التهيؤ لرمضان

منذ 2024-03-02

أوشكنا أن نستقبل شهرَ رمضان المبارك، الذي أوْدَعَ اللهُ فيه الخيرات والبركات من مضاعفة الحسنات، وتنزُّل الرحمات، وتكفير السيئات، ومن العِتْق من النيران، وفتح أبواب الجنان، وتصفيد الشياطين ومَرَدة الجانِّ...

معاشر المؤمنين، أوشكنا أن نستقبل شهرَ رمضان المبارك، الذي أوْدَعَ اللهُ فيه الخيرات والبركات من مضاعفة الحسنات، وتنزُّل الرحمات، وتكفير السيئات، وإجابة الدعوات، ومن العِتْق من النيران، وفتح أبواب الجنان، وتصفيد الشياطين ومَرَدة الجانِّ، وأوْدَع اللهُ تعالى فيه ليلةً هي خيرٌ من ألْفِ شهر؛ ليلةَ القَدْر، من حُرِمَ خيرها فقد حُرِم.

 

الحسناتُ في هذا الشهر- عباد الله- تُضاعف، والرحماتُ تتنزَّل والبركات تَتْرَى، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ له، إلَّا الصِّيَامَ؛ فإنَّه لي، وأَنَا أجْزِي به، والصِّيَامُ جُنَّةٌ، وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِن رِيحِ المِسْكِ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أفْطَرَ فَرِحَ، وإذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بصَوْمِهِ»؛ (البخاري).

 

وأما فرحُهُ عند لقاء ربِّه: فلِمَا يجده عند الله من ثوابٍ عظيمٍ وخيرٍ عميمٍ، لايعلم مقداره إلا الله.

 

والعبادة في رمضان- عباد الله- لها فضلها وبركتها، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عُمْرةٌ في رمضان تعدل حَجَّةً معي».

 

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ في الجنة بابًا يُقال له الرَّيَّان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه غيرهم».

 

هنيئًا لكم عباد الله، شهر الرحمةِ والغفران ببشارة النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه»، وقال: «مَنْ قامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه»، وقال: «مَنْ قامَ ليلةَ القَدْرِ إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدَّم من ذنبه».

 

هنيئًا لكم، معاشر المؤمنين، شهر القرآن والإحسان، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم أجودَ الناس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيُدارِسه القرآن، وكان جيريل يلقاه في كل ليلةٍ من رمضان فيُدارِسه القرآن، فلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجودُ بالخير من الريح المرسلة))، من فطَّر فيه صائمًا كان له مِثْلُ أجره من غير أن يُنقص من أجر الصائم شيئًا.

 

هنيئًا لكم عباد الله شهر العتق وإجابةِ الدعوات، وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثةٌ لا تُرَدُّ دعوتُهم: الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم»؛ (صحيح ابن حِبَّان).

 

إذا علمنا هذا عباد الله أدركنا سِرَّ بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأُمَّتِه بقدوم رمضان والتهنئة بقدومه، روى أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُبشِّر أصحابَه يقول: «قد جاءكم شهرُ رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامَه، فيه تُفتَحُ أبوابُ الجنان، وتُغلَق فيه أبوابُ الجحيم، وتغلُّ فيه الشياطين، فيه ليلةٌ خيرٌ من ألْفِ شهرٍ، من حُرم خيرها فقد حُرم».

 

 

معاشر المؤمنين، على المُسْلِم في هذه الأيَّام أن يتهيَّأ لشهر رمضان بالاستبشار والفرح والسرور، وأن يشرع بتجديد تعلُّمِ أحكام الصيام، وتذكُّرِ آدابه وسننه وأعماله، ليُحقِّق الواجبات والمندوبات، ويتجنَّبَ المحظورات والمفسدات؛ ليكون صومُه مقبولًا، وعملُه مبرورًا، وسعيُه في هذا الشهر مشكورًا، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَن لم يَدَعْ قول الزُّور والعملَ به والجهلَ، فليس للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طعامَه وشرابَه»؛ (رواه البخاري).

 

فإذا أدرك المسلمُ ليلةَ رمضان بيَّتَ فيها نيةَ صيامِ رمضان إيمانًا واحتِسابًا قبل الفجر، فتبييتُ النيةِ من الليل شَرْطٌ لقبولِ صوم الفريضة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا صيام لمن لم يبيته من الليل»، ثم يعزمُ على عمارةِ أوقاته بالطاعات والقُرُبات، وبالصلوات والصِّلات، وبالذكر والتلاوات، وترك الملهيات والآفات، فإنَّما الشهرُ عباد الله كما قال المَوْلى عزَّ وجل: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]، ويستعين على ذلك بالعزم والرجاء، والجدِّ وصادق الدعاء، قال تعالى في ختام آيات الصيام: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، هذا وصلُّوا وسلِّمُوا على مَنْ أُمِرْتُم بالصلاةِ والسَّلامِ عليه.

____________________________________________________________
الكاتب: يحيى سليمان العقيلي