رسالة عاجلة الى السيد الرئيس... عفوًا سيدي الرئيس، بل هو الوقت المناسب

منذ 2013-03-27

قد يقول البعض أنه الوقت الغير مناسب لهذه الرسالة إنما بعد استكمال قراءتها ربما يتغير رأي البعض أيضا ويكون هو عين الوقت المناسب.


السيد الرئيس محمد مرسي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية نعلم كم التحديات التي تواجهونها، ونعلم أيضًا الظروف القاسية جدًا التي توليتم فيها حكم البلاد هذه المرحلة، والتي لم تسبق أن تكررت على الأقل في التاريخ الحديث. وكذلك الأحداث الساخنة اليومية الصعبة، فقد يقول البعض أنه الوقت الغير مناسب لهذه الرسالة إنما بعد استكمال قراءتها ربما يتغير رأي البعض أيضا ويكون هو عين الوقت المناسب.

تعلمون سيدي أن الولاية والاختيار بقدر الله عز وجل، ونود إخباركم أننا وملايين المصريين الذين لا ينتمون الى جماعة الإخوان المسلمين والذي هو شرف لا ندعيه، نستشعر فيكم الإخلاص، والإيمان، والتقوى، فضلًا عن الخبرة والحنكة السياسية.

سيدي الرئيس

لقد انتخبناكم بعد الإطاحة بالنظام السابق مستبشرين بمنهجكم المعلن دائمًا والذي كان سببًا في ما لاقيتموه من معاناة عبر سنوات كثيرة وبذلتم من أجله الغالي والثمين بل والأرواح، ألا وهو (الإسلام هو الحل)، بل ولن ننسى ولا يجب أن يزايد أحد على مواقف منهجكم في مواقف تاريخية حساسة وفارقة في تاريخ الأمة ليس آخرها مواجهة المد الشيوعي آبان حكم جمال عبد الناصر، وحرب 48 التي أرسلتم لها خيرة شبابكم وكنتم حينها الشوكة الوحيدة في حلق تحالف الأعداء ضد أمتنا الإسلامية. ولكنكم كنتم دائما تملكون الحكمة والرؤي، وتعملون على تغيير المجتمع من القاعدة، وتقريب الشعب الى الله ومعالجة التشويه المعرفي والتخريب الأيدولوجي الذي دأب عليه أعداء الدين والقوى المعادية والاستعمارية عبر العصور المتعاقبة والتي تحدث عنها الإمام الشهيد -نحسبه كذلك ولا نذكي على الله أحدًا- حسن البنا رحمه الله حيث سرد أدوات الهجمات الدموية والفكرية التي لاقتها الأمة منذ جنكيز خان الى تجنيد الخونة والمرتزقة من بني جلدتنا في مقدمة كتابه (الأصول العشرين).

نعم سيدي الرئيس... نعلم جميعًا ما حدث وما عانته هذه الأمة وما وصلت إليه من بعد عن الدين وصعوبة تقبلها لشرع الله، بالموازين والحسابات الإستراتيجية المادية، وحتى باستخدام المنهج العلمي التحليلي.

سيدي الرئيس

ونعلم أيضًا انكم كنتم صادقين في أنكم لا تطلبون الولاية والرئاسة بعد ثورات الربيع العربي، وهذا أمر بديهي يفهمه كل عاقل أو باحث يملك الحد الأدنى من أدوات البحث والتحليل وذلك لسببين :

الأول: كما صرح فضيلة المرشد العام في أن جماعة الإخوان ستتعرض الى منحنى خطير جدًا في حياتها لأنها ستتحمل كل تبعات الانهيار الحاد في كل أركان الدولة المصرية بسبب حكم النظام السابق وكذلك تأثير الثورة والمرحلة الانتقالية إذا تولت الرئاسة، ولكن قدر الله سار على نحو آخر، ودفعتم الى تغيير القرار حفاظًا على الثورة بعد استشعاركم واستشعار الجميع بخطة استعادة النظام السابق لزمام الأمور بالتعاون مع المجلس العسكري حينها، وهذه من الناحية السياسية يمكن اعتبارها مخاطرة تصل الى حدّ الانتحار السياسي ومن الناحية الأخلاقية يمكن اعتبارها أخلاق الفرسان، ومن الناحية الشرعية يمكن اعتبارها تضحية وجهاد.

الثاني: هو كما ذكرنا رؤيتكم بأن المجتمع غير مؤهل تمامًا لحكم إسلامي، ولازالت القواعد بعيدة عن الشرع الحنيف بعد ما ذكرناه من تخريب أيدولوجي وتشويه معرفي، وغزو فكري مادي حضاري غربي استطاع أن يدخل الفكر العلماني وخلطه بمعتقدات شعوب المنطقة. ولم تسلم حتى بعض التيارات الإسلامية من هذا التخريب الفكري، ولذا كانت الفكرة عدم توليكم الرئاسة هذه المرحلة وإنما كانت الرؤية هي مجلس الوزراء، ولذا كنتم أول من نادى بالدولة الرئاسية البرلمانية (النظام المختلط) ليمكن عبر الأدوات التنفيذية إعادة ضبط مؤشرات الانحراف في المجتمع وتنقيته من تلك الشوائب المقيتة التي عششت في ذهن أهلنا وشعوبنا ليرتقي المجتمع ويسمو ويصبح مستعدًا لقبول أفضل وأرقى وأطهر و أكمل نظام عرفته البشرية ألا وهو تطبيق شرع الله الذي من أجله خلقت البشرية. ولعل الثلاث أسئلة التي ذكرها الإمام حسن البنا لازالت تمثل محور الفلسفة التي تؤكد هذا السياق وهي: من أين أتينا؟ لماذا أتينا؟ إلى أين المصير؟ ولعل الإشكالية في السؤال الثاني فقط وهو محور العمل والصراع الحالي فكنتم تحاولون دائما توعية الناس أولًا لوضع الإجابة الصحيحة لهذا السؤال وكنتم تنتظرون أن تتوحد الجموع في إجاباتها على هذا السؤال...

إنما...

إنما كان قدر الله شأن آخر-ولله في عباده شؤون- فكما ذكرنا دُفعتم دفعًا لقيادة الأمر قبل الأوان، وربما كان ذلك عمدًا من قبل بعض الجهات والقوى الدولية التي تريد إعادة صياغة المنطقة على النظام الليبرالي الجديد تحت هيمنة النظام العالمي الجديد الذي يستوجب إضعاف وتفتيت القوى الإسلامية المنظمة المتماسكة بالمنطقة التي تمثل محور الممانعة القوي لإعاقة هذا التحول وأنتم سيدي أهم تلك القوة.

ولكن كل ذلك يأتي في سياق التحليلات المنهجية العلمية المادية، إنما إذا غيّرنا زاوية الرؤية أو أشركنا مرجعيتنا الشرعية ربما ستظهر لنا أمور أخرى، وربما رسائل عاجلة من الله عز وجل، وتكون مفسرة لمسار الأحداث وتوليكم رأس الأمر قبل الآوان من المنظور التحليلي، فربما تكون تلك الرئاسة هي تذكرة بالسؤال الذي سبق ذكره وهو (لماذا أتينا؟) فيكون هذا التحول المفاجئ واختياركم للقيادة هذه المرحلة لتغيير الفلسفة والاستراتيجية التاريخية المكونة لمنهجكم من التغيير عن طريق تأهيل المجتمع أولًا الى التغيير من أعلى القمة، وهي الإشكالية التي أخذت من الجدل التاريخي ما أخذته بين العلماء والمفكرين -فمن لا يأتي بالقرآن يأتي بالسلطان- و برغم العمل الدعوي السنين السابقة إلا أن مؤشرانحراف المجتمع عن الشريعة يزداد. لا أعلم هل هو خلل في منهج الدعوة عند علماء هذا العصر، أم أنه بسبب التقدم المذهل في موازين القوى بيننا وبين القوى المعادية لدين الله والذي يقف حاجزًا بين عودة الناس لدينهم ؟ وبالتالي لم يبقى لنا غير (السلطان) التغيير من أعلى.... وهي فلسفة تشريع (جهاد الطلب) إزالة الموانع بين الناس وبين الدعوة.

سيدي الرئيس

كنت أقرأ كتاب الله وأتأمل آياته الكريمة تلك الآيات التي تملأ قلبكم ونستشعرها في سماحة وجهكم بعد أن من الله عليكم بحفظها.

فعندما أفتح كتاب الله تستوقفني دائما الآيات الأولى من سورة البقرة والتي تأتي في الترتيب بعد فاتحة الكتاب مباشرة وكأنها تمثل لنا السياج الحارس من الانغماس في الحضارة المادية، والغرق في المنهج العلمي التحليلي. وربما أيضا تذكرنا بعنصر القوة المطلقة التي تميزنا عن غيرنا، تلك الآيات سيدي الرئيس تفاجئني دائمًا كلما قرأتها وأشعر أنها تحملني من أعماق البحار المظلمة ظلمات بعضها فوق بعض. تنتشلني الى بر آمان وتنزل السكينة الفورية على قلبي تلك الآيات سيدي هي:

{الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ . أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:1-5].

فكلما تأملت فيها وجدت أصل الداء وحل المشكلة الحل السريع جدًا وهو ببساطة شديدة ترتيب تلك الآيات.

أولًا: الكتاب... الذي يمثل الشريعة

ثانيًا: الإيمان بالغيب... أرأيت سيدي هذا الغيب الذي يذكرنا بالله وقدراته، فالإيمان بالغيب ترتيبه قبل الأفعال وقبل الغرق في التحليلات ويذكرنا أنه مناط القوة بل حتى جاء قبل الأفعال التعبدية كالصلاة والزكاة فضلًا عن الأفعال السياسية والتخطيط الإستراتيجي، ولتفعيل الكتاب سيدي والذي يمثل تطبيق الشريعة يجب أن نقدم الإيمان بالغيب بمعنى أن الله وحده القادر على كسر السنن الكونية، وهذا ما تيقناه من سنن الذين من قبلنا.

سيدي الرئيس

دفعكم الى قيادة المشهد الآن بلا شك له حكمة إلاهية، لابد من استنباطها لتحقيق مراد الله إذا وضعناها في سياق الآيات، أي الإيمان بالغيب.

نعم سيدي الرئيس أنتم الأن على قمة السلطة، وأنتم تمثلون (الإسلام هو الحل) وحقًا سيدي هو الحل، ولكن كيف، وأي حل، وما هي تلك المشاكل التي يستطيع حلها... الوضع الداخلي، أم الدولة العميقة وفاسدين النظام السابق، أم صراعات القوى السياسي، أم الحالة الإقتصادية المتردية، أم الانهيار القيمي والأخلاقي، أم عقيدة المؤسسات السيادية التي تم تأمينها مسبقًا لتنظر الى الإسلاميين تلك النظرة الدونية، أم خلافات الأخوة وقادة العمل الاسلامي، أم العملاء والخونة من أبناء الوطن الشاردين، أم تكالب قوى الشر العالمية والتحالفات الشيطانية لافتراس منطقة مهد الأديان وأرض الخيرات، أم توحد اليهود والنصارى التاريخي ضد المسلمين، أم الأحقاد، والنفوس، وخلل التركيبة النفسية التي تركها الرسول الكريم فينا.

نعم سيدي... بمنظور ترتيب الآيات السابقة يقيناً هو الحل، الغيب سيدي قدرة الخالق، تغيير حتى السنن الكونية.

انقطعت الأسباب من سيدنا موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وانتهى التخطيط الاستراتيجي ودراسة الواقع، ولم يبقى له لإنقاذ بني إسرائيل من قوى الشر الذي يمثلها فرعون في الملاحقة السرمدية والتدافع بين قوى الشر والخير. لم يتمسك سيدنا موسى باستراتيجيته المادية، والتخطيط لاختلال موازين القوى بينه وبين فرعون، برغم ما كان عليه بني اسرائيل من العناد وتلك التركيبة النفسية التي وضحها لنا القرآن والتي هي أصعب بكثير من تركيبة أمة محمد التي وليت عليها سيدي. ماذا فعل موسى عليه السلام؟ هل أصر على تخطيطه المادي العقلي برغم أنه نبي، ويملك من القدرات العقلية ما ليس لغيره؟ إنما أظهر فورًا مركز القوة المطلقة التي هي تهيمن يقينًا على أي قوة مهما ظهر عظمها {كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] الغيب سيدي، الإيمان بالغيب، الذي يعلمه الآخرون وبنوا عليه كل أدواتهم وخططهم الخبيثة لتغييبه داخلنا يسمونه "الميتا فيزقيا"، أو "الما ورائيات" يشككون فيه دائمًا لانهم لا يملكوه، لأنه سر ضعفهم، وسر قوتنا.

سيدي الرئيس

ربما علّم الله سيدنا موسى ورسّخ بداخله هذا المعنى الهام برحلته مع سيدنا الخضر، فالأشياء قد تبدو صعبة ومستحيلة بنظرتنا المادية وتحليلاتنا، إنما هي بنظرة ترتيب الآيات الأولى في سورة البقرة تبدو أسهل مما نظن فالركون الى الإيمان بالغيب قبل الفعل أو وضعه كمحور أول وأساسي للتخطيط (الأخذ بالأسباب) ربما سيغير الى حد ما بعض القرارت.

سيدي الرئيس

نعم الإسلام هو الحل، والقرآن هو الدستور، صدقت... بل هو الدواء الشافي، تخيلت إبني الصغير الذي يبلغ 4 سنوات عندما مرض، وكنت أحاول إعطاءه الدواء، فكان رد فعله عنيف جدًا في رفضه للدواء. هو مريض سيدي، وأنا أحبه وأخاف عليه. هو يعلم أن الدواء سيشفيه، كنت أقول له ذلك وهو يصدقني،لأني أبيه، ويعلم أني أحبه، إنما يرفضه بشدة. تأملت ذلك الموقف، برغم أني اخترت دواءًا مستساغ الطعم (خاص للأطفال بطعم الفاكهة) ومع ذلك كان يرفضه بقوة. ماذا أفعل؟ هل أمتنع عن إعطاء الدواء إلى صغيري وقرة عيني؟ أم أقهره وأصبر على بكاءه؟ برغم قلبي الذي يألم لبكاءه؟ نعم سيدي، كنت أقهره وأعطيه الدواء عنوة، فلم يكتمل عقل صغيري بعد، ولكن تبعات تأجيل الدواء حتى ينضج الطفل غير مأمونة العواقب بل من الممكن أن تحرمني من طفلي الى الأبد؟ ولهذا ولّاني الله عليه وكلفني به حتى ينضج. حينها فهمت مسؤولية الولاية وتكليفاتها. وعلمت أني مستحيل أن أعمل على إرضاء طفلي في ذلك الأمر الذي يتعلق بحياته.

سيدي الرئيس

نعم هي ظلمات، نحتاج الى إضاءة المكان، ما هو مصدر النور؟؟ هناك نور وهمي مضلل ومسرطن يساومنا عليه النظام الدولي الجديد!! ثبت ضرره لأمم كثيرة سبقتنا، وأمم حولنا، منها ما شعر بأعراض هذا السرطان وبدأت تتهاوى، ومنها ما هو لازال يلهو ويلعب في ذلك النور، ولم تظهر أعراض المرض بعد، فهل لك سيدي أن تضيئ لنا مصابيحنا؟ فها أنت مكّنك الله من مفاتيحها.

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:122] نعم سيدي تملك إضاءة المشهد كله، الذر بيدك الآن. نعم سيدي، نشعر بالموت في ظل تلك القوانين الوضعية الوضيعة، التي أظلمت الدنيا بعد ما أضاءها محمد صلى الله عليه وسلم.

أعلم أنهم يترقبونك، أعلم أن المشهد معقد جداً، انما أذكرك ونفسي بتلك الآيات الأولى من سورة البقرة.

سيدي الرئيس

مرحلية التطبيق هامة جدًا بالتأكيد، وإنما مرحلية القرارات وليست كما سبق الذكر انتظار الطفل حتى ينضج ويكتمل العقل، فالأمر خطير والأمراض استفحلت، والناس تتهاوى. والإسلام هو الحل وهو الدواء، يمكن إعطاءه على مراحل عبر قرارت متدرجة، ويقينًا بعد البدء في تلك القرارت سنفاجئ جميعًا بأشياء قد تبدو مستحيلة بالحسابات المادية، يقيناً سيشق لنا الله طريق في البحر يبسًا، لنسير عليه وننجو من فراعنة العصر. ويقينًا ستتغير جميع المعادلات والحسابات السياسية. وستكون البداية بإذن الله، فلن يمهلك التاريخ سيدي، وثق بأن القلوب ستتآلف لك لأنك تداويها، وسترى ما لا يمكن تصوره من هذا الشعب الذي قد يبدو أنه بعد عن الطريق الحق، وإنما هو لازال يحمل الخير داخله.

سيدي الرئيس

في سياق التأمل في آيات الذكر الحكيم، لفت نظري بعدًا استراتيجيًا هامًا ربما يكون له دلالات هامة في قضايانا المعاصرة، ألا وهو تلك الآيات الكثيرة التي يخبر فيها الله عز وجل الرسول الكريم بأنه لن يتحمل نتائج دعوته.

{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف:6]، {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:3].

{فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ ۚ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ ۚ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود:12].

{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} [النحل:82].

فالبعد الاستراتيجي هنا بوضعه في سياق الآيات المحورية الأولى في سورة البقرة، الإيمان بالغيب يمكن عمل التوازن المطلوب بين الأسباب والتخطيط العقلي، وبين الإرادة الإلهية الكونية {وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [هود:12] ولا سيما في المراحل التاريخية والتحولات في حياة الأمة والتي نعيش أحد مراحلة اليوم، وابتليتم أنتم سيدي بقيادتها.

فيمكننا سيدي قياس هذا التوازن بما يسمى بالمصطلحات الحديثة (بالونات الاختبار) أي البدء في قرارت نحو تفعيل الشريعة تدريجية، ونرى ردود الأفعال، وقياس الرأي، هذا من ناحية.

ومن الناحية الأهم {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:3] البدء في القرارت نحو تفعيل الشريعة، ونرى تبعاتها الغيبية، في حل المشاكل وفي حلول التوفيق والبركة، وتدخل الإرادة الألهية.

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96].

فاذا جاءت النتائج مبشرة في الناحيتين، وهى ستكون حتمًا كذلك بإذن الله، فسنمضي قدمًا في إخضاع المجتمع والأنظمة والفلسفات الحديثة الى شرع الله ومراده، وإذا كانت غير ذلك فسيقدر الأمر بقدره حينها وسيكون أيضًا هذا المسلك وفق إرادة الله.

سيدي الرئيس

أبشرك بأنه يقف خلفك ملايين من الشباب المجاهد المستعدين للاستنفار خلفكم بإرادة وقوة لا يتصورها أحد لدعمكم نحو تحقيق الشريعة، وسينضم إليهم ملايين آخرين ممن لهم مواقف سلبية من البطء في المضي نحو الهدف الذي ورد في سؤال الأمام حسن البنا "لماذا أتينا؟" وترجم بعد ذلك الى شعار سجله التاريخ "الإسلام هو الحل".

سيدي الرئيس اذا كان البطء بسبب الملوثين فكريًا من بني جلدتنا وانتظارًا لاحتواءهم، فهؤلاء سيدي لا شيء، كمٌ مهمل جبناء لا يفقهون ولا يبصرون ولا يسمعون.

{لهم قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف:179].

هم قلة سيدي، لا يمثلون شيء ولكنهم بيت الداء وبيت المرض، لن يسمعوا ولن يتحاوروا ولن يفهموا، بل تركهم يعدّ تكريس للمرض. هم بمثابة حرب جرثومية لازالت تلقي قنابلها القذرة على الشعب، لن يرتدعوا فهم كالأنعام سيدي. ألا تراهم في فضائياتهم؟ ألا تراهم سيدي وما يحملون من الحقد والغلّ؟ ليس عليك بل على الشعب الذي أراد الطهر وأراد بركات الله وانحاز الى ثقافته الحقيقية. لا تعبأ بهم سيدي، فلن يرضوا عنك أبدًا. ما دمت تتوضأ وتصلي لأن الوضوء طهارة وهؤلاء شعارهم سيبقى دائما {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [الأعراف:82].

لا تعبأ بهم سيدي، فهم كالأنعام بل هم أضل، فهل نخشى البهائم والحيوانات التي سخرها لنا الله. بل هم أدنى من ذلك، هذا وصف القرأن المعجز لهم، هم غافلون تائهون. نحن أسيادهم سيدي، نحن من يعرف من أين أتينا، ولماذا أتينا، وإلى أين المصير. هم غارقون في شهواتهم، يأكلون كما تأكل الأنعام، والبهائم أعزكم الله. سيدي الرئيس، هم عبيد ونحن أحرار، هم عبيد يبحثون دائما عن السيد، ألا تذكر حالهم أثناء النظام السابق سيدي؟ ألا تتذكر طقوس عباداتهم ونفاقهم لأسيادهم الذين كانوا يمسكون لهم السوط ليجلدوا به أبدانهم الميتة؟ هم كالخنازير، كلما ضربتهم السياط كلما يشعروا باللذة وتتحسن أحوالهم. ألا تذكر ما قاله الشهيد سيد قطب رحمه الله: "العبيد هم الذين يهربون من الحرية فإذا طردهم سيد بحثوا عن سيد اَخر، لأن في نفوسهم حاجة ملحة إلى العبودية لأن لهم حاسة سادسة أو سابعة. حاسة الذل، لابد لهم من إروائها، فإذا لم يستعبدهم أحد أحست نفوسهم بالظمأ إلى الاستعباد وتراموا على الأعتاب يتمسحون بها ولاينتظرون حتى الإشارة من إصبع السيد ليخروا له ساجدين".

ألم يثبتوا لنا جميعًا هذا المعنى، سيقاوموك سيدي بكل ما وسعت يداهم النجسة والسنتهم القذرة، لأنك تريد لهم الحرية على عكس ما يريدون هم، هم من صنعوا الطواغيت عبر العصور، وهم من صنعوا الأصنام، يريدون الإرتواء وإشباع شهوة الذل، تحت ضغط ذل الشهوة.

وأنت لست كذلك سيدي، لايمكنك أن تضع نفسك في هذا المكان، لن تسمح بأن تعبد من دون الله، بل أنت تفخر بعبوديتك لله. هم يريدون إله، ولا يريدون حاكمًا عادلًا هم يريدون مسيحًا دجالًا، يشبع رغباتهم المتوحشة، ومن ثم لا يريد منهم شيء سوى السجود له، وحاشاك أن تكون كذلك. وهذا لبّ القضية، فلن يرضوا عنك أبدًا سيدي.

هم مرتعدون ستخرجهم من جنتهم وملايينهم الحرام، ستغلق لهم أبواب السحت مصدر إشباع الشهوة ومصدر قتل الناس وهم أحياء، ألا وهي قنواتهم الفضائية، مركز قيادة قطعان الماشية وتوجيهها. نعم سيدي، ينظرون إلى الشعب كقطعان ماشية يستطيعون العبث بأفكارهم واغتصاب أفكارهم وفطرتهم السليمة، يتمتعون بعذابات الناس وآلامهم لأنهم تربوا من الحرام ويعلمون أنهم الى الهلاك لا محالة، سيقاوموك بكل قوة، لن يقفوا عند حد معين. سيتعاونون مع الشيطان للقضاء عليك، بل هم أنفسهم أشد وأخطر من الشيطان. وضعوا أيديهم في أيد أشر الناس تحت سماء الله، مع سمير جعجع في لبنان مع الموساد مع السي أى إيه مع قوادين العرب، عباد المال والشهوة سيتحالفون جميعًا ولن تحتويهم سيدي لن يجدي معهم سوى البتر وتنفيذ احكام الله عليهم {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:14] فافعل فيهم ما أمرك الله به، هم المفسدون في الأرض سيدي.

وأخيرًا... سيدي الرئيس لقد أطلت عليكم

ولكن الأمر جد خطير وكبير، وإنها مرحلة تحول تاريخية للأمة سنتحمل جميعاً فشلها أو نجاحها، وربما ستدعو لنا الأجيال القادمة من الأبناء والأحفاد، أو ستدعو علينا. وربما أيضًا تنتظرنا جموع الشعب داخل هذا الوطن بل حتى وخارجه داخل الوطن الأكبر، وهو أي أرض يرفع فيها الآذان للصلاة، الجميع يا سيدي ينتظرون نموذجًا جديدًا للمشروع الإسلامي يعالج ما شاب الفكر والمرجعية الإسلامية وتصور اشتباك الشريعة مع الواقع عبر التاريخ. نموذج يرضي الله أولًا ويحقق التقدم والحياة الكريمة للبشر ويستوعب ما أفرزته البشرية من مستجدات حديثة، وبحيث لا يكون ذلك النموذج كغيره كحركة إصلاحية تدور في فلك وتحت هيمنة فلسفات بشرية، يرسمها ويحدد معالمها النظام العالمي الجديد الذي لا يخفى عليكم أهدافه وأغراضه الأساسية بل نموذج يحتوي هو كل تلك الفلسفات ويهيمن عليها على الأقل داخل حدود الأوطان والنفوس.

وانا أكتب إليكم سيدي هذه الرسالة أعلم أن الأحداث ساخنة، ولكني وبرغم ذلك لا أعلم لماذا أشعر بأنها ستصلكم، وربما أيضا أشعر بأنكم ستهتمون بقراءتها، وربما أيضًا يجتاحني شعور قوي كبير بأن كل ما قلته يدور بمخيلتكم ويسيطر على أفكاركم. ربما لرابطة العقيدة التي هي أقوى الروابط الفكرية والتي تفوق أي رابطة أخرى حتى ولو كانت رابطة الجماعة.

وفي النهاية أنقل لكم سيدي تحية ملايين الرجال و الشباب المجاهد الفتي القوي، بل حتى والنساء العفيفات من خارج جماعة الإخوان المسلمين الذين أوصوني بأنهم رهن إشارتكم للبدء فيما خلقوا من أجله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

م. خالد غريب

  • 10
  • 0
  • 8,539

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً