منطقة الأغوار الفلسطينية سلة غذاء فلسطين

منذ 2013-10-05

جاءت مبادرة وزير لخارجية الأمريكي جون كيري عبر تصريحاته أمام وسائل الإعلام في عمان، بتاريخ (31/05/2013)م لتزيد من الغطرسة والتشدد في المواقف الإسرائيلية، تجاه القضايا التفاوضية الجوهرية وعلى رأسها قضية القدس وقضية اللاجئين وقضايا الاستيطان والأراضي والحدود، وما يرتبط بجميع هذه القضايا من جوانب سياسية وقانونية...


جاءت مبادرة وزير لخارجية الأمريكي جون كيري عبر تصريحاته أمام وسائل الإعلام في عمان، بتاريخ (31/05/2013)م لتزيد من الغطرسة والتشدد في المواقف الإسرائيلية، تجاه القضايا التفاوضية الجوهرية وعلى رأسها قضية القدس وقضية اللاجئين وقضايا الاستيطان والأراضي والحدود، وما يرتبط بجميع هذه القضايا من جوانب سياسية وقانونية، تُشكِّل خلافات كبيرة في المواقف التفاوضية ومن ضمنها وأهمها الخلاف حول وضع منطقة الأغوار الفلسطينية وجدار الفصل العنصري والحدود والمعابر الدولية، بعد قيام الدولة الفلسطينية.

ما تضمنته تفاهمات كيري بشأن مجمل هذه القضايا، لا يُبشِّر بالخير للفلسطينيين، ولا يعطيهم أي أمل في دولة فلسطينية قابلة للقيام والبقاء والحياة، لا أريد التطرق في هذا المقال إلى ما تنطوي عليه مخاطر تفاهمات كيري واتفاقيته الإطارية، التي أعلن عن التوصل إليها مع الطرفين، بشأن القضايا الجوهرية كافة؛ وإنما سأكتفي في تحليل وتقييم ما يتعلق بوضع منطقة الأغوار الفلسطينية، نظراً لأن هذه المنطقة تُمثِّل حسب تقييمي الشخصي العامود الفقري لحياة الفلسطينيين وبوابتهم الشرقية الرئيسة إلى العالم، وبدون استعادتها والشروع في تطويرها واستغلال ثرواتها الطبيعية، معززة بعودة مياه نهر الأردن، اليوم قبل الغد، فإن ذلك يعني فقدان الفلسطينيين لأهم مناطقهم الإستراتيجية والحيوية ولأهم الركائز والمقومات الاقتصادية للدولة الفلسطينية القادمة.

لا تحتاج تفاهمات كيري إلى فك ألغاز، ولا إلى القراءة بين السطور، فالرجل كان واضحاً وضوح الشمس بالنسبة لجميع القضايا الجوهرية، بما في ذلك هذه القضية أي قضية وضع منطقة الأغوار في إطار مفاوضات الوضع الدائم، حيث يبدو أن كيري استبق وصول المتفاوضين إلى طاولة المفاوضات وكشف عن أجندته، التي هي كما أشرنا أجندة إسرائيلية، تحمل ترويسة أمريكية وعليها علم أمريكي كما يبدو حتى الآن، حيث وضع النقاط على الحروف أمام المتفاوضين القادمين، فوفق ما جاء بتصريحات وزير الخارجية الأمريكي التي أدلى بها أمام وسائل الإعلام في العاصمة الأردنية -كما أسلفنا- فإن منطقة الأغوار الفلسطينية بكاملها وبطولها وعرضها من أقصى شمالها عند بردلة إلى أقصى جنوبها على الساحل الغربي للبحر الميت، ستخضع هذه المنطقة إلى سيطرة أمنية مشتركة بين إسرائيل والأردن وفلسطين.

ورغم أن تصريحات كيري، لم تكن تتضمن تفاصيل بهذا الشأن؛ إلا أن ذلك كما قال كيري نفسه: "سيتم مناقشة كافة الأمور خلال المفاوضات التي ستتناول حجم التواجد العسكري لكل طرف من الأطراف الثلاثة، وإقامة مقر للتنسيق، بحيث يكون جيش الدفاع الإسرائيلي هو القوة المركزية في هذه المنطقة"، مما يعني أن التواجد الفلسطيني والأردني سيكون بمثابة تواجداً شكلياً ليس إلا، حسب كلام وأفكار كيري.

وهذا يعني أن لا شيئاً جديداً سيطرأ على هذه المنطقة بما يخص استعادة الفلسطينيين لسيادتهم على أراضيهم التي احتلت عام 1967م ومن ضمنها الأغوار الفلسطينية، وممارسة سيطرتهم الفعلية غير المقيدة، على أراضيهم، كما كان الوضع عليه قبل الرابع من حزيران عام 1967م، بل إن الأمر سيعود حسب كيري كما يبدو إلى نفس آليات التنسيق الأمني السابقة، التي ابتدأ العمل بها على معبر الكرامة بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو2 لعام 1995م، أي تواجد فلسطيني محدود، لبعض أفراد الأمن الفلسطيني، على نقاط الحدود والمعابر مع الأردن، منزوعي السلاح ومنزوعي الصلاحيات لا قرار لهم في أي شأن، ولا حول ولا قوة لهم، يخضعون للأوامر العسكرية الإسرائيلية، وليس لهم الحق بالتدخل بأي أمر أو موضوع يتعلق بالأمور والصلاحيات الأمنية.

وفي نفس الوقت ستبقى منطقة الأغوار الفلسطينية منطقة عسكرية مغلقة؛ لأن الجيش الإسرائيلي هو القوة المركزية التي ستكون موجودة في هذه المنطقة حسب ما جاء بتصريح كيري حرفياً.

وكان كيري يعرف جيداً خلفية الموقف الإسرائيلي المتشدد تجاه منطقة غور وادي الأردن قبل أن يعلن عن تصريحه بهذا الشأن، حيث استمع جيداً إلى شروط نتنياهو المتكررة، والتي حدد هذا الأخير بموجبها، مطالب إسرائيل الغير قابلة للتنازل أو التفاوض بشأن ما يتعلق بما يٌسمّى، بالترتيبات الأمنية التي تتلخص بأن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح ومن دون قوة عسكرية وأن يحافظ الجيش الإسرائيلي على تواجده في كامل في منطقة الأغوار الفلسطينية ولفترة طويلة، والحديث كان ولا زال يدور حول مدة 40 سنة، وان تكون مشروطة بمدى التزم الفلسطينيين بالمعايير الأمنية الإسرائيلية، وأن يُثبت الفلسطينيون حسن السلوك بما يرضي ويطمأن الإسرائيليين تماماً، وقد تمتد هذه المدة إلى 100 عام أو أكثر بكثير، إذا لم يُثبتوا ذلك، وإذا ما أشتبه الإسرائيليون بأن احد الفلسطينيين من أهالي الأغوار أو غيرها ضبط وهو يحمل شفرة أو سكين يهدد بها الأمن الإسرائيلي أو أمن المستوطنين الباقين في منطقة الأغوار أو حولها.

وتأكيداً على خفايا الموقف الإسرائيلي وتصلبه، تجاه منطقة الأغوار؛ قال موشي يعلون وهو وزير الدفاع في الحكومة الإسرائيلية وعضو المجلس الوزاري المصغر، للشؤون السياسية والأمنية وعضو كنيست عن كتلة الليكود-بيتنا، قال" "بأن منطقة الأغوار ستبقى جزءاً من السيادة الإسرائيلية وإلى الأبد"، وأضاف يعلون: "إن المنطقة التي تخضع للسيطرة العسكرية والمدنية الإسرائيلية هي تلك التي تبقى في أيدينا إلى الأبد، أما المنطقة التي تخضع للسيطرة العسكرية فقط".

فمن الصعب الحفاظ عليها مدة طويلة والبقاء فيها ومضى قائلاً: "إن تجربتنا مع الفلسطينيين أثبتت أن كل نقطة يتم إخلائها تتحول تلقائياً إلى منطقة تنمو فيها المقاومة وإطلاق الصواريخ، وعليه فإن العلاقات بين الأرض والأمن هي أساس العملية التفاوضية والمواقف التي يتبناها اليمين واليسار الإسرائيلي على السواء بشأن منطقة غور وادي الأردن منذ انطلاق المفاوضات النهائية في كامب ديفيد عام 2000م وحتى يومنا هذا، هي مواقف ثابتة لم تتغير، وتقوم على تمسك إسرائيل بالإبقاء على تواجدها العسكري في هذه المنطقة لفترة 40 سنة.

موقف ثابت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المعلن مراراً، بأن أي حل لقضية الحدود للدولة الفلسطينية يجب أن يشمل تواجد الجيش الإسرائيلي في منطقة غور وادي الأردن وعلى طول الحدود بين الضفة الغربية والأردن.

كما كشفت إسرائيل أكثر من مرة، خلال أكثر من مناسبة، عن شروطها بشأن مستقبل منطقة غور وادي الأردن حيث يطالب نتنياهو ومعسكره من اليمين المتطرف؛ إبقاء السيطرة الإسرائيلية على منطقة غور وادي الأردن، من خلال إدراج بند استئجار لهذه المنطقة، في أي اتفاق سلام مستقبلي مع الفلسطينيين، ولهذا فإن إسرائيل تسعى منذ عام 1967م إلى توسيع الاستيطان والوجود العسكري الإسرائيلي ضمن خطة متكاملة لتهويد منطقة الأغوار، وفرض الأمر الواقع في أي حل مستقبلي.

يبدو أن نتنياهو يحاول الالتفاف على الضغوط الأمريكية والدولية الأخرى، باعتماد أسلوب المراوغة كعادته وما يعني نتنياهو من ذلك اشتراطه الإبقاء على وجود الجيش الإسرائيلي على الحدود مع الأردن وفي كافة مناطق الأغوار الفلسطينية. وقد أوضح نتنياهو ذلك مراراً... "بتأكيده على أن أي اتفاق سيتم إبرامه مع الفلسطينيين بشأن مسألة الحدود يجب أن يتضمن وجود قوات إسرائيلية على الحدود الشرقية مع الأردن وفق ما تتطلبه الترتيبات العسكرية، لضمان أمن دولة إسرائيل ومستوطناتها في الضفة الغربية".

تفاهمات كيري وتصريحاته الإعلامية، بشأن وضع منطقة غور وادي الأردن والحدود الشرقية والمعابر لم يأتي بها كيري من بنات أفكاره، فلهذه القضية التفاوضية الهامة جداً مرجعياتها المستندة إلى المواقف الإسرائيلية المتعاقبة والثابتة للقادة الإسرائيليين منذ السنوات الأولى لقيام كيانهم، أي قبل انطلاق عملية السلام في مدريد عام 1991م وخلال هذه العملية وعلى مدى أكثر من 20 عاماً، وحتى يومنا هذا.

فخطة الجنرال يغئال ألون؛ لم تمت ولم تدفن معه، بل لازالت حية ترزق ومرجعية للقادة الإسرائيليين الجدد، يتحدثون ويستنيرون بها، فقد أعلن يغئال الون وهو أحد القادة الإسرائيليين الكبار، المؤسسين للدولة العبرية وهو أيضاً أحد القادة والمؤسسين الرئيسيين لحزب العمل الإسرائيلي، وهو بالأساس أحد كبار الجنرالات في الجيش الإسرائيلي منذ الخمسينات، وقد شغل لاحقاً عدة مناصب هامة أهمها نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للخارجية في حكومة رابين، صرح الون أكثر من مرة بأن غور منطقة غور وادي الأردن، تعتبر من أهم المناطق الإستراتيجية لوجود إسرائيل، وأن المستوطنين في غور الأردن ليسوا إلا جزءاً من دولة إسرائيل، كما أن المستوطنين في الغور يُشكِّلون طوقاً دفاعياً عن الحدود الشرقية مع الأردن.

وعليه فقد بنيت مستوطنات غور الأردن بناءً على خطة ألون التي تقضى بالسيطرة الإسرائيلية على منطقة الغور.

كما أن خطة أولمرت أحادية الجانب التي قدمها للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بشأن الانسحاب من الضفة الغربية، تتضمن ضمن بنودها مطالب إسرائيل الثابتة بشأن الاحتفاظ بمنطقة غور وادي الأردن كحدود شرقية آمنة، ستكون علي امتداد النهر، وفق اعتبارات إستراتيجية لا يمكن التنازل عنها كما ورد حرفيا بالخطة. مما سيتطلب تواجد الجيش الإسرائيلي في هذه المنطقة كحزامٍ أمني دائم.

كما تتضمن خطة أولمرت سيطرة إسرائيلية دائمة على سبع كتل استيطانية في الضفة الغربية، في مقابل تفكيك بعض المستوطنات المعزولة والصغيرة وضمها للكتل الكبيرة، والاحتفاظ بمدينة القدس الكبرى. وستكون معاليه أدوميم وغوش عصيون وأرئيل جزء من دولة إسرائيل كما لا يمكن التخلي عن السيطرة على غور الأردن وعلى الحدود الشرقية لدولة إسرائيل.

حدد ألمرت ضمن خطته أحادية الجانب، ما أسماه بخطوط حدودية بالنسبة لإسرائيل، أولها حدود جدار الفصل في الناحية الشرقية من الضفة، والذي سيتركز بداخلة قوات الاحتلال دون المستوطنين حيث سيتم إخلاءهم من تلك المناطق وتجميعهم في الكتل الاستيطانية السبع، والخط الحدودي الثاني، يتمثل بالخط الحدودي الغربي الذي سيفصل بين السكان الفلسطينيين وبين غور الأردن، وثالث تلك الخطوط الحدودية، خط الحدود الخارجية علي امتداد نهر الأردن.

رغم أن خطة الانسحاب الأحادية الجانب؛ قد أعلن عنها عام 2005م، وقد رافقت الخطة تصريحات أعضاء كاديما في الانتخابات، كما أن وصف الخطة والخطوات التدريجية لتنفيذها جاءت في تصريحات رئيس الوزراء الجديد أيهود أولمرت، إلا أن الجزء المتعلق بغور الأردن لم يكن جديداً، فقد كانت إسرائيل تعتبر أن غور الأردن هو حدودها الأمنية التي لن تتنازل عنها في أية تسوية سياسية، وكانت تبرر الاستيطان في منطقة الغور على أنه يخدم الهدف الأمني الاستراتيجي، وذلك من أجل إخفاء الجانب التوسعي في تعاملها مع الأراضي الفلسطينية، والذي هو عنصر أساسي من عناصر الفكر الصهيوني العلماني أو الديني.

فقد بدأ التحضير لهذه الخطوة الجديدة منذ بداية العام 2004م، وقد تم تنفيذها في أواخر عام 2005م، وقد أشرف على هذا التحضير كل من وزير الزراعة السابق يسرائيل كاتس الذي ترأس "اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان القروي"، ووزير المالية السابق بنيامين نتنياهو (قبل استقالته) الذي كان يترأس "المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية والاقتصادية"، ثم تم الكشف عن التخطيط الإسرائيلي في وسائل الأعلام الإسرائيلي منذ بداية عام 2004، فقد ذكرت الصحف الإسرائيلية أن وزير الزراعة يسرائيل كاتس، ينوي طرح مخطط جديد لتوسيع الاستيطان في غور الأردن، وقام كاتس في اليوم نفسه بجولة في منطقة الغور كي يقف عن قرب على خطط توسيع الاستيطان.

وأتت هذه الجولة عشية النقاش الذي أجرته اللجنة الوزارية لشؤون الاستيطان القروي لبحث خطة تطوير وتوسيع مستوطنات غور الأردن وشمالي البحر الميت، وتم رصد 60 مليون شيكل لتغطية نفقات ما سُمّيَ بخطة تكثيف الاستيطان في غور الأردن، خلال العام 2004م، أضيف إليها 58 مليون شيكل عام 2005م.

وبعد ثمانية أشهر ذكرت صحيفة هأرتس أن وزير الزراعة، يُعد خططاً لمصادرة 32 ألف دونم من الأراضي الزراعية الفلسطينية في غور الأردن لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية.


وقالت الصحيفة: "إن كاتس أعلن خلال جولة قام بها في غور الأردن أنه ينوي العمل بسرعة ومن دون أي تأخير على تنفيذ خطة لتطوير الاستيطان القروي، وأنه سيطرح قريباً خطته هذه على اللجنة الوزارية لتطوير المستوطنات القروية التي يترأسها بنفسه". وحسب خطة كاتس سيتم الاستيلاء على 32 ألف دونم لتحويلها من مناطق عسكرية إلى مستوطنات زراعية، والاستيلاء أيضاً على 28 ألف دونم من أراضي المزارع الفلسطينية وتخصيصها للاستيطان.

ثم أجتمع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الاجتماعية والاقتصادية، برئاسة بنيامين نتنياهو وزير المالية في منتصف العام 2005م، لبحث "تعزيز الاستيطان في غور الأردن"، وقررت اللجنة استثمار 85 مليون شيُكِّل جديد بين السنوات (2006-2008)م من أجل تطوير الزراعة هناك، كما تم في الجلسة ذاتها توسيع مشروع تشجيع الأزواج الشابة على السكن في غور الأردن.

يشير بعض المحللون أن التفسيرات التي قدمها أولمرت كأسس للسياسة التي يريد اتباعها، والتي جاءت في عبارة "إن إسرائيل لا تستطيع التنازل عن سيطرتها على حدودها الشرقية" هذه لتفسيرات في جوهرها ذات تبريرات عسكرية صرفة، حيث زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أن فصل القطاع الشرقي عن الضفة الغربية هو إجراء أمني وليست له أية أبعاد سياسية، وأن القيود على حركة الفلسطينيين في غور الأردن تم فرضها في بداية الانتفاضة، وتم توسيعها تدريجياً.

كما أن تصريحات أولمرت وموفاز في بداية العام 2006 وبعد غياب شارون عن الساحة السياسية، قد جاءت لتؤكد رفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة الشرقية للضفة الغربية رفضاً قاطعاً، بزعم أنها تعتبر منطقة إستراتيجية حساسة لأمنها، بل وتعهدات أولمرت إبقاء الالتزام والسيطرة الإسرائيلية على هذه المنطقة، وقد أعلن صراحة أن إسرائيل ستواصل الاحتفاظ بغور الأردن في كل اتفاق مستقبلي، وإن من شأن ضم غور الأردن إلى إسرائيل أن يعمل على تطويق "الدولة الفلسطينية المستقبلية، وعلى إحكام السيطرة الإسرائيلية عليها.

الإجراءات الإسرائيلية إلى أدّت إلى تحويل منطقة الأغوار الفلسطينية من سلة غذاء فلسطين، إلى منطقة شبه صحراوية مغلقة، فقد كشف الإسرائيليون عن نواياهم بشأن السيطرة على منطقة الأغوار الفلسطينية، منذ بداية الخمسينيات، وشرعوا مبكراً خلال تلك الفترة في إعداد المخططات والبدء في تنفيذها على الأرض، وقد شملت العديد من المشاريع والأنشطة العنصرية نذكر منها:

* إغلاق منافذ الجزء الجنوبي لنهر الأردن لوقف تدفق المياه إلى مناطق الأغوار الفلسطينية.

الإجراءات العنصرية التي نفذتها إسرائيل مسبقاً، وألحقت أضراراً كبيرة وجسيمة بحق المزارعين الفلسطينيين في منطقة الأغوار الفلسطينية، تتمثل بقيام إسرائيل عام 1964م في إغلاق منافذ الجزء الجنوبي لنهر الأردن بشكل كامل وبالتالي وقف تدفق المياه عبر مجرى هذا الجزء المحاذي للضفة الغربية، والشروع في نفس السنة ببدء تشغيل الخط الناقل القطري وضخ المياه عبر هذا الخط من محطة الطابغة على الساحل الشمالي الغربي لبحيرة طبريا، إلى مناطق السهل الساحلي وصولاً إلى مناطق شمال النقب.

لم يكتفي الإسرائيليون بوقف تدفق مياه نهر الأردن عبر مجراه الجنوبي؛ بل قاموا بتحويل كامل تصريف المياه المتبقية في مجرى نهر اليرموك في المنطقة بعد نفق العدسية إلى بحيرة طبريا، وبالتالي لم تعد تصل المياه نهائياً إلى منطقة ملتقى النهرين، هذه المنطقة التي كانت تشهد في السابق فياضانات عارمة تغمر مساحات شاسعة منها، إلا أنها تحولت إلى منطقة شبه صحراوية بعد قيام إسرائيل بإجراءات التحويل بعد حرب عام 1967م.

منذ العام 1964م لم تعد توجد مياه تجري في نهر الأردن باتجاه البحر الميت، مروراً بأراضي الأغوار الفلسطينية، باستثناء حوالي 40 مليون مترٍ مكعب من مياه الينابيع المالحة الجانبية لبحيرة طبريا والتي تم تحويلها إلى هذا المجرى منذ نهاية الخمسينيات، بالإضافة إلى مياه المجاري ومياه برك تربية الأسماك من مناطق طبريا وبيسان التي تم تحويلها إلى هذا المجرى، مما أدّى إلى تحول هذا الجزء من النهر المقدس إلى جدول ملوث صغير ضمن بيئة مدمرة.

نُذكِّرُ بأن الفلسطينيين يمثلون طرفاً مشاطئاً في حوض نهر الأردن، وبالتالي لهم وفق القانون الدولي حقوق المشاطئة القانونية الكاملة، وحصة الأراضي الفلسطينية في مياه هذا الحوض تصل إلى حوالي 220 مليون مترٍ مكعب في السنة، وفق خطة جونستون لعام 1955م، والتي تم إقرار جوانبها الفنية من قبل جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل، منذ عام 1967م لم يعد يحصل الفلسطينيون على أي ليترٍ واحد بالمطلق من حصتهم في مياه حوض نهر الأردن، بعد أن أغلق الإسرائيليون منافذ النهر ومنعوا المزارعين الفلسطينيين من الوصول إلى أراضيهم والى ضفة التهر.

* إغلاق منطقة الأغوار الفلسطينية وإعلانها منطقة عسكرية:
مباشرة بعد احتلال الضفة الغربية عام 1967م، اتخذت إسرائيل قرارات عنصرية بحق منطقة الأغوار الفلسطينية، حيث أعلنت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هذه المنطقة عسكرية مغلقة على كامل امتدادها مع ضفة نهر الأردن وبعمق يصل إلى 15 كلم، وحذّر دخول الفلسطينيين إليها تحت طائلة المسؤولية، الأمر الذي افقد الفلسطينيين أهم وأكبر الأراضي الزراعية الخصبة، والتي كانت تُشكِّل سلة غذاء فلسطين كما حرَمهم هذا القرار من الوصول إلى حقوقهم في مياه نهر الأردن للانتفاع بها، ولم تقتصر أضرار القرار الإسرائيلي على إبعاد الفلسطينيين عن أراضيهم الزراعية فقط؛ بل تعدى ذلك إلى قيام الجيش الإسرائيلي بتدمير كافة المنشاءات المقامة على ضفة النهر ومن ضمنها المضخات وخزانات المياه وصولاً إلى شبكات الري، وغير ذلك من ممتلكات المزارعين الفلسطينيين.

تكثيف الاستيطان الزراعي والصناعي في منطقة الأغوار الفلسطينية:

بدأت إسرائيل باتخاذ خطوات فرض الأمر الواقع فيما يتعلق بموضوع الأغوار، ببناء العديد من المستوطنات في كافة مناطق الأغوار، تضم الآلاف من المستوطنين، لحسم قضية السيطرة على هذه المنطقة الحيوية والإستراتيجية الواقعة بين الأراضي المحتلة عام 1967م والأردن، وتهويدها بالكامل ولفرض سياسة الأمر الواقع، في أي حل مستقبلي، واستبعاد السيطرة الفلسطينية المطلقة على أي جزء من هذه المنطقة، وتحويلها إلى منطقة استيطانية زراعية وصناعية من الدرجة الأولى تخدم الاقتصاد الإسرائيلي.

جاء في تقرير لمنظمة بتسيلم في بداية عام 2006م ليكشف عن استكمال سلطات الاحتلال فصل منطقة غور وادي الأردن عن باقي مناطق الضفة الغربية، وإقامة الحواجز الثابتة لمنع دخول أكثر من مليوني فلسطيني يقيمون في الضفة الغربية إلى منطقة الأغوار، التي تُشكِّل ثلث أراضي الضفة الغربية، وتشمل منطقة غور الأردن ومنطقة البحر الميت والمنحدارات الشرقية لجبال الضفة الغربية، في الوقت نفسه كشفت صحف إسرائيلية عن خطة عسكرية أوصى بها الجيش الإسرائيلي في الضفة بانتشار عسكري جديد في كامل منطقة الأغوار لأحكام السيطرة الدائمة على نقاط استراتيجية من أقصى شمال منطقة الأغوار وحتى خط الهدنة لعام 1949م على الساحل الغربي للبحر الميت، مفصلة ذلك بالقول أن هذا القطاع يجب أن يكون واسعاً بما فيه الكفاية للسماح بتدخل عسكري فعال، وتركت الخطة للقيادة السياسية القرار في إخلاء مستوطنات عشوائية في هذه المنطقة مشيرة إلى أن الحاجة إلى الاستيطان تحكمها اعتبارات سياسية وأمنية، والسيطرة على مصادر المياه وغيرها من الأسباب، الأمر الذي يتفق مع نهج أولمرت الذي دعم ترسيم حدود دائمة على أساس ديمغرافي يبقي على الأغلبية اليهودية.

أهمية منطقة الأغوار:

تُشكِّل منطقة غور الأردن أكثر من 43 % من مساحة الضفة الغربية، وتضم منطقة غور وادي الأردن وامتدادها مع المنحدرات الشرقية، والمساحة المائية في البحر الميت، وقد تم الإعلان عنها من قبل سلطات الاحتلال منذ العام 1967م منطقة عسكرية مغلقة، وأنشئ بها حتى الآن حوالي 27 مستوطنة، يقطن بها ما يزيد على عشرة آلاف مستوطن.

تمتاز منطقة غور وادي الأردن، بثرواتها الطبيعية الهائلة وبمعالمها التاريخية والأثرية والأماكن الدينية والسياحية الهامة جداً، هذا بالإضافة إلى ثروات البحر الميت التي حرم الفلسطينيون من الانتفاع بها منذ العام 1967م، ولهذا فأن وجود هذه الثروات الكبرى يشكل أهمية بالغة بالنسبة لتطوير الاقتصاد الفلسطيني في شتى المجالات وخاصة الزراعة والصناعة والسياحة وكذلك الأعمار والإسكان وغير ذلك. ولذلك فإن منطقة غور وادي الأردن تُعتبَر بمثابة العمود الفقري لبناء اقتصاد فلسطيني قوي.

لذلك تُعتبَر منطقة غور وادي الأردن بمثابة الخاصرة الشرقية لفلسطين، وإن استمرار التواجد العسكري الإسرائيلي في أي جزء منها، وبأي شكلٍ من الأشكال؛ سيكون بمثابة المساس بالسيادة الفلسطينية. وإن بقاء منطقة الأغوار الفلسطينية تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية، لأية فترة كانت قصيرة ام طويلة؛ سيُشكِّل -كما اشرنا- مساساً بسيادة الدولة الفلسطينية القادمة، وسيَحول دون قيام الفلسطينيين بإعادة بناء وتطوير اقتصادهم وبنيتهم التحتية في هذه المنطقة الهامة والحيوية.

نذكر بأن منطقة الأغوار الفلسطينية مدمرة بالكامل وتتعرض إلى إجراءات عسكرية، تمنع الفلسطينيين من القيام بأي نشاط يتعلق بتطوير هذه المنطقة بالحد الأدنى وضمن الإمكانيات المحدودة والمتاحة لديهم، في أي مجال من المجالات الزراعية أو الصناعية أو حتى السكنية.

وقد تراجع الإنتاج الزراعي في منطقة الأغوار بنسبة تفوق 75% عما كانت عليه قبل العام 1967م رافقها تراجع كبير في مصادر المياه حيث جفت أو تملحت غالبية الآبار الزراعية وتراجع تصريف الينابيع الكبرى وجف العديد منها، مع وقف كامل لضخ المياه من نهر الأردن. لهذا تتعرض منطقة ألغوار الفلسطينية بكاملها ال مخاطر التصحر التدريجي.

وتستولي إسرائيل على نحو 95٪ من مساحة الأغوار، موزعة بين مناطق عسكرية، مغلقة ومستوطنات زراعية، وسكنية لأكثر من عشرة آلاف مستوطن إسرائيلي يقيمون على أراض استولوا عليها تدريجيًا منذ نكسة عام 1967م حتى اليوم، حسب بيانات رسمية صادرة عن الإحصاء الفلسطيني.

يواجه القطاع الزراعي الفلسطيني في منطقة الأغوار صعوبات وتحديات كبيرة جداً أهمها تعقيدات الحصول على الموافقات والتراخيص اللازمة لإقامة مشاريع زراعية في الأغوار، وتعرض الممتلكات والمنشاءات الزراعية إلى عمليات تدمير وتخريب متواصلة من قبل الجيش الإسرائيلي من جهة ومن قبل المستوطنين من جهة أخرى، والى شل حركة التنقل للمزارع الفلسطيني.

في ظل هذه التعقيدات والمخاطر أحجم العديد من المستثمرين الفلسطينيين وغيرهم من إقامة المشاريع الزراعية والصناعية في منطقة الأغوار، ويعد هذا الأمر ضربة قاسية للوضع الاقتصادي الفلسطيني في هذه المنطقة.

لذلك إذا وافق المفاوضون الفلسطينيون على أي اتفاق نهائي لا يتضمن عودة السيادة الفلسطينية الكاملة على منطقة الأغوار الفلسطينية ولا يتضمن أيضاً عودة مياه نهر الأردن الشريان الحيوي لهذه المنطقة، فإن ذلك يعني موافقة الفلسطينيين على تخليهم عن أهم منطقة استراتيجية وحيوية تمثل البوابة الشرقية لفلسطين إلى العالم الخارجي وتخليهم عن سلة غذاء فلسطين وعامودها الفقري للاقتصاد الفلسطيني في كافة قطاعات التنمية، ويعني أيضاً نهاية هذه المنطقة وتحولها إلى صحراء قاحلة وتهجير أهلها.

يخشى أن ينجح كيري في فرض تفاهماته على الفلسطينيين، بشأن منطقة الأغوار؛ وبالتالي فأنها الكارثة، سيفقد المزارعون الفلسطينيون حلم العودة إلى أراضيهم ومزارعهم ولن يكون بإمكانهم دخول تلك الأراضي، التي ستبقى تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي لعقود طويلة لا يعلم بمداها إلا الله وحده، وسيفقد الفلسطينيون كذلك، الأمل الذي طالما انتظروه لإعادة تطوير هذه المنطقة الحيوية واستثمار ثرواتها الطبيعية ومن ضمنها ثروات البحر الميت، لتكون عماد الاقتصاد الفلسطيني وأحد أهم ركائزه.

كما سيفقد الفلسطينيون الأمل في حرية السفر والتنقل عبر بوباتهم الوحيدة إلى العالم الخارجي، وستبقى حرية وكرامة الموطن الفلسطيني مقيدة وتخضع للإذلال، أمام الحواجز والمعابر الإسرائيلية التي ستبقى كما يبدو على ما هي عليه اليوم، مع بقاء الجيش الإسرائيلي على الحدود الشرقية وداخل منطقة الأغوار، كقوة مركزية كما ورد وفق تفاهمات كيري.


فضل عكوش


 

  • 3
  • -1
  • 10,600

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً