محور فلادلفيا.. وحدود الأشقاء
تعيش منطقة الحدود الفلسطينية المصرية مع قطاع غزة والمعروفة بمحور (فلادلفيا) توتر منذ الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة عام 2005، حيث سيطرت حركة حماس بعد ذلك على القطاع وبدأت بإعادة تنظيم الأمور ونشر قوات أمن وطني تدير الشريط الحدودي الممتد لمسافة 14 كيلو متر ممتدة حتى معبر كرم أبو سالم حيث نقطة حدود مصرية فلسطينية صهيونية مشتركة.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
تعيش منطقة الحدود الفلسطينية المصرية مع قطاع غزة والمعروفة بمحور (فلادلفيا) توتر منذ الانسحاب الصهيوني من قطاع غزة عام 2005، حيث سيطرت حركة حماس بعد ذلك على القطاع وبدأت بإعادة تنظيم الأمور ونشر قوات أمن وطني تدير الشريط الحدودي الممتد لمسافة 14 كيلو متر ممتدة حتى معبر كرم أبو سالم حيث نقطة حدود مصرية فلسطينية صهيونية مشتركة.
محور فيلادلفيا يقع في مدينة رفح (الفلسطينية- المصرية) وهي تقع في أقصى جنوب قطاع غزة، وتبعد عن القدس المحتلة حوالي 107كم إلى الجنوب الغربي. تعتبر المدينة أكبر مدن القطاع على الحدود المصرية، حيث تبلغ مساحتها 55 كم2، وقد بلغ عدد سكانها عام 2006 قرابة 120 ألف نسمة. وتعتبر مدينة رفح من المدن التاريخية القديمة فقد أنشأت قبل خمس آلاف سنة ولقد غزاها الفراعنة والآشوريون والإغريق والرومان. قُسمت مدينة رفح إلى شطرين بعد اتفاقية كامب ديفيد، حيث استعادت مصر سيناء. يُشار إلى أنه حسب الاتفاقية وضعت الأسلاك الشائكة لتفتت الوحدة الاقتصادية والاجتماعية للمدينة، وإثر هذه الاتفاقية انفصلت رفح سيناء عن رفح الأم، وتقدر مساحة ما ضم إلى الجانب المصري حوالي 4000 دونم وبقي من مساحة أراضيها 15500 دونم؛ اقتطع منها حوالي 3500 دونم للمستوطنات. ويوجد الكثير من العائلات الفلسطينية التي عاشت حالة من التفتت بسبب تقسيم المدينة حيث يعيش جزء من هذه الأسر في رفح التابعة للسيطرة المصرية وأخرى في الجانب الفلسطيني من الحدود.
ووفقاً لأحكام معاهدة السلام المصرية الصهيونية (كامب ديفيد) لعام 1979، تسيطر القوات الصهيونية وتحرس تلك المنطقة العازلة، ولكن بعد معاهدة أوسلو التي وقعت بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني، وافقت الحكومة الصهيونية على الإبقاء على المحور بطول الحدود كشريط آمن. كانت أحد الأغراض الرئيسية من المحور هي منع تهريب المواد الأسلحة إلى قطاع غزة، ومنذ بداية الحصار المفروض على قطاع غزة لا سيما بعد سيطرة حماس على القطاع عام 2007 بدأ سكان المدينة بحفر الأنفاق بأعماق مختلفة لتهريب المواد الغذائية والمؤن والمحروقات، لتلبية حاجات قرابة المليوني مواطن فلسطيني الذين يعيشون في قطاع غزة.
اشترطت الحكومة الصهيونية في معاهدة السلام مع مصر للانسحاب من شبه جزيرة سيناء أن تكون الحدود كما كانت فترة الاستعمار البريطاني على فلسطين. وأن يكون منفذ الحدود الرئيسي في مدينة رفح. واتفق أيضاً على أن تكون المنطقة القريبة من الحدود هناك (المعرفة بالمنطقة ج) منطقة منزوعة السلاح، مع حق مصر الإبقاء على أسلحة خفيفة لقوات الشرطة هناك. أصدر الكنيست الصهيوني في عام 2004 حيث كان رئيس الوزراء آنذاك آرئيل شارون قراراً من طرفٍ واحد بالانسحاب من قطاع غزة لجميع المستوطنين الصهاينة والجيش الموجود هناك، ودخل القرار حيز التنفيذ في أغسطس 2005، لا سيما بعد عمليات نوعية نفذتها المقاومة الفلسطينية ضد المستوطنين والجنود الصهاينة في قطاع غزة وفي محور فلادلفيا.
طلبت الحكومة الصهيونية من مصر نشر قوة من حرس الحدود مختصة بمكافحة (الإرهاب) تتكون من 750 فردا للقيام بدوريات لوقف عمليات التهريب وتدمير الأنفاق الموجودة بعد أن أصبحت منطقة الحدود خاضعة للفلسطينيين. وبموجب اتفاقية موقعة بين الطرفين سمح شارون لمصر بنشر قوة من 750 فرد حرس حدودي للقيام بدوريات على جانب المحور المصري، وأشار في نص الاتفاقية أن هذه الاتفاقية لا تلغي أو تعدل اتفاقية السلام المصرية الصهيونية، والإبقاء على حالة المحور وصحراء سيناء كمناطق منزوعة السلاح.
وافقت الحكومة الصهيونية على تسليح هذه القوة بــ500 بندقية هجومية و67 رشاش خفيف و27 قاذفة مضادة للأفراد بالإضافة إلى رادار أرضي و31 سيارة شرطة و44 سيارة مجهزة للدعم اللوجستي. ومنعت مصر من إدخال معدات استخبارية ومركبات عسكرية وأي عدد زائد من الأسلحة. وبعد الانسحاب الصهيوني من غزة عام 2005 وقعت اتفاقية بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني برعاية الاتحاد الأوروبي لإدارة منطقة معبر رفح ومحاولة استخدامه لأغراض تجارية للتخفيف من الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة، مع الإبقاء على عناصر أمنية أوروبية لمراقبة حركة المسافرين على المعبر وتسليم بياناتهم لنقطة مراقبة صهيونية تقع في معبر كرم أبو سالم بالقرب من معبر رفح، لكن تطورت الأزمة بين حركتي فتح وحماس حتى سيطرت حركة حماس على القطاع عام 2007 وتسلمت هي زمام الأمور في قطاع غزة وأغلقت مصر معبر رفح باستثناء فترات محدودة سمحت بفتحه للحالات الإنسانية حتى تسلم الرئيس محمد مرسي منصب الرئاسة حيث أمر بإعادة فتحه بشكل دائم.
تعتقد الحكومة الصهيونية أن محور فلادلفيا يوجد فيه أكثر من 1300 نفق تستخدم في تهريب الأسلحة والمواد التموينية إلى قطاع غزة، وهذا الأمر يؤثر في ارتفاع القدرات القتالية للفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس التي تحكم قطاع غزة، كما تستخدم هذه الأنفاق لتهريب كميات كبيرة من المحروقات وغاز الطبخ، وهذا جعل تأثير الحصار الصهيوني ضعيف على القرار السياسي لحركة حماس، وأفشل كذلك خطوات مصر باتجاه حصار الحركة وإجبارها على الخضوع لإملاءات اللجنة الرباعية الدولية التي طالبت حركة حماس بالاعتراف بالكيان الصهيوني لقبولها ضمن المجتمع الدولي والاعتراف بحكمها.
سمحت الحكومة الصهيونية للجيش المصري بإدخال آليات والآلاف من الجنود تحت ذريعة محاربة (الإرهاب) في سيناء التي تزيد مساحتها عن 60 ألف كيلومتر مربع، وبالرغم من ذلك فقد ظهرت نوايا الجيش حينما بدأ السبت الماضي بنشر آلياته في منطقة الحدود مع قطاع غزة حيث طالب السكان في مدينة رفح المصرية بإخلاء منازلهم تمهيدا لقصفها وتدميرها، وذكر شهود عيان أن المئات من سكان المدينة تجمعوا في ميدان الجندي المجهول للمطالبة بوقف هذه الحملة وتهجيرهم من منازلهم. وقامت مدرعات تابعة للجيش المصري بمناداة السكان بإخلاء منازلهم القريبة من الحدود بمسافة 500 متر تمهيدا لهدمها تحت ذريعة محاربة عمليات التهريب وهدم الأنفاق. لكن أوساط مصرية سياسية قالت إن هذه العملية هدفها تضييق الخناق على قطاع غزة، جاء ذلك بعد أن بثت مقاطع فيديو للنائب السابق في الحزب الوطني المصري توفيق عكاشة وهو يتوعد بحملة عسكرية مصرية على قطاع غزة.
من جانبه قال إسلام شهوان المتحدث باسم وزارة الداخلية بقطاع غزة في تصريح صحفي إن وزارته تتابع باستمرار كل ما يحدث على الشريط الحدودي مع مصر، مضيفا بأن الإجراءات التي يقوم بها الجيش المصري هدفها تضيق الخناق على غزة. وأشار شهوان إلى رصد حركات استفزازية يقوم بها بعض الضباط المصريين على الحدود بحق عناصر الأمن الوطني الفلسطيني، ومنها إطلاق بعض الرصاصات على مواقع تابعة للأمن الوطني الفلسطيني والسب والشتم الغير مبرر. وذكر أن هذه الممارسات تحدث لأول مرة من قبل عناصر الجيش المصري، مشيرًا إلى أن الوضع الميداني على الحدود ساخن جدًا ونخشى من قيام عناصر الجيش المصري من أعمال قد تسيء للعلاقة بين الشعبين. وقال المتحدث باسم الحكومة إيهاب الغصين إن المناطق العازلة لا تكون بين الأخوة وحدود الدول الشقيقة، مؤكداً أن غزة تمثل خط الدفاع الأول عن مصر ولا يأتي منها إلا الخير.
وعبّرت الحكومة عن أملها ألا تكرس هذه الخطوة الحصار على غزة، وألا تزيد من معاناة أهل القطاع. وتسعى السياسية الصهيونية الجديدة إلى استخدام الأدوات الأمنية المصرية لتشديد الخناق على قطاع غزة حيث يقوم الجانب المصري بتقنين دخول المسافرين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية تحت ذرائع مختلفة، ويعتبر معبر رفح الشريان الوحيد الذي يسافر منه الفلسطينيون إلى مختلف أنحاء العالم مستخدمين الأراضي والمطارات المصرية، ومن بين المسافرين طلبة ومرضى ومقيمين في الخارج. ومن شأن الأزمة المتصاعدة في رفح المصرية أن تشعل سيناء المعروفة بعمقها الجغرافي ووعورتها الجبلية حيث تتمركز الكثير من الجماعات المسلحة فيها، وتعيش فراغ أمني كبير نظرا لطبيعتها القبلية وقربها من الحدود الصهيونية، حيث يتضامن أهلها بشكل كبير مع سكان قطاع غزة نظرا لعلاقات النسب والقرابة التي تربط الطرفين والتي عززتها فترة المعاناة تحت ظل الاحتلال الصهيوني قبل حرب عام 1973م حيث كانت سيناء خاضعة للسيطرة الصهيونية ومنطقة مفتوحة بين الطرفين.
أحمد أبو دقة