آمين ، آمين ، آمين

منذ 2012-07-28

«إن جبريل عليه السلام أتاني فقال : من أدرك شهر رمضان ، فلم يغفر له ، فدخل النار ؛ فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين ، ومن أدرك أبويه أو أحدهما ، فلم يبرهما ، فمات ، فدخل النار ؛ فأبعده الله ، قل : آمين . فقلت : آمين ، ومن ذكرت عنده ، فلم يصل عليك ، فمات ، فدخل النار ؛ فأبعده الله ، قل : آمين . فقلت : آمين»


الحمد لله الذي أنزل القرآن العظيم في شهر رمضان الكريم ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

أما بعد

فقد صح في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وقال : «آمين ، آمين ، آمين» وفي رواية : صعد رسول الله المنبر فلما رقي عتبة قال : «آمين» . ثم رقي أخرى فقال : «آمين» . ثم رقي عتبة ثالثة فقال : «آمين» .

قيل : يا رسول الله! إنك صعدت المنبر فقلت : آمين ، آمين ، آمين . فقال : «إن جبريل عليه السلام أتاني فقال : من أدرك شهر رمضان ، فلم يغفر له ، فدخل النار ؛ فأبعده الله ، قل : آمين ، فقلت : آمين ، ومن أدرك أبويه أو أحدهما ، فلم يبرهما ، فمات ، فدخل النار ؛ فأبعده الله ، قل : آمين . فقلت : آمين ، ومن ذكرت عنده ، فلم يصل عليك ، فمات ، فدخل النار ؛ فأبعده الله ، قل : آمين . فقلت : آمين» .
قال العلامة الألباني رحمه الله : (حسن صحيح / صحيح الترغيب:1679 ) وقال المحدث مقبل الوادي : (حسن يرتقي إلى الصحيح لغيره / الصحيح المسند : 1298) .


لقد بدأ بشهر رمضان قبل بر الوالدين وبر الوالدين من أعظم القربات في شهر رمضان وذكره قبل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره وهو من أجود القربات لا سيما في رمضان .

وثبت أيضاً في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ»
(رواه الترمذي (3545) وصححه الألباني في صحيح الترمذي) .


ألا يعني لنا ذلك شيئاً ؟

هل تفكرنا في هذا الحديث وغيره كما سيأتي من فضائل هذا الشهر المبارك ؟

وما هي المزايا والفضائل التي اختصها الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر حتى دعا جبريل عليه السلام بهذا الدعاء الذي أمّن عليه النبي صلى الله عليه وسلم ؟

لا عجب أيها الأخوة لأن رمضان شهر القرآن وهو شهر كريم .. شهر عظيم .. شهر رحمة .. وشهر مغفرة .. وشهر عتق من النار


وإن من أعظم مزاياه أنه من فروض الإسلام الخمسة وركن عظيم من أركانه كما في أحديث أركان الإسلام : «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» .. وذكر منها «وَصَوْمِ رَمَضَانَ» وهكذا اختصه الله بفريضة الصوم ، والصيام بحد ذاته عبادة جليلة ورد في فضلها الأحاديث الصحيحة ومنها أن الصيام قد اختصه الله لنفسه وأنه يجزي به فيضاعف أجر صاحبه بلا حساب لحديث : " «إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به» (البخاري فتح رقم 1904 صحيح الترغيب 1/407 ، وأن الصوم لا عِدل له النسائي 4/165 وهو في صحيح الترغيب 1/413) .

وأن «دعوة الصائم لا تُردّ» (رواه البيهقي 3/345 وهو في السلسلة الصحيحة 1797) .

وأن «للصائم فرحتين إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربّه فرح بصومه» (رواه مسلم 2/807 ، وأن الصيام يشفع " للعبد يوم القيامة يقول : أي ربّ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه " رواه أحمد 2/174 وحسّن الهيثمي إسناده : المجمع 3/181 وهو في صحيح الترغيب 1/411) .

وأن «خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك» (مسلم 2/807) .

وأن «الصوم جُنّة وحصن حصين من النار» (رواه أحمد 2/402 وهو في صحيح الترغيب 1/411 وصحيح الجامع 3880) .

وأنّ «من صام يوما في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا» (رواه مسلم 2/808) .

وأنّ «من صام يوما ابتغاء وجه الله خُتم له به دخل الجنّة» (رواه أحمد 5/391 وهو في صحيح الترغيب 1/412).

وأنّ «في الجنة بابا يُقال له الريان يدخل منه الصائمون لا يدخل منه أحد غيرهم فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد» (البخاري فتح رقم 1797) .

وعلمنا أن رمضان ركن من أركان الإسلام وقد أُنزل فيه القرآن ، وفيه ليلة خير من ألف شهر ، و «إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ» (رواه البخاري الفتح رقم 3277) .

و«صيامه يعدل صيام عشرة أشهر» (مسند أحمد 5/280 وصحيح الترغيب 1/421) .

و «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه البخاري فتح رقم 37) ، و «لله عزّ وجلّ عند كلّ فطر عتقاء» (رواه أحمد 5/256 وهو في صحيح الترغيب 1/419) .

وبعد معرفة هذه الفضائل ألا نسأل أنفسنا هل أعطينا هذا الشهر حقه ومستحقه من الأعمال الواجبة والمندوبة فضلاً عن اجتناب الأفعال المحرمة والمكروهة ؟
 

أيهـا الراجي ثمار الصـــوم *** أعط الصوم حقه

طارحاً عن روحك المغلـول *** بالشـــهوات رقة



أليس المحروم من أدرك هذا الشهر ولم يخلص العمل ويجتهد فيه لله ؟

وقد علمنا أن الله عز وجل قد أعاننا بتهيئة الجو للعبادة بتغليق أبواب جهنم وسلسلة الشياطين يقول شيخنا المنجد - حفظه الله - :"وهذه مردة الجن قد سلسلت وقيدت وصفدّت الشياطين من أجلنا نحن لكي يكون العون أكبر على العبادة فلا تكن يا عبد الله من شياطين الإنس ولكن كن ممن قبلوا عون الله بتصفيد شياطين الجن" ا.هـ.



لذا فإنه حري بنا في هذا الأيام العزيزة أن نستجيب لأمر الحي القيوم الذي قال : {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21]

وقوله جل جلاله : {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [آل عمران:133]

والأعمال في رمضان كثيرة وبالنيات الصالحات تصبح عظيمة وكبيرة بدءًا بالفرح بدخول الشهر ، ونية صيام الشهر من أول ليلة وإتقان الصيام ، والحرص على الصف الأول في صلاة الفريضة والخشوع فيها وفي صلاة التراويح ، وعدم الفتور في العشر الأواسط ، وتحري ليلة القدر ، ومواصلة ختمة بعد ختمة مع التباكي والتدبر ، وعمرة في رمضان تعدل حجة ، والصدقة في الزمان الفاضل مضاعفة ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة إذ كان أجود ما يكون في رمضان ، والاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان مؤكد والدعاء في مواطنه المرجوة أفضل وذكر الله في كل وقت وعلى كل حال إلى غير ذلك من العبادات التي شرعها الله وجعلها وسيلة للتقرب إليه .

وجزى الله خيراً من قال :

يامن يقوم الشهر يسهر ليله *** يتلو به آي من القرآن

لاتترك الأيام تذهبها سدى *** واجعل حياتك فى رضى الرحمن

واضرع الى الرحمن في غسق الدجى *** كيما تفوز بجنة الرضوان

للحور في الجنات أحلى منظرا *** وألذ وصلا من قليل فان

علق فؤادك بالجنان ومن بها *** واترك لذلك جملة النسوان



أين فتى الإسلام الذي صان نفسه وزكّاها واستثمر هذا الشهر الكريم في طاعة الله وذاك هو الممدوح الذي يغبط والذي جعل من رمضان مطية لما بعده وشحذاً لما بعده
 

هَنيئاً لَهُ الشَهرُ الَّذي بُرَّ سَعيُهُ بِهِ وَزَكا عِندَ الإِله صِيامُهُ

إِذا قامَ فيهِ لِلصَلاةِ وَلِلنَدى حَوى الأَجرَ وَالذِكرَ الجَميلَ قِيامُهُ

يَدُومُ عَلى مَرِّ اللَيالي وَإِنَّما يُرادُ مِنَ الشَيءِ النَفِيسِ دَوامُهُ


هذا يجعلني في الختام أوصي نفسي وإخواني بأن نجعل رمضان نقطة الانطلاق وبداية تغيير الطريق إلى المسار الصحيح وأن يكون رمضان جسراً للعبور إلى الأفضل والدخول في عداد الصالحين ووقفة حاسمة لتغيير الحال من الكسل والهوان والبعد عن الله إلى حال الجد والنشاط في الثبات على دين الله والقرب إلى الله عز وجل ونحاول الاستمرار على ذلك بعد رمضان وبل ونستدرك ما بدر من تقصير فيه ، حتى لا يعود علينا رمضان آخر - إن من الله علينا بلقياه مرة أخرى - إلا وقد تغيرت أحوالنا إلى ما يرضي الرحمن.

المسلم يعلم بأنه لم يخلق إلا لعبادة الله ، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] لذا فهو يعبد الله إلى أن يلقاه ، يقول العلامة الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله تعالى - : "إن عبادة الله واجبة في كل وقت ، وليس لها نهاية إلا بالموت ، قال تعالى :{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:99] وقال تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاث» الحديث (أخرجه مسلم رقم 1631 ، والبخاري في الأدب المفرد رقم 38 ، وأبو داود رقم 2880 ، والترمذي رقم 1376 ، والنسائي رقم 3653) .

والموت قريب ، ولله عبادات تؤدى في مواقيتها المحدودة يوميا وأسبوعيا وسنويا ، وهذه العبادات منها ما هو أركان للإسلام وما هو مكمل له ، فالصلوات الخمس تؤدى في كل يوم وليلة ، وهي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين ، هي عمود الإسلام ، والجمعة تؤدى كل أسبوع وهي من أعظم شعائر الإسلام يجتمع لها المسلمون في مكان واحد اهتماما بها ، والزكاة قرينة الصلاة وهي في غير المعشرات تؤدى كل سنة ، وأما المعشرات فتؤدى زكاتها عند الحصول عليها ، وصيام شهر رمضان يجب في كل سنة ، وحج بيت الله الحرام يجب على المسلم المستطيع مرة في العمر ، وكذا العمرة ، ومازاد على المرة من الحج فهو تطوع ، وإلى جانب هذه العبادات الواجبة عبادات مستحبة ، مثل نوافل الصلوات ، ونوافل الصدقات ، ونوافل الصيام ، ونوافل الحج والعمرة ، وهذا مما يدل على أن حياة المسلم كلها عبادة ، إما واجبة وإما مستحبة فالذي يظن أن العبادة مطلوبة منه في شهر رمضان وبعده يُعفى من العبادة قد ظن سوءا وجهل حق الله عليه ولم يعرف دينه ، بل لم يعرف الله حق معرفته ، ولم يقدره حق قدره ، حيث لم يطعه إلا في رمضان ، ولم يخف منه إلا في رمضان ، ولم يرج ثوابه إلا في رمضان ، إن هذا الإنسان مقطوع الصلة بالله ، مع أنه لا غنى له عنه طرفة عين ، والعمل مهما كان إذا كان مقصورا على شهر رمضان هو عمل مردود على صاحبه مهما أتعب نفسه فيه ، لأنه عمل مبتور لا أصل له ولا فرع وإنما ينتفع برمضان أهل الايمان الذين هم على الاستقامة في كل زمان ، يعلمون أن رب الشهور واحد ، وهو في كل الشهور مطلع على أعمال عباده وشاهد ا.هـ.


نسأل الله الذي لا إله غيره ولا نعبد أحداً سواه أن يعتق رقابنا ورقاب والدينا من النار ومشايخنا ومن أحبنا فيه والمؤمنين والمؤمنات ، وأن يقبل منا الصيام والقيام وسائر الأعمال وأن يرزقنا الإخلاص وحسن الخاتمة إنه سميع قريب مجيب .
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 94
  • 8
  • 614,992

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً