خمس دقائق

حسناً... نحن في حالة احتقان عامة، لا يأمنُ المرءُ من التعبيرِ عن رأيه دون أن يصيبَه شيءٌ من شررِ التصنيف، وهجوم معسكر أو أكثر ممن يؤمنون بعكس ما يؤمن به.

وإن كانت كثير من محطات التلفاز تؤجج نار التعصب، فإن (الفيس بوك) يظل هو البيئة الأكثر خصوبة كي يُخرجَ كلٌ منا ما بداخله من مشاعر سلبية دون الخوف من رادع أو رقيب، أنت في غرفتك وباستطاعة أناملك أن تصل إلى الآخرين فتُدميهم وتنكل بهم.

لقد فعلها معي أحدهم بالأمس، ظن أنني لقمة سائغة يمكن أن يلوكها بسهولة، كانت عباراته قاسية، ومنطقه مِعوج، وأخلاقه في إجازة مفتوحة، لم يدرك أن صناعة الكلمات مهنتي، واللعب بالحروف أسهلُ عندي من حكِ أنفي. سأُلقن هذا المفتون درساً لن ينساه، أمسكتُ بلوحة المفاتيح (الكيبورد) وبدأت في كتابةِ الرد المفحم، سأجعله عبرة ومثالاً.

جائني صوت زوجتي تطلب مني أن أساعدَها في تغيير اسطوانة الغاز، لا بأس سأفعل وأعود للرد عليك، ها قد انتهيت من المهمة الزوجية، زوجتي تخبرني أن أمي غاضبة لأنني لم أتصل بها منذ أربعة أيام، لا بأس سأكلمها الآن، أنهيت اتصالي مع ست الحبايب، لقد عاتبتني قليلاً لكنها دعت لي في آخر المكالمة، ماذا كنت أفعل، ها إنه الرد على ذلك الوقح... حسنا أنا آت إليك.

ما بال صغيري ذو الخمس سنوات يصرخ في غيظ؟ إنه يجد صعوبة في إنهاء واجباته المدرسية، حسنا سأساعده في ذلك ثم أعود إلى حلبة (الفيس بوك) فالنزال لم ينتهِ بعد. طفلي يخبرني أن المعلمة طلبت منه أن يذكر 10 سلوكيات جيدة يمكن أن يقوم بأي منها في فترة لا تزيد عن خمس دقائق!!

مرحى هيا لنفكر يا صغيري... في خمس دقائق يمكن أن تقول لأمك أنك تحبها، يمكنك أن تُقبل أباك وتخبره أنك تشكره على تعبه من أجلك، يمكن أن تقرأ صفحة من القرآن الكريم، أو تدعو الله أن يكتب الخير لبلدك. في خمس دقائق أنت قادر على ترتيب غرفتك، أو تلميع حذائك، أو الاتصال بصديق أو قريب لتسأل عنه وتخبره أنك قد اشتقت إليه. خمس دقائق هي تقريباً المدة التي تحتاجها لأداء الصلاة، كما أنها مناسبة لسقاية النباتات في شرفة منزلنا.

أرأيت يا صغيري هناك أشياء حسنة كثيرة يمكن للمرء منا أن يفعلها في خمس دقائق، الحب يا ولدي يمكننا التعبير عنه في خمس دقائق، وكذلك الشكر والامتنان والاعتذار.. لكننا نضيع تلك الدقائق الخمس في أشياء كثيرة تافهة.

آمل أن يستوعب طفلي ذلك الدرس الممتع، والآن أعود لما كنت أقوم به؛ الرد على ذلك الوغد الذي تجرأ عليّ... لقد صرتُ جاهزاً لك... اسمع يا هذا... يا لعبقريتي لقد جعلته أضحوكة (الفيس بوك)... فقط في خمس دقائق.


كريم الشاذلي