د.العريفي: نسعى للإفراج عن المعتقلين، وإلى تهدئة ذويهم أيضًا.. لماذا تُحارَب الفضائيات السنية؟! أتفاءل بسوريا..

منذ 2012-08-31


• المستهزؤون بثوابت الدين على أربعة أقسام:
• الاعتقال من غير محاكمة، والتَّشديد على المعتقلين، أمران مزعجان.
العلماء يفعلون الكثير من أجل المعتقلين ومن أجل تهدئة ذويهم أيضًا.
• بعض طوائف الرافضة لا تعارض السعودية كدولة ولكن كدين ومذهب، وهم يريدون أن يروا الأضرحة والبدع فيها.
• في قرى الرافضة تجد صور أئمة الرافضة المعاصرين المناوئين للسعودية ولا تجد صور ملك البلاد مع تحفظي على تعليق الصور عمومًا.
• هناك تضييق مرفوض على الفضائيات السنية التي تقاوم الضلال والبدع الرافضية.
• ثمة دلائل عديدة على انتصار السوريين وهلاك بعض كبار قادة النظام إحداها.
• "حزب الله" يخوض معركة بالخارج ولا يريد خوضها بالداخل اللبناني حاليًا.
• الجيش الحر بحاجة لدعم حقيقي.
• أتوقع إطلاقا للحريات بالخليج.
• التدرج في تطبيق الشريعة يتوجه به لجموع المسلمين وليس للأحزاب المناوئة لها.
• الدِّيمقراطيَّة هي ثوب فضفاض، يستطيع كلُّ واحد أن يجمع أطرافه عليه كما يشاء.
• أسعى جاهدًا لإتمام مشروع "الاتحاد العالمي للدعاة"، وقد تم تسجيله بالفعل في لندن.

دعا فضيلة الشيخ الدكتور محمد عبد الرحمن العريفي إلى الإفراج عن المعتقلين دون محاكمة في السعودية.
وأكد فضيلته على براءة كثير ممن يتم اعتقالهم، حيث غالبًا ما تثبت عدم دقة "الإخبارية" الواردة عنهم، مثلما حصل معه شخصيًا، وقال إن حملات الاعتقال لم تعرفها السعودية -بخلاف الدول العربية- إلا منذ فترة قريبة نسبيًا.

وثمن د.العريفي في حوار أجريناه معه مؤخرًا دور العلماء في ملف المعتقلين؛ حيث كشف عن أن العلماء يقومون بدور كبير في الكتابة إلى المسؤولين وإثارة القضية والحديث مع المتنفذين من أجل حل هذه المشكلة، كما أنهم من جانب آخر يعملون على كبح جماح الغضب غير المنضبط لدى ذوي المعتقلين كيلا يحدث ما لا يحمد عقباه.
وتطرق فضيلته إلى قضية المستهزئين بالثوابت في السعودية مع تكرار نماذج منهم في الآونة الأخيرة، مبينًا طبقات هؤلاء وتنوعاتهم وأغراضهم.
ولفت د.العريفي إلى زيادة الخط البياني للجهاد في سوريا والذي يحقق كل يوم نجاحات أكبر من ذي قبل، مشيدًا بالعمليات التي أطاحت برؤوس النظام السوري.
وكشف فضيلته عن جهد يقوم به مؤخرًا من أجل إطلاق الاتحاد العالمي للدعاة المسلمين، وأن الاتحاد سيضم عددًا من الوجوه المعروفة من الدعاة في العالم.
وتوقع فضيلته انفتاحًا وإطلاقًا للحريات في الخليج تأثرًا بأحداث الربيع العربي.

نص الحوار:

- أسأل بداية عن قضيَّة المستهزئين في السُّعوديَّة، قد تصاعدت في الآونة الأخيرة لدرجة لم يسبق لها مثيل، ربَّما مع نوع من التَّجاهل الإعلاميِّ الآخر، أو مع قلَّة العقوبة الشَّديدة، في رأيكم مسألة الاستهزاء: هل هي تسير في استراتيجيَّة عامَّة؟ أم أنَّها مجرَّد تصرُّفات فرديَّة؟

- بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على سيِّدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
الاستهزاء بالدِّين، وتنقُّص القرآن، أو الجرأة على ربِّنا جلَّ وعلا بالكلام في ذاته، أو في صفاته، أو في أسمائه بما لا يليق، منهجٌ قديم لعدد من أعداء الإسلام، وأيضًا كان يفعله المنافقون في عهد رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وهذا مذكور في القرآن، قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ.لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66]. لا لم ينقطع هؤلاء المستهزؤون تقريبًا خلال التَّاريخ، فمن تأمَّل في التَّاريخ وجد أنَّهم يطلق عليهم عدد من التَّسميات، فسمَّوا في بعض العصور بالزَّنادقة، وسمُّوا في عصور أخرى بأسماء أخرى، وكان الأئمة السَّابقون في وقت تغلُّب الدَّولة الإسلاميَّة، وفي وقت قوَّتها، يقيمون عليهم الحدود، ويستتيبونهم قبل ذلك، وهذا مشهور في التَّاريخ.
اليوم مع سهولة أن يكتب كلُّ أحد في وسائل الاتِّصال، سواء وسائل التَّواصل الاجتماعي أو غير ذلك، بدأ بعض الذين في قلوبهم مرض يُخرجون ما في قلوبهم من خُبث ونتن معتقد، من خلال كتاباتهم، وليس هذا خاصًا فقط بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة، بل في العالم كلِّه تجد أنَّ الكفَّار الأصليين يكتبون ذلك، أعني اليهود، والنَّصارى، والبوذيين، والهندوس، يكتبونه بلغات متعدِّدة، وكذلك من ينتسبون إلى الإسلام، أو ربَّما من كانوا مسلمين في وقت من الأوقات، أو هم أبناء مسلمين، وعاشوا بين مسلمين، في عدد من الدُّول الإسلاميَّة، لا يزالون يكتبون، بعض هؤلاء كان له كتب سابقًا، وتمَّ الرَّدُّ عليها، وبعضهم خرجت فتاوى بردَّته عن الاسلام، فمثلًا:
هيئة كبار العلماء في المملكة، والأزهر، وغيرهم من الجهات الكبيرة الرَّسميَّة أخرجت فتاوى في بعض الأشخاص، بناء على كلامهم أنَّ هذا ردَّة عن الإسلام، وبعضهم قوبل بإقامة حدِّ الرِّدَّة عليه، إلى غير ذلك.

واليوم مع سهولة أنَّ كلَّ إنسان يكتب، بدأت هذه الأمور تظهر على السَّطح، ويتعامل معها النَّاس في كلِّ بلد بحسب قوَّة الإسلام، بحسب تمسُّك الدَّولة بالإسلام، بحسب قوَّة الإسلاميين فيه، بحسب ظروف هذا البلد.
بالنِّسبة لما عندنا في المملكة، أنا لا أستطيع أن أقول أنَّها ليست ظاهرة الآن، وذلك لسبب أنَّها ليست موجودة في الإعلام بشكل ظاهر، صحيح فيه عدد من المخالفات الشَّرعيَّة في الإعلام، مخالفات لا تصل إلى الكفر، لكنِّي الآن أتكلَّم فيما يتعلَّق بالاستهزاء، سواء استهزاء بالله تعالى، وبرسوله عليه الصَّلاة والسَّلام، وبكتابه، أو بأحكام الدِّين الإسلاميِّ وشرائعه، لا يوجد في الإعلام الرَّسميِّ ذلك، لا يوجد كذلك في الجرائد الرسميَّة ذلك، لا يوجد في الكتب المسموح بتداولها ذلك، إلا ربَّما ما يدخل ويغيب عن عين الرَّقيب أحيانًا، لكن الأصل عدم وجود ذلك.

الذي يوجد اليوم من خلال صفحات الفيس بوك وتويتر ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأوَّل: أسماء مستعارة لا يعرف مَنْ أصحابها، فيأتي أحدهم ويقتطع أيَّ صورة من الإنترنت لشخص ملتحٍ، أو غير ملتحٍ، أو لامرأة، أو لشابٍّ، ويبدأ يذكر مثل هذا الكلام الكفريِّ، وهذا الشَّخص لا يُعرف له مؤلفات أصلًا، لا يُعرف له أيُّ برامج، لا يُعرف انتسابه إلى أيِّ حزب، ليس له أيُّ جماهيريَّة، هذا في غالب الأحيان يريد إمَّا أن يُشغل المسلمين بشيء عن أمورهم، وعن دعوتهم، أو أنَّه يُريد أن يَظهر، أو أن يُعرف، أو أن يشتهر، وبالتَّالي أنا أنصح دائمًا بعدم الالتفات إليه، وعدم نشر ضلاله في الإنترنت، حتَّى لا يتحقَّق له مراده، من أنَّه أشغل النَّاس، فيشعر أنَّ هذه الطَّريقة جيِّدة، فيبدأ ينشئ بدل صفحة واحدة، ربَّما أنشأ مئة صفحة، ويبدأ يقتدي به غيره أيضًا لما يكثر أتباعه.

القسم الثَّاني: قوم عندهم شبهات في قلوبهم أصلًا في لحظة من اللَّحظات، ولم يجدوا من يردُّ عليهم، وبالتَّالي مثل هذه الشُّبهات جعلت تعتلج في قلوبهم، إمَّا أنَّهم لم يجدوا عالما يصارحهم، أو أنَّهم لم يجرؤوا على أن يتكلَّموا بها أمامهم، فيلجؤون إلى أن يكتبوها من خلال صفحات الإنترنت.

القسم الثَّالث: أقوام في قلوبهم غيظ أصلًا على الإسلام، وعلى الإسلاميين، إمَّا لمواقف شخصيَّة سابقة مع الإسلاميين، سواء في صغرهم، أو في كبرهم، أو أقوام يعانون من رغبة في تتبُّع الشَّهوات والوقوع فيها، فيودُّ أن يرَ المرأة في كلِّ مكان متكشِّفة، يودُّ أن يرَ الخمر يُباع في الأسواق كما يشاء، يودُّ أن يكفر ويفجر، ويقع في أنواع الفواحش والشُّذوذ دون أن يعترض عليه أحد، وبالتَّالي الذي يحول بينه وبين مقارعة هذه الشَّهوات هي قيود الإسلام، فيكره هذه القيود التي تنتسب إلى الإسلام.
هناك قسم رابع يمكن أن نضيفه إليهم، وإن كان هو أقل من غيره، وهم أشخاص يعانون أصلًا من أنواع من الأمراض النَّفسيَّة مثل: الذّهان، والتَّخيُّلات، والانفصام، ونحو ذلك لكنَّني أتصوَّر أنَّ هؤلاء أقلُّ من غيرهم.


- لكن! مازلتم تضعون ذلك في إطار العمل الفرديِّ ربَّما، وهو ما يتماهى مع السَّابق من الزَّنادقة كما ذكرتم، لكن! ألا ترون أنَّ ذلك ربَّما كان عملًا جماعيًا، أو تكتيكيًا بغرض كسر الكرامة -إن جاز التَّعبير- الكرامة الدينيَّة لدى المسلمين، أو كان بالون اختبار، أو رأس حربة لتيَّار ما، أو ما شابه ذلك؟

- والله يا أخي! أنا وجهة نظري: أنِّي أستبعد هذا في الوقت الرَّاهن، الآن أستبعد أن يوجد من السُّعوديين، أنا أتكلَّم حسب الواقع الذي أعيشه، ربَّما مصر، أو تونس، أو ليبيا، أو كذا، لها واقع يعرفه الدُّعاة والمشايخ هناك، أنا أتكلَّم عن الواقع الذي أعيشه، وأعرف ثقافته وعاداته وتقاليده، أنا أستبعد أن يكون الأمر مخطَّطًا للوقيعة في الإسلام، نعم قد يكون هناك تخطيط لإسقاط داعية معيَّن لسنِّ قانون معيَّن في البلد، فيجمعون مثلًا على سنِّ الاختلاط في الجامعات، على إلغاء مثلًا سفر المرأة بمحرم ونحو ذلك، أو إسقاط داعية معيَّن له تأثيره، وله وجوده في السَّاحة ونحو ذلك، أمَّا أن يكون هؤلاء يُجمعون على أن يُسقطوا الدِّين بذاته، الجرأة على ربِّنا جلَّ وعلا أو على نبينا عليه الصَّلاة والسَّلام، أنا أستبعد هذا أن يكون عملًا منظمًا على الأقل في الوقت الرَّاهن، ربَّما يكون هذا في المستقبل، لكنِّي في الوقت الرَّاهن أستبعد أن يكون هذا.


- نعم، يعني في لحظة ما مثلًا في مصر، كان الإسلاميُّون يحاولون أن يبدوا أكثر وسطيَّة وانفتاحًا، وربَّما في مراحل الانتخابات، وكانت في تلك اللَّحظات تأتي جحافل من رسَّامي الكاريكاتير أو غيرهم، ويستهدفون استفزاز هذا الطَّرف بالذَّات، ربَّما لكي يغضب، أو يثور، أو يبدو أنَّه متشدِّد، أو ما شابه ذلك، فما تعليقك على ذلك؟
- نعم، لكن! يبقى هذا أخي أنَّه يعني حرب بين هؤلاء وبين الإسلاميين، أو لتحقيق شهوات معيَّنة، لكن! أنا أتكلَّم الآن ليس عن كلام هؤلاء، أو استهزاءهم بمن يمنع الاختلاط، أو من يعفي لحيته، أو يقصِّر ثوبه، أو مثلًا يدعو إلى تقوية هيئة الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، لا أنا أتكلَّم على مَنْ يدعو إلى الاستهزاء بالله سبحانه وتعالى، أو الاستهزاء بالنَّبيِّ عليه الصَّلاة والسَّلام، هذا الذي أعنيه، أنا أستبعد أبدًا أن يكون هناك تخطيط لإسقاط أصل العقيدة، لكن! ربَّما يكون..


- لكن! ألا يراد أن يقال: هؤلاء تكفيريُّون، هؤلاء كذا، يعني قضيَّة الاستهزاء ربَّما لو كانت أيضًا ملتبسة، تجرُّ البعض إلى أشياء فيقال: هؤلاء بالفعل تكفيريُّون، وليسوا وسطيين كما يقال، أو ما شابه ذلك؟

- نعم، لكن! إذا كان كذلك، لن يستعملوا أشخاصًا لهم اسمهم، يعني آخر من تكلَّم مثلًا هي امرأة لها اسمها في الواقع، وفي المقالات، وتصنَّف أيضًا، يعني صاحبة توجُّه معيَّن، ومعروف أيضًا لو أراد أحد الشَّباب المتحمِّسين أن يصل إلى بيتها، أو يصل إلى مكان وجودها، ربَّما ليلحق بها ضررًا لاستطاع أن يفعل ذلك، مع أنِّي أحذِّر طبعًا من مثل هذا، لكن! أقصد أنَّهم لو كانوا يقصدون استثارة الإسلاميين واستثارة الشَّباب، فربَّما يؤدِّي إلى ضرر، لكنِّي لا أزال مصرًا أنَّي لا أظنهم يخطِّطون لمثل ذلك، يمكن أن يثيروا الإسلاميين بما هو أقلُّ من هذا، يستثيروننا بالدَّعوة الدَّائمة إلى قيادة المرأة للسَّيارة مثلًا، إلى سنِّ الاختلاط، إلى تقنين الرِّبا مثلًا وجعله أصل من الأصول ونحو ذلك.


- في بعض الدُّول يقال: إذا كنتم تريدون حريَّة الدَّعوة، فلتفتحوا الطَّريق لكلِّ الحريَّات، وهذه أحد تجلِّيات هذه الحريَّات، في بعض الدُّول عمومًا حتَّى في الجمهوريَّات العربيَّة، يقال: إن أردتم إمَّا أن تصطفُّوا مع الاستبداد، أو يعني هذه الحريَّة التي تطلبون.

- ما أدري والله، ربَّما، لكن! حسب ما أتصوَّره أنا، وحسب قراءتي للواقع السُّعوديِّ، ربَّما لم نصل لهذه المرحلة، ولربَّما نصل إليها بعد وقت، لكنِّي أتصور أنَّه لم يصلوا بعد إلى هذه المرحلة من الفجور إن صحَّ التَّعبير.



- يعني لا تدخل ضمن إطار أو ضمن سياق التِّغريب، أليست بيدقًا من بيادقه؟

- نعم، لكن! ترى التَّغريب لا يبدأ بالاستهزاء بالله تعالى، والاستهزاء برسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، التَّغريب يرضى منك أن تسنَّ الاختلاط، وأن يصبح هو الأصل في المدارس، يرضى منك أن تصبح المرأة بدون حجابها، دون أن ينكر عليها أحد، يرضى منك أن لا تشدِّد في مسائل الحدود الشَّرعيَّة، في حدِّ السَّرقة، وحدِّ الزِّنا، وغير ذلك، التَّغريب لا يهمُّه أن تعبد ربًا عظيمًا وتجلَّه وتعظِّمه، لا يهمُّه ذلك، أهمُّ شيء أن يصبح واقعك مشابهًا للشَّارع الغربيِّ.


- ننتقل إلى قضيَّة تبدون مهتمِّين بها، قضية الإفراج عن معتقلي الرَّأيِّ في السُّعوديَّة مثلًا، وعموم الدُّول العربيَّة، فهل تتوقَّعون لمطلبكم ومطالب الآخرين صدى قريبًا؟

- والله يا أخي قضيَّة الاعتقال هي قضيَّة مؤلمة، وهي ليست جديدة، يعني في عدد من الدُّول العربيَّة مع الأسف، أصبح الاعتقال سوطًا يسلِّطه المتنفِّذون على مَنْ شاؤوا من النَّاس، دون أن يسألهم أحد لِمَ فعلتم ذلك؟ أو يحاسبهم أحد، ودون أن يخشوا هم أيضًا من أن يحاسبهم أحد على مثل ذلك، والواقع في عدد من الدُّول سواء في مصر، أو في سوريا، أو في غيرهما، يجدوا أنَّ الأمر قديم عندهم، يعني من سنوات طويلة، فيقال لك: فلان مكث أربعين سنة، فلان مكث خمس وثلاثين سنة، فلان ولد له ولد ثمَّ خرج عندما بلغ السِّتِّين، وولده في الأربعين مثلًا أو نحو ذلك.

عندنا في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة بدأ قبل سنوات، يعني من سجن المشايخ تقريبًا، بعد الأحداث التي حدثت في أعقاب الغزو العراقي للكويت، بعدها بسنوات، وبعد أحداث ما يسمَّى أحداث 11 سبتمبر والإرهاب وغير ذلك، يعني نحن كمشايخ ودعاة لا نملك أن نلزم الدَّولة بتغيير طريقة التَّعامل مع الاعتقال، وبلا شكٍّ هو أمر مؤلم لنا جميعًا، وأنا وغيري جرَّبنا هذا الاعتقال، ويتبيَّن من أوَّل يوم بأنَّك لست الشَّخص المقصود، ومع ذلك تظلُّ في المعتقل، وهذا قد وقع لي، لما وقع التَّفجير الذي حدث في الخبر قبل سنوات، اعتقلت لأنَّ الإخباريَّة وصلت أنَّي كنت في الخبر تلك السَّاعة، فمن أول جلسة مع المحقِّق تبيَّن أنِّي في الرِّياض وقت الحادثة، لأنِّي إمام لمسجد، وصلَّيت العشاء بأصحابي ذلك اليوم، وألقيت درسًا، فتبيَّن له أنَّ المعلومة خاطئة، ومع ذلك لبثت ما شاء الله في المعتقل، والمشكلة أنَّك عندما تخرج يقال لك: نعتذر، ونحن أخطأنا عليك، لكن! ربَّما تكتب تعهُّدًا، ويشدَّد عليك، وتكون مواطنًا صالحًا، طيِّب كنت قبل ذلك ماذا؟ إذا كنت الآن سأصبح مواطنًا صالحًا! فحقيقة طريقة التَّعامل مع المعتقلين غير جيِّدة بصراحة في كثير من الأحيان، نعم، ربَّما الوضع تحسَّن إلى حدٍّ ما مع بعض المعتقلين، لكن! الاعتقال من غير محاكمة، والتَّشديد على المعتقلين، هذا كلُّه حقيقة أمر مزعج.

أمَّا سؤالك حول ما نبذله نحن كمشايخ ودعاة هو بلا شكٍّ الله سبحانه وتعالى أخذ العهد علينا جميعًا بأن نكون مع إخواننا في كلِّ كربة، ونقف معهم، والمسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ولا يخذله، فإذا كان الإنسان يستطيع أن يبذل لإخوانه شيئًا وخذلهم وأسلمهم، ربَّما يقول يوما ما: أكلت يوم أكل الثَّور الأبيض.

الذي أفعله أنا وغيري فيما أعلم، هو مقابلة المسئولين في وزارة الداخليَّة وفي غيرها، الكتابة لهم مرارًا، محاولة مساعدة بعض أسر المعتقلين الذين ربَّما يكون عندهم بعض الظُّروف، لا أقصد الظُّروف الماليَّة، بعضهم يكون أولاده في فترة المراهقة، ويحتاجون إلى متابعة، أو نحو ذلك، متابعتهم نفسيًا أيضًا، أحيانًا خاصَّة لمن يطول بقاؤه، كذلك الكتابة من خلال قنوات التَّواصل الاجتماعيِّ، كذلك وهو من أهمِّ الأمور: تهدئة بعض الشَّباب الذين يريدون أن يستعملوا أساليب ربَّما أدَّت إلى اتِّساع الخرق بدل علاجه، يعني أنا يقابلني عدد من الشَّباب، ويقولون: إنَّه طفح الكيل، وها أنتم تقولون دائمًا ناصحوا ولاة الأمر، كاتبوا ولاة الأمر، لا يا شيخ أنت الآن تناصحهم منذ وقت طويل، ولم يحدث شيء، فلي أنا وغيري حقيقة دور كبير في تهدئة هؤلاء الشَّباب، بعضهم حقيقة ليس عنده شيء يخسره، فليس عنده زوجة، أو ولد، أو وظيفة يخاف عليها، أو بيت يخاف عليه، أو أمٌّ وأب، كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: (ما يفعل أعدائي بي؟!)، لا زوجة ولا عيال، يعني: أنا ما عندي مشكلة أن يطول سجني، فكذلك بعض هؤلاء الشَّباب، نشارك حقيقة في تهدئتهم بشكل كبير، بعض النَّاس يظنُّون بأنَّنا فقط نطالب الدَّولة بإطلاق المعتقلين، لا نحن لا نفعل ذلك فقط، بل نطالب أيضًا كثيرًا من الشَّباب بالهدوء، ونجلس معهم، ونصرف والله من أوقاتنا وجهودنا في سبيل تهدئتهم حتَّى لا يزداد الأمر، ويتطور لتفكير في إراقة دماء، فليست القضيَّة والله أن يقال: ما عندهم سلاح، لا القتل سهل جدًا، وخلق الإنسان ضعيفًا، فنحن نبذل حقيقة على البابين، منها مطالبة الدَّولة بإطلاق المعتقلين قدر المستطاع، بتقديمهم للمحاكمة، وبمراعاة ظروف أهلهم، ومنها كذلك تهدئة مجموعات من الشَّباب الذين ربَّما يريدون أن يعالجوا الأمر بشيء من العنف، كذلك كان لنا وقفة إن صحَّ التَّعبير مع بعض المعتقلين الذين يتبنون فعلًا الفكر التَّكفيريَّ، يعني في الجلوس معهم في حوارهم ومناقشتهم ونسأل الله أن ينفع بذلك.


- نعم، السُّعوديَّة الآن تكاد تكون مطوَّقة بأخطار عديدة، من الشَّمال إلى الجنوب، الآن هناك بعض الحوادث تبدو في الشَّرقيَّة، هناك طالبو قطرة الدَّم، يعني البعض يطلب قطرة دم ليصنع شهيدًا ليصنع اضطرابًا، ما الذي تقولونه للجبهة الدَّاخليَّة للمجتمع السُّعوديِّ عمومًا، يعني البعض صعَّد قضيَّة الجيزاوي حتَّى في السُّعوديَّة نفسها في الشَّرقيَّة، البعض صعَّد في قضيَّة أبها، فتيات أبها، هل تستشعرون أنَّ بعض الطَّوائف تريد أن تسعِّر السُّعوديَّة في لحظة ما؟

- هناك بعض الطَّوائف الرَّافضة، هم لا يعادون السُّعوديَّة كدولة، هم يعادون السُّعوديَّة كدين ومذهب، فهم يودُّون أن يروا أضرحة على القبور، يودُّون أن يسمعوا الاستغاثة بغير الله تعالى في كلِّ موطن، يودون أن يروا الغلوَّ في آل بيت رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ويسمعوا دعائهم عند الكربات، والاستغاثة بهم عند الملمَّات، يتمنَّون أن يروا مظاهر تخالف التَّوحيد والعقيدة الصَّحيحة.

السُّعوديَّة -الحمد لله- نشأت على التَّوحيد، منذ أنشِئت الدَّولة نشأت على التَّوحيد والعلم، لا إله إلا الله محمَّد رسول الله، لا إله إلا الله معناها: أنَّه لا يرضى بشرك، ولا يرضى بشيء من هذه البدع، وما شابه ذلك، هؤلاء الذين تعنيهم ولاؤهم هو لغير التَّوحيد، ولاؤهم لمن يعتقدون فيهم أنَّهم على الصَّواب، وأنَّهم على الحقِّ من أئمتهم، وهم أئمة الضَّلال، لذلك لا تستغرب إذا مررت في بعض القرى التي يسكنها الرَّافضة، فترى في الشَّوارع يعلِّقون صورة مقتدى الصَّدر، وحسن نصر الله، والسيستاني، وبعض الصُّور التي يزعمون أنَّها صورة لسيدنا الحسين، أو لسيدنا علي، أو الحسن رضي الله تعالى عنهم جميعًا، بينما لا ترى صورة أبدًا مثلًا لملك البلاد، أو ولي عهده، مع أنِّي أفتي بعدم جواز تعليق الصُّور عمومًا، لكن! أنا أضربه كمثال على ولائهم، لو اكتفوا فرضًا بوضع ما يظنُّوا أنَّها صورة لآل البيت، قد يُتغافل عن ذلك، لكن! لما يضعون صورًا لأشخاص، هم رؤساء لأحزاب سياسيَّة ينتسبون إليها، ولهم مذاهبهم، ولهم مواقفهم أيضًا من الحكومة السُّعوديَّة، هذا بلا شك يبيِّن لك بعض ما في قلوبهم من نظرتهم للدَّولة التي يعيشون فيها، المملكة لها طرق في التَّعامل معهم فيما أعلم، وربَّما هناك طرق أنا لا أدري بها، لكن! من ضمن الطُّرق التي أعلمها، تشجيع دعوتهم إلى الحقِّ، وتشجيع دعوتهم إلى السُّنَّة، فنعلم أنَّ هناك بعض المشاريع في دعوة هؤلاء إلى السُّنَّة تنال مباركة -إن صحَّ التَّعبير- من عدد من المتنفِّذين في الدَّولة، ودعم لا بأس به إلى حدٍّ ما، أيضًا تميل إلى التهدئة قدر المستطاع معهم، كما تفضَّلت هم يتمنَّون -أولئك الرَّافضة- يتمنَّون أن تسيل قطرة دم ليثوروا، فيبدو أنَّ الدَّولة لها وجهة نظر في هذا، وإن كنت أنا لم أطلب أن أشارك في موضوعهم بصراحة، ولم أستشر من جهات عليا، إنَّما فقط ربَّما استشارة من بعض الذين لهم اتِّصال في هذا الأمر، لكن! أنا لا أعرف حقائق الأمور الدَّقيقة فأستطيع أن أحكم من خلالها.


- بل لكم موقف نقدي في مسألة دعم القنوات السُّنِّيَّة.

- صحيح، حقيقة هناك عدد من القنوات التي تعمل في الدَّعوة إلى السُّنَّة، والذَّبِّ عن آل بيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والذَّبِّ عن الصَّحابة الكرام، يعني هناك بعض التَّضييق عليها حقيقة، قناة وصال، وصفا، والبرهان، ونور، وبيان، وكلمة، هناك بعض التَّضييق عليها حقيقة، وهذا لا يناسب المرحلة التي نعيشها، الرَّافضة الآن عندهم أكثر، عندهم عشرات القنوات، تسمع فيها سبًا لصحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وسبًا لأمَّهات المؤمنين، وجرأة في رفع البشر إلى منزلة الألوهيَّة، ومع ذلك نحن نضيِّق على القنوات الإسلاميَّة التي تحارب الفكر الضَّال في تلك القنوات، هذا بلا شك تصرُّف غير جيِّد.


- نعم، فيما يخصُّ سوريا، أحسست بأنَّكم من المتفائلين فيما يخصُّ سوريا من خلال كتاباتك الأخيرة، هذا التَّفاؤل تريدون أن تبثونه للمسلمين، أم أنَّه يستند إلى معلومات حقيقيَّة، ليست فقط السُّنن الكونيَّة والرَّبَّانيَّة، وإنَّما معلومات ربَّما تطلعون عليها بحكم اطلاعكم على مجريات الأوضاع، لاسيَّما بعد زيارة الأردن الأخيرة؟

- التَّفاؤل منهج شرعيٌّ، أمرنا به صلَّى الله عليه وسلَّم، وحثَّ على التَّفاؤل، وكان يعجبه الفأل، وهو أيضًا من حسن الظَّنِّ بربِّنا سبحانه وتعالى، وأنا عندما أتفائل لست أتفائل في أمر تجاري دخلت فيه، فأتفائل أنَّه سيربح، أنا أتفائل في قضيَّة عندنا نصوص شرعيَّة تدلُّ على صحَّة هذا التَّفاؤل، فالله سبحانه وتعالى يقول: {وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم:47]. وقال الله جلَّ وعلا: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:40]. ويقول الله سبحانه وتعالى: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف:110]. ويقول: {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ} [إبراهيم:42]. هذا التَّفاؤل هو مبنيٌّ على نصوص شرعيَّة أكثر منه على رغبة شخصيَّة.

واقع سوريا اليوم يعني لو رسمت خطًا بيانيًا لبداية الجهاد اليوم في سوريا، والمكتسبات التي كسبتها الثَّورة، لوجدت أنَّ هذا الخطَّ يرتفع ولا ينخفض، لا يزال يرتفع ولا ينخفض، وهذا يدلُّك على قوَّة هذا الخير الذي ينتشر ويظهر، والأخبار الأخيرة أيضًا في هلاك عدد من ذلك النِّظام الظَّالم الضَّال، بلا شك أنَّها تسرُّ، واستنفار ذلك النِّظام للدُّول التي حوله، وطلب المعونة منها، هذا يدلُّك على شدَّة ما أصيب به من هلع وضعف وخور، فهو لن يطلب من إيران معونة، ولن يطلب من حزب اللات معونة، إلا وهو لا يستطيع أن يُدافع عن نفسه، فلو كان عنده من القوَّة ما يستطيع به أن يُدافع عن نفسه لما استغاث بهم واستجار، فهو كلَّما استجار بأحد، وزاد الذين يُقبلون عليه يساعدونه، أنا أتفائل بإذن الله تعالى أنَّ الهلاك قريب منه، وذلك لأنَّ مثل هذه الدُّول إذا شعرت بضعفه الشَّديد ستتخلَّى عنه، وهذا أمر واقع دائمًا، والذي نصرك لأجل مصلحة يرجوها منك، إذا شعر بضعفك الشَّديد وقرب سقوطك، فإنَّه يتخلَّى عنك، كما لو أنَّ وزيرًا مثلًا طلب أشخاصًا أن يقفوا معه، فهم الآن يساعدونه لأجل ما يكنُّون في أنفسهم من مصالح يحصلون عليها منه، إذا استمر في وزارته، فإذا بدأت الأمور تتَّضح وأنَّه ساقط لا محالة، بدؤوا يتخلَّون عنه، وبدأ كلُّ إنسان يبحث عن مصلحته الشَّخصيَّة، مثل الشَّيطان لما قال للكافرين عند خروجهم إلى معركة بدر، خرج لهم في صورة سراقة بن مالك، وقال: إنِّي جار لكم، قال الله تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ} [الأنفال:48]. فكذلك هؤلاء اليوم، كلَّما ازدادوا استنصارًا بإيران وبحزب اللات أنا أزداد تفاؤلًا، وأقول في نفسي إنَّ الذي يذهب إلى دولة أخرى يقاتل لتثبيت نظام، هو ليس نظام دولته في الغالب، لن يقاتل بإخلاص تامٍّ، يقاتل لأجل الأموال، أو ربَّما يظهر أمامهم أنَّه يقاتل، صحيح أنَّ العقيدة واحدة عندهم كلهم، وأنَّ الحقد كبير، لكن! يبقى أيضًا النَّفس لها حظوظ تمنعها أحيانًا من الاستمرار في ما هي عليه.



- تتحسَّسون ممَّا يحدث في لبنان، أنَّ شوكة أهل السُّنَّة، ربَّما هناك شعروا بنوع من العزَّة خلَّفتها أحداث سوريا مثلًا؟

- ليس في الإمكان أبدع ممَّا كان، إخوتنا من أهل السُّنَّة والجماعة في لبنان، هم منذ سنوات يعانون التَّهميش السِّياسيِّ، وعدم الالتفات إليهم، وحزب اللات طغى وبغى عليهم، وحارب أمورًا كثيرة كانت الأصل أن يقوم بها أهل السُّنَّة والجماعة، التَّلويح بالعصا دون أن تضرب بها، يخوِّف من أمامك، ويجعله يدفع إليك حقَّك. الإخوة في لبنان الآن، مثل هذه المظاهرات التي يقومون بها، وهذه الثَّورة ربَّما تبدو أكبر من حجمها في الوقت الحالي، لكنَّهم اكتسبوا بها بعض المكتسبات، فبعض من قبض عليهم تمَّ إخراجه، وهذا يدلُّك على أنَّ حزب الله لا يريد أن يدخل معركتين، فهو لا يريد أن يُطعن من خلفه، وهو الآن يحارب من يطعنه من أمامه.



- هل ترون أنَّ دول الخليج العربيِّ ستتأثر بما يسمَّى الرَّبيع العربيَّ؟ وسيحدث فيها نوعًا من التَّغيير بسبب الثَّورات العربيَّة المتلاحقة، وهل ما حدث في الحراك السياسي بالكويت هي البداية؟

- ربَّما لا أعرف بالضَّبط ما هو الجواب في ذلك، ولو كان عندي جواب لذكرته، لكن! لا أستطيع أن أتنبَّأ بالواقع في دول الخليج، فالتَّنبُّؤ بواقعها أمر صعب، ربَّما بعض الدُّول عندها دساتير واضحة، قوانين واضحة تسمح بالأحزاب، تسمح بالنَّقابات، وبالتَّالي تستطيع أن تتنبَّأ بناء على عدد من المعطيات بين يديك، وبناء على تجارب سابقة.


- طيِّب، هل تتوقَّعون انفتاحًا وإطلاقًا للحريَّات في دول الخليج؟

- أنا متفائل بهذا، لكنِّي لا أعلم الآن أن هناك شيئا سيقع، أنا متفائل بهذا، وهناك عدد من الحريَّات ستطلق، لكن! ما أعلم الآن أنَّ هناك أشياء عمليَّة بدأت في هذا الباب.


- نعود إلى سوريا وما قمتم به سابقا من زيارتكم للأردن، هل لامستم حاجة ملحَّة بالنِّسبة لدعم اللاجئين السُّوريين؟

- أمَّا بالنَّسبة للاجئين السُّوريين، أنا زرتهم، وربَّما -يعني نسأل الله الإخلاص في القول والعمل- أكون أول شيخ يزورهم، فأنا زرتهم بعد لجوئهم إلى الأردن، تستطيع أن تقول بأيَّام، ثمَّ بعد ذلك تتابع عدد من المشايخ لزيارتهم.
أوَّل ما جئتهم كانوا فعلًا بحاجة شديدة، لكن! كان يوجد عدد من المؤسَّسات الخيريَّة قد وصلت، وبدأت تعمل، الآن تتابع عليهم عدد كبير جدًا من المشايخ والدُّعاة والتُّجَّار، وتحسَّن حالهم كثيرًا، لكن! الذي يحتاج إلى دعم حقيقيٍّ هي كتائب الجيش الحرِّ، المجاهدون في سوريا هم الذين يحتاجون إلى الدَّعم الحقيقيِّ، من كان يستطيع أن يوصل إليهم شيئًا من الدَّعم الماديِّ، فهو مطالب بذلك، هم يدافعون عن دينهم، وعن أعراضهم، وعن التَّوحيد والعقيدة، هم يستحقُّون كلَّ الدَّعم.


- في مؤتمر أحكام النوازل السياسية، تفضلتم بالحديث عن قضية التَّدرُّج، التَّدرُّج ربَّما كان في الماضي يمكن قبوله، ربَّما كان مفاجئًا للطَّرف الآخر، الآن ليس مفاجئًا للطَّرف الآخر، لعلَّ قوى كثيرة ليست إسلاميَّة بالضَّرورة تقول للإسلاميين: أنتم تفعلون كذا ثمَّ كذا، ثمَّ كذا، أنتم تتدرَّجون معنا لتصلوا معنا إلى كذا، كيف يمكن حلُّ هذه المشكلة؟

- نحن نتكلَّم عن التَّدرُّج ليس لأجل إقناع الأحزاب المعارضة للإسلام، فهذه الأحزاب المعارضة للإسلام إذا أقرَّت أنَّك أنت الحاكم، أنت الذي بيدك الدُّستور، أنت الذي بيدك الجيش، والشُّرطة، والمباحث، وأجهزة الدَّولة، فهي لابدَّ أن تلتزم لك، مادام أنَّها أقرَّت أنَّها انتخابات نزيهة منظَّمة، وأنَّك فزت بناء على نظام هم موافقون عليه أصلًا، وأنَّهم لو فازوا هم لاضطررت أنت للدُّخول تحت رايتهم، فنحن في كلامنا لا نتكلَّم عن التَّدرُّج في تطبيق الشَّريعة مع أحزاب هي أصلًا معارضة للإسلام، نحن نتكلَّم عن تطبيق الشَّريعة في المجتمع عمومًا، هذه الأحزاب لو جمعت أصحابها، ربَّما لا يتجاوزون كلهم بضعة آلاف، بينما مثلًا في مصر النَّاس المسلمون المحبُّون للإسلام الذين يفرحون بتطبيق الشَّريعة، هم الذين يحتاجون إلى أن تنظر بعقل وحكمة، كيف نبدأ في تطبيق الشَّريعة معهم؟ وهم السَّواد الأعظم، هم عشرات الملايين الذين نتحدَّث عنهم، فكما قال: إذا رضيت عنِّي كرام عشيرتي، فلا زال غضبان عليَّ لئامها، أولئك الأحزاب لا نلتفت إليهم، مادام أنَّني فزت، وأصبح الأمر بيدي الآن، كيف أتعامل أنا مع الشَّريعة؟ رضيت أولئك الأحزاب أم لم ترض، هذا أمر آخر يمكن أن نتعامل معها بما يكفله لي الدُّستور من نظام، بحيث أنَّها لا تحدث بلبلة.


- نعم، لكن! هذا التَّدرُّج قد يُحدث نوعًا من التَّناقض، يقال: أنتم تدعون إلى دولة الحريَّات، ثمَّ تطلبون تقييدها مثلًا، أو ترضون بآليَّة الدِّيمقراطيَّة، ثمَّ تريدون تحويلها إلى شورى مثلًا، أو ما شابه.

- ما أظنُّ، الأحزاب الإسلاميَّة التي فازت، هي فازت بناء على نظام قدَّمته للذين ينتخبونها، فإذا كان الحزب الإسلاميُّ لما تقدَّم إلى النَّاس لينتخبوه، وجعل من ضمن المعطيات التي يتكلَّم بها، سأعطي الحريَّات الكاملة، وسوف أطبِّق الشَّريعة، وسوف أجعل القرآن هو الدُّستور، ثمَّ فاز، هنا يحدث النِّقاش: هل أنت الآن ستغيِّر ما أعلنته قبل أم لا؟ لكن! لما يكون المرشح الإسلاميُّ بيَّن أنَّ هذا هو منهجي، إن انتخبتموني فليس عندي حريَّات تخالف الشَّريعة، ليس عندي حكم بغير ما أنزل الله، إن انتخبتموني فأنا سأطبِّق هذا، عندها لا يحقُّ للأحزاب المعارِضة له أن تقول: نحن لا نرضى بك، لا، أنا لا يهمُّني رضيتم بي أم لم ترضوا، أنا وصلت إلى سدَّة الحكم عبر صناديق اقتراع، عبر اختيار السَّواد الأعظم من النَّاس الذين سأتعامل معهم، وسأطبِّق عليهم ما وعدتهم به.


- لكن! أحيانًا يقال: أنتم تقولون في قرارة أنفسكم أنَّ هذه الدِّيمقراطيَّة ليست صحيحة، ثمَّ تقبلون بها، أليس هذا نوع من التَّلاعب؟

- الدِّيمقراطيَّة هي ثوب فضفاض، يستطيع كلُّ واحد أن يجمع أطرافه عليه كما يشاء، وأيضًا هذه من الكلمات التي أصحابها أنفسهم الذين يحتجُّون بها، لا يتَّفقون فيما بينهم على شرح موحد لها، ولا على حدود معيَّنة لها، فهو يقول لك ديمقراطيَّة، فإذا أردت أنت أن تستعمل الدِّيمقراطيَّة معه، وهو يحكمك، أخذك ورماك في السِّجن، ولم يرضَ أن يتعامل معك بالدِّيمقراطيَّة، فكذلك ما دام أصلًا أنَّها هي كذلك، ثوب فضفاض ولفظ عام، فكذلك الإسلاميُّون إذا لم يلتزموا بها من البداية، لو جاء وقال: يا جماعة أنا لا أقول لكم سأحكمكم بديمقراطيَّة، أو ليبراليَّة، أو علمانيَّة، أنا سأحكمكم بالإسلام فرشحوني، وهذا هو النِّظام الذي سأسير عليه، وهذه هي الطَّريقة التي سأتعامل معكم عليها، لا تطالبوني بأيِّ مذهب من المذاهب الجديدة ديمقراطيَّة، أو ليبراليَّة، أو غير ذلك، إذا انتخبه النَّاس على مثل هذا، فلا يلتفت إلى غيره.


- سؤال يخص شخصكم أنتم، يبدأ كل إنسان مشواره الدَّعوي بأحلام معيَّنة، ربَّما حتَّى غير الدَّعويِّ، أنتم شوهد لكم نوع من النَّجاح -نسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم- في الدَّعوة، لكن! في كلِّ سنٍّ ومرحلة، الإنسان يراجع نفسه، فهل هناك مشروع تمنَّيت لو بدأت به منذ البداية، وتتمنَّى أن تتداركه فيما بقي من العمر؟

- ليس هناك مشروع بدأته -ولله الحمد- إلا وقد أتممته، أنا لما بدأت في الدَّعوة في أوائل العشرينات،لم يكن همِّي أن أنشِأ حزبًا، أو اتِّحادًا، أو كذا، كان عندي عدَّة اهتمامات، منها: أن أنهي الدِّراسات العليا، ومنها كذلك أن أطوِّر قدراتي ومهاراتي، أن لا أنشغل بأحزاب أو نحو ذلك، أن أطوِّر المهارات، والقدرات، والأمور العلميَّة، حتَّى لو أصبح للمرء الضَّعيف شيء من القيادة، تكون القدرات التي عنده تساعده على قيادة غيره.


- أعني مشروعًا لكم طرأ.

- سأتحدث عن ذلك، أحسب أنِّي خلال الخمس عشر سنة الماضية، حقَّقت ما أريد من تطوير الذَّات، من مؤلفات، ومن إقامة علاقات واسعة جدًا بأكثر الدُّعاة في العالم، بيني وبينهم مراسلة واتِّصال، أيضًا ألَّفت فيما كنت أريد أن أؤلف فيه، ولي برامج تليفزيونيَّة ثابتة الآن أصبح لها صداها.

بعد ذلك أنتقل الآن إلى مرحلة أخرى، بعدما جاوزت الأربعين، وهي أن أكوِّن منظَّمة، أبدأ أدخل عملي من خلالها، أنا لم أشأ أن أدخل تحت منظَّمة من البداية، الآن نحن عملنا على إنشاء الاتِّحاد العالميِّ للدُّعاة، سُجِّل في بريطانيا، طبعًا لم يعلن عنه إلى الآن رسميًا، فأنت صار عندك سبْقٌ صحفيٌّ في هذا، وما تكلَّمت عنه أنا من قبل، هذا له نظامه، وله اهتمامه، يهتمُّ بصناعة الدُّعاة، بتبنِّيهم بإنشاء دعاة جُدد، بإقامة برامج دعويَّة، فيه كل ما يتعلَّق بالدَّعوة إلى الله تعالى، وهذا الاتِّحاد يختلف عن رابطة علماء المسلمين، ويختلف عن الاتِّحاد العالميِّ لعلماء المسلمين، وذلك لأنَّ هناك عددًا من الإخوة العاملين في الدَّعوة لا يصنِّف نفسه عالما، فتجده مثلًا ربَّما شابٌّ عنده مخالفات شرعيَّة في مظهره، وليس عنده معلومات شرعيَّة قويَّة جدًا، لكنَّه أوتي لسانًا عذبًا وكلامًا حسنًا وحبًا للإسلام، وقبولًا عند النَّاس، وبالتَّالي أنا أتبنَّاه، لأنَّ هذا لن يتبنَّاه اتِّحادٌ عالميٌّ للعلماء، فهو ليس عالما، وليس متخصِّصًا في الشَّريعة، ولا رابطة علماء المسلمين، فأنا أتبنَّاه في هذا الاتِّحاد العالميِّ للدُّعاة، بحيث أنَّنا نوجِّه، ونتعاون، وما شابه ذلك.


- هل هناك أسماء دعاة وعلماء مشهورة في الاتِّحاد؟

- طبعًا إلى الآن لا، الاتِّحاد سُجل في بريطانيا، وهناك في مجلس الأمناء إخوة غير مشهورين، النِّظام يُلزمك بشروط معيَّنة، قد لا تنطبق على بعض الدُّعاة، إذا تمَّ التَّسجيل، بعد ذلك نبدأ نحن في تكوين مجلس الأمناء وغيره.


- ألا يطمح اتِّحادكم أن يكون فيه أسماء شخصيَّات من الدُّعاة والعلماء المعروفين؟

- بلى، سيكون ذلك إن شاء الله، لكن! عمره الآن قليل، فإلى الآن لم نبدأ في إعلانه، والدَّعوة له.


- هل تلقيتم أضواء خضراء من بعض الأسماء الشَّهيرة؟

- تقريبًا أنا عرضته على عدد من الدُّعاة قبل ذلك، وفرحوا به، واستعدُّوا للتَّعاون فيه، لكنِّي لا أرغب في ذكر الأسماء حتَّى ينطلق بإذن الله.


- بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا.

- الله يحفظك.

  • 4
  • 0
  • 5,521

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً