هَمَسات .. في كلمات ... (33)

منذ يوم

(هَمَسات .. في كلمات) في إطلالتها الـ (33) بفضل الله ومنته وتوفيقه:


من عادتي زيارة مكتبات بيع الكتب وهي شحيحة في المحيط الذي أعيش فيه، ومع ذلك لم أقطع صلتي بها، وزيارة المكتبات يبعث في النفس أشجان وأحزان، ويرفع الطموح ويحفز للقراءة بل والكتابة، ويتحول القارئ الداخل للمكتبات إلى طفل يريد شراء كل شيء، أو على الأقل شراء كل ما يعجبه، وما أكثر ما يعجب القارئ من الكتب في الرفوف، ولولا ما فتح الله به على الناس من الكتب الإلكترونية والشبكة العنكبوتية لكان الكتاب معاندا لكل ذي دخل محدود، وكما يقال العين بصيرة واليد قصيرة، أما ما يحزُّ في النفس ويبعث على الحزن هو وجود كتب تروج للباطل وتنشر الضلال، وتخلط الحق بالباطل وتدس السم في العسل، وهذه من المنكر الذي يجب إزالته، ولكن قد لا يكون لأهل الإصلاح اليد العليا لمنع أو لإزالة مثل هذه المنكرات والله المستعان، والواجب على أولي الأمر في بلاد المسلمين  أن يحموا عقول أبناءهم كما يحاولون أن يحموا أجسادهم، فإن فساد المعتقد أشد من فساد الجسد، فإذا فسد المعتقد ضاع المستقبل صار صاحبه من ( {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ } ) كما أن على أهل الصلاح مزاحمة أهل الباطل ونشر الحق وتبيين زيف الباطل والرد على أهله بقدر المستطاع.

********

 في الدول العربية والإسلامية يتهافت الناس على المنح الدراسية الخارجية في دول الغرب خصوصاً، والذي يحصل على واحدة منها يغبطه القريب والبعيد، ويكاد والديه يطيران من شدة الفرح، مع العلم أن الوالدين لو عَلِمَا بأن بلد الدراسة فيه وباء يصيب واحد من كل ألف لمنعا ولدهما من الذهاب خوفاً على جسده، أما عقيدته وأخلاقه فلا يقيمون لها وزن، ويزجُّون به في بحر من الشبهات والشهوات في غربة وشباب متقّد وقليل الخبرة وفي بلاد متقدمة صناعياً منحطة أخلاقيا، والسبب ( {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} )، فانعكست المفاهيم وأصبحت الأخلاق خلف الورقة هذا إن وجدتْ لها مكان، وفي الحقيقة إن كان ولا بد من إرسال أبناءنا لتلك المستنقعات فيكون ذلك للضرورة وفي أضيق الحدود كما يجب علينا تحصينهم بالعلم والإيمان الذي يدفعون به الشبهات، والزواج لكي لا يغرقوا في بحار الشهوات، ونجعلهم دعاة إلى الله في تلك البقاع التي تموج بظلمات الكفر والشرك والانحطاط الأخلاقي، فأفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، ليدفعوا الباطل وأهله بدعوتهم إلى الحق وإخراجهم من الظلمات إلى النور، كما أنهم سيصادفون قلوبًا ضمئى تبحث عن غيث الإيمان وهم موجودون في كل بلاد والحمد لله.

********

مجلة الرسالة وما أدراك ما مجلة الرسالة، يعرفها الأدباء ومن يعتني بالكلمة الرائعة والأساليب الجميلة، هذه المجلة استمر صدورها لسنوات ومن قُبِلَ له فيها مقال فكأنما أعطي وساما في الأدب، وشهادة ترفعه إلى مقام الكبار في الكتابة الأدبية، سمعتُ عنها كثيرا وقرأت بعضا من مقالاتها، وقد توقفت عن الصدور قبل اكثر من نصف قرن أي أن الأقلام التي كتبت فيها قد جفت، والأنامل التي خطت فيها  قد أصبحت عظاما نخرة، والمقالات المكتوبة فيها على قدر عال من الأسلوب الجميل والأدب الرفيع لكنها في معظمها ليست في الدعوة إلى الله تعالى ونصرة الحق، ومحاربة الباطل، بل بعضها في نصرة الباطل ونشر الرذيلة، ماذا لو أن هؤلاء أدباء سخروا ما حباهم الله به من حسن البيان وجودة التعبير في مواد تكون صدقة جارية لهم وعلم ينتفع به وجهاد في سبيل الله، كم هي حسرة من لم يقدم لنفسه من الأعمال ليوم تشخص فيه الأبصار، ونحن في زمن المهلة فعلينا بتسخير كل ما حبانا الله من مواهب للدعوة إلى الله حتى نسعد بها في حياتنا وبعد مماتنا.

********

نحن نعيش في زمن ليس للمسلمين فيه الريادة في التقدم المادي والتفوق الاقتصادي والقوة العسكرية وحتى الثقافية، وأصبح دم المسلم من أرخص الدماء، وأرضه وثرواته حمى مستباح لأيدٍ ظالمة، وأعراض المسلمين يتلاعب بها الفجرة والفسقة، وما ذاك إلا لبعد المسلمين عن تحكيم شريعة ربهم وهي السبب الرئيسي لعزهم والتي من أهم لوازمها الخضوع الكامل والتام لله العليّ الكبير، فعندما أعرضنا عن شرع ربنا سلط الله أرذل الناس وأوباشهم على ديارنا ودماءنا فقتلوا ونهبوا وانتهكوا الأعراض إلى أن وصل بهم الأمر أن يأمرون بسن قوانين تخالف شريعة الله ويفرضون تعطيل أحكام اتفق المسلمون على مشروعيتها، ولكن البعض تفكيره معكوس وفهمه مقلوب؛ لأنه يجعل سبب تأخر المسلمين هو الإسلام، وما ذلك إلا لأن مقياس الحق والباطل عنه ساقط، فأينما وجد القوة المادية وزخرف الحضارة والتفوق المادي والتقدم في العلم التجريبي ظن أن من يملكون ذلك هم على الحق، بالمقابل متى ما رأى الفقر والتعاسة والتخلف المادي والتدهور الاقتصادي نسب أهله إلى الباطل، وعلى فكرة فإن هذا المنطق ليس جديدًا، بل كان منطق مشركي قريش حيث قال الله عنهم( {وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } ) فرد الله عليهم بقوله ( {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} ) فالحق يعرف بالبرهان لا بالزخرف والبهرجة، والحق يعلو بحججه لا بارتفاع أرصدة أهله وترسانة أسلحتهم وامتلاكهم الآلة الإعلامية المضللة.

.********

الناس تشمئز وتنفر من الشخص المتكبر، والتكبر قد يكون باحتقار عباد الله وازدرائهم، والشق الثاني من الكِبْر هو ردّ الحق، ورد الحق أوضح ما يكون في الأنظمة الوضعية الوضيعة، ففي الديمقراطية مثلا يزعمون أن الحكم للشعب، وهذا رد صريح للحق وتكبر على رب الشعب القائل سبحانه ( {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} ) العجيب أن كهنة العلمانية والديمقراطية وأذنابهم خدعوا عوام الناس، فبدلًا من الاشمئزاز والنفور من التكبر على الحق الذي جاء من عند الله، أصبحوا ينادون، ويناصرون هذه القذارات الوضعية التي تفسد دنيا الناس وآخرتهم.

 وصلى الله على المصطفى وعلى آله وصحابته الطيبين الطاهرين والتابعين لهم بإحسان.