تنبيهات لبعض مسائل الطهارة والوضوء

منذ 2024-09-23

أخطاء المتوضِّئين، وأهمية الوضوء والطهارة في شريعة الإسلام، فهذه وقفات وتنبيهات لبعض ما يتعلق بهذه الشعيرة العظيمة:

في الجمعة الماضية كان الحديث عن مكانة الوضوء وفضيلته في دين الإسلام، وبينَّا شيئًا من أخطاء المتوضِّئين، وأهمية الوضوء والطهارة في شريعة الإسلام، فهذه وقفات وتنبيهات لبعض ما يتعلق بهذه الشعيرة العظيمة:

أولًا: يُكرَه دخول الخلاء بأي شيء فيه ذِكْرُ الله تعالى؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه؛ لأنه منقوش فيه: محمد رسول الله))؛ (رواه أبو داود)، كما يحرُم الدخول بالمصحف للخلاء؛ لِما فيه من امتهان كلام الله عز وجل.

 

ثانيًا: الأصل عند قضاء الحاجة حال الجلوس، ومن احتاج أن يبول قائمًا، فذلك جائز، إذا استكمل شرطين:

الأول: أن يأمَنَ من أن تتلوث ملابسه بالنجاسة.

الثاني: أن يأمن من وجود الناظرين إليه.

 

فإذا استكمل هذين الشرطين، وهو محتاج لذلك، فلا حرج؛ فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سُباطةَ قوم - أي مزبلة، أجلَّكم الله وملائكته وبيته - فبال قائمًا))؛ (رواه البخاري).

 

ثالثًا: يُكرَه الكلام والحديث عند قضاء الحاجة؛ فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((مرَّ رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه السلام))؛ (رواه مسلم).

 

رابعًا: يُكرَه لقاضي الحاجة أن يمَسَّ فَرْجَه حال الاستنجاء أو الاستجمار باليمين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يُمسكَنَّ أحدكم ذَكَرَه بيمينه وهو يبول، ولا يتمسح من الخلاء بيمينه»؛ (رواه البخاري).

 

خامسًا: يحرُم استقبال القبلة واستدبارها في غير البنيان؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تستقبلوا القبلة ببول ولا غائط، ولا تستدبروها، ولكن شرِّقوا أو غرِّبوا»؛ (رواه البخاري)، وفي البنيان الأولى تجنُّب ذلك احتياطًا وإبراءً للذمة لتحريم بعض العلماء له، ومن احتاج لذلك في البنيان، واضطر، فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى؛ لإباحة بعض العلماء ذلك.

 

سادسًا: يُسَنُّ السواك عند الوضوء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشُقَّ على أُمَّتي لَأمرتُهم بالسواك مع كل وضوء»؛ (رواه البخاري).

 

سابعًا: التسمية أول الوضوء سُنَّة وليست بواجبة، وهذا اختيار الإمام ابن قدامة رحمه الله، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: "لا يثبت في هذا الباب شيء".

 

ثامنًا: يُسَنُّ المبالغة في المضمضة والاستنشاق في الوضوء لغير الصائم، وذلك بتحريك الماء بقوة في الفم، وكذا الاستنشاق بجذب الماء بنَفَسٍ قويٍّ ثم إخراجه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أسبِغِ الوضوء، وخلِّل بين الأصابع، وبالِغ في الاستنشاق، إلا أن تكون صائمًا»؛ (رواه أبو داود والترمذي).

 

تاسعًا: يُسَنُّ تخليل ما بين أصابع الرجيلين واليدين بالماء، بمعنى: إدخال الماء بين الفتحات بينهم، للحديث السابق.

 

عاشرًا: يُسَنُّ تخليل اللحية الكثيفة بالماء عند الوضوء، وإن كانت اللحية خفيفة وهي التي لا تستر البَشَرة، فيجب غسلها وما تحتها، واللحية الكثيفة هي التي تستر البشرة، فلا يجب إلا غسل ظاهرها، والتخليل وضع الماء على الأصابع، ثم تحريك اللحية بها كالْمُشط؛ لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: ((إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلِّل لحيته))؛ (رواه الترمذي).

 

الحادي عشر: لا يُسَنُّ عند مسح الرأس أن يأخذ ماء جديدًا للأذنين، بل يمسح الأذنين مع الرأس بنفس أثر الماء، دون أخذ ماء جديد لمسحها.

 

الثاني عشر: تجديد الوضوء لمن لم يُحدِث سُنَّة، إذا صلى بالوضوء السابق صلاة، ثم أراد أن يُجدِّد الوضوء للصلاة الأخرى.

 

الثالث عشر: يجوز تنشيف الأعضاء بعد الوضوء وتجفيفها؛ لعدم وجود دليل على المنع.

 

الرابع عشر: يجوز المسح على الجبيرة دون تحديد وقت للمسح، ولو كان الرأس مُلبَّدًا بحِنَّاء أو أي خلطة للاستشفاء، فيجوز المسح عليها.

 

الرابع عشر: لا يجب إزالة الأسنان المركَّبة عند المضمضة للوضوء؛ لمشقة نزعها عند بعض الناس، وكذا لا يجب نزع الخاتم عند الوضوء، بل الأولى تحريكه ليمر من الماء من تحته.

 

الخامس عشر: غُسل يوم الجمعة سُنَّة مؤكدة، وقد قال بعض العلماء بوجوبه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «غُسلُ يوم الجمعة واجب على كل مُحْتَلِم»؛ (رواه مسلم)، ولِما في الغسل في هذا اليوم من فضل وأجر عظيم؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة فأحسن الغُسل، أو تطهَّر فأحسن الطُّهور، فلبِس من خير ثيابه، ومسَّ ما كتب الله له طِيبًا أو دُهْن أهله، ولم يفرِّق بين اثنين، إلا غُفر له إلى يوم الجمعة الأخرى»؛ (رواه الإمام أحمد، وابن ماجه)، وقوله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة وغسَّل، وبكَّر وابتكر، ودنا واستمع وأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها أجرُ سَنَةٍ؛ صيامها وقيامها»؛ (رواه الترمذي بسند صحيح)، فهنيئًا لمن اغتنم هذه الأجور العظيمة، والعطايا الكبيرة من الكريم سبحانه في هذا اليوم المبارك.

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد أيها المسلمون:

فنختم الحديث عن مسائل الطهارة والوضوء بذكر أبرز نواقض الوضوء، فيُنتقض الوضوء بكل خارج من السبيلين من بول أو غائط، وعليه فما خرج من الإنسان من غير السبيلين؛ كالقيء والدم، فقد وقع فيه اختلاف بين العلماء، هل كثيره مفسد للوضوء أم لا؟ فقد ذهب الإمام الشافعي رحمه الله والفقهاء السبعة إلى أن الخارج من غير السبيلين لا ينقُض الوضوء قلَّ أو كثُر، ومن ذلك القيء والدم؛ وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

 

ويُنتقض الوضوء بزوال العقل بالكلية، أو بسبب إغماء أو سُكْرٍ، أو نوم يفقد معه الإحساس؛ فالنوم العميق هو الذي ينقض الوضوء؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "الصحيح أن المدار في نقض النوم للوضوء على الإحساس، فما دام الإنسان يُحِسُّ بنفسه لو أحدث، فإن نومه لا ينقض الوضوء، وإذا فقد الإحساس انتقض وضوءه".

 

وينتقض الوضوء بمس المرأة بشهوة، وكذا بمسِّ الذَّكَر بلا حائل عند بعض العلماء؛ لوقوع الخلاف بينهم في انتقاض الوضوء بمس الذكر، وقد استحب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الوضوء من ذلك احتياطًا وخروجًا من الخلاف، والاحتلام بجماع أو بغير جماع ينقض الوضوء، ويجب معه الغسل، وخروج المذي ناقض للوضوء، ويجب الوضوء من أكل لحوم الإبل، فهذه أبرز نواقض الوضوء، وتُوجِب الوضوء للصلاة وكل ما يجب له رفع الحدث الأصغر، أما الحدث الأكبر، فأبرز موجبات الغسل منه: الاحتلام بجماع أو بغير جماع، كما يجب الغسل من كل جماع ولو لم يكن معه إنزال، وكذا انتهاء فترة خروج دم الحيض والنفاس.

 

وصِفَةُ الغُسل لرفع الحدث الأكبر على وجهين:

الوجه الأول: صفة واجبة؛ وهي أن يعُمَّ البدن كله بالماء، ومن ذلك المضمضة والاستنشاق، فإذا عمم البدن على أي وجه كان، فقد ارتفع عنه الحدث الأكبر وتمت طهارته؛ لقول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6].

 

الوجه الثاني: صفة كاملة؛ وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد أن يغتسل من الجنابة فإنه يغسل كفَّيه، ثم يغسل فَرْجَه وما تلوَّث من الجنابة، ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا، ثم يغسل رأسه بالماء ثلاثًا، ثم يغسل بقية بدنه؛ هذه صفة الغسل الكامل.

 

ثانيًا: لا فرق بين غسل الجنابة وغسل الحيض، إلا أنه يُستحَبُّ دَلْكُ الشَّعر في غسل الحيض أشد من دلكه في غسل الجنابة، ويُستحَبُّ فيه أيضًا أن تتطيب المرأة في موضع الدم؛ إزالة للرائحة الكريهة؛ روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها أن أسماء رضي الله عنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن غسل المحيض فقال: «تأخذ إحداكن ماءها وسِدْرَتَها، فتطهَّر فتُحسن الطُّهور، ثم تصبُّ على رأسها، فتدلُكه دلكًا شديدًا حتى تبلُغ شؤون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فِرْصةً مُمَسَّكةً فتطهر بها»، فقالت أسماء: وكيف تطهَّر بها؟ فقال: «سبحان الله! تطهَّرين بها»، فقالت عائشة كأنها تخفي ذلك: تتبعين أثر الدم، وسألته عن غسل الجنابة، فقال: تأخذ ماءً فتطهر فتُحسن الطُّهور أو تبلغ الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلُكه حتى تبلغ شؤون رأسها، ثم تُفيض عليها الماء، فقالت عائشة: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقَّهن في الدين)).

 

ففرَّق صلى الله عليه وسلم بين غسل الحيض، وغسل الجنابة، في دلك الشعر، واستعمال الطِّيب، وقوله: (شؤون رأسها) المراد به: أصول الشعر، وقوله: (فرصةً ممسكةً)؛ أي: قطعة قطن أو قماش مطيَّبة بالمسك.

 

وقول عائشة: (كأنها تخفي ذلك): أي: قالت ذلك بصوت خفيٍّ يسمعه المخاطَبُ، ولا يسمعه الحاضرون.

 

أيها الفضلاء: هذه إشارات لأبرز مسائل الطهارة والوضوء والغسل، مستفادة من كتاب: الشرح الممتع على زاد المستقنع، والواجب على المسلم أن يتفقَّهَ في دينه بتعلم هذه المسائل، وغيرها مما يتعلق بعباداته، وما يجب عليه نحوها، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن أشكل عليه شيء، فيسأل أهل العلم حتى يعبد على بصيرة.

 

اللهم ارزقنا الفقه في دينك، واجعلنا من التوابين، واجعلنا من المتطهرين.

 

عباد الله: صلوا وسلِّموا على من أمرنا المولى الكريم بالصلاة والسلام عليه؛ فقال عز من قائل عليمًا: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين والأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحب والآل، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم التناد، وعنا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.