مصير سوريا

منذ 2013-02-12

سوريا التي يعوَّل عليها كثيرًا في (وحدة إسلامية) -عفوًا فقط (عربية منسية)- مهددةٌ بالانشطار كالقنبلة؛ ليصيب كل قبيل شظية على قدر بلائه، العَلَويون والأكراد والسنَّة -عفوًا (العَلْمانيون)- أو (المجلس الوطني) المتربِّص بالكعكة؛ إذ يقسمها قرار الأمم المتحدة المتلكئ دومًا في كل قضيةٍ تخدم دين الإسلام وأمتنا، الكل عدانا -دعاة الوحدة والإسلام- يأخذ دورَه في الطابور، فهل تُخلِف سوريا ظنَّ الكل وتبني جسرًا نحو الوحدة؟ هل نعتبر (الجيش الحر) نواةً أُولى لجيش الوحدة، جيش الإسلام المنتصر الحامي ذمار الأمة؛ إذ يعتبر السفاكون العَلويين القتلةَ (جيشًا عربيًّا) بغرورٍ مذعور؟!

 

ما آمن بالقدر رجلٌ ينحِّيه عن أحداث الربيع العربي الصائر بردًا قارسًا يلفح لاجئي سوريا على أطراف الأردن وتركيا، ذلك القدر الغائب عمدًا وسهوًا عن عقول الساسة وأقلام الصحفيين، لا يزال يحتفظ وحدَه بمصيرِ سوريا القريب والبعيد، أقول: كما لا يزال، وإن طال الأمدُ قليلاً، يحتفظ بمصير فلسطين والعراق، وأفغانستان وبورما، وحتى مصر وتونس؛ لكن سوريا اليوم أولُ القصيد؛ بل أول سياق الهمِّ العربي المسلم.

ستنتهي الحربُ المسماة خطأً (ثورةً) في سوريا؛ لكن الناتج عنها أخطرُ بكثيرٍ منها، لربما يكون تقسيم سوريا، أو إلحاقها كاملةً بـ(هلال الشيعة)؛ التي هي جزءٌ منه بالفعل منذ عقودٍ على حين غفلةٍ منا، ولسان الحال المسلم السُّنِّي، وما من صدًى مجيبٍ: "رضيتُ بواقع التجزئة العربي المؤلم ولم يَرْضَ بي".

سوريا التي يعوَّل عليها كثيرًا في (وحدة إسلامية) -عفوًا فقط (عربية منسية)- مهددةٌ بالانشطار كالقنبلة؛ ليصيب كل قبيل شظية على قدر بلائه، العَلَويون والأكراد والسنَّة -عفوًا (العَلْمانيون)- أو (المجلس الوطني) المتربِّص بالكعكة؛ إذ يقسمها قرار الأمم المتحدة المتلكئ دومًا في كل قضيةٍ تخدم دين الإسلام وأمتنا، الكل عدانا -دعاة الوحدة والإسلام- يأخذ دورَه في الطابور، فهل تُخلِف سوريا ظنَّ الكل وتبني جسرًا نحو الوحدة؟ هل نعتبر (الجيش الحر) نواةً أُولى لجيش الوحدة، جيش الإسلام المنتصر الحامي ذمار الأمة؛ إذ يعتبر السفاكون العَلويين القتلةَ (جيشًا عربيًّا) بغرورٍ مذعور؟!

لقد قسموا العقول بالفعل، مَن مِن الكرد السوريين اليوم لا يود لحاق بلاده بأرض الأكراد، ذاك الشِّلو الذي استقال فعلاً أو انتُزِع من عراق أمس؟! وهل يَقبل العَلويون، وقد حكموا سوريا ستة عقودٍ ونيّفًا، أن يبيتوا ليلةً واحدةً وقد حكمهم أهلُ السنة؟ كان العَلْمانيون رضوا بحُكْم الإسلاميين في مصر وتونس! إن لسان حال الجميع يقول: "إما أن أحكمَ البلاد كلَّها، أو على الأقل قُرايَ، ولو كانت (قزمة)".

لكن الله غالبٌ على أمره، وقد أراد الوحدة؛ فأقام الثورة، تلك التي شاء أنصارها وأبى أعداؤها أن تتحولَ إلى حربٍ طاحنة، جهادٍ في سبيل الله تعالى بحقٍّ، ومكللٍ بنصره العزيز إن شاء تعالى. هل يحلم حالم أن تُضْحِيَ سوريا جسرًا في وحدتنا الكبرى، وأن يكون الجيش الحرُّ نواةً أولى لجيش الإسلام الحامي ذمار الأمة، ولمَ لا؟

يتحدثون اليوم عن مصير (بوسني) لسوريا، يقارنون بين أوجه الشبه فقط بين سوريا اليوم و(البوسنة) منذ نيفٍ وعشرين عامًا، تقول (اللوموند) كما ينقل الأستاذ فهمي هويدي، وفي فرنسا خاصةً يبدأ الحديث قبل أن يبيتَ واقعًا وفعلاً، ولفرنسا خاصةً اهتمامٌ بالشام وسوريا:

في كلتيهما (سوريا والبوسنة) تكون الحرب:


1 - دينية:
أ- بين الصِّرب الأرثوذكس ضد الكروات الكاثوليك والبوسنيين المسلمين.
ب- وفي سوريا اندلعت الانتفاضة ضد الأسد في أوساط الأغلبية السنِّية، في حين وقف بعض رموز الأقلية العَلوية مع الأسد، رغم أن العَلويين ليسوا كلهم مع النظام.

2- قومية:
أ- الصرب ضد البوسنيين والكروات، ودُمرت سراييفو؛ لأنها الحاضنة والرمز للتعدُّد الإثني، كما قُصفت حلب بذات القدر من القسوة والوحشية، وهي الحاضنة للتاريخ والتعدد، تمامًا كما قُصفت سراييفو.

3 - وما تقوم به شبيحة الأسد من فظائعَ واغتصابات للنساء لا يختلف كثيرًا عن عمليات القمع والقتل الوحشي والاغتصاب التي قام بها شبيحة (راتكو ميلاديتش وكاراجيتش) في البوسنة.
4 - كذلك فإن عمليات التطهير العِرْقي التي قام بها الصِّرْب بحق البوسنيين تكررت في سوريا بين القرى العَلوية والسنِّية.

5 - يجمع بين الأزمتين السورية والبوسنية أيضًا مشهدُ وقوف المجتمع الدولي مما يجري موقف المتفرج، فتدعيم روسيا للنظام الصِّربي في السابق شبيهٌ بموقفها الداعم للنظام السوري اليوم.
6 - أما عن أمريكا المهيضة، فملتمسة عون روسيا في ملف إيران النووي.

تلك هي المقدمات، والتقسيم النتيجة، ما هذي إلا حيثيات الحُكم به، والقانون والمنطق، والإرادة الغربية المريدة الشر بالمسلمين، والمستغلة قضاياهم أسوأ استغلال، تقول جميعها ما يقول هويدي على لسان (الليموند):
"وكما قُسمت البوسنة في اتفاقات دايتون تقسيمًا يراعي الخطوط الطائفية؛ فإن سوريا مهددة بذلك التقسيم بين السنَّة والعَلويين والأكراد".

أنعِمِ النظر في وصفهم (المجلس الوطني المنتخب) -ولا أدري مِن قِبل مَن- بـ(الشريك الشرعي الوحيد)؛ أي: إن الثوار في سوريا -وسيكونون معضلة ولا أبا حَسَن لها- غيرُ معترَف بهم لدى هؤلاء، هؤلاء الذين يرفضون تسليح الثوار والجيش الحر بأسلحةٍ ثقيلة؛ لأنها يجب أن تظلَّ في أيدي القوى العظمى؛ ليطاردوا الثوار خاصة الإسلاميين منهم؛ الذين بدؤوا يُعلنون عن أنفسهم بسيماهم، وعن نواياهم إقامةَ نظامٍ إسلامي في سوريا، يطاردونهم في أحراش سوريا، التي ستلعب ربما دور جبال أفغانستان، بعد أن ينتهي النظامُ السوري، وحتمًا سينتهي.

قارِنْ أيضًا بين دَوْرَي كوفي عنان أمس، والأخضر الإبراهيمي الذي يقول هراء في نظر الثوار، وينفِّذ خططًا حقيقيةً للغرب بعد إذ هي أوراقٌ وكلمات، لا تنسَ أيضًا صواريخ (الباتريوت) بين تركيا وسوريا، واربطها بأختها قوات (اليونيفل) في الجنوب اللبناني. ولا تنسَ أن في لبنان والعراق على السواء مخزونًا إستراتيجيًّا من البشَر لعَلَويي سوريا؛ الذين لا يستهان بكونهم فحسب (5 في المائة) من مجموع شَعْبٍ قوامُه (20 مليونًا) من الناس، ولا تطمئن لعدم ضربهم سوريا إلى الآن؛ فقد تأخروا عن إنهاء حياة القذافي أيضًا، وكلٌ من ليبيا وسوريا بحسَب أهميتها لديهم، خاصة أن ثمة مدعاةً لدخولهم الحرب الآن، بعد رحيل أول فوجٍ سوري بالسلاح الكيماوي الأسدي.

يقول بعضهم: "بعض الأحلام لا تموت، ومن بينها حُلم الوحدة العربية"، نعم إن كثيرين يعملون اليوم على نسيانه تمامًا، وآخرين حوَّلوه (قوميًّا عَلْمانيًّا)؛ لكنه بدأ ينتعش في نفوس الإسلاميين، من الذين كانوا قد خالفوا سُنَّتين؛ إحداهما: شرعية، بالأمر به في آيٍ عن ربهم، وأحاديث عن نبيهم عديدة، وأخرى كونية قدرية؛ إذ إنَّ الله تعالى الفعَّال لِما يريد، يريد الوحدة، ويأذن سبحانه بقيام الثورة، قد يكون أعداء هذا الحُلم الغافي قوميِّين أيضًا، لكنَّ حالِميه لن يتوقفوا يومًا عن جَعْله حقيقة.

وسوريا بعد مصر تلك التي تنحدر إلى واقع التجزئة المفتعل، سوريا هذه أول لبنةٍ في بناء وحدة عربية إسلامية. أقول: نعم، وإن درَّسوا الصِّغار الأغرار في جغرافيتها: يحدها من الجنوب: إسرائيل، ومن الشمال: تركيا العضو الفاعل والمفعول به في حلف (الناتو)، ومن الشرق: العراق بعد أن أصبح ولايةً إيرانية شيعية فارسية، ودولة الأكراد الفتية، ومن الغرب: البحر الأبيض تمخر عبابه أساطيل أمريكا، وتربض في قاعه غواصات القوى العظمى.

أقول قولَ مؤمنٍ بقدرة الله تعالى وموعوده: كلُّ هذه العراقيل لا تعظم عليه تعالى، ولكن المعوَّل على إرادتنا، وتوجيه دفة قضيتنا؛ قضية الوحدة العربية الإسلامية؛ فلتكن أعينُنا على سوريا الأبية.
 

 

محمد محمود صقر
 

  • 1
  • 1
  • 1,798

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً