كيف ترسخ التوحيد في قلبك

منذ 2005-03-04
التوحيد
تعريفه لغة: مصدر وحد مشتق من الواحد فيقال وحّده وأحّده ومتوحّد أي متفرّد.

تعريفه شرعاً: إفراد الله تعالى بربوبيته وألوهيته دون سواه وأن الأسماء الحسنى والصفات العلا والاعتقاد برسالة محمّد صلى الله عليه وسلم وأنه خاتم الأنبياء واتباعه في ما جاء به عن الله تعالى.

ما المراد بالتوحيد؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "التوحيد الذي جاءت به الرسل إنما يتضمن إثبات الألوهية لله وحده بأن يشهدوا أن لا له إلا الله، ولا يعبدوا إلا إياه، ولا يتوكلوا إلا عليه تعالى، ولا يوالوا إلا له، ولا يعادوا إلا فيه، ولا يعملوا إلا لأجله، وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية" أهـ.

وكل عمل لا يرتبط بالتوحيد فلا وزن له، قال تعالى: { مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرمادٍ اشتدَّت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون ممَّا كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد } [إبراهيم: 18].

حكم تعلمه: فرض عين على كل مسلم ومسلمة، قال الله تعالى: { فاعلم أنَّه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم مُتقلَّبكم ومثواكم } [محمد: 19].

التوحيد ثلاثة أنواع

النوع الأول: توحيد الربوبية:
هو اعتقاد أن الله سبحانه وتعالى خالق العباد ورازقهم ومحييهم ومميتهم، وهو إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والرزق والإحياء والإماتة، وقد أقر به المشركون على زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقر به اليهود والنصارى والمجوس ولم ينكر هذا التوحيد إلا الدهرية فيما سلف والشيوعية في هذا الزمن. وهذا التوحيد لا يُدخل الإنسان في دين الإسلام ولا يعصم دمه وماله ولا ينجيه في الآخرة من النار إلا إذا أتى معه بتوحيد الألوهية. وهذا التوحيد مركوز في الفِطَر كما في الحديث: « كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه »

أدلة هذا التوحيد كثيرة منها قوله تعالى: { قُل من يرزقكم من السَّماء والأرض أمَّن يملك السَّمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويُخرج الميت من الحي ومن يُدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون . فذلكم الله ربُّكم الحقُّ فماذا بعد الحقِّ إلاَّ الضَّلال فأنَّى تُصرفون } [يونس: 31، 32].

النوع الثاني: توحيد الألوهية:
وهو إفراد الله تعالى بالعبادة، وهو توحيد الله تبارك وتعالى بأفعال العباد كالدعاء والنذر والنحر والرجاء والخوف والتوكل والرغبة والرهبة والإنابة.
وهذا التوحيد هو الذي وقع فيه النزاع في قديم الدهر وحديثه، وهو الذي جاءت به الرسل إلى أممهم لأن الرسل عليهم الصلاة والسلام جاءوا يتقرير توحيد الربوبية الذي كانت أممهم تعتقده ودعوتهم إلى توحيد الألوهية؛ قال الله تعالى مخبراً عن نوح عليه السلام: { ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنيِّ لكم نذيرٌ مبين . أن لا تعبدوا إلا الله إنِّي أخاف عليكم عذاب يومٍ أليمٍ } [هود: 25، 26] وقوله: { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً } [النساء: 36].
وهذا التوحيد حق الله تعالى الواجب على العبيد وأعظم أوامر الدين وأساس الأعمال، وقد قرره القرآن وبين أنه لا نجاة ولا سعادة إلا به.

النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات:
وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك بإثبات ما أثبته من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.


فضائل توحيد الألوهية

توحيد الله وإفراده بالعبادة من أجلّ النعم وأفضلها على الإطلاق، وفضائله وثمراته لا تعد ولا تحد، ففضائل التوحيد تجمع خيري الدنيا والآخرة، ومن تلك الفضائل ما يلي:

1- أنه أعظم نعمة أنعمها الله تعالى على عباده حيث هداهم إليه، كما جاء في سورة النحل التي تسمى سورة النعم، فالله عزّ وجلّ قدّم نعمة التوحيد على كل نعمة فقال في أول سورة النحل: { ينزّل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنَّه لا إله إلاَّ أنا فاتَّقُون } [النحل: 2].

2- أنه الغاية من خلق الجن والإنس، قال تعالى: { وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون } [الذاريات: 56].

3- أنه الغاية من إنزال الكتب ومنها القرآن، قال تعالى فيه: { الر . كتابٌ أحكمت آياته ثُمَّ فصلت من لَّدن حكيمٍ خبير . ألا تعبدوا إلا الله إنِّي لكم منه نذيرٌ وبشير } [هود:1، 2].

4- ومن فضائله أنه السبب الأعظم لتفريج كربات الدنيا والآخرة، ودفع عقوبتهما كما في قصة يونس عليه السلام.

5- ومن أجل فوائده أنه يمنع الخلود في النار، إن كان في القلب منه أدنى مثقال حبة من خردل.

6- أنه إذا كمل في القلب يمنع دخول النار بالكلية كما في حديث عتبان في الصحيحين.

7- أنه يحصل لصاحبه الهدى الكامل، والأمن التام في الدنيا والآخرة { الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون } [الأنعام: 82].

8- انه السبب الأعظم لنيل رضا الله تبارك وتعالى وثوابه.

9- أنه أسعد الناس بشفاعة رسول الله محمّد صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه.

10- ومن أعظم فضائله: أن جميع الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة متوقفة في قبولها وفي كمالها وفي ترتيب الثواب عليها- على التوحيد، فكلما قوي التوحيد والإخلاص لله كملت هذه الأمور وتمت.

11- ومن فضائله أنه يسهل على العبد فعل الخيرات، وترك المنكرات، ويسليه عند المصيبات، فالمخلص لله تبارك وتعالى في إيمانه وتوحيده تخف عليه الطاعات، لما يرجوه من ثواب ربه سبحانه ورضوانه، ويهون عليه ترك ما تهواه النفس من المعاصي، لما يخشى من سخطه وأليم عقابه.

12- ومنها أن التوحيد إذا كمل في القلب حبب الله تعالى لصاحبه الإيمان وزينه في قلبه، وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان، وجعله من الراشدين.

13- ومنها أن يخفف على العبد المكاره ويهون عليه الألم، فبحسب تكميل العبد للتوحيد والإيمان، يتلقى المكاره والآلام بقلب منشرح وبنفس مطمئنة ورضا بأقدار الله تعالى المؤلمة.

14- ومن أعظم فضائله أنه يحرر العبد من رقّ المخلوقين، ومن التعلق بهم، وخوفهم ورجائهم، والعمل لأجلهم، وهذا هو العزّ الحقيقي، والشرف العالي، فيكون بذلك متعبداً لله تعالى فلا يرجو سواه ولا يخشى غيره، ولا ينيب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، وبذلك يتم فلاحه ويتحقق نجاحه.

15- ومن فضائله التي لا يلحقه فيها شيء أن التوحيد إذا تم وكمل في القلب وتحقق تحققاً كاملاًُ بالإخلاص التام فإنه يصير القليل من عمله كثيراً، وتضاعف أعماله وأقواله بغير حصر ولا حساب.

16- ومن فضائله أن الله تعالى تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا، والعز والشرف، وحصول الهداية، والتيسير لليسرى، وإصلاح الأحوال، والتسديد في الأقوال والأفعال.

17- ومنها أن الله تبارك وتعالى يدفع عن الموحدين شرور الدنيا والآخرة، ويمن عليهم بالحياة الطيبة، والطمأنينة إليه وبذكره، وشواهد ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، فمن حقق التوحيد حصلت له هذه الفضائل كلها وأكثر منها والعكس بالعكس.


أسباب ترسيخ التوحيد بالقلب

التوحيد شجرة تنمو في قلب المؤمن فيسبق فرعها ويزداد نموها ويزدان جمالها كلما سبقت بالطاعة المقربة إلى الله عزّ وجلّ، فتزاد بذلك محبة العبد لربه، ويزداد خوفه منه ورجاؤه له ويقوى توكله عليه. ومن تلك الأسباب التي تنمي التوحيد في القلب ما يلي:

1- فعل الطاعات رغبة فيما عند الله تبارك وتعالى.

2- ترك المعاصي خوفاً من عقاب الله.

3- التفكر في ملكوت السموات والأرض.

4- معرفة أسماء الله تعالى وصفاته ومقتضياتها وآثارها وما تدل عليه من الجلال والكمال.

5- التزود بالعلم النافع والعمل به.

6- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.

7- التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد الفرائض.

8- دوام ذكر الله تبارك وتعالى على كل حال باللسان والقلب.

9- إيثار ما يحبه الله تعالى عند تزاحم المحاب.

10- التأمل في نعم الله سبحانه الظاهرة والباطنة، ومشاهدة بره وإحسانه وإنعامه على عباده.

11- انكسار القلب بين يدي الله تعالى وافتقاره إليه.

12- الخلوة بالله وقت النزول الإلهي حين يبقى ثلث الليل الآخر، وتلاوة القرآن في هذا الوقت وختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

13- مجالسة أهل الخير والصلاح والإخلاص والمحبين لله عزّ وجلّ والاستفادة من كلامهم وسَمْتهم.

14- الابتعاد عن كل سبب يحول بين القلب وبين الله تعالى من الشواغل.

15- ترك فضول الكلام والطعام والخلطة والنظر.

16- أن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه، وأن يجاهد نفسه على ذلك.

17- سلامة القلب من الغلِّ للمؤمنين، وسلامته من الحقد والحسد والكبر والغرور والعجب.

18- الرضا بتدبير الله عز ّوجلّ.

19- الشكر عند النعم والصبر عند النقم.

20- الرجوع إلى الله تعالى عند ارتكاب الذنوب.

21- كثرة الأعمال الصالحة من بر وحسن خلق وصلة أرحام ونحوها.

22- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة.

23- الجهاد في سبيل الله سبحانه.

24- إطابة المطعم.

25- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

اللهم أحينا على التوحيد سعداء وامتنا على التوحيد شهداء.

وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

دار القاسم: المملكة العربية السعودية_ص ب 6373 الرياض 11442
هاتف: 4092000/ فاكس: 4033150
البريد الالكتروني: [email protected]
الموقع على الانترنت: www.dar-alqassem.com
المصدر: دار القاسم
  • 112
  • 8
  • 166,515
  • nada

      منذ
    اشكركم جزيل الشكر على هذا المقال الذي استفدت منه كثيرا واتمنى ان يستفد منه غيري وبارك الله يكم .... ننتظر منكم المزيد
  • Morghad Khatib

      منذ
    كلام جميل واجمل منه تطبيقه
  • nada

      منذ
    شكرا جزيلا على هذه المعلومات التي تنقص لدى الكثير في هذه الايام وبارك الله فيكم
  • nada

      منذ
    ولكن ماهي نواقص التوحيدوجزاكم الله خيرا
  • اسامه

      منذ
    هذا افضل الكلامل للشفاء التام فى هذه الايام وخلو القلب من الضغائن والغل وهذا يخفا على كثيرين جزاك الله كل خير ،والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته
  • محمود بن إبراهيم بن محمد بدر

      منذ
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نريد أن نتكلم دائما فى مثل هذه الموضوعات الهامه التى تخفى على كثير من الناس وهى حياة الإنسان وسبيل نجاته إلى الجنه وتوضيحه وشرحه مهم جدا جدا فى وقتنا هذا وجزاكم الله خيرا والصلاة والسلام على المختار صلى الله عليه وسلم
  • nada

      منذ
    بارك الله فيكم علي هذا الجهد والترتيب والتنظيم والفكرالقويم السديد
  • ABOU iLINA

      منذ
    بارك الله فين على المقال. ما أحوجنا إلى من يذكرنا بانتمائنا إلى الأسلام، فلقد أصبحت عباداتنا عادات هدانا الله. اللهم انصر الأسلام و المسلمين و أعزنا. اللهم أحينا على الأيمان، وأمتنا على الأسلام.
  • aknan 3abdallah

      منذ
    أعجبتني طريقة سرد الموضوع ونحن بحاجة إلى مثل هذه التوعية النيرة فيما يتخبط الجميع بتعاليم اسلامنا العظيم
  • محمدالغرباني

      منذ
    [[أعجبني:]] كل فعل خير يحبب الانسان خاصه الي ما يستطيع ان يصل الى هذا الكنز من المعلومات [[لم يعجبني:]] لا شي من هذا الكلام لا يعجب الانسان العاقل

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً