ماذا يعنى أننى مسلم ؟
الانتماء للإسلام ليس وراثة ولا مظاهر خداعة، إنما هو منهج حياةٍ نابع عن ثقةٍ في هذا الدين، إنه الرسالة الخاتمة، وهو يصلح لكل زمان ومكان.
الانتماء للإسلام ليس وراثة ولا مظاهر خداعة، إنما هو منهج حياةٍ نابع عن ثقةٍ في هذا الدين، إنه الرسالة الخاتمة، وهو يصلح لكل زمان ومكان.
على المسلم ألّا يضل طريقه في الحياة، وألّا يعرض عن طاعة الله والعيش بالإسلام منهج حياةٍ، وألّا يكتفي باسمه وهويته في بطاقته الشخصية.
وحتى يصلح أمر المسلم، فإن عليه أن تنطبق عليه هذه الآية:
{"هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ "} .
فهناك صفات يجب توفرها في المسلم حتى يكون انتماؤه للإسلام صحيحًا، وهي:-
أن أكون صادقًا في إيماني بالله، وهذا الإيمان يستوجب ألّا أعبد سوى الله؛ فهو الأحق بالعبادة والتوجه إليه بشتى القربات، من صلاة وصيام وحج ودعاء، وأن أؤمن أنه الخالق الرزاق المدبر لشؤون عباده بقدرته وحكمته، وأنه إله هذا الكون، الإله الواحد الأحد، الذي لم يخلق هذ الكون عبثًا، إنما خلقه لغايةٍ.
وأن أؤمن أن الرسل من عند الله، وأنهم جاؤوا لتعريف الناس بدين الله، وما يريده من عباده، وغاية خلقهم، إذ يقول الله سبحانه: " {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ} وأن خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأن أكون مؤمنًا أن الغاية من وجودي هي معرفة الله عزّ وجلّ، تلك المعرفة التي تستوجب طاعته وعبادته، فعليَّ أن أحكّم شرع الله في حياتي، فكل موقف أمرّ به، أرجع إلى كتاب الله؛ لأرى الحكم الشرعي في ذلك.
ولكي تكون عقيدتي صحيحة أيضًا، يجب أن أؤمن بيوم الجزاء، وأن مَن أطاع الله، دخل الجنة، ومَن عصاه، فإن جزاءه النار، إذ يقول الله سبحانه: " {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} "
وأن أؤمن بالقدر خيره وشره، وأن ما أصابني لم يكن ليخطئني، وإن ما أخطأني لم يكن ليصيبني، فيهدأ القلب ويرضى بما قسم الله له.
أن أتفكّر في أسماء الله وصفاته، فأؤمن أنه الخالق القادر على كل شيء، وأن مشيئته نافذة، وحكمته بالغة، وهو الرحمن الرحيم بعباده، يغفر لـمَن يشاء، ويعذب مَن يشاء، وهو محيط بكل شيء، وهذا يجعلني أستشعر الذنب، فأسرع بالتوبة والإنابة إليه، كما أستشعر فضله عليَّ، فأشكر الله على نعمه التي لا تحصى، إذ يقول الله سبجانه: " {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} "، وهذا يستوجب دوام مراقبة الله في سري وعلانيتي، إذ يقول الله عزّ وجلّ: " {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} " وأن أكون من المحسنين، وأن أخشاه، وألّا أخشى أحدًا سواه.
وأن أتوكل عليه في أمور حياتي كلها، وأتيقّن أن لو اجتمعت الأمة على أن تضرني بشيء، فلن تضرني إلّا بشيء قد كتبه الله عليَّ، وإن اجتمعت لتنفعني بشيء، فلن تنفعني بشيء إلّا الذي كتبه الله لي، كما بيّن لنا رسول الله في الحديث.
إن عبادتي هي الصلة بيني وبين ربي، وهي أول درجة في سلم إصلاح الذات والارتقاء في علاقتي بخالقي الذى يتعامل معي بإحسان، والذي أحسن خلقي.
فعليَّ أن أحسن في عبادتي وصلتي به؛ فالعبادة هي غذاء الروح، كما أن الطعام غذاء الأبدان، وأن يكون قلبي حاضرًا ومتدبرًا لآيات القرآن، ومستحضرًا أنني أقف بين يدي رب العزة سبحانه، فكم من قائمٍ ليس له من صلاته إلّا النصب والتعب.
وعليَّ أن أتقرّب إلى الله أيضًا بالنوافل؛ استجابةً لــقول رسولنا الكريم فى الحديث القدسى عن رب العزة "ولا يزال يتقرّب إليَّ عبدي بالنوافل، حتى أحبه، فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها.."، وهذه النوافل مثل: قيام الليل، فأحرص على أن تكون لي ركعتان في جوف الليل؛ لتعينني على عناء النهار ومشقة الحياة، وقد أُمِرَ الله عزوجل النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته بقيام الليل قبل أن تُفرض الصلاة، لقول الله سبحانه: {" یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمُزَّمِّلُ ١ قُمِ ٱلَّیۡلَ إِلَّا قَلِیلࣰا } { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} ..". (السجدة).
أن تكون لي جلسة يوميًّا مع القرآن تلاوةً وتدبرًا، "" { أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} "، وأن أستحضر الأجر في كل كلمة أتلوها وأتدبر معانيها.
وأحرص على صيام يومٍ في سبيل الله؛ لأتقي به حرّ النار يوم القيامة، كما قال رسول الله صلى الله ليه وسلم "مَن صام يومًا في سبيل الله، باعد الله بينه وبين النار سبعين خريفًا".
وأن أحافظ على أذكار اليوم والليلة؛ فهي الحصن الحصين من الشيطان.
وأن أحتسب وأنوي في حياتي كلها أن كل ما أقوم به هو عبادة لله، من: نوم، وأكل، وشرب، وعادات يومية، وبالتالي أحوّلها إلى عبادةٍ.
إن العبادات ليست فروضًا تقرّبنا من المولى عزّ وجلّ فقط، إنما الهدف منها أنها تغيّر من سلوكنا وأخلاقنا للأفضل، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن "مَن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له" هذا بالنسبة للصلاة، أمّا بالنسبة للحج، فقال صلى الله عليه وسلم: " «مَن حج، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» "، أي بلا ذنوب. وبالنسبة للصوم، فيقول: " «إذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث ولا يفسق، وإن سابه أحد أو شتمه، فليقل إني صائم» ". وحسن الخلق أثقل ما في الميزان يوم القيامة، ويقربنا من رسولنا الكريم: "أقربكم منّي مجلسًا، أحاسنكم أخلاقًا".
ومن أهم الأخلاق التي يتحلّى بها المسلم:-
عفة اليد عن المال الحرام، فعن عن أبي عبد الله النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: " «إنَّ الحلال بيِّنٌ، وإنَّ الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مُشتبهات، لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس، فمَن اتَّقى الشُّبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في الشُّبهات، وقع في الحرام» " [رواه البخاري ومسلم]
وغض البصر، وليعلم أن النظرة سهم من سهام إبليس، وإن وقعت عينه على شىيء، صرف نظره مباشرةً؛ فالنظرة الأولى له، والثانية عليه، وليستعفف ويتحصن بالصوم، حتى يغنيه الله من فضله.
وصون اللسان عن القبيح من الكلام والبذاءة في الألفاظ، وعن اللغو، وفضول الكلام، والغيبة، والنميمة، والكذب، " «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» " (رواه الترمذي).
وقد قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: قلت يا رسول الله: أنؤاخذ بما نقول؟ قال: "ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم إلا من حصائد ألسنتهم".
وقد كان من دعائه صلى الله عليه وآله وسلم: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى" (رواه مسلم).
ومن الأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها المسلم: الصبر والحلم في التعامل مع الناس، إذ يقول الله: " {وَلَـمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} "، " {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} " (الحجر ٨٥)، وقال صلى الله عليه وسلم: " «إن العبد ليدرك بالحلم درجة الصائم القائم» " (رواه أحمد، وصحّحه الألباني". إن كل عملٍ يعمله المسلم لله ربما لا يسلم فيه من سخرية الناس أو الاستهزاء به أو الإيذاء في الله، وليعلم أن ذلك سنةٌ تحدث لكل مَن اختار الإسلام منهجَ حياةٍ له، فالدين ليس مجرد خانة في بطاقة الهوية الشخصية، فالمسلم عليه أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، ويعرف أنهم مختلفون في طباعهم وأمزجهتم، ويصبر على طباعهم، وأن يُعرض عن الجاهلين، فالمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد بلغ من حلمه أنه عندما خرج إلى القبائل المجاورة؛ طلبًا للنصرة، قابلوه بالإيذاء، فما كان إلّا أن بعث الله ملك الجبال برسالة يقول فيها: " «إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين» «» "، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلًا: "أرجو أن يخرج الله من أصلابهم مَن يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا" (رواه البخاري)، إنه حلم الذي يعلم أن الدنيا قصيرة، وأن الآخرة خير وأبقى، فتجلّى الحلم عند الداعية المشفق على قومه من النار، ولعل الله يُخرج منهم جيلًا جديدًا يحمل الرسالة.
ومن حسن الخلق أيضًا: الصدق، تلك هي الصفة التى عرف بها النبي صلى الله عليه وسلم بين أهله، فهو الصادق الأمين، والتي ذكرها الله عزّ وجلّ عن نبي الله إسماعيل أنه كان صادق الوعد وكان رسولًا نبيًّا، فلا يدخل الإنسان فى دائرة الإيمان إلّا أن يكون صادقًا، قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «"أيكونُ المؤمنُ جبانًا؟ قال: نعم، فقيل له: أيكون المؤمنُ بخيلًا؟ فقال: نعم، فقيل له: أيكونُ المؤمنُ كذابًا؟ فقال: لا» " (قال الألباني: إسناده صحيح).
ومن الأخلاق التي يجب أن يتحلّى بها المسلم: التواضع وخفض الجناح للمسلمين، والمساواة بين الغني والفقير، فمَن تواضع لله، رفع منزلته بين الناس. خرج عمر الخطاب أمير المؤمنين من المدينة المنورة ليتسلّم مفاتيح بيت المقدس مع غلام له، وكانا يتبادلان ركوب بعيرٍ واحد، وكان بإمكانه أن يخرج وخلفه الجيوش المجيشة، لكنه أراد أن يترك رسالة إلى القادة المسلمين، وهي أن العزة لله وحده، فمَن ابتغى العزة فى غير دين الله، أذلّه الله، فإن الكبر داء الطغاة والظالمين.
وفي النهاية..
يجب أن يكون المسلم قدوة حسنة بين الناس، وأن أخلاقه ترجمة للإسلام، فى كل شئون الحياة
وبما أنني ارتضيت الإسلام دينًا، فهذا يجعل منّي صاحبَ رسالةٍ في كل مكان أكون فيه، وأن أصلح في مَن حولي من أقرباء وصلات أرحام، وأن أنصح لهم؛ فمَن لم يهتم بأمر المسلمين، فليس منهم، فأبادر وأبدأ بدائرة أهلي وأولادي، وهذا ما أمر الله به نبيه الكريم، حين قال سبحانه: " { فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (213) وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } "،
وإذا نويت الزواج، فليكن بنية لله أن أعف نفسي، وأغض بصري، وأنشئ بيتًا مسلمً، وأنجب ذرية صالحة تحمل الرسالة وأمانة هذا الدين من بعدي، لذلك فيجب أن أحسن اختيار الزوجة أو الزوج من البداية، وأن أعمل بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ".. فاظفر بذات الدين، تربت يداك"، فلا ينبهر الشاب بجمال الفتاة دون دينها، فهل الجمال سيربي له أولاده؟! فعليه أن يختار ذات الدين التي تتقي الله فيه وفي أولاده، حتى وإن كانت أقل مالًا وجمالًا، وليحذر كل طرف من مخالفة أمر الله فى ذلك؛ حتى لا تكون فتنة، ويشقى كل طرف بشريك حياته، ويتحول الزواج من نعمة إلى نقمة، حيث لا ينفع المال أو الجمال.إذ يقول تعالى : " { إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ" (73)} عندما يتزوج أحدى الطرفين بغير الكفء له
فإن الاختيار هو النواة الأولى للزواج، وإن الزوج عليه أن يتقي الله في زوجته، وأن يعاشرها بالمعروف، وليكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قدوته، حين قال :" «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله» " انظر لمفهوم الإسلام عن الخيرية ليست بكثرة صيام أو حفظ قرآن ولكن بحسن معاشرة الزوجة واكرامها
عندما يكون للزوجين نفس الغاية التى يعيشون من أجلها وهو ارضاء الله والعمل لدينه هذا بدوره سيؤثر فى تربية الأولاد فالخلافات بين الزوجين والتناقض بينهم سيورث الأولاد كثير من العقد النفسية والانحرافات وليدرك الأزواج والزوجات مسؤوليتهم مع أبنائهم، فهم مسؤولون عنهم يوم القيامة، فكلكم راعٍ وكل مسؤول عن رعيته، فالمرأة راعية في بيت زوجها، فالأولاد ليسوا للتباهي والتفاخر بكثرتهم، ولكن بحسن تربيتهم على أخلاق الإسلام، إذ يقزل رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم "ما نحل والد ولده من نحل أفضل من أدب حسن"، فالأولاد هم صدقته الجارية بعد موته، فليترك أثرًا طيبًا له يحمل أمانة الإسلام والعمل له من بعده، فعن ابى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا مات الرجل، انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وولد صالح يدعو له..". وأيضًا على الآباء ألّا يقتصر اهتمامهم على درجات الأبناء في الامتحانات، فعليهم أن يحرصوا أكثر على محافظة أبنائهم على الصلاة وورد القرآن والأخلاق الكريمة.
ومعنى أننى مسلم، ليس فقط أن أكون صالحًا في نفسي، إنما أن أتعلم أن أعيش للإسلام، وأن أكون مصلحًا في مجتمعي، وأن أسخّر كل طاقتي لخدمة ديني.
فهناك مَن يعيش للدنيا فقط، وهم الذين وصفهم الله في كتابه، إذ يقول المولى عزّ وجل: " {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ }" (محمد 12)، فهُم يفعلون كل ما يحلو لهم في الحياة، يعبدون أهواءهم ومصالحهم، يكفرون بوجود الحياة الآخرة، هؤلاء الذين وصفهم الله في قوله: " {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ}
وهناك قوم يعيشون في الحياة وظيفتهم إيقاظ الفتن ونشر الفساد بين الناس، إذ يقول الله: " {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ} ".
وهؤلاء كلهم أبعد ما يكون عن المقصد الأعلى والأسمى لهذه الحياة، وهي هداية البشر وإرشادهم إلى الحق، فالمسلم الحق هو مَن يدرك حقيقة هذه الحياة الدنيا، وكما قال الله عزّ وجلّ: :" ﴿ {وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} {} ﴾
فالدنيا بالنسبة لهم مزرعة للآخرة، فلا يلهيهم متاع الحياة الدنيا عن ما خُلقوا له، حيث عمارة الأرض بالخير والصلاح، إذ يقول الله سبحانه: " {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ"}
وإن هذه الدنيا بكل ما فيها لا تساوي عند الله شيئًا، ولو كانت تساوى شيئًا، ما سقى كافرًا منها جرعة ماء، وإن ما عند الله خير وأبقى، من دنيا إلى فناء إذ يقول تعالى : {"مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ"}
فيجب أن أعي الغاية من الحياة، كما بيّنت الآيات: " { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} "، ولكي أعمل للإسلام، فلا بُدّ من التفقه في الدين، كما بيّن لنا رسول الله: "ومَن يرد الله به خيرًا، يفقّهه في الدين"، وتعلم العلم ومعرفة حلاله وحرامه، فهذا هو الميراث الحقيقي، فالأنبياء لم يورثوا الدرهم والدينار، إنما ورثوا العلم والعمل لهذا الدين.
إن طلب العلم الشرعي مهم؛ فالإيمان بدون علم، يوقع الإنسان في الضلالات والشبهات التي لا تنقشع إلّا بالعلم الذي يرسخ الإيمان في قلب المسلم.
أن أُدرك أهمية الصحبة الصالحة التي تحمل رسالتي وقيمي نفسها، ولها الهدف نفسه الذي أحيا من أجله، مثمثلًا في قول المولى عزّ وجلّ: " {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ } "، عندما طلب موسى _وهو نبي يوحى إليه_ أن يكون له رفيق في الطريق للحق، فأرسل الله معه أخاه هارون؛ عونًا له، لذلك فإن عليَّ أكون أكثر حرصًا أن أطلب صحبة تعينني على الطريق، نلتقي سويًّا على غاية واحدة، وهي نصرة دين الله، والعمل للإسلام.
كما يجب أن أكون على وعيٍ بما يحاك للإسلام وأهله من مؤامراتٍ؛ لإفساد الأمة، وإبعادها عن الدين مظهرًا وجوهرًا، فيعيش المسلم وهو لا يدري شيئًا عن دينه، فتهتز عقيدته أمام رياح الغرب، فيلبس ثوب الإلحاد، ويتغنّى بالأفكار الغريبة، وينخلع من هويته الإسلامية، فيجب الوعي بمخططاتهم ؛ حتى نأمن مكرهم.
وعلى المؤمن أن يثبت إيمانه بالله في عمله، وألّا يقتصر على ما يظهر منه أمام الناس، إذ يقول الله عزّ وجلّ: {"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} "(2).
فإن فِعْلَ رجلٍ في ألفِ رجل، خيرٌ من قولِ ألفِ رجلٍ لرجل.
وأن أعتز بديني وإسلامي، وأن أثق في أن النصر للإسلام، وأن العزة لله ولرسوله وللمسلمين، إذ يقول العزيز الحكيم: {"وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} "، كما يقول :" {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} ".
واتدبر مواقف للصحابة فى الاعتزاز بدين الله فهذا زيد بن الدثنة ، الذي أسره الكفار مع خُبَيب الأنصاري رضي الله عنهما، فاجتمع عليه كفار مكة؛ لقتله، قال له أبو سفيان: "أنشدك الله يا زيد! أتحب محمدًا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنت في أهلك؟ فقال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأنا جالس في أهلي، فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا".
سجل التاريخ لنا حوارا دار بين الصحابي الجليل ربعي بن عامر ورستم قائد الفرس ترينا كيف اعتز المسلمين الاوائل بالاسلام
خلال فتح المسلمين لفارس أرسل رستم قائد الفرس يطلب من المسلمين وفدا للحديث معه؛, فذهب ربعي بن عامر ليقابل رستم، فدخل "ربعي" بفرسه على البُسُطِ (السجاد) الممتدة أمامه، وعندما دخل بفرسه وجد الوسائد بها ذهب؛ فقطع إحداها، ومرر لجام فرسه فيها وربطه به، ثم أخذ رمحه، واتجه صوب رستم وهو يتكئ عليه، والرمح يدب في البسط فيقطعها، فقال له رستم ما جاء بكم ؟ .
"ربعي": لقد ابتعثنا اللهُ لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، وإن لم يقبل قبلنا منه الجزية، وإن رفض قاتلناه حتى نظفر بالنصر فكان القتال حتى انتصر المسلمون فى النهاية
فمن عرف الله وارتبط به وتمكن الإيمان من قلبه عرف معنى الحياة الحقيقى وأدرك مدى الأمانة الكبيرة الملقاه على عاتقه أنه مسلم وأن الإسلام ليس مجرد شعارات ترفع إنما هو إيمان يتبعه عمل و بالتالى يسهل عليه التضحية فى سبيل إعلاء كلمة الحق فياليت شبابنا يعى ويدرك معنى أنه مسلم
- التصنيف: