الإباحية وخراب البيوت (1/3)
في ظلِّ ضعْف الوازِع الديني عند كثيرٍ من الناس، مع ما تَشهَده المُجتَمعات العربيَّة المُسلِمة من انفِتاح كبير على "الغرب" وثقافته المختلفة، وعلى رأسها "ثقافة العُرْي" والمُجاهَرة بالفاحشة، غزَت الإباحيةُ المُتَمثِّلة في الأفلام والصُّوَر والقصص الجنسية كلَّ قوام وأركان البيت المسلم، فكانت مرحلةٌ هي الأسوأ وهي الأخطر، مرحلة إفساد العلاقة الزوجية.
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
في ظلِّ ضعْف الوازِع الديني عند كثيرٍ من الناس، وفي ظلِّ غِياب التربية على الأخلاق والآداب والمَحامِد، مع ما تَشهَده المُجتَمعات العربيَّة المُسلِمة من انفِتاح كبير على "الغرب" وثقافته المختلفة، وعلى رأسها "ثقافة العُرْي" والمُجاهَرة بالفاحشة.
في وجود كلِّ هذا، غزَت الإباحيةُ المُتَمثِّلة في الأفلام والصُّوَر والقصص الجنسية كلَّ قوام وأركان البيت المسلم، لا نقول: الشباب والفتيات في مراحل المراهقة وما قبل الزواج فحسْب؛ بل عقول وقلوب كثيرٍ من الأزواج والزوجات في مختلف الأعمار، وعلى اختلاف الثقافات، حتى استبدَل كثيرٌ من الأزواج المشاهداتِ الإباحيةَ وما يَعقُبها من خيالات ومُمارَسات جنسية خاطئة بممارسة الحياة الزوجية الطيبة!
فكانت مرحلةٌ أخرى هي الأسوأ وهي الأخطر، مرحلة إفساد العلاقة الزوجية؛ بل تخريب بيت الزوجية!
فالزوجة عادةً إذا ما اكتشفت مشاهدةَ زوجِها لمثل تلك الإباحيات عبر الفضائيات أو مواقع الإنترنت والتليفونات المحمولة، فإنها تُصاب بالصدمة المُغَيِّبَة، ثم يَصدُر منها -غالبًا- ردودٌ انفِعالية، تعقبها وتعقب زوجها خسارة حياتهما الزوجية للأبد.
أمثلة ونماذج من الواقع:
- تسأل زوجةٌ بعد أن سردت معاناتها: هل لي أن أطلب الطلاق من زوجي، إذا كان يُشاهِد المواد الإباحية؟
- وتقول أخرى لزوجها بعد زواجٍ لم يَدُم أكثر من ثمانية أشهر: والله إني لأدعو الله أن يُبعِدني عنك إذا استمررت بهذا الطريق (مشاهدة الأفلام الإباحية)، بالرغم ممَّا تَعرِفه من حبِّي لك، وإني لا أطيق يومًا بدونك.
- وتحكي إحداهنَّ أن زوجها يُخزِّن في جوَّاله صُوَرًا وأفلامًا جنسيَّة، وأنها لَمَّا قامت بحذفها في غِيابه ضربها وهجرها وكاد يطلِّقها!
- وتشتكي زوجة عُزْلة زوجها لكلِّ مَن حوله، وعكوفه على مشاهدة القنوات الإباحية لِمُدَّة تُجاوِز عشر ساعات يوميًّا!
- وتقول زوجةٌ أخرى: زوجي يُشاهِد الأفلام الإباحيَّة ولا يُبالِي بمعرفتي بذلك، وأنا الآن أشمئزُّ منه وأهجره ولا أهتمُّ بمشاعره؛ بل وتركت له البيت!
- ويقول زوجٌ مُتَألِّمًا: بيتي غزَتْه الإباحيَّة؛ فزوجتي تُشاهِد الأفلام الإباحية عبر جوَّالها وجهاز الحاسوب المنزلي، ولا أدري ماذا أفعل؟
- وإن تَعجَب فعجبٌ من زوج طلَّق زوجته بدايةً؛ حتى يخلو بمشاهدة العورات والمُمارَسات الشيطانية بعيدًا عن تأنيب زوجته له!
هذه فقط بعض النماذج الحيَّة من المجتمع، والتي تحمِل دلائل واضحة، تعني كلُّها في النهاية فساد الحياة الزوجية في حال وقوع أحد طرفَيْها في وَحْلِ الإباحيَّات.
إذًا مشاهدة الأزواج لهذه المحرَّمات جمعَتْ مفسدة عظيمة أخرى، إضافةً لمفسدة الوقوع في أمر محرَّم، وهو مخالفة الأمر بغَضِّ البصر، وحب الزنا، وربما الرضا به وتمنِّيه، كذلك ومفسدة تشرُّب المسلم للثقافة الغربية "الحيوانية" في العلاقات الجنسيَّة بين الرجل والمرأة، ضمَّت هذه المشاهدات المحرَّمة إضافة إلى كلِّ هذه المفاسدِ مفسدةً كبيرة أخرى، وهي هزُّ استِقرار الحياة الزوجية؛ بل وتخريبها عادةً.
عود على بدء:
من هذا المنطلق، منطلق استشعار خطَر دخول الإباحية حياة وبيوت الأزواج، نَتَدارَس أسباب هذا الغزو المدمِّر للدين والدنيا معًا، ونضع المقترحات والحلول الواجبة حوله.
لماذا يُشاهِد الأزواج تلك الإباحيَّات؟
لا شكَّ أنَّ وراء مُشاهَدة الأزواج والزوجات -أحيانًا- للصُّوَر والأفلام الإباحيَّة أسبابًا كثيرة، تَرجِع كلها في النهاية إلى ضعْف الوازِع الديني، وغِياب المقامات الإيمانيَّة العاصِمَة؛ كمقام المراقبة، ومقام المحاسبة، وغير ذلك.
وهذا لا يمنع -ولا يُناقِض كذلك- من الوقوف على الأسباب الأوليَّة والمُصاحِبة للوقوع في براثن تلك الإباحيَّات المُهلِكة، فلمبدأ الوقوع في هذه المعصية أسبابٌ يجب معرفتُها وتَوَقِّيها، فليس أقل من أن يعتبر مَن عُوفِي من أسباب هذه الزلَّة الخطيرة والكبيرة فيتجنَّبوها، ويفقهها التائبون فلا يُكَرِّروا خطأهم ثانية.
فمن هذه الأسباب، أسباب وُقُوع الأزواج في مُشاهَدة المحرَّمات، ثم اعتِياد المُمارَسات الجنسيَّة الشاذَّة كذلك، برغْم حُصُول العِفَّة بالزوجة الصالحة، وبالشكل الصحيح الطبيعي الطيب:
الغفلة والفُضُول:
فالغفلة باب شرٍّ، حيثما فتَحَه العبد، عاد عليه بالخيبة والخسران وضَياع الغاية التي خلق اللهُ لأجلها البشرَ جميعًا، فالغافِل مُضَيِّعٌ عادَةً لواجبات وقته، باحثٌ عن كلِّ ما يُسَلِّيه ويشغل فيه وقته، ومن هنا يلعب به الشيطان؛ فينقله من أمر مُباح إلى آخر مكروه، ثم إلى ما هو محرَّم مذموم، حتى لا تُخطِئه شِباك الإباحية وقد تَوافَرَتْ دواعيها، فيقع في تلك المُشاهَدات الإباحية بشكل أو بآخر، عن تعمُّد أو عن غير تعمُّد، وربما من باب الفُضُول أولاً، ثم تكون مرحلة الاعتِياد الإدماني في النهاية.
ومُشاهَدة تلك الإباحيات بدافِع الفضول نوعٌ من أنواع الغفلة المحرَّمة، فليس لأحدٍ أن يُذنِب ليقف على حقيقة الذنب وماهيَّته، ولا يقبل العقل -أيُّ عقل كان- أعذار المُخطِئ لأنه أخطأ بدافع الفضول.
وإنما الفُضُول في مشاهدة المحرَّمات خطوة شيطانية، وحظٌّ من حظوظ النفس الأمَّارة بالسُّوء والخادعة لصاحبها، كما أنَّ الفضول المحرَّم علامة على استِهانة صاحبه بأوامر الله تعالى ونواهيه؛ إذ لا يُتصوَّر أنَّ هذا المُقدِم على مشاهدة ما حرَّمه الله عزَّ وجلَّ بدافع الفُضُول يخفى عليه حُرمة ما يفعل وما يقع من جرَّاء مشاهدته.
إدمان هذه المشاهدات قبل الزواج:
لإدمان الشباب أو الفتيات المشاهدات الإباحية في عمر المراهقة وما قبل الزواج، أسبابٌ كثيرة، يأتي الكلام عنها في مقال آخر، وإدمان هذه المشاهدات ليس من الهيِّن أن يقطعه الزواج؛ بل غالبًا ما يستمرُّ إلى ما بعد الزواج.
فقضاء الوطر شيء، وإدمان النَّظَر إلى العَوْرات، والهُيَام في عالَم الخواطر والخيالات، وحب الشذوذ في الممارسة الجنسية شيءٌ آخر، فالشهوة ليسَتْ شهوة فرج فحسب؛ بل قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «... ...» (أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة).
فللعين شهوة، وللسان شهوة، وللسمع شهوة، وللنفْس شهوة، وهذه الشهوات كلُّها مقصودة لذاتها عند هؤلاء الأزواج، وقد تكون مُتَوفِّرة في المشاهدات الإباحية بقدر أكبر من الزوجة الحلال الطيِّبة، ومن هنا كان سبب مشاهدة كثيرٍ من الأزواج والزوجات للعورات المحرَّمة وتلذُّذهم بها أكثر من تلذُّذهم بحياتهم الزوجية الكاملة.
حتى قضاء الوطر الزوجي نفسه يُستبدَل به الممارسات الشاذة المُكمِّلة لكمال اللذَّة عندهم، وهكذا تُسقِط الإباحيةُ الحياةَ الزوجية عند أولئك الأزواج.
التقصير في إقامة العلاقة الجنسية الزوجية:
للزوجين رغبات جنسية جِبلِّيَّة مشروعة، هذه الرغبات تختَلِف باختِلاف الأشخاص ومُيُولهم النفسية والشخصية، فالزوج يحبُّ أن يرى زوجته بشكل أو أشكال مُعَيَّنة، ويحبُّ أن يُمارِسَا الجنس بصفة أو صفات مُعَيَّنة، ويحبُّ أن يكون ذلك في مكان أو أماكن من المنزل مُعَيَّنة، ويحبُّ أن يسمع من زوجته أثناء الجِماع كلامًا أو أصواتًا مُعيَّنة، ويحبُّ أن يرى على زوجته لباسًا مُعَيَّنًا، والمرأة كذلك لها رغباتها.
ورغبات كلِّ طرف في الحياة الزوجية ينبغِي أن تُقَدَّر ويُعتَنَى بها، مهما كانت في نظر أحدهما صغيرة أو غير مهمَّة، فإنَّ الرغبات في النهاية حاجَة في النفس تبحث عن مَخْرَجٍ، فإن لم تجدْه فيما أحلَّ الله تعالى ربما مالَتْ إلى ما حرَّم.
نعم، تقصير أحد الطرفين أو كلاهما لا يُبِيح لأحدهما مُشاهَدة تلك المحرَّمات؛ لكنَّه سببٌ في الوُقُوع فيها، ولكونه سببًا فحسب نذكره.
وللحديث بقيَّة إن شاء الله تعالى.
حسن عبد الحي