الأقصى

منذ 2022-10-13

إن اليهود يظنون باستفزازاتهم لأهل بيت المقدس أنهم يستفزون المقدسيين فقط أو يستفزون أهل فلسطين فقط وما علم هؤلاء الأنذال المجرمون أنهم يستفزون ويجرحون مشاعر جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

لا يخفى عليكم ما يتعرض له أقصانا الشريف من اعتداءات متتالية وانتهاكات متتابعة نراها بأعيننا ونسمعها بأذاننا فواجب علينا أن نتذاكر هذه الأحداث العظام وأن نحمل هم أقصانا العظيم.

لأن الأقصى كان قبلة لنا نحن المسلمين صلى إليه المسلمون ستة عشر شهراً قبل أن يأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بالإتجاه إلى الكعبة المشرفة.

ولأن الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بشد الرحال إليها كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى».

 

ولأن الله جل وعلا وصف بيت المقدس والمسجد الأقصى بالخير والنماء والبركة فقال سبحانه {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} وقال {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ} وقال في معرض الحديث عن أهل سبأ {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً}.

 

إن الأقصى هو ثاني مسجد وضع في الأرض كما في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه وأرضاه قال قلت يا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ في الأرض أَوَّلَ قال «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قال قلت ثُمَّ أَيٌّ قال «الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى» قلت كَمْ كان بَيْنَهُمَا قال «أَرْبَعُونَ سَنَةً» وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الدجال لاَ يأتي أَرْبَعَةَ مَسَاجِدَ فذكر الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ والْمَسْجِدَ الأَقْصَى وَالطُّورَ ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

 

عباد الله:

إن الأقصى رمز عقيدتنا وعنوان عزتنا ومسرى ومعراج رسولنا صلى الله عليه وسلم فهو بوابة الأرض إلى السماء وهو درة الشام وقلب فلسطين ومقر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيه بالأنبياء إماماً فلابد أن نعرف جيداً قداسة بيت المقدس وأنها أرض مقدسة فإذا علمنا قدسيتها استشعرنا عظمتها.

إن اليهود يظنون باستفزازاتهم لأهل بيت المقدس أنهم يستفزون المقدسيين فقط أو يستفزون أهل فلسطين فقط وما علم هؤلاء الأنذال المجرمون أنهم يستفزون ويجرحون مشاعر جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها.

 

إنهم يريدون إقامة دولة إسرائيل وأن تكون القدس عاصمة لهم كما أنهم يسعون سعياً حثيثاً إلى هدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاض الأقصى ولهذا فقد تعرض الأقصى من قبلهم إلى الحرق وإطلاق النار في ساحاته والحفريات المستمرة تحت أساسه والاعتداءات المتكررة على حراسه ورواده والتدخل في شئونه ومحاولة اقتحامه كما فعل كلبهم شارون فجفف الله الدماء في عروقه وجعله معذباً إلى اليوم بين الحياة والموت وكل هذه الإستفزازات إنما هي تمهيدات لهدم الأقصى وإسقاطه ولا عجب في ذلك فإن بن غوريون مؤسس دولتهم يقول لا قيمة لليهود بدون إسرائيل ولا قيمة لإسرائيل بدون القدس ولا قيمة للقدس بدون الهيكل.

إن اليهود اليوم يستغلون المظلة الدولية الداعمة لسياساتهم بعد أن ضمنوا وطبعوا العلاقات مع الدول العربية وخاصة دول الطوق.

إن اليهود يريدون من عبثهم في هذه الأيام في بيت المقدس أن يطردوا السكان الأصليين من أرض القدس وأن يبعدوهم عن ديارهم ليبنوا مكانها المستوطنات والمغتصبات لليهود لتكون القدس يهودية خالصة ولهذا فإنهم يهدمون بيوت المقدسيين ويجرفون منازلهم بأدنى الحجج وأتفه الأسباب.

إنهم يريدون أن يوسعوا من حفرياتهم في جهات المسجد الأقصى المبارك لينهدم بأبسط قصف أو نسف أو زلزال.

فالمسجد الأقصى في خطر محدق إنهيارات أرضية بسبب الحفريات وتشققات في ساحات الأقصى ناتجة عن الأنفاق الصهيونية.

 

إنهم يريدون أن يغيروا المعالم الإسلامية حول المسجد الأقصى ويستبدلوها بمعالم يهودية {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا}.

إن أقصانا الحبيب قد اجتمع عليه أشرار اليهود وأراذل النصارى يتبعهم أنذال المنافقين العرب ليتلاعبوا بقضية المسلمين الأولى _ قضية الأقصى وبيت المقدس _ فتأمروا عليه تآمراً رهيباً عبر سلسلة طويلة من المؤامرات والقرارات والمؤتمرات فأخرجوا القضية عن ثوابتها الشرعية وأصولها الإسلامية وحقوقها التاريخية وأمجادها الحضارية إلى الشعارات الجوفاء والمفاوضات الجرداء والمراوغات والمساومات البلهاء التي تكال بالمكاييل المزدوجة والموازين المنعكسة والمعايير المنتكسة فتاهت القضية وضاعت الحقوق الشرعية.

 

لقد ابتلي الأقصى المبارك بعصابة متعفنة فاقدة للشرعية مبدلة للشريعة تعين أعداء الأمة وتضيّق على أبناء الأمة تهدم الثوابت وتعبث بالقيم تقوم على حرب الإسلام وتحاصر المجاهدين في أكناف بيت المقدس وتمنع إغاثتهم وهي العائق الأكبر والجدار الأخطر الذي يحول بين الأمة وأعدائها اليهود امتلأت قلوبهم بثقافة الهزيمة والخنوع والخوف والخضوع لليهود فأعطوا الأقصى ظهورهم وسلموه لليهود بثمن بخس {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}.

 

إن ما يجري اليوم في القدس وبيت المقدس إنما هو امتحان شديد لنا أمة الإسلام فنحن اليوم نعيش على مفترق طرق يحيط بنا وبقدسنا ومقدساتنا من كل جانب فإذا استطعنا أن نعيد الحق إلى نصابه ونرد المغتصب إلى صوابه فقد فزنا فوزاً عظيماً وإن لم نستطع {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ}.

 

إن الشجب والإستنكار في مثل هذه المواقف لا يجدي شيئا لأن استرجاع الحقوق وتحرير المقدسات لا يأتي عبر هذه الوسائل فما أخذ بالقوة لن يسترد إلا بالجهاد والقوة {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.

 

كما يجب أن نعلم أن الأقصى لن يرده عملاء الإستسلام ومنافقو السلام الذين يلهثون وراء السراب ويتذللون لكلاب بني صهيون ثم يشهرون سلاحهم ويستعرضون قوتهم على المجاهدين والصادقين أسَدٌ عليّ وفي الحروب نَعامةٌ فَتْخاءُ تنفر من صفير الصافرِ.

فهؤلاء وأمثالهم قال الله تعالى فيهم {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ}.

ولن يتحرر الأقصى على الأيادي القذرة التي تعادي أهل السنة وتسبهم وتلعن الصحابة وتشتمهم أهل الأهواء والبدع فاسدو المعتقد وأرباب الخيانة والنياحة والجزع الذين يجيدون الجعجعة الإعلامية ويرفعون الشعارات الوهمية " الموت لأمريكا الموت لإسرائيل ثم {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}.

وإنما سيُحررُ الأقصى بإذن الله على أيدي رجال تسيل دموعهم خوفاً من الله ويبكون شوقاً للقاء الله ينصرهم الله بنصره ويؤيدهم بتأييده يقاتل معهم الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ فيقول الْحَجَرُ أو الشَّجَرُ يا مُسْلِمُ يا عَبْدَ اللَّهِ هذا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ}.

_______________________________________________________

الكاتب: د. مراد باخريصة