تربية الأسرة المسلمة في بلاد الغرب

منذ 2022-05-10

من أخطر الأمور التي يعاني منها إخواننا المسلمون في دول الكفر، خروج الزوجة عن قوامة الرجل، وخروج الأولاد عن طاعة الأب تحت حماية الأنظمة الكفرية..

من أخطر الأمور التي يعاني منها إخواننا المسلمون في دول الكفر، خروج الزوجة عن قوامة الرجل، وخروج الأولاد عن طاعة الأب تحت حماية الأنظمة الكفرية، "وهذا الأمر من أكبر أبواب الفساد الاجتماعي، حيث تعطي قوانين وأعراف تلك البلاد الزوجة حقوقاً تستغني بها عن زوجها وأولادها وأسرتها، وكذا الأولاد يملكون أن يغادروا الأسرة وأن ينشؤوا بعيداً عنها، وأن يجلب الابن الشرطة لأبيه لأنه ضربه على ذنب اقترفه، أو هدده فقط بالضرب، وبمجرد أن يطالب الابن بحقه فإن الشرطة تتدخل لتستدعي الأب المذنب وربما أودعته السجن لقيامه بواجب تأديب ولده!!

 

فالأولاد إذا ما كبروا وبلغوا فلا سلطان لأحد عليهم في الإقامة والمبيت والدراسة، والعمل، فهم أحرار في تصرفاتهم ولا سلطان للأب عليهم ولا واجبات عليهم تجاهه، ولقد خسر كثير من أولئك المهاجرين أبناءهم وأنكروا فضلهم ومن قبل انسلخوا من دينهم.

 

ومن جهة أخرى فإن المرأة إذاً تتمتع بحرية كبيرة، تجعل الزوج مكبل اليدين أيضاً إزاء تصرفات زوجته، مما يضطره إلى أحد الاحتمالين: طلب الطلاق مع ما ينتج عن ذلك من آثار قانونية واقتصادية فادحة، أو السكوت عن تصرفات الزوجة وانحرافاتها الشرعية، تلك التصرفات أو الانحرافات التي لا تعتبر في نظر القانون إلا تعبيراً عن حرية مباحة لا يملك الزوج لها رفضاً، والمشكلة هنا أن يتأقلم الزوج أو الزوجة في أجواء البيئة القانونية مما يجعل حياة الأسرة المسلمة في خطر كبير.

 

ذلك أن المرأة مثل الزوج تُؤمِّن الدولة لها مأكلها ومشربها وملبسها ومسكنها، سواء كانت عزباء أو متزوجة، تعمل أو لا تعمل، وكذلك الرعاية الصحية مكفولة للجميع بلا استثناء، وحق الضمان الاجتماعي لكل مقيم في البلد سواء نال جنسية البلد أم لم ينلها، ونظام هذا الضمان وإن كان يسهل على الناس عيشهم، إلا أنه يفتح باباً واسعاً للزوجة لتمرق من طاعة زوجها لأدنى سبب، إذ أنها ليست بحاجة إلى إنفاقه عليها ولا رعايته لها ما دامت الدولة تتكفل بهذا، فالعقدة الزوجية عرضة للانفصام عند أول سوء تفاهم، والمرأة إن لم تكن ذات دين يحثها على رعاية زوجها وأولادها وأسرتها فإنها تقضي على كل هذه القيم عند أول مشكلة دون خوف فقر أو عتاب مجتمع.

 

فلا يبقى إلا عنصر الأخلاق القويمة وحسم التنشئة والولاء الطوعي للإسلام، وقيمه هو الضابط الوحيد الذي يمكن أن يضبط الأسرة ويوجهها وهو عنصر يتطلب زرعه وتأصيله بمجهودات ضخمة ضمن أجواء عائلية مريحة، وقد يُوفَّق رب العائلة في تحقيقه وقد يفشل!" [1].

 

ومن القصص المؤلمة ما ذكره الدكتور سالم الرافعي حيث قال: "اتصل بي شاب ألماني كان كافراً ثم أسلم، وأخبرني أن زوجته اتخذت عشيقاً وأحضرته إلى بيته، بمرأى من أولادهما، ولما أراد العشيق معاشرتها داخل البيت، غضب الزوج وهجم على العشيق وتضاربا، فجاءت الشرطة وقص الزوج الخبر مبيناً سبب تضاربهما، وطلب إخراج العشيق من بيته، قال له الشرطي: لا نستطيع أن نفعل لك شيئاً، فهذا ضيف امرأتك ولا نستطيع إخراجه، وغادرت الشرطة، وخلا العشيق بعشيقته، والزوج حائر لا يدري ماذا يفعل، فلا يحق له ضرب امرأته لأنه اعتداء على إنسانيتها في نظر القانون، ولا منعها من معاشرته؛ لأنه محض حريتها الشخصية، ولا ضرب العشيق لأنه ضيف امرأته، فما عليه إلا أن يترك البيت ويطلب الطلاق، أو يبقى في البيت ويصابر ذله ومهانته، فالحمد لله على نعمة الإيمان والإسلام"[2].

 

وقد تناقلت الصحف السعودية نبأ الفتاة السعودية المبتعثة التي تزوجت من شاب كندي بدون علم والدها المرافق لها، فلما بلغه الخبر أنكر ذلك وحاول معاقبتها، فتم الاتصال بالشرطة ومحاكمته ثم إبعاده عن كندا إلى بلده السعودية، فإلى الله المشتكى، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

وقد ذكر الشيخ المحدث أحمد بن محمد: (أن كثيراً من المبتعثات ممن سافرن إلى بلاد الكفر والإلحاد في زمانه ارتددن عن دينهن، وتزوجن برجال من أمريكا، أو أوربا من اليهود والنصارى) [3].

 

وقد سبق البيان أن الذي جر هذه البلايا على المسلمين هو الإقامة في دول الكفر، وهذه الوقائع من أدلة القائلين بتحريم الإقامة فضلاً عن التجنس كما سبق إيضاح ذلك وأن لكل حالة حكمها، ولكل مشكلة حلها؛ لاختلاف أحوال الناس على حد قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]أما الحل الكلي لهذه المشكلة وأمثالها هو الخروج إلى البلاد تحكم بشريعة الإسلام ولو في الأحوال الشخصية على الأقل، فإن لم يتمكن من ذلك مؤقتاً فليهاجر المرء لحماية دينه وعرضه بالانتقال إلى أماكن أقل شراً، والاجتهاد في اختيار الزوجة الصالحة والحرص البالغ على تحصين الأولاد بتعليمهم شرائع الإسلام وتعظيم الله في قلوبهم، وتكوين العلاقات الطيبة مع الأسر الصالحة والمراكز الإسلامية، والبحث معها في إيجاد الحلول المناسبة لكل حالة، وقبل ذلك وبعده الالتجاء إلى الله ودعائه دعاء المضطرين بتنفيس الكروب، وتفريج الهموم، ورفع البلاء، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].

 

سُئل الشيخ محمد المنجد - حفظه الله - يقول السائل: نواجه نحن المسلمين في الغرب صعوبات في المحافظة على أبنائنا من الضياع والانحراف في المجتمع الغربي المنحل، ونريد بعض الخطوات العملية التي نستطيع بها الحفاظ على أبنائنا من الانحراف والضياع؟.. وجزاكم الله خيراً.

 

الجواب: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، للمحافظة على كيان الأسرة المسلمة في بلاد الكفر ينبغي توفير عدد من الشروط والمتطلبات داخل المنزل وخارجه:

داخل المنزل:

1- لا بد من محافظة الآباء على الصلاة في المسجد مع أولادهم، وإن لم يكن ثم هناك مسجد قريب، فالصلاة جماعة في البيت.

 

2- ولا بد لهم من قراءة القرآن والاستماع للتلاوة يومياً.

 

3- ولا بد لهم من الاجتماع على الطعام بعضهم مع بعض.

 

4- ولا بد لهم من التحدث بلغة القرآن بقدر الإمكان.

 

5- ولا بد لهم من المحافظة على الآداب الأسرية والاجتماعية التي نص عليها رب العالمين في كتابه، ومنها ما ورد في سورة النور.

 

6- وعليهم عدم السماح لأنفسهم أو لأولادهم بمشاهدة الأفلام الخليعة والفاسقة.

 

7- ولا بد للأولاد من المبيت داخل المنزل والعيش فيه أطول وقت ممكن حماية لهم من تأثير البيئة الخارجية السيئة، والتشديد على عدم السماح لهم بالبقاء خارج المنزل للنوم.

 

8- تجنب إرسال الأولاد إلى الجامعات البعيدة لكي يسكنوا في سكن الجامعة وإلا سنفقد أولادنا الذين سيضيعون في المجتمع الكافر.

 

9- لابد من الحرص التام على الطعام الحلال، وأن يجتنب الأبوان تماماً تعاطي أي نوع من المحرمات كالسجائر والماريوانا وغيرها مما ينتشر في بلاد الكفر.

 

أما في (خارج المنزل):

1- لا بد من إرسال الأطفال إلى مدارس إسلامية منذ الطفولة إلى نهاية الثانوية.

 

2- لا بد من إرسالهم أيضاً إلى المسجد بقدر الإمكان وذلك لصلاة الجمعة والجماعات، وحضور الحلقات العلمية والدعوية والوعظية وغيرها.

 

3- لا بد من إيجاد النشاطات التربوية والرياضية بين الأطفال والشباب في أماكن يشرف عليها المسلمون.

 

4- إقامة مخيمات تربوية يذهب إليها أفراد العائلة بكاملها.

 

5- أن يسعى الآباء والأمهات إلى الذهاب إلى الأراضي المقدسة لأداء مناسك العمرة وفريضة الحج مصطحبين معهم أولادهم.

 

6- تدريب الأولاد على حفظ القرآن وإرسال بعضهم – إن أمكن – إلى بلد عربي مسلم لكي يتفقهوا في الدين، ثم يعودوا بعد ذلك ليكونوا دعاة مزودين بالعلم والدين ولغة القرآن الكريم.

 

7- تدريب بعض الأبناء على إلقاء خطب الجمعة، وإمامة المسلمين لكي يصبحوا قادة للجاليات الإسلامية.

 

8- تدريب الأولاد على التحدث عن الإسلام بلغة مبسطة يفهمها الكبير والصغير، والمسلم وغير المسلم.

 

9- تشجيع الأبناء على الزواج مبكراً لكي نحفظ لهم دينهم ودنياهم.

 

10- لا بد من تشجيعهم على الزواج من المسلمات والعائلات المعروفة بدينها وخلقها.

 

11- ترك استعمال رقم (911) ومطالبة الشرطة بالمجيء إلى المنزل لحل الخلاف، فإن حصل خلاف فلابد من الاتصال بأحد المسؤولين في الجالية الإسلامية أو العقلاء المسلمين للمساعدة على حل الخلاف.

 

12- عدم حضور حفلات الرقص والموسيقى والغناء ومهرجانات الفسق، ومشاهدة أعياد الكفر، ومنع الأولاد بالحكمة من الذهاب مع طلاب المدرسة النصارى إلى الكنيسة يوم الأحد. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل[4].

 


[1] فقه النوازل للأقليات المسلمة، د. محمد يسري إبراهيم (ص141-142) بتصرف.

[2] أحكام الأحوال الشخصية للمسلمين في الغرب للدكتور سالم الرافعي (ص497).

[3] التعليق على مسند الإمام أحمد (6 /282) نقلاً عن كتاب الابتعاث. تاريخه وآثاره للدكتور عبدالعزيز البداح (ص30).

[4] موقع الشيخ محمد المنجد (الإسلام. سؤال وجواب).

_____________________________________________________
الكاتب: د. أمين بن عبدالله الشقاوي