تحريم الفواحش

منذ 2023-05-16

الإسلام دين الطهارة والنقاء، والفطرة السوية، وهو يريد من الناس أن يكون مجتمعهم مجتمعا نظيفا طاهرا ليس فيه ما يشينه أو يشين أهله أوينتقصهم...

الإسلام دين الطهارة والنقاء، والفطرة السوية، وهو يريد من الناس أن يكون مجتمعهم مجتمعا نظيفا طاهرا ليس فيه ما يشينه أو يشين أهله أوينتقصهم، ولذلك حرم الله سبحانه الوقوع في الفواحش ما ظهر منها وما بطن، قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ ٱلْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33]. وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90].
ونهى الله تعالى ليس فقط عن الوقوع في هذه الفواحش وممارستها، وإنما نهاهم عن الاقتراب منها أصلا فقال:
{ولا تَقْرَبُوا الفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنها وما بَطَنَ} [الأنعام:152].

والفواحش جمع فاحشة، وهي كل فعل سيئ شديد القبح، بحيث تكرهه النفوس السلمية والفطر المستقيمة.
وقيل هو ما اشتد قبحه وتناهى حتى تعظم كراهيته في النفوس ويقبح ذكره على الألسن.
قال العلماء: تطلق الفواحش ويراد بها الزنا، واللواط والسحاق وما أشبه هذه القاذورات.

والقرآن الكريم يذكر الفاحشة ويريد بها الزنا:
قال تعالى:
{وَٱلَّٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ فَٱسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِّنكُمْ} [النساء:15].
وقال:
{مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب:30].
وقال:
{فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء:25].
والفاحشة في هذه الآيات كلها المقصود بها هو الزنا.
وقد وصف الله الزنا بأنه فاحشة فقال:
{وَلَا تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰٓ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلًا} [الإسراء:32]
وجاءت الفاحشة في القرآن بمعنى اللواط كما في قول لوط لقومه:
{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ} [العنكبوت:28].

أضرار ومفاسد:
وإنما كان الزنا من كبائر الفواحش التي نهى الله عنها؛ لأنه يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، ولزوم الخيانة، ويسلب صاحبه أحسن الأسماء كالعفة، والبر، والعدالة، والمروءة والرجولة، ويعطيه أضدادها كاسم الزاني، والخائن، والفاجر، والفاسق.

والزنا يورث غضب الرب، وظلمة القلب وطمس نوره، ويخلع عن العبد وصف الإيمان كما جاء في الصحيحين عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال:
«لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهو مُؤْمِنٌ» (رواه البخاري).

ثم إن الزنا يفسد المجتمعات، ويهدم البيوت ويدمر الأسر، ويضيع الحقوق، ويدخل على القوم من ليس منهم، ويخلط الأنساب، فلا يكاد الرجل يعرف ابنه ولا يكاد الابن يعرف أباه، ثم هو يذل أعناق الرجال، فلا يعرف في قرية أو قوم أو أسرة إلا وضع رءوسهم في الوحل، ووصمهم بالعار.

ثم هو يخرج للمجتمع مجموعة من اللقطاء، وطبقات بلا هوية، حاقدة على المجتمع، لا تعرف العطف، ولا العلاقات الأسرية، وتجمع خلال الشر كلها من الغدر، والكذب، والخيانة.

عقوبات شديدة:
ولشدة فساد الزنا عظم الإسلام العقوبة عليه أشد التعظيم، وغلظ الحد فيه أشد التغليظ، فالزاني الغير محصن (غير المتزوج)يجلد مائة جلدة بحضور الناس ويغرب عام:
{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2].
وأما الزاني المحصن(المتزوج) فيرجم بالحجارة إلى أن يموت، وقد رجم النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا والغامدية وغيرهما.
ذلك لأن أثره شديد القبح على فاعله وعلى المجتمع بأسره.

تشريعات للوقاية من الزنا:
والله تبارك وتعالى لما أراد طهارة مجتمعات الإسلام وضع القواعد والتشريعات والأوامر التي تحد من هذا حتى تكاد تمنعه.. نعم لن يخلو مجتمع من شيء من ذلك لكنه في مجتمع الإسلام لا يكاد يكون موجودا إذا طبقت أحكامه.
فأمر تبارك وتعالى الرجال والنساء بغض الأبصار
{قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور:30، 31]. وأمر من استطاع من الشباب بالزواج ومن لم يستطع بالصوم، ليخفف عنه وطأة الشهوة أو يصرفه عن التفكير فيها، وليقلل غلواءها في قلبه.

والنساءإذا خرجن خرجن تفلات غير متزينات ولا متبرجات قال تعالى
{وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ ٱلْأُولَى} ، ونهاهن عن الاختلاط المحرم بالرجال، والخلوة بهم فقال سبحانه: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب:53].


وقال صلى الله عليه وسلم: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بامْرَأَةٍ إلَّا وَمعهَا ذُو مَحْرَمٍ» (رواه البخاري ومسلم)، وقال: «ألا لا يخلوَنَّ رَجلٌ بامرأةٍ إلَّا كان ثالثَهُما الشَّيطانُ» (الترمذي وقال حسن صحيح)، ونهى عن الدخول على النساء إذا كن وحدهن (فقالوا أرأيت الحمو قال: «الحمو الموت» والحمو هو قريب الزوج، وكذا النهي عن المصافحة والتلامس كما جاء في البخاري عن عائشة رضي الله عنها (وما مَسَّتْ يَدُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ إلَّا امْرَأَةً يَمْلِكُهَا).


والمقصد أن التشريعات الإسلامية جاءت بكل ما يمنع هذه الخلطة ويحد من هذا الفساد، حماية للمجتمع وحفظا لطهارته ونظافته وعفته وسلامته.

تحريم عمل قوم لوط:
وكما حرم الإسلام الزنا وجعله من الفواحش، كذلك حرم فعل قوم لوط فإنه أشد وأقبح من الزنا، وهي من أحط وأنذل الفواحش وأحقرها، وما سمع العالم بها حتى كان قوم لوط، وزنا الرجال على الرجال، وهذا فعل لا يمكن أن يقع إلا إذا ذهبت الفطرة، واختل العقل، وذهبت المروءة، ورحل الحياء، واختلت الرجولة فلا ينتفع بصاحبها بعد ذلك أبدا.
وهي مع كل هذا شذوذ عن الفطرة، وخروج عن مألوف طبيعة الخلقة، ومصادمة لمواطن الحكمة، وتحد صارخ لمقاصد الوجود.

ولما كانت هذه الفاحشة أعظم الفواحش جعل الله عقوبتها أعظم العقوبات، فما عوقبت أمة بمثل ما عوقب به قوم لوط، أمر الله جبريل أن ينتزع القرية من جذورها، ويقتلعها من أصولها، ثم رفعها إلى السماء حتى سمع الناس صياح ديكهم، ونباح كلابهم، وصراخ صغارهم، وبكاء رجالهم ونسائهم، ثم قلبها عليهم فخسف بهم الأرض، ثم أتبعوا بحجار من سجيل، فخسف بهم ورجمهم بحجارة من النار.. كما قال سبحانه:
{فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ . مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:82، 83].
وقد قال صلى الله عليه وسلم:
«مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم ووافقه الذهبي).


ومن الفواحش التي حرمها الله تعالى، إتيان المرأة المرأة، وهو ما يسمى بالسحاق.. وهو من انتكاس الفطر واختلال العقول والأخلاق.

يخالفون الفطرة السوية:
والحضارة الغربية اليوم  جمعت من المخازي والفضائح ومخالفة الفطرة والدين والأخلاق مايخزى لها عقل متزن، ويندى لها كل جبين طاهر، لا نتكلم عن كونها حضارة جسد منزوعة الروح، فقبلت كل تلك الفواحش وأباحتها، حتى أباحت زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة وقننت جميع ذلك، وحمت أصحابها بقوة القانون، وما زالت تتردى حتى قيل إنهم عاشروا البهائم والكلاب وأنواع الحيوانات ففاقوا قوم لوط، وكل هذا تحت مسمى الحرية وحق الإنسان في فعل ما يريد.


وهم بعد كل هذا يسعون بكل قوتهم لنشر هذا الخبث على كل شعوب العالم، وإن خالف معتقداتهم وأديانهم، وصادم فطرهم وأخلاقهم، وإن لم تقبله مروءتهم وقيمهم.. ولذلك هي حضارة نادت على نفسها بالأفول والذهاب.
والمسلمون لا يمكنهم قبول مثل هذه الفواحش لأنها محرمة في دينهم، ومخالفة لعقيدتهم، ومناهضة لشريعتهم، ومحادة لأخلاقهم، ومعاندة لأوامر ربهم، ومضادة لمروءتهم ورجولتهم.


ثم إنهم يعلمون أن الله تعالى حرمها صيانة لهم ولأعراضهم وأنسابهم، وحماية لهم ولأوطانهم من تسلط الأمراض والعلل ونزول عقوبة الله بهم. قال صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قطُّ حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا» (رواه ابن ماجه).

كما وأن انتشار الفواحش والموبقات مؤذن بعقوبة رب الأرض والسموات، وحلول الدمار وإهلاك المدن والقرى والديار كما قال سبحانه:
{وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء:16].

لقد جاءت الشريعة الإسلامية بمنهجٍ يحارب الفواحش ولكنه لا يحارب دوافع الفطرة ولا يستقذرها، وإنما ينظمها ويطهرها، ويرفعها عن المستوى الحيواني والبهيمي، ويرقِّيها إلى أسمى المشاعر والعواطف، التي تليق بالإنسان كإنسان.

ويهيئ ذلك المنهج المناخ الطاهر النظيف ليتنفس المسلم في جو اجتماعي طاهر نقي يتفق مع الفطرة السوية، بل ويحدد كثيراً من الضمانات الوقائية التي تحمي المجتمع المسلم من الوقوع في مستنقع الرذيلة الآسن العفن؛ ثم يعاقب بعد ذلك من ترك هذه الضمانات طائعاً مختاراً، وراح يتمرغ في وحل الرذيلة والفاحشة ليعيث في الأرض الفساد، وهذا هو قمة الخير للإنسانية كلها، ليعيش الناس كلهم في هدوء وأمان.