شعب مصر: إليك خارطة البناء

منذ 2013-01-06

وسط حرب ضارية تحول بين الشعب المصري وتحقيق أماني التقدم والبناء أضع خارطة طريق لتحديد المسار عسى أن ينفع الله بها.


وسط حرب ضارية تحول بين الشعب المصري وتحقيق أماني التقدم والبناء وبين معوقات وعراقيل لا تنتهي وموانع وسدود أمام أي عمل بناء وأي جهد جاد وتشويه ومحاربة شرسة لكل صاحب قضية, وسط كل هذا يخطو الشعب المصري لبناء دولته المنشودة خطواته الأولى في اختبار لجديته وقدراته على التقدم ولكنه للأسف اختبار بالغ الصعوبة نظراً لشراسة أعداء الخارج وتواطؤ أصحاب المصالح الدنيئة معهم من الداخل.

أضع خارطة طريق لتحديد المسار عسى أن ينفع الله بها:

حتى يكون البناء سليماً لابد من وضوح الهوية:

الشعب المصري الكريم أثبت في كل اختباراته أصالة نادرة ووقوفاً خلف هويته الإسلامية, ظهر ذلك في شتى مواقفه واختياراته سواء لنوابه أو مطالباته الواضحة بتطبيق الشريعة الغراء, وبقي دور العلماء والدعاة وسط مناخ الحرية السائد الذي يعد اختباراً حقيقياً لأهل الدعوة والعلماء لتوصيل الشعب بخالقهم وتعزيز الانتماء للهوية الإسلامية في قلوبهم وأفعالهم, كذا بيان سماحة الإسلام في التعامل مع أبناء الديانات الأخرى واحتواء تواجدهم وجوارهم نظراً لطبيعته الشمولية والعادلة, فقد أمر الله تعالى بالقسط والبر لأهل الكتاب ممن لا يقاتلون أو يحاربون ووضح سبيل التعايش بما يكفل سلام المجتمع.

إهمال التشويه المتعمد والإفساد المغرض:

الأقلام والأفواه المأجورة التي تفت في عضد المصريين وتشوه الإسلام ورموزه ولا تنفك عن الهدم المتعمد بدس السُّم الزعاف ليل نهار في وسائل إعلامية يمولها صهاينة وأصحاب مصالح.

هذه الأبواق ينبغي للشعب المصري حتى ينجح في اختباره ألا يعيرها أي اهتمام إطلاقاً, وينبغي أن يتحسس خطوات المخلصين من أبناءه ويستمع لمشورتهم وآرائهم حتى يخرج من كبوته بسلام, فمصر ولله الحمد تعج بالصالحين والمصلحين والمخلصين في شتى الميادين في ميدان الدعوة والعلم والاقتصاد والمجال العسكري والتقني والزراعي.. وأغلبية هؤلاء كانوا مغمورين سنوات الظلم نظراً لصدعهم بالحق وإرادتهم مصلحة وطنهم ونماءه.

نبذ الشائعات:

من أبشع وسائل الهدم المتعمد نشر الشائعات وثقافة التخويف ولو بالكذب وتضخيم المخاوف حتى يفقد الشعب الثقة في كل من يريد مساعدته وحتى يؤول الحال إلى ما هو أصعب أو يعود إلى سابق عهد الظلم والاستبداد.
فترديد الشائعات وتصديقها مساعدة لأعداء الوطن وأعداء الهوية الإسلامية وأعداء النمو والتقدم فالحذر كل الحذر من تصديقها أو المساعدة على نشرها, وينبغي التثبت والتأكد والتحقق من كل قول أو خبر وعدم التسرع في نشره.

التعاون واتحاد الكلمة ونبذ التفرق طريق لقوة البناء:

ما نراه اليوم من إعجاب كل ذي رأي برأيه ومن تشرذم بعض المخلصين وكذا تشرذم أبناء الحركات الإسلامية حول أشخاص أو أفكار معينة؛ كل ما سبق ينذر بتفرق يورث ذهاب الريح إن لم يتم الإصلاح وتكريس التعاون الحقيقي بين أبناء الوطن الواحد خاصة أبناء الحركات الإسلامية، ونبذ التعصب وإحلال روح التعاون الإسلامي، وتغليب مبدأ الشورى في كل كبير وصغير من القضايا الشائكة على الساحة.

أولاً: ضرورة التعاون الإسلامي:

قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: من الآية 2].

{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً} [آل عمران: من الآية 103].

يقول الشاعر:

 

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً *** وإذا افترقن تكسرت آحادا



فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي، يميل للاجتماع بغيره لقضاء مصالحه ونيل مطالبه التي لا تتم إلا بالتعاون مع غيره, ومصلحة النفس والأمة لا تتم إلا بالتعاون على البر والتقوى.
المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، وفي الحديث: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً» وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه [رواه البخاري ومسلم].

ومن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم ولا يهابهم عدوهم إلا بالتضامن الإسلامي الذي حقيقته التعاون على البر والتقوى والتكامل والتناصر والتعاطف والتناصح والتواصي بالحق والصبر ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية والفرائض اللازمة.

ثانياً: خطورة التفرق والتناحر:

يقول فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: "التفرّق أمر مؤلم ومؤسف كما قال الله تعالى: {{C}{C}وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم{C}{C}} [الأنفال: من الآية 86]، فإذا تفرّق الناس وتنازعوا فشلوا وخسروا وذهبت ريحهم وأعداء الإسلام ممن ينتسبون للإسلام ظاهراً، أو ممن هم أعداء للإسلام ظاهراً وباطناً يفرحون بهذا التفرّق وهم الذي يشعلون ناره ويلقون العداوة والبغضاء بين هؤلاء الأخوة الدعاة إلى الله عزّ وجل، فالواجب أن نقف ضد كيد هؤلاء المعادين لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولدينه، وأن نكون يداً واحدة، وأن نكون إخوة متآلفين على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما كان سلف الأمة في سيرهم ودعوتهم إلى الله عزّ وجل، ومخالفة هذا الأصل ربما تؤدي إلى انتكاسة عظيمة، والتفرق هو قرة عين شياطين الإنس والجن؛ لأن شياطين الإنس والجن لا يودون من أهل الحق أن يجتمعوا على شيء، بل يريدون أن يتفرقوا لأنهم يعلمون أن التفرق تفتت للقوة التي تحصل بالالتزام بالوحدة والاتجاه إلى الله عزّ وجل، ويدل لهذا قوله تعالى {{C}{C}وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم{C}{C}}، وقوله: {{C}{C}وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ{C}{C}} [آل عمران: 105]، وقوله: {{C}{C}إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ{C}{C}} [الأنعام: من الآية 159]، وقوله: {{C}{C}شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيه{C}{C}} [الشورى: من الآية 13]، فالله تعالى قد نهانا عن التفرّق وبين لنا عواقبه الوخيمة، والواجب علينا أن نكون أمة واحدة، وكلمة واحدة، وإن اختلفت آرائنا في بعض المسائل، أو في بعض الوسائل؛ فالتفرّق فساد وشتات للأمر، وموجب للضعف، والصحابة رضوان الله عليهم حصل بينهم الاختلاف لكن لم يحصل منهم التفرّق ولا العداوة ولا البغضاء، حصل بينهم الاختلاف حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهم بأنفسهم لم يتفرّقوا من أجل اختلاف الرأي في فهم حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وهكذا يجب علينا أن لا نتفرّق وأن نكون أمة واحدة" أ هـ.

ثالثاً:

حتمية نبذ التعصب للأشخاص والمسميات:

التعصب والتمسك بأهواء النفوس من أسباب الضلال، فاتباع الهوى هو الذي هلك به بلعام بن باعوراء، فقد قال الله تعالى في شأنه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ . وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 175-176]، وقال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].

ورُوِي عن علي رضي الله عنه أنه قال: "أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة".

يقول ابن القيم رحمه الله:

 

وتعرَّ من ثوبين من يلبسهما *** يلقى الردى بمذلة وهـــــوان
ثوب من الجــهل المركب فوقــــــــــــــه *** ثوب التعصب بئست الثوبان
وتــــحل بالإنصــــــــاف أفخر حـــــــــلة *** زينت بها الأعطاف والكتفان



بذور البناء ينبغي ألا تتوقف:

الإسلام حض أبناءه على استمرارية البناء حتى قيام الساعة بلا توقف أو كلل , فديننا دين بناء وعمل. روى الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل».

دين عظيم يحض على البناء حتى نهاية الدنيا, و من أراد أن يتأمل عظمة المعاني في هذا الأمر النبوي باستمرارية البناء حتى قيام الساعة فليسأل نفسه: لماذا لم يقل صلى الله عليه وسلم إذا قامت الساعة وأحدكم يصلي ركعتين فليكملهما رغم أن الصلاة عماد الدين وأفضل من الغرس؟؟ ولماذا حضنا على الغرس حتى قيام الساعة رغم أن الثمرة لن يراها أحد فالأمر قد انتهى..

الأمر بكل وضوح هو غرس ثقافة البناء واستمرارية العطاء في قلوب المكلفين بحمل الأمانة.

وفي ضوء هذه الكلمات المضيئة علينا أن نتعلم استمرارية العطاء والصبر على البناء حتى في أحلك المواقف, وستنضج الثمرة وسيقطفها أبناءنا وأحفادنا إن شاء الله.

سواعد الشباب:

اهتم الإسلام بالشباب اهتمامًا عظيمًا؛ لأنهم عصب الأمة ورجالها، الذين يحملون عبء الرسالة وإبلاغها إلى العالمين، ولقد قامت نهضة الإسلام من قبل على أكتافهم وسواعدهم.

والتاريخ الإسلامي زاخر ببطولات الشباب في بناء التاريخ الإسلامي بداية من شباب الصحابة وانتهاء بالعديد من القادة التاريخيين لجهاد الظلم والعدوان بداية من مصعب وعلي ابن أبي طالب وخالد بن الوليد مروراً بصلاح الدين وقطز والشافعي وابن تيمية وصولاً إلى القائد الشيشاني "شامل باساييف" ورفيقه الأمير العربي الشيشاني "خطاب" رحمهم الله و أبطال "كتائب القسام" بفلسطين و أبطال "ثورات الربيع العربي الحديثة" الذين أبهروا العالم بوقوفهم أمام الطغيان.

الآن لابد لهؤلاء من دور فعال وتوظيف حقيقي في معركة البناء والتنمية المنشودة فهم وقود الأوطان وحماة الهوية.

وليكن لسان حالك قول القائل:

 

فلتعش حراً وتبني *** للدنى مجداً أثيلاً
جد في الدنيا وكافح *** ولتكن شهماً نبيلاً

فلتكن في الحق صلباً *** لا ترواغ لا تجامل
هي لله حياة *** فلماذا أنت خامل

إنني إياك أدعو *** لتكون اليوم نجماً
يهتدي بك قوم *** وتزيح اليوم هماً

وكتاب الله فينا *** نور درب ليس يخبو
فلتكن مشعل حق *** ولفعل الخير تصبو

أيها الشاب تعالى *** نملأ الكون جمالاً
ونعيد اليوم مجداً *** هو للأرض كمالاً



أترككم في رعاية الله وأمنه.

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 2,552

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً