العقيقة عن الطفل الذي تُوفِّي، ومعنى (مرتهن بعقيقته)
ما معنى المولود مُرْتَهِن بعقيقته؟
كان لي ابن، وتُوفِّي في الرابعة من عُمره مع والده في حادث، ولم نَقُم بعمل عقيقة له لظروف ماديَّة وتُوفِّي، وأريد -أنا والدته- أن أَعُقَّ عنه، وعن ابْنتي أيضًا؛ لأنَّ الولد تُوفي، ولم يَكُنْ في استطاعتنا وقتَها عملُ العقيقة، والآن أنا في مقدرتي -بفضل الله- فهل هذا جائزٌ؟ وهل الأفضل أن يكونَا معًا، أو متفرقَيْن؟ وكيف تُوزَّع الذبيحة؟ وفي أيِّ الأوقات يُفضَّل ذلك؟
ولكن ما معنى أنه مُرْتهن بها؟ وهل على زوْجي -يرحمه الله- إثْمٌ يجب أن أفعلَ شيئًا لأجْله؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحْبه ومَن والاه، أمَّا بعد:
فالعقيقةُ سُنَّة مؤكَّدة عند جمهور العلماء؛ كما بيَّنَّا في الفتاوى: "وقت العقيقة"، و"أحكام المولود"، و"هل يصح في العقيقة سُبْع بَدنة أو بقرة؟".
قال ابن قدامة في "المغني": "والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم، منهم ابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وفقهاء التابعين، وأئمة الأمصار، إلا أصحاب الرأي، قالوا ليست سنة، وهي من أمر الجاهلية .
وقال الحسن وداود : "هي واجبة".اهـ. مختصرًا.
وقد بينَّا في الفتاوى المحال عليها كلَّ ما يتعلَّق بالعقيقة، من حيث وقتُها، وعلى مَن تُوزَّع، وغير ذلك.
أمَّا الطِّفل الذي تُوفِّي من غير أن يُعقَّ عنه، فقد اختلف أهْلُ العلم في مشروعيتها عنه، فذهب المالكية والحنفية إلى أنه لا تُشرع عنه؛ لأنَّ العقيقة إنما تُشرَع في اليوم السابع فقط، واستدلُّوا بقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "".
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنَّه يُعقُّ عنه، وهو الراجح؛ واستدلُّوا بحديث سَمُرة رضي الله عنه عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: "" (رواه أحمد والأربعة، وصحَّحه الترمذي، قال أحمد: إسناده جيد كما في المغني).
قال النوويُّ في "المجموع": "لو مات المولود بعدَ اليوم السابع بعدَ التمكُّن من الذَّبْح، فوجهان حكاهما الرافعي، أصحُّهما: يُستحبُّ أن يعقَّ عنه، والثاني: يسقط بالموت".
وقال الشيخ العثيمين في "سلسلة لقاءات الباب المفتوح": "إذا تُوفي الطفل ساعة ولادته، فإنه يعق عنه في اليوم السابع؛ وذلك لأن الطفل إذا نفخت فيه الروح، فإنه يبعث يوم القيامة، ومن فوائد العقيقة أن الطفل يشفع لوالديه، وقال بعض العلماء: إذا مات قبل اليوم السابع سقطت العقيقة؛ لأن العقيقة إنما تسن يوم السابع لمن كان حياً، وأما إن مات قبل السابع، فإنها تسقط؛ فمن كان قد أغناه الله وتيسرت له، فالأفضل أن يذبحها، ومن لم يكن كذلك فلا داعي له".
وسُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: حصلت العقيقة بعد وفاة الطفلة، وكان عمرها وقت الوفاة سنة ونصف، هل أدى العقيقة على طبيعتها أم لا؟ وهل هذه الطفلة تنفع والديها في الآخرة؟
فأجابت: "نعم تجزئ، ولكن تأخيرها عن اليوم السابع من الولادة خلاف السنة، وكل طفل أو طفلة مات صغيرًا، ينفع الله به من صبر من والديه المؤمنين".
أما معنى قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: "":
فقيل فيه: أي: إنَّ تنشئتَه تنشئةً صالحة، وحِفْظه حفظًا كاملاً - مرهونٌ بعقيقته،
وقيل: المعنى: لا يشفع لوالديه يومَ القيامة إن لم يُعقَّ عنه.
قال الحافظ ابن حجر -نقلاً عن الخطابيّ-: "اخْتَلفَ النَّاس في هذا، وأجودُ ما قيل فيه: ما ذَهَب إليه أحمد بن حنبل، قال: هذا في الشفاعة؛ يريد: أنه إذا لم يُعقَّ عنه فمات طِفلاً، لم يشفعْ في أبويه، وقيل: معناه: أنَّ العقيقة لازمةٌ لا بدَّ منها، فشبَّه المولود في لزومها، وعدم انفكاكه منها بالرَّهْن في يدِ المرتهن، وهذا يُقوِّي قولَ مَن قال بالوجوب، وقيل: المعنى: أنَّه مرهون بأذَى شَعْرِه؛ ولذلك جاء: """؛ اهـ.
قال ابن القيِّم رحمه الله في "الهدي": "قال الإمام أحمد: معناه: محبوسٌ عن الشفاعة في أبويه.
والرهن في اللُّغة الحبس؛ قال تعالى: {} [المدثر: 38]، وظاهر الحديث: أنَّه رهينةٌ في نفسه، ممنوعٌ محبوس عن خير يُراد به، ولا يلزم من ذلك أن يُعاقبَ على ذلك في الآخرة، وإن حُبِس بترْك أبويه العقيقةَ عمَّا يناله مَن عَقَّ عنه أبواه، وقد يفوت الولدَ خيرٌ بسبب تفريط الأبوين، وإن لم يكن مِن كَسْبه، كما أنَّه عند الجِماع إذا سَمَّى أبوه لم يضرَّ الشيطانُ ولدَه، وإذا ترَك التسميةَ لم يحصل للولدِ هذا الحِفْظ، وأيضًا فإنَّ هذا إنما يدلُّ على أنَّها لازِمةٌ لا بدَّ منها، فشبَّه لزومَها، وعدم انفكاك المولود عنها بالرَّهْن".اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
خالد عبد المنعم الرفاعي
يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام
- التصنيف:
- المصدر: