَ إِمَامُ عَامَّةٍ، وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى، وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ، وَنَتَحَرَّجُ؟ فَقَالَ: «الصَّلاَةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ، فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ» .(26)
تم بحمد الله وتوفيقه
الباحث في القرآن والسنة
أخوكم في الله/صلاح عامر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- البخاري(7068)،وأحمد(12838)،والترمذي(2206)،وابن حبان(5952).
2-رواه ابن ماجة(4035)،وابن حبان(690)وصححه الألباني.
3- رواه البخاري(6412)،وأحمد(2340)،والترمذي(2304)،وابن ماجة(4170)
4- صحيح :رواه الحاكم في" المستدرك"(7846 ) «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»ووافقه الذهبي , وابن أبي شيبة في" مصنفه" (34319), وانظر "صَحِيح الْجَامِع"(1077), و"صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب"(3355).
5- البخاري (6494)، ومسلم (1888)، وأحمد" (11125)، وابن ماجه (3978)، والترمذي (1755)، والنسائي (3155)،وابن حبان" (606).
6- مسلم 125-(1889) ، وابن ماجة (3977)
7- رواه أحمد(10779)
8- رواه مسلم130 - (2948)،وأحمد (20298)بلفظ :" العمل في الهرج" ،و(20311)
بلفظ :"الْعِبَادَةُ فِي الْفِتْنَةِ" والترمذي(2201)،وابن ماجة(3985)،وابن حبان(5957).
9- البخاري(2518)،ومسلم136 - (84).
10- رواه أحمد(22235)،والترمذي(2406)،والحاكم في "المستدرك"(8600) هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه ،وصححه الذهبي.
11- وحسنه الألباني في" صحيح الجامع "( 3929)،و" الروض النضير"(180)،و" صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب(2740).
12- البخاري(3600)،وأحمد(11254)،وأبو داود(4267)،والنسائي(5036)،وابن ماجة(3980).
13 - أخرجه أحمد (6987) ،وأبو داود (4343) ، وابن ماجة(3957)، والحاكم في " المستدرك(7758)وصححه الألباني في " صحيح الجامع" (563)،و" السلسلة الصحيحة "(205).
14- مسلم11 - (2965)،وأحمد(1441)
[شرح محمد فؤاد عبد الباقي]
[ ش (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي) المراد بالغنى غني النفس هذا هو الغني المحبوب لقوله صلى الله عليه وسلم ولكن الغنى غنى النفس وأما الخفي فبالخاء المعجمة هذا هو الموجود في النسخ والمعروف في الروايات ومعناه الخامل المنقطع إلى العبادة والاشتغال بأمور نفسه وفي هذا الحديث حجة لمن يقول الاعتزال أفضل من الاختلاط]
15 - البخاري(3606) ،ومسلم51 - (1847)،وأحمد(23282)،وابن ماجة(3979)
(تعض بأصل شجرة) أي حتى ولو كان الاعتزال بالعض على أصل شجرة .
والعض : هو الأخذ بالأسنان والشد عليها ، والمراد المبالغة في الاعتزال .
16- البخاري(7081)،ومسلم10 - (2886)،وأحمد(7796)
17- رواه مسلم 13 - (2887)،وأحمد(20490).
18-رواه أحمد (20412)،وأبو داود(4256)،وابن حبان(5965).
19-البخاري(7115)،ومسلم53 - (157)
قال ابن بطال: تغبط أهل القبور وتمنى الموت عند ظهور الفتن إنما هو خوف ذهاب الدين بغلبة الباطل وأهله، وظهور المعاصي والمنكر.
قال الحافظ: وليس هذا عامًا في حق كل أحد، وإنما هو خاص بأهل الخير، وأما غيرهم، فقد يكون لما يقع لأحدهم من المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه، وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلق بدينه، ويؤيده رواية مسلم 4/"54"، وابن ماجه "4037" في الفتن: باب شدة الزمان، من طرق عن محمد بن فضيل، عن أبي إسماعيل الأسلمي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه، ويقول: يا ليتني مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدين إلا البلاء". أي الحامل له على التمني ليس الدين، بل البلاء وكثرة المحن والفتن.
20- صحيح: رواه ابن أبي الدنيا في "العزلة والانفراد "(25)،وأخرجه وكيع (253)، وهناد (1236) ، وأبو داود (117 ـ 118) ، وابن أبي عاصم (81 ـ 99) أربعتهم في " الزهد "، وابن سعد في " الطبقات الكبرى " (3/221) ، ونعيم بن حماد في " زوائد زهد ابن المبارك " (12) ، والخطابي في " العزلة " (ص22) ، وابن الأعرابي في " معجمه " (1241) ، والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (366 ـ انتقاء السِّلفي) ، وغيرهم من طريق إسماعيل ابن ابي خلد به.
21- صحيح:رواه ابن أبي الدنيا في " العزلة والانفراد"(26) قلت: وقد رواه عن ثور، جماعة من أصحابه، منهم: = [ص:26] = يحي بن سعيد: هنا، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (ج 13 ق 387 ـ مخطوط دار الكتب) . والخرائطي في " مكارم الأخلاق " (367 ـ منتقى السِّلفي) .
22- " العزلة والانفراد" لابن أبي الدنيا (66).
23- حسن:" العزلة والانفراد" لابن أبي الدنيا"(30)فيه: إبراهيم بن الأشعث ـ خادم فُضَيْل بن عياض ـ لا بأس به في الرقاق،وانظر" ميزان الاعتدال" (1/20) ، و" لسان الميزان "(1/36) .
24-(*) القائل هو: إبراهيم بن الأشعث.
أخرجه البيهقي في " الزهد " (130) ، والخطابي في " العزلة " (ص41) ، وابن أبي الدنيا في " العزلة والانفراد" "(31)محقق الكتاب: مسعد عبد الحميد محمد السعدني.ط: الناشر: مكتبة الفرقان - القاهرة
25- صحيح : رواه أحمد(5022)،والبخاري في " الأدب المفرد"( 388)، والترمذي(2507)
بلفظ :" المُسْلِمُ إِذَا كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ" ،وابن ماجة(4032)وصححه الألباني.
26-البخاري( 695).
- التصنيف: