الإسراء والمعراج - الإلغاء الأبدي والطي السرمدي لصفحة بني إسرائيل

منذ 2013-06-11

ظلت النبوات دهورًا طويلة وهي وقف على بني إسرائيل، وظل بيت المقدس مهبط الوحي ومشرق أنواره على الأرض وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار، فلما أهدر اليهود كرامة الوحي وأسقطوا أحكام السماء حلت بهم لعنة الله، وتقرر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد، ومن ثم كان مجيء الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم انتقالًا بالقيادة الروحية في العالم من أمة إلى أمة ومن بلد إلى بلد ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل، وكان الإسراء والمعراج إعلانًا عالميًا بالإلغاء الأبدي والطي السرمدي لصفحة بني إسرائيل من التفضيل والاصطفاء.


ظلت النبوات دهورًا طويلة وهي وقف على بني إسرائيل، وظل بيت المقدس مهبط الوحي ومشرق أنواره على الأرض وقصبة الوطن المحبب إلى شعب الله المختار، فلما أهدر اليهود كرامة الوحي وأسقطوا أحكام السماء حلت بهم لعنة الله، وتقرر تحويل النبوة عنهم إلى الأبد، ومن ثم كان مجيء الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم انتقالًا بالقيادة الروحية في العالم من أمة إلى أمة ومن بلد إلى بلد ومن ذرية إسرائيل إلى ذرية إسماعيل، وكان الإسراء والمعراج إعلانًا عالميًا بالإلغاء الأبدي والطي السرمدي لصفحة بني إسرائيل من التفضيل والاصطفاء.

تاريخ أسود ولعنة أبدية

كم حدثنا التاريخ عن التواءات بني إسرائيل وانحرافاتهم وانحلالاتهم وجهالاتهم، إنها جبلات ثقيلة أخلدت إلى الأرض طويلًا حتى ما تريد أن تنهض من الوحل الذي ألفت التمرغ فيه، وطبيعة نفوس مخلخلة العزيمة ضعيفة الروح ما تكاد تهتدي حتى تضل وما تكاد ترتفع حتى تنحط وما تكاد تمضي في الشعور المستقيم حتى ترتكس وتنتكس. ذلك لغلظ في الكبد وتصلب عن الحق وقساوة في الحس والشعور.

فأولى محطات وقاحتهم كانت مع الله

فلم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا على عبادة الله الواحد الأحد الذي دعا له الأنبياء، وكان اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والنفعية واضحًا في جميع مراحل تاريخهم وتعد كثرة أنبيائهم دليلًا على تجدد الشرك فيهم وبالتالي تجدد الحاجة إلى أنبياء يجددون الدعوة للتوحيد وكانت هذه الدعوى قليلة الجدوى على أي حال، ولقد اضطربت الفكرة التي رسمتها الأسفار عن الله (يهوه) فالوصية الثانية من الوصايا العشر تسمو بالله عن الإحاطة والحصر إذ تقول: "لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا ولا صورة مما في السماء من فوق وما في الأرض من تحت" (سفر الخروج 20 :4) ولكن على الرغم من ذلك ترسم أسفار التوراة الخمسة صورة بشرية محضة لله تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

فيهوه ليس معصومًا وكثيرًا ما يقع في الخطأ ثم يندم على ما فعل: "فندم الرب على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه" (سفر الخروج 32 :14)، ويهوه إله قاس مدمر متعصب لشعبه لأنه ليس إله كل الشعوب؛ بل إله بني إسرائيل فقط وهو بهذا عدو للآلهة الآخرين كما أن شعبه عدو للشعوب الأخرى (خروج 12:12)، ومن الأوصاف الحسية ليهوه أنه كان يسير أمام جماعة بني إسرائيل في عمود سحاب: "وارتحلوا من سكوت ونزلوا في إيثام طرف البرية وكان الرب يسير أمامهم نهارًا في عمود سحاب ليهديهم في الطريق وليلًا في عمود نار يضيء لهم" (خروج13: 20-21).

بل سجل القرآن طرفًا من وقاحتهم فقال جل ذكره: {لَّقَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ فَقِيرٌ‌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ۘ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ‌ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِ‌يقِ} [آل عمران:181] وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّـهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة:64].

طعنهم في الأنبياء ونسبة القبائح إليهم

فمن ذلك، أن نبي الله هارون صنع عجلًا وعبده مع بني إسرائيل (سفر الخروج إصحاح 32 عدد1)، وأن إبراهيم عليه السلام قدم امرأته سارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها (تكوين 12 :14)، وأن لوطًا عليه السلام شرب خمرًا حتى سكر ثم قام على ابنتيه فزنى بهما (تكوين 19 :30)، وأن داود عليه السلام زنى بزوجة رجل من قواد جيشه ثم دبر حيلة لقتل الرجل ولما قتل أخذ داود الزوجة وضمها إلى نسائه فولدت له سليمان (سفر صموئيل الثاني إصحاح 11 عدد1)، وأن سليمان ارتد في آخر عمره وعبد الأصنام وبنى لها المعابد (سفر الملوك الأول 11:5).

بل كان قتل الأنبياء عادة شيطانية متأصلة فيهم، فقال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ وَأَرْ‌سَلْنَا إِلَيْهِمْ رُ‌سُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَ‌سُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِ‌يقًا كَذَّبُوا وَفَرِ‌يقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة:70]، فقتلوا من الأنبياء حزقيال وأشعيا وأرميا ويحيى وزكريا وحاولوا قتل عيسى عيه السلام فنجاه الله تعالى منهم ورفعه إلى السماء، ومخاليق تقتل الأنبياء وتذبحهم وتنشرهم بالمناشير لا ينتظر منها إلا استباحة دماء البشر واستباحة كل وسيلة قذرة تنفس عن أحقادهم وفسقهم.

صفات نفسية خبيثة

منها النفاق
فلقد أتقنوا صناعة الرياء وملق الأقوياء والنفاق، وأن يكون للقول ميدان وللعمل ميدان، ولقد أشاعوا النفاق في الأرض حتى توهم الناس أن من لا ينافق ليس بكيس، ومن لا يتملق لم يؤت الحكمة، ومن لم يداهن فهو أحمق. لقد نشروا النفاق في الأرض كلها وبثوا له الدعاية بأسماء مختلفة، فمرة بأنه الحكمة، ومرة بأنه الكيس، وثالثة بأنه السياسة الناجحة، قال تعالى: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَ‌ائِيلَ وَأَرْ‌سَلْنَا إِلَيْهِمْ رُ‌سُلًا ۖ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَ‌سُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِ‌يقًا كَذَّبُوا وَفَرِ‌يقًا يَقْتُلُونَ} [المائدة:61].

ومنها الحقد والكراهية والحسد

فجاء في التلمود أن الإسرائيلي معتبر عند الله أكثر من الملائكة، وأن اليهودي جزء من الله، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا، فإذا ضرب أمي إسرائيليا فكأنه ضرب العزة الإلهية، والفرق بين درجة الإنسان والحيوان هو بقدر الفرق بين اليهود وغير اليهود، ولليهودي في الأعياد أن يطعم الكلب وليس له أن يطعم غير اليهودي، والشعب المختار هم اليهود أما باقي الشعوب فهم حيوانات، ويعتبر اليهود غير اليهود أعداء لهم ولا يجيز التلمود أن يشفق اليهود على أعدائهم، ويلزم التلمود بني إسرائيل أن يغشوا من سواهم فقد جاء فيه: "يلزم أن تكون طاهرًا مع الطاهرين ودنسًا مع الدنسين" والمقصود بالطاهرين اليهود، ويمنع التلمود اليهود أن يحبوا غير اليهود ما لم يخشوا شرهم، ويجيز التلمود استعمال النفاق مع غير اليهود، ولا يجيز أن يقدم اليهود صدقة لغير اليهود (الكنز المرصود في قواعد التلمود، روهلنج ص 51-55، التلمود شريعة إسرائيل ص25).

صفات عملية قبيحة

منها حب المال وعبادة الذهب والجشع وأكلهم الربا

لما كان التلمود يقرر أن اليهود أجزاء من الله، فإن اليهود يعتبرون أنفسهم مالكين لكل ما في الأرض من ثراء بالنيابة عن الله، وقد جاء في وصايا موسى: "لا تسرق مال القريب" وفسر علماء التلمود هذه الوصية بجواز أن يسرق اليهودي مال الغريب أي غير اليهودي فسلب ماله ليس مخالفًا للوصايا بل هو استرداد لأموال من سالبيها، ومن الوسائل التي يصطنعها اليهود ليستولوا على ثروات العالم الغش الذي أجاز التلمود استعماله مع غير اليهود في البيع والشراء وقال الحاخام رشى: "مصرح لليهودي أن يغش غير اليهودي ويحلف له أيمانا كاذبة"، ومن الوسائل كذلك عدم رد الأشياء المفقودة، فقد جاء في التلمود: "إن الله لا يغفر ذنبًا ليهودي يرد للأممي ماله المفقود"، ومن الوسائل كذلك الربا الذي أجاز التلمود استعماله مع غير اليهودي فجاء فيه: "غير مصرح لليهودي أن يقرض الأجنبي إلا بربا" (اليهودية، د. أحمد شلبي ص 274).

وجاء في بروتوكولاتهم: "بمعاونة الذهب وكله في أيدينا سنقوم بعمل الأزمات الاقتصادية العالمية ونصيب الصناعات بالتوقف وننشئ احتكارات ضخمة" (بروتوكولات حكماء صهيون ص137) وقال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّ‌مْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ كَثِيرً‌ا . وَأَخْذِهِمُ الرِّ‌بَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِ‌ينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:160-161] وقال جل شأنه: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة:42].

ومنها سعيهم في الأرض فسادًا وإفسادًا

والمتتبع لمعظم مراكز الفساد الفكري والسلوكي والنفسي في العالم يلاحظ أنها مؤسسات يهودية تدار بأفكار ونفوس وأموال يهودية وتستثمر لمصالح يهودية، قال تعالى: {وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْ‌ضِ فَسَادًا ۚ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64] فبمخططات شيطانية عمل اليهود على شقاء البشرية وإفساد العالم، وصدق قول أوسكار ليفي: "نحن اليهود لسنا إلا مفسدي العالم ومحركي الفتن وجلاديه" وقول موريس صموئيل: "نحن اليهود .. نحن المدمرون لكل شيء .. ولسوف نبقى مدمرين إلى الأبد" (أخلاق اليهود ص98).

نهاية محتومة

هذا الركام الضخم من الدنس وكفران نعمة الاصطفاء والفشل في تحمل أعباء الرسالة عبر هذه القرون السحيقة جعل اللعنة الإلهية التي حاقت باليهود عدلًا ربانيًا ونتيجة محتومة، وتحتم تحويل قيادة قافلة الإيمان إلى قوم أجدر بها فكان الإسراء والمعراج مسرح لعملية التحويل الكبرى ليتسلم النبي العربي القيادة ويكون الإسلام كلمة الله الأخيرة إلى البشر، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَ‌ىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَ‌امِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَ‌كْنَا حَوْلَهُ لِنُرِ‌يَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}‌ [الإسراء:1].

قال سيد قطب رحمه الله تعالى: "والرحلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى رحلة مختارة من اللطيف الخبير تربط بين عقائد التوحيد الكبرى من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام إلى محمد خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، وتربط بين الأماكن المقدسة لديانات التوحيد جميعًا وكأنما أريد بهذه الرحلة العجيبة إعلان وراثة الرسول الأخير لمقدسات الرسل قبله واشتمال رسالته على هذه المقدسات وارتباط رسالته بها جميعًا" (في ظلال القرآن، سيد قطب أول سورة الإسراء ج4 ص 2212).

جمع الله الأنبياء والرسل السابقين لمحمد صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء في المسجد الأقصى، ومنهم أنبياء ورسل بني إسرائيل، فصلى بهم صلى الله عليه وسلم إمامًا اعترافًا من هؤلاء الرسل بفضله ومنزلته صلى الله عليه وسلم، وتسليمًا منهم بأنه أفضل الخلق وأكرمهم وأقربهم إلى الله سبحانه فهو إمام الخلق أجمعين وإمام الأنبياء والمرسلين، كما أنه إقرار بختم النبوة والرسالة بنبوته ورسالته صلى الله عليه وسلم وإقرار بنسخ رسالاتهم برسالته ونسخ كتبهم بكتابه ودعوة هؤلاء الأنبياء والمرسلين، وبخاصة أنبياء بني إسرائيل، لأقوامهم وأتباعهم بالدخول في الإسلام والإيمان بالقرآن، وأخيرًا كان هذا تسليمًا من هؤلاء الأنبياء والمرسلين لمفاتيح الأرض المقدسة إلى النبي محمد العربي صلى الله عليه وسلم وأمته فمعظم هؤلاء عاشوا على الأرض المقدسة، وكانوا هم المسئولون عنها والراعون لها والخلفاء عليها وأنوار رسالاتهم انتشرت عليها وبقيت حلقات النبوة والرسالة والخلافة تتابع على الأرض المقدسة إلى أن ختمت هذه الحلقات بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم الدائمة حتى قيام الساعة، وفي ليلة الإسراء جاء الأنبياء وسلموا محمد صلى الله عليه وسلم المسؤولية والخلافة والأمانة والعهد وأوكلوا له ولأمته من بعده مهمة الأرض المقدسة ورعايتها وحمايتها والخلافة فيها واستمرار الإيمان عليها حتى قيام الساعة، ولقد كان هذا إعلانًا عالمياً بانتهاء استخلاف أقوامهم من اليهود والنصارى وانتهاء مسؤولية هؤلاء الأقوام على الأرض المقدسة وتحويل هذه الخلافة والمسؤولية لأمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى قيام الساعة.

وجعلت الصلاة ميدانًا ومجالًا لهذا الانتقال وجوًا مناسبًا للتسليم والتسلم ليعطي دلالة واضحة على أهمية الصلاة والعبادة ووجوب تعمقه في أمة الإمامة والخلافة التي تناط بها مسؤولية الإشراف على الأرض المقدسة.

إن الأقوام السابقين من اليهود والنصارى ليسوا مصلين لله صدقًا ولا عابدين له حقا، ولذلك انتزع الله منهم هذه الخلافة والإمامة وجعلها في أمة العبادة والصلاة وتسلم رسولها محمد صلى الله عليه وسلم هذه المهمة والمسؤولية من إخوانه الأنبياء في الصلاة (واقدساه، د. سيد العفاني ج1 ص 134- 137 عن د/ صلاح الخالدي)

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 1
  • 1
  • 6,069

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً