تصفير المشكلات

منذ 2014-07-29

يحتاج المؤمن إلي تحجيم المشكلات والخصومات وتصفيتها وإنهائها وتصفيرها لتقر عينه ويطمئن فؤاده وليهنئ بمخالطة الناس ونشر الحب بينهم ولتحسين الصورة الذهنية أمام المجتمع وليزداد قرباً من الله وليُقبل عمله ويُرفع ..


يحتاج المؤمن إلي تحجيم المشكلات والخصومات وتصفيتها وإنهائها وتصفيرها، لتقر عينه ويطمئن فؤاده وليهنئ بمخالطة الناس ونشر الحب بينهم ولتحسين الصورة الذهنية أمام المجتمع وليزداد قرباً من الله وليُقبل عمله ويُرفع. قال صلى الله عليه وسلم: «تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس فيغفر لكل عبد لا شريك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا» (رواه مسلم).

تصفير المشكلات لصلاح البال وللراحة {سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد:5]. فصلاح البال بإصلاح جميع أحوالهم في الدنيا بالطاعات، والنيات بتنميتها وتزكيتها وإخلاصها، وإبعادهم عن المعاصي والسيئات، فيُصلح شئونهم وأمورهم وقلوبهم بالتوفيق في أمور الدِّين، وهدوا إلي أرشد أمور الدُّنيا بالنصر على الأعداء، وفي الآخرة إلي الدرجات والجنان. ومتى صلح البال استقام الشعور والتفكير واطمأن القلب والضمير وارتاحت المشاعر والأعصاب ورضيت النفس واستمتعت بالأمن والسلام.

وقد رهبنا صلي الله عليه وسلم من الخصومة فقال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (البخاري)، وقال أيضا: «ألا أُخبرُكَ بأفضلَ مِنْ درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ إصلاحُ ذاتِ البينِ فإِنَّ فسادَ ذاتِ البينِ هيَ الحالِقَةُ» (صحيح الجامع)، ورغبنا صلى الله عليه وسلم بقول: «إذا التقَى المسلمان فتصافحا وحمِدا اللهَ واستغفراه غُفِر لهما» "الترغيب الترهيب"، وقال: «أيما مسلمَينِ التقيا فأخذ أحدُهما بيدِ صاحبِه فتصافحا وحمدا اللهَ تعالى جميعًا تفرَّقا وليس بينهما خطيئةٌ» (صحيح الجامع).

والأصل في المؤمن أنه إلِفٌ مألوفٌ، ولا خيرَ فيمَن لا يَألَفُ ولا يُؤلَفُ فهو سهل هين لين متواضع سمح، قال صلي الله عليه وسلم: «رحمَ اللهُ رجلًا سَمْحًا إذا باعَ وإذا اشترى وإذا اقْتضى» (البخاري)، وهو صاحب حس مرهف حلو اللسان عذب الكلمات يحب الخير للجميع.
«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه (أو قال لجاره) ما يحب لنفسه» (مسلم)، يحنو عليهم ويهش لهم ويبش في وجوههم ويدعو الله لهم «من دعا لأخيه بظهرِ الغيبِ قال الملَكُ المُوكَّلُ به: أمِين ولك بمِثل» (مسلم)، رقيق القلب قال صلى الله عليه وسلم: «وأهل الجنة ثلاثة... ورجل رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم» (مسلم).

المؤمن المُصلح قلبه من أحسن القلوب وأطهرها سليم الصدر طيب النفس تواق للخير مشتاق إليه ويبذل جهده ووقته وماله من أجل الإصلاح يجعل نفسه جزءاً من الحل وليس جزءًا من المشكلة يخفض الجناح يغفر الهنات ولا يعاتب يجبر الخاطر ويحفظ الجميل والود والمعروف ويقيل العثرات ولا يَفجر في الخصومة «إذا خاصم فجر» يعلم علم اليقين أن كسب القلوب مقدم علي كسب المواقف.
وهذا حال عبدالله بن عمرو بن العاص مع رجل من أهل الجنة قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة فاطلعت ثلاث مرات فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي بك فلم أرك تعمل كبير عمل فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما هو إلا ما رأيت قال: فانصرفت عنه فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشاً ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه إليه فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك هي التي لا نطيق» (رواه أحمد).

وأمرنا الله تعالي بالعفو والصفح والغفران والمعروف والإحسان في أحلك المواقف عند القصاص وسمي القاتل أخيك {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ... فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة:178] وعلينا ألا نوغل في الخصومة فإنها لا تدوم أبدا الدهر {فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34]، بل علي الداعية أن يغفر ويصفح ويسامح في حقه وعرضه وماله تأليفاً للقلوب وطلباً للأجر الأخروي وترفعاً وعفة عما في أيدي الناس وطمعاً فيما عند الله وابتغاء مرضاته والذي لا يقبل الصلح ولا يسعى فيه رجل قاسي القلب قد فسد باطنه وخبثت نيته وساء خلقه فهو إلى الشر أقرب وعن الخير أبعد.

ومن عظيم رحمة الله وعفوه أنه يصلح بين المؤمنين يوم القيامة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ رأيناه ضحك حتى بدت ثناياه، فقال له عمر: ما أضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي؟، فقال: رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا رب خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله بارك وتعالى للطالب: فكيف تصنع بأخيك ولم يبق من حسناته شيء؟، قال: يا رب فليحمل من أوزاري، قال: وفاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبكاء ثم قال: إن ذاك اليوم يحتاج الناس إلى من يُحمل عنهم من أوزارهم فقال الله تعالى للطالب: ارفع بصرك فانظر في الجنان فرفع رأسه فقال: يا رب أرى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكللة باللؤلؤ لأي نبي هذا؟ أو لأي صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطى الثمن، قال: يا رب ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا رب فإني قد عفوت عنه، قال الله عز وجل: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المؤمنين» (رواه الحاكم وقال: صحيح).

 

إن المكـارم كلها لو حصلت *** رجـعت جمـلتها إلى شـيئين
تعظيم أمر الله جــل جــلاله *** والسعي في إصلاح ذات البيـن


خطوات واجبة السرعة:

1- احصر أصحاب المشكلات معك من المجتمع والعائلة والأصدقاء والجيران وزملاء العمل والمتنافسين.... وابدأ فوراً في تصفية الخلافات وتصفيرها.

2- جدد نيتك واصفح عن من ظلمك وطهر قلبك ولسانك وصدرك عن أي شحناء وبغضاء قبل نومك.

3- استعن بالله ولا تعجز ثم استعن بإخوانك وأحبائك ليسهلوا لك الطريق ويذللوا لك الصعاب.

{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].         
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 2,684

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً