القبول في الأرض
فإن من علامات حب الله تعالى للعبد أن يضع له القبول والمحبة بين خلقه من ملائكته وإنسه وجنه، وقد جاءت بذلك أحاديث صحيحة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أحب الله العبد نادى جبريل إنَّ الله يحب فلاناً فأحببه، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» (رواه البخاري ومسلم).
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن من علامات حب الله تعالى للعبد أن يضع له القبول والمحبة بين خلقه من ملائكته وإنسه وجنه، وقد جاءت بذلك أحاديث صحيحة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (رواه البخاري ومسلم).
المراد بالقبول في هذا الحديث كما قال ابن حجر رحمه الله: "قبول القلوب له بالمحبة، والميل إليه، والرضا عنه" (فتح الباري [10/462]).
وقد شوهد ميل قلوب الناس إلى الدعاة المخلصين، والعلماء الربانيين ووجدت لأقوالهم قبولاً وذيوعاً بين الناس؛ قال عبد الحق الأشبيلي رحمه الله: "وقد شوهد رجال من المسلمين علماء صالحون كثر الثناء عليهم، وصرفت القلوب إليهم في حياتهم وبعد مماتهم، ومنهم من كثر المشيعون لجنازته، وكثر الحاملون لها، والمتشغلون بها، وربما كثر الله الخلق بما شاء من الجن المؤمنين أو غيرهم مما يكون في صور الناس" (التذكرة، صـ(418). للقرطبي).
ولكن هذه المحبة من الله لهذا العبد ووضع القبول له في الأرض ليس لشخصه، ولكنها محبة له لإيمانه بالله، واتباعه لرسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم:96]، قال ابن كثير رحمه الله: "يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل لمتابعتها الشريعة المحمدية؛ يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين محبة ومودة".. وقال هرم بن حيان: "ما أقبل عبد بقلبه إلى الله إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم". والقبول في الأرض لأهل الإيمان، والعمل الصالح، يكون من أهل الإيمان والتقوى، وليس من أهل الكفر والعصيان؛ كما قال قتادة في الآية السابقة: "إي والله في قلوب أهل الإيمان" (تفسير القرآن العظيم [3/188]).
وأما أهل الكفر والفسق والعصيان فإنهم يبغضون أهل الإيمان والتقوى؛ لأن الله قد جعل العداوة بين أنصار الخير وأنصار الشر مستمرة؛ كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ} [الفرقان:31]، ولذلك فقد جاءت الأحاديث بالتحذير من معاداة أهل الإيمان؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري). وهذا أمر مشاهد ومعلوم أن أهل الكفر والعصيان يكرهون أهل الإيمان؛ لأن أهل الإيمان يدعون أهل الكفر والفسوق والعصيان إلى مخالفة النفس والهوى والشيطان، وطاعة الملك الديان. وهذا يخالف رغباتهم وأهوائهم وشهواتهم، فلهذا وجد الكره والبغض من المنافقين والكافرين للمؤمنين، وهذا لن يزيد المؤمنين إلا قوة وتمسكاً وثباتاً على الحق.. ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا ضلالاً..
نسأل الله أن يجعل لنا القبول في أرضه بين عباده المؤمنين، وفي سمائه بين الملائكة المقربين.
والله المستعان، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
- التصنيف:
- المصدر: