أمل الأمة

منذ 2013-09-22

الحق الذي لا يماري فيه منصف أن التاريخ لم يعرف ولن يعرف منهجًا يستطيع أن يؤهل الشخصيات ويصقلها ويربيها ويهيئها للقيادة على أكمل وجه كما يفعل المنهج الإسلامي الإيماني العظيم، وتعود هذه الحقيقة إلى أن منهج الإسلام في تكوين الشخصية التي تقود العالم هو منهج من عند الله الذي يعلم طاقات الإنسان ويستطيع أن يستثيرها ويوجهها وينميها نحو تحقيق أكرم الأهداف.

 

إن الأزمة الشديدة التي وصلت إليها أمة الإسلام اليوم هي أزمة التخلف عن الإمساك بزمام القيادة والسيادة التي أرادها الله جل وعلا لهذه الأمة حينما قال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110]، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} [البقرة:143].

وما أبعد الفرق بين الليلة والبارحة، ما أبعد الفرق بين يوم وقف فيه ربعي بن عامر كفرد من جيل قيادي مسلم، أمام رستم قائد الفرس، ليشرح له مهمة هذه الأمة القيادية قائلًا: "إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

وبين يوم نعيشه الآن يقف فيه المسلمون على أبواب الشرق والغرب ليقتاتوا من فتات موائدهم، يستجدوا منهم سلام الذل والخزي والعار، وما زالت الأمة في انتظار ذلك القائد المنتظر الذي يقودها إلى ذرى المجد والتمكين، ومن ناحية أخرى فإن عملية القيادة ووجود القائد الجيد على رأس عمله أمر غاية في الأهمية، بل نكاد نقول إن جزءًا كبيرًا من تخلف الأمة في شتى الميادين بما فيها العلمية والتجارية والاقتصادية يرجع لعدم وجود ما يكفي من القادة في منظماتنا ومؤسساتنا الاقتصادية والتجارية، إذ كيف تبحر السفينة بدون ربان وكيف تصل دون تخطيط ودراسة للطريق الذي تسلكه وحالة البحر وما إلى ذلك.

فالقيادة لا بد منها حتى تترتب الحياة، ويوسد الأمر إلى أهله ويُقام العدل، ويُحال دون أن يأكل القوي الضعيف، والقيادة هي التي تنظم طاقات العاملين وجهودهم لتنصب في إطار خطط المنظمة بما يحقق الأهداف المستقبلية لها ويضمن نجاحها، وبالجملة فلا صلاح للبشر إلا بوجود القيادة كما قال الشاعر الجاهلي الأفوه الأودي:

 

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم *** ولا سـراة إذا جهالهـم سـادوا
والبيـت لا يبتنـى إلا على عمد *** ولا عمـاد إذا لم تـرس أوتـادُ
فـإن تجمـع أوتـاد وأعمـدة *** وسـاكن أبلغوا الأمر الذي كادوا


تعريف القيـادة:
ومن هنا كان لا بد من الوقوف على هذا الأمر لأنه من الأهمية بمكان لنتحدث في هذا المقال، وربما مقالات قليلة قادمة عن صفات القائد المؤثر الذي من شأنه أن يعيد للأمة شيئًا من مجدها الضائع، وفي أول المطاف السؤال المنطقي الذي يطرح نفسه في بداية الحديث عن فن صناعة القادة:

ما هو تعريف القيادة؟
القيادة لغة كما يقول ابن المنظور: "من القَوْدُ نقيض السَّوق، يقود الدابة من أمامها، ويسوقها من خلفها، فالقود من أمام والسوق من خلف والاسم من ذلك كله القِيادَة" .وسوف نذكر هنا بعض التعريفات لمفهوم القيادة فقد عرف (فيير) القيادة بأنها تشمل أي جهد لتشكيل سلوك الأفراد أو الجماعات في المؤسسة حيث تحصل المؤسسة من خلالها على مزايا أو تحقيق لأغراضها، بينما عرفها (هرس) بأنها عملية تأثير في نشاطات أفراد أو مجموعات تسهم في تحقيق الأهداف في موقف محدد.

وقد عرفها (ستوجدل) بأنها: "القدرة على التأثير في الآخرين من أجل تحقيق أهداف أو أغراض محددة".
ومن هنا يمكن أن نقول بأن القيادة هي: (هي القدرة على التأثير على الآخرين وتوجيه سلوكهم لتحقيق أهداف مشتركة)، فهى إذًا: (مسؤولية تجاه المجموعة المقودة للوصول إلى الأهداف المرسومة)، والقيادة الناجحة تحرك الأفراد في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم على المدى البعيد.

أما القائد: فهو الشخص الذي يستخدم نفوذه وقوته ليؤثر على سلوك وتوجهات الأفراد من حوله لإنجاز أهداف محددة، والقائد هو الذي ينتظر منه ممارسة دور مؤثر في تحديد واتجاه أهداف الجماعة، و القائد مسئول عن أتباعه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كُلكم راعٍ وكُلكم مَسْئولٌ عن رعيتِهِ ، فالأميرُ راعٍ وهو مسئول ، والرجلُ راعٍ وهو مسئول ، والمرأةُ راعيةٌ على بيتِ زوجِهَا وهي مسئولة ألا كُلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (رواه البخاري). والقيادة في الإسلام معناها الحقيقي تحقيق الخلافة في الأرض من أجل الصلاح والإصلاح، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها، ولو كانت في الاجتماع القليل العدد أو المتواضع الهدف، يقول صلى الله عليه وسلم: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

ولهذا أولى علماء الإسلام موضوع القيادة اهتمامًا كبيرًا، يقول شيخ الإسلام بن تيمية: "يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالإجماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع من رأس".

إذًا فالقائد هو الشخصية القادرة على اختيار الرجال، وفرض احترامه عليهم، والحصول على محبتهم ومعرفة إمكاناتهم واستغلالها، ووضع كل منهم في المكان الذي يلائمه، وبث فكرة القوة والمساواة بينهم، وتوزيع المسؤوليات عليهم، وإشراكهم جميعًا في خدمة هدفٍ سامٍ على أن يتمثل فيه إيمان جاد بالمهمة التي يقوم بها.

صفات القائد الفعال والمؤثر:
لا شك أن قيادة الناس أمانة، وهي من أصعب الأمور، وذلك بسبب اختلاف طبائعهم، والأمور المحيطة بهم، ويحتاج القائد إلى فن في التعامل معهم ، ورُقي في أسلوب المحاورة للوصول إلى الهدف المنشود، وحتى يكون القائد بهذه المنزلة فلا بدَّ من أن يكون صاحب تجربّة فذّة، وممارسة لهذه الصنعة، فالقيادة فن وعلم، فهي فن بمعنى الملكات الموروثة وعلم بمعنى تعلم الأصول التي تقوم عليها القيادة.

ولا بد أن تكون للقائد صفات مميزة تؤهله ليكون على رأس هرم الجماعة، والسراج المنير لمسيرتها حتى تصل إلى هدفها المنشود. وبهذا المعنى يصبح رب الأسرة هو قائدها ليكون أولاده صالحين فاعلين، وكذلك يصبح رئيس المؤسسة هو المسؤول عن تسيير شؤونها لما فيه نجاحها، والمعلم مسؤول عن طلابه. وهكذا ينمو المجتمع كوحدة متكاملة، وروح منسجمة.

وختامًا:  
الحق الذي لا يماري فيه منصف أن التاريخ لم يعرف ولن يعرف منهجًا يستطيع أن يؤهل الشخصيات ويصقلها ويربيها ويهيئها للقيادة على أكمل وجه كما يفعل المنهج الإسلامي الإيماني العظيم، وتعود هذه الحقيقة إلى أن منهج الإسلام في تكوين الشخصية التي تقود العالم هو منهج من عند الله الذي يعلم طاقات الإنسان ويستطيع أن يستثيرها ويوجهها وينميها نحو تحقيق أكرم الأهداف.

وفي مقالات قادمة إن شاء الله نتحدث عن عظماء القادة في تاريخ الأمة وعلى رأسهم النبي صلى الله عليه وسلم.

أهم المراجع:
1- صناعة القائد، د.طارق السويدان (وفيصل باشراحيل).
2- وصية ووصية لتكون قائدًا ناجحًا (أمير المدري).
3- مهارات القيادة وصفات القائد (أحمد العساف).
4- السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية (شيخ الإسلام ابن تيمية).

 

مصطفى كريم
 


 

المصدر: مفكرة الإسلام
  • 2
  • 0
  • 3,815

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً