ازدواج الشخصية

منذ 2022-10-09

قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ﴾

♦ مرض أحد الطلاب فزرته في منزله مع بعض الزملاء، فجلس معنا والده، وقام يتحدث عن مآثره وإنجازاته، والابن يستمع إليه بصمت مطبق ونظرات متعجبة، وبعد فترة من الزمن، وعند الحديث مع الطالب عن تفوُّقه وتميُّزه، والتحفيز له ليكون مثل والده، رد الابن بكلمة صادمة ونبرة واثقة: "يا أستاذ، لا يهمك؛ أبي تراه كذابًا في كل ما قال لك".

 

♦ تتوجه الأسرة لزيارة بيت العائلة أو منزل الأقارب، ويسعد الأبناء بروعة اللقاء وبهجة الاجتماع، وبعد لحظات الوداع وأيام الفراق تندهش الطفلة الصغيرة (رهف) لما تسمعه من والديها وتشاهده من أبويها اللذين أطلقا لسانهما بالهمز واللمز والنقد والعيب والسخرية، والاستهزاء بالوالدين والأجداد والإخوة والأخوات والأقارب والأرحام، ومع مرارة الألم وشدة التعجب، أخلدت الفتاة إلى النوم لتحلم بالأيام السعيدة واللحظات الجميلة التي استمتعت بها أثناء الزيارة ووقت الرحلة، بعيدًا عن ترَّهات الوالدين، وانتقادات الأبوين.

 

♦ يستمع الطلاب كلَّ يوم لحكمة الصباح: (قم للمعلم وفِّه التبجيلا = كاد المعلم أن يكون رسولا)، وعند دخول الفصل أخذ (خالد) مكانه في الصف وسرح ذهنه في حكمة الصباح، وبدأت الخواطر تتوارد في مخيّلته:

• الأستاذ فلان لم يشرح لنا أيَّ درس مطلقًا؛ مع أنه يدعونا دائمًا إلى العمل والإنجاز وحفظ الأمانة واستشعار المسؤولية!

• المدرس الآخر يوزِّع علينا الألفاظ السوقية والكلمات البذيئة!

• المعلِّم الثالث يظلمنا في الدرجات بلا اختبار ولا تقييم حين ساوى بين الضعيف والممتاز!

• المربِّي الرابع يتحدث عن حسن الخلق وجميل التعامل، ولا نجد منه إلا قبيح الأفعال وسيئ الأعمال!

 

قطع خالد حبل أفكاره وسلسلة خواطره وهو يتأمَّل في معلِّمي مدرسته وأساتذة جامعته أيُّهم يستحقُّ حمل وسام (المعلم المتميز والمربي الفاضل)؟!

 

♦ يجوب الداعية المِصْقَعُ بقاع الأرض للتوعية والتوجيه والدعوة والتبليغ بأبلغ الخطب وأبدع المحاضرات، يصاحبه في رحلته الميمونة وجولاته المباركة عشرات الكاميرات ومئات الفلاشات ثم يعود إلى زوجته وأولاده وأهله وأقاربه، فلا يجدون منه تطبيقًا لكلماته الرنَّانة، وأقواله الطنَّانة في حياته اليومية أو تعاملاته المعيشية.

 

♦ تطالع كلَّ يوم العمود الصحفي للكاتب الخبير والإعلامي النِّحرير، الذي يملؤه بعبارات السب والشتم والقدح والذم لبلد أو طائفة أو مذهب أو شخصية، وبعد لحظات وساعات ونتيجة لظروف وتحولات تتفاجأ بكلمات المدح والثناء، وتغريدات التمجيد والإطراء، في صفاقة عجيبة ووقاحة غريبة؛ استصغارًا للعقول، واستغفالاً للأفهام!

 

♦ يُعرف ازدواج الشخصية في الأدبيات النفسية الحديثة بأنه: "ظهور الفرد بأكثر من شخصية، تتَّصف بالتقلُّب والتلوُّن، وتتَّسم بالتعدد والتناقض، يلجأ إليها الشخص لأسباب مرَضية أو أغراض نفعية".

 

♦ ومضة: قال تعالى: ﴿{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].

________________________________

الكاتب: علي بن حسين بن أحمد فقيهي