دور الأصولية الإنجيلية في قيام ودعم إسرائيل

منذ 2006-04-22

"الأصولية الإنجيلية" أو "الصهيونية المسيحية والكنائس"، هي تيار مسيحي كبير له الكثير من الأتباع والمؤسسات ومراكز النفوذ، والصحف والقنوات التليفزيونية والإذاعات والبنوك وغيرها في أوروبا وأمريكا، ويعتمد هذا التيار أساسًا على أتباع المذهب المسيحي البروتستانتي.

وقد لعب هذا التيار دورًا كبيرًا في نشأة إسرائيل ودعمها حتى اليوم، وله نفوذ كبير داخل مؤسسة الرئاسة الأمريكية؛ بل إنه يلعب دورًا مهمًا في توجيهها، بل إن رؤساء أمريكيين، مثل ريجان، كانوا من المنتمين إلى هذا المذهب، وكذلك يتأثر بهم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن.

ويؤمن أتباع هذا المذهب أن هناك ثلاثة إشارات إلهية يجب أن تتحقق قبل أن يعود المسيح إلى الأرض، وهي: قيام دولة إسرائيل من النيل إلى الفرات، وامتلاك مدينة القدس، وإعادة بناء هيكل سليمان، وأنه بعد تحقق تلك الإشارات فإن معركة هرمجدون، وهي معركة يعتقد الإنجيليون أنها ستقع في سهل مجدون (القدس وعكا) وأن التنبؤ بها ورد في أسفار حزقيال ويوحنا ويوشع وهي تقول: إن قوات الكفار سوف تدمر فيها، وإن المسيح سوف يظهر فوق أرض المعركة ويرفع بالجسد المؤمنين به ويخلصهم من الدمار ومن ثم يحكم العالم مدة ألف عام حتى تقوم الساعة.

ووفقًا لهذه العقيدة الدينية فإن الإنجيليين يعتبرون أن دعم قيام إسرائيل واجب شرعي مسيحي، وكذلك دعم توسعها والاعتراف بالقدس عاصمة لها، وكذلك تمويل الاستيطان اليهودي في الأرض المحتلة، بل أكثر من هذا فإن عليهم دعم المخططات الرامية إلى هدم المسجد الأقصى وإعادة بناء هيكل سليمان.

وفي الحقيقة فإن نشأة الأصولية وانتشارها يخضع لأكثر من تفسير؛ فالبعض يعتقد أن اليهود نجحوا في التسلل إلى دوائر الكهنوت المسيحي واستطاعوا إدخال العقائد الخاصة بقيام إسرائيل واحتلال القدس وإقامة هيكل سليمان في صلب الإيمان المسيحي -وخاصة البروتستانتي-، وأن ذلك تمهيد لعودة المسيح بحيث أصبح دعم المخطط اليهودي لإقامة إسرائيل من الفرات إلى النيل واجب مسيحي شرعي.

ويرى البعض الآخر أن دهاة الساسة الأوروبيين المعادين للسامية والكارهين لليهود هم الذين أنشئوا هذا المذهب لضمان تأييد مسيحي واسع لذلك، على أساس أن هذا الأمر يجعل اليهود يفكرون في قيام وطن لهم في فلسطين على حساب العرب المسلمين، وبذلك يضرب هؤلاء عصفورين بحجر واحد: أولهما هو التخلص من اليهود على أساس أنهم سبب البلاء في أوروبا وأنهم نفاية بشرية يجب أن تتخلص منها أوروبا، وفي نفس الوقت تحقيق نوع من التآمر ضد العرب والمسلمين واستخدام اليهود كقفاز لضرب الإسلام والمسلمين، على اعتبار أن هناك عداءً تاريخيًا وصراعًا مستمرًا لم يحسم حتى الآن بين الحضارة الإسلامية والحضارة الأوروبية.

وفي الواقع فإننا نرى أن التفسيرين صحيحان، وأن المخطط اليهودي تلاقى مع رغبات دهاة الساسة الأوروبيين المعادين للسامية، وأن اللقاء بين الرغبتين أنشأ هذا التيار ونفذ هذا المخطط فقيام إسرائيل وتوسعها يحقق هدف اليهود ويحقق هدف الأوروبيين في وقت واحد على حساب العرب والمسلمين.

وإذا بحثنا في هذا التيار وظروف ظهوره، نجد أنه اتجاه قديم في السياسة الأوروبية، فعلى حين كانت الكنيسة الكاثوليكية تتمسك باعتقادها بأن ما يسمى بالأمة اليهودية قد انتهى، وأن الله طرد اليهود من فلسطين إلى بابل عقابًا على صلب المسيح، وكانت الكنيسة الكاثوليكية تعتقد أن النبوءات الدينية التي تتحدث عن العودة تشير إلى العودة من بابل، وأن هذه العودة قد تمت بالفعل على يد الإمبراطور الفارسي قورش.

ثم جاءت ما يسمى بحركة الإصلاح الديني المسيحي، الذي تمخضت عنه البروتستانتية، ثم انتشار المذهب البروتستانتي في أوروبا وأمريكا، ليكون الأرض الخصبة لنشأة المسيحية الصهيونية، والإيمان بضرورة قيام إسرائيل، وبناء المعبد كتمهيد ضروري لظهور المسيح. وتكريسًا لهذا التحول أصبح العهد القديم 'التوراة' هو المرجع الأعلى لفهم العقيدة المسيحية وبلورتها، وفتح باب تفسير نصوصه أمام الجميع لاستخراج المفاهيم الدينية دون قيود، كما تم اعتبار اللغة العبرية باعتبارها اللغة التي أوحى بها الله إلى أنبيائه، واللسان المقدس الذي خاطب به شعبه المختار هي اللغة المعتمدة للدراسة الدينية، ومن خلال ذلك تغلغل الفكر اليهودي إلى قلب الحركة الدينية المسيحية عمومًا، والبروتستانتية خصوصًا.

ثم بدأت الدعوة إلى قيام إسرائيل في فلسطين تظهر على يد علماء الدين المسيحي البروتستانتي ثم رجال السياسة البريطانيين والأوروبيين، مثل عالم اللاهوت البريطاني توماس برايتمان (1562 - 1607) والسياسي البريطاني هنري منشن (1621)، ثم العالمين الإنجليزيين جوانا والينزر كارترايت (1649)، ثم السياسي البريطاني كروميل (1649)، ثم الفرنسي فيليب جنتل (1656). لم يقتصر الأمر في هذا الصدد على علماء الدين والسياسيين بل تعداه إلى الأدباء والفنانين، مثل: ميلتون، ولورد بايرون، وكولريدج، وألكسندر بوب، وجان راسين، وجورج إليوت وغيرهم.

ثم تبنّى هذه الدعوة اللورد الإنجليزي شافتسبري (1882)، وكذلك دوق كنت وجلادستون، واللورد بالمرستون وزير الخارجية البريطاني (1865)، بل حتى نابليون بونابرت قد تبنّى الدعوة إلى إقامة وطن لليهود في فلسطين. ووجّه الجنرال بونابرت نداء إلى اليهود، ودعاهم فيه بـ"الورثة الشرعيين" لفلسطين، وطالب فيه بإقامة دولة لليهود في فلسطين وذلك في أثناء حملته على الشرق (1798 - 1801).

واستمر الأمر على هذا المنوال إلى أن ظهر تيودور هرتزل، فتبنّى هذا الأمر ودعا اليهود إلى العمل على تحقيقه، وتم بلورة ذلك في مؤتمر بال عام 1897، ثم تدافعت الجهود اليهودية والأوروبية إلى أن تمخّضت عن وعد بلفور سنة 1917، وبعد ذلك حظيت الدعوة بدعم كامل من أوروبا وأمريكا إلى أن قامت دولة إسرائيل عام 1948.

الصهيونية المسيحية في أمريكا

مع تصاعد قوة ونفوذ الولايات المتحدة، ومع زيادة وزنها الاقتصادي والسياسي والعسكري، نشطت داخلها الحركة المسيحية الصهيونية -ويبلغ عدد المنتمين إلى الكنائس الإنجيلية التي تعتقد بالمسيحية الصهيونية وضرورة قيام إسرائيل وبناء الهيكل تمهيدًا لعودة المسيح حوالي 77 مليون أمريكي ينتمون إلى 200 طائفة-، وتمتلك هذه الاتجاهات في أمريكا العديد من قنوات التليفزيون -حوالي 1400 محطة تليفزيون وإذاعة، وحوالي 4000 مقدم برامج، والعديد من الصحف ووكالات الأنباء، بل ومنهم العديد من الشخصيات الأمريكية البارزة، كان منهم الرئيس ريجان والقس سيجوارت والقس فالويل والقس بات روبرتسون، والعديد من أعضاء الكونجرس ودوائر النفوذ المالي والإعلامي والسياسي الأمريكي-.

ويتأثر بهذا المذهب الرئيس بوش الابن ووزير دفاعه رامسفيلد ووزير العدل أشكروفت، ويستطيع هؤلاء إقناع الـ 77 مليون من أتباعهم بأن دعم إسرائيل واجب مسيحي، وكذلك يستطيعون إقناع عدد أكبر من غير أعضاء الكنائس الأصولية، أي أنهم عمليًا قادرون على خلق رأي عام واسع جدًا في أمريكا لتأييد إسرائيل ودعمها ناهيك عن النفوذ اليهودي التقليدي في الكونجرس والإعلام ودوائر المال.

وعلى أي حال، فإن مجرد نظرة على المؤسسات التابعة للكنائس الإنجيلية التي تؤمن بالمسيحية الصهيونية يدّلنا إلى أي مدى وصل نفوذهم المالي السياسي والإعلامي في أمريكا، فهناك -على سبيل المثال لا الحصر- المصرف الأمريكي المسيحي من أجل إسرائيل، مؤتمر القيادة الوطنية المسيحية من أجل إسرائيل، منظمة جبل المعبد. وتبلغ هذه المنظمات في أمريكا عمومًا حوالي 250 منظمة تدير آلاف المصارف والصحف والمؤسسات المالية والإعلامية. وتبشر هذه المنظمات المسيحية بالعديد من المفاهيم داخل أمريكا وخارجها، فهي تؤمن بأن:

1- دعم إسرائيل هو التزام ديني ثابت وليس مجرد التزام سياسي متغير ومتحرك، كما تعتبر شرعية الدولة اليهودية مستمدة من التشريع الإلهي، وبالتالي اعتبار قيام الدولة تحقيقًا للنبوءات الدينية.
2- التشديد على أن أرض إسرائيل هي كل الأرض التي وعد الله بها إبراهيم وذريته، وبالتالي تشمل كل الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات.

3-استمرار العمل بالشعار الذي يقول: "إن الله يبارك إسرائيل ويلعن لاعنيها"، وبالتالي فإن دعم إسرائيل طريق إلى بركة الرب! بل إنه عندما يتناقض القرار الإسرائيلي مع مواثيق الشرعية الدولية أو القانون الدولي فإنه لا اعتبار لذلك، ويجب احترام القرار الإسرائيلي لأنه تعبير عن إرادة الرب! أما القوانين الدولية فإنها تعكس إرادة الإنسان، ومن الضروري احترام إرادة الرب إذا ما تناقضت مع إرادة الإنسان!

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 7
  • 2
  • 17,295

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً