مسخ بونابرت يفض اعتصام رابعة - التاريخ يعيد نفسه

منذ 2013-10-19

في كتاب (صور من دور الأزهر)، ينقل لنا الدكتور عبد العزيز الشناوي مقتطفات من نصوص الأوامر الصادرة من القيادة العامة الفرنسية إلى القيادات الميدانية في فض اعتصام الجامع الأزهر ليلة23 أكتوبر 1798م. وفيه أوامر صريحة بالتركيز على الجامع الأزهر وبالإعدام الجماعي للثوار!


في كتاب (صور من دور الأزهر)، ينقل لنا الدكتور عبد العزيز الشناوي مقتطفات من نصوص الأوامر الصادرة من القيادة العامة الفرنسية إلى القيادات الميدانية في فض اعتصام الجامع الأزهر ليلة23 أكتوبر 1798م. وفيه أوامر صريحة بالتركيز على الجامع الأزهر وبالإعدام الجماعي للثوار!

إلى حضراتكم المقتطفات لأوامر فض اعتصام الجامع الأزهر:

أبلغ رئيس أركان حرب الجيش الفرنسي أمر نابليون إلى الجنرال (بون) لتنفيذه فوراً بالعبارات التالية: "عَهِد إليَّ القائد العام بأن أبلغكم أيها المواطن القائد بأن تهاجموا بصفة عاجلة الحي الثائر، وأن تضربوا الجامع الأزهر بالمدافع، وأن تضعوا المدافع في أفضل موقع ليكون الضرب أشد أثراً.

وأصدر الأوامر إلى الجنرال (دوماترا) بأن يفعل نفس الشيء! وأن يستولي على مدخل الأزهر والمنازل الرئيسية التي تؤدي إلى الجامع.

وعليكم أن تقتحموا الجامع الأزهر بكتائبكم تحت حماية المدفعية.

إن القائد العام يأمر بقتل من تلقونه مسلحاً في الشوارع، وأن يكون القتل بحد السنكي.

وعليكم أن تعلنوا للأهالي بأن كل منزل تُلقى منه أحجار في الشارع يحرق فوراً.

وعليكم أن تقتلوا كل من في الجامع وأن تضعوا فيه حرساً قوياً"أ.هـ.


قلت: هل تعرف أخي سبب هذه الأوامر الدموية؟

السبب هو ثورة الأزهر 21 أكتوبر 1798م، لما لم ينجح نابليون في خداع الشعب المصري!! عندما أدرك نابليون بونابرت قائد الحملة مدى أهمية الأزهر، وقوة تأثير شيوخه فى نفوس الشعب المصري، فحاول -ونجح- فى التودد إلى طائفة منهم، وجعل ينتهز الفرصة تلو الفرصة للاجتماع بهم، ويتحدث إليهم فى موضوعات علمية حول بعض آي القرآن، ويُشعرهم باحترامه لنبي الإسلام، فيخرجون من عنده وكلهم لسان ثناء عليه يشيعونه فيمن يخالطونهم.

وعندما أنشأ نابليون (ديوان القاهرة) -مركزاً للشورى وتبادل الرأى-، ضم إلى عضويته هؤلاء المشايخ، وكانوا أغلبية فى المركز والاجتماعات، ونهج بونابرت ما عُرف بـ (السياسة الإسلامية الوطنية)، التي كان هدفها توفير أسباب الحياة للفرنسيين، وترويض المصريين بشتى الأساليب على قبول حكم أجنبي عنهم، ولقد اعتمدت السياسة الفرنسية ثلاثة دعائم:

1- التظاهر باحترام الدين الاسلامي والمحافظة على تقاليد أهل البلاد وعاداتهم.
2- محاولة انتزاع المصريين من أحضان الخلافة العثمانية.
3- إنشاء حكومة وطنية من (عقلاء) وأفاضل المصريين.

لم يغب عن الشعب المصرى أن السياسة الفرنسية سياسة خداع وتخدير، فثاروا على نابليون وقواده أكثر من ثورة، وشاركهم الأزهريون أنفسهم فى ثورتهم، بل كانوا فى مقدمة الثائرين. ومن ذلك تلك المقاومة الإسلامية الشديدة التي انطلقت من الجامع الأزهر صبيحة يوم الأحد 21 أكتوبر 1798م، وتجمع آلاف المصريين في الجامع الأزهر واحتشدوا حتى ضاق بهم الجامع الأزهر بأكمله، بل ضاق بهم حي الأزهر حتى بلغ عددهم أكثر من 15000 رجلاً تجمعوا لإعلان رفض الوجود الماكر الذي خدع كثيراً من المصريين، واحتجاجاً على السلوكيات الفاجرة المنحرفة التي تحدى بها المستعمر مشاعرهم. لقد وصلت أنباء هذا التجمع الخطير إلى الحاكم العسكري لمنطقة القاهرة الجنرال (ديبوي)، فأصدر أمره برفع درجة الاستعداد إلى الدرجة القصوى، وقرر الانتقال بنفسه إلى مكان الاعتصام على رأس كتيبة من رجاله، ولكنه لم يتمكن من التوغل في حي الأزهر إذ أحاط به الثوار وقذفوه بالحجارة.

ثم جاء على إثر ذلك وكيل محافظة القاهرة (برتملي)، وهو نصراني يوناني كان يقيم بمصر قبل الحملة الفرنسية، فعينه في منصبه نابليون بعد معركة إمبابة. جاء برتملي بعنجهيته وأطلق عياراً نارياً طائشاً قتل أحد الثوار، فازداد غضبهم واسترخصوا الموت في سبيل الله تعالى، وما كان من أحدهم إلا أن طعن ديبوي طعنة مات على الفور منها، وتتابع الثوار فأجهزوا على من قدروا عليه من مرافقي ديبوي. ولاذ برتملي العنجهي بالفرار. وكان بونابرت وقت اندلاع المعركة خارج القاهرة، فعاد إليها مسرعاً ونصب المدافع على تلال المقطم لتعاون مدافع القلعة في إطلاق القنابل على حي الأزهر مركز حركة الجهاد وشعلتها المتأججة. ولأن الثوار قد أقاموا المتاريس والحواجز في الطرقات والأزقة المؤدية إلي حي الأزهر تأكد نابليون أنه من المتعذر أن يقتحمه الجنود، ولذلك قرر نابليون سحق الثورة بالمدفعية!! وقذف الجامع الأزهر بالمدفعية أيضاً! وقتل الثوار وإحراق المنازل واحتلال الجامع بالجنود.

ولقد وصف مؤرخ العصر الشيخ عبدالرحمن الجبرتي (1167-1237هـ، 1754-1822م) هذا الذي اقترفه جنود الحملة الفرنسية، فقال: "لقد دخل أولئك الوعول التيوس إلى الجامع الأزهر وهم راكبون الخيل! وداس فيه المشاة بالنعالات وهم يحملون السلاح والبندقيات! وتفرقوا في صحنه ومقصوراته، وربطوا خيولهم بقبلته! وعاثوا في الأروقة والحجرات وكسروا القناديل والسهارات، وهشَّموا خزائن الطلبة، والمجاورين والكتبة، ونهبوا ما وجدوه من المتاع والأواني والقصاع، والودائع والمخبآت، بالدواليب والخزانات وشتتوا الكتب والمصاحف، وعلى الأرض طرحوها، وبأرجلهم ونعالهم داسوها، وأحدثوا بالمسجد وتمخطوا، وبالوا وتغوطوا، وشربوا الشراب وكسروا أوانيه، وألقوها بصحنه ونواحيه، وكل من صادفوه به عروه، ومن ثيابه أخرجوه، ووجدوا في بعض الأروقة إنساناً فذبحوه، ومن الحياة أعدموه، وفعلوا بالجامع الأزهر، ما ليس عليهم بمستنكر، لأنهم أعداء الدين وأخصام متغلبون، وغرماء متشمتون، وضباع متكالبون، وأجناس متباينون، وأشكال متعاندون، وأعطى تلك الليلة جيش الرحمن، فسحة جيش الشيطان".أ.هـ.

ونقرأ في كتاب (تاريخ العالم الإسلامي الحديث) تفاصيل اقتحام حي الأزهر وفض الاعتصام ما يلي: "ولأن نابليون أراد أن ينكل بالثوار فقد أغلق جنوده كل الطرق المؤدية إلى الجامع حتى يحرم الثوار من أي فرصة للنجاة، وحتي يحصر الثوار في الأزهر بين نارين: نار المدفعية تتساقط عليهم من المرتفعات، وطلقات البنادق تقتنصهم من أمامهم ومن خلفهم عبر الشوارع والأزقة الضيقة في حي الأزهر. لقد توالى القصف المدفعي الرهيب على حي الأزهر ساعات طويلة، وأحدثت قذائفه ثقوباً في المسجد أوشك بسببها أن يتداعى.

ولم يكن يشاهد في منطقة الأزهر إلا مبان محترقة أو دور منهارة. وقد دفنت عائلات بأكملها تحت الأنقاض وكان يسمع لأهلها أنين موجع واستغاثة خافتة متقطعة. أما الموقف العسكري بين الثوار فقد نفذت الذخيرة من أيديهم وازداد عدد قتلاهم زيادة رهيبة، وأصبحوا في موقف حرج جداً، وأيقنوا ألا أمل في مواصلة النضال ولذلك طلبت العصبة المتبقية منهم التسليم. ورغم ذلك لم يُجابوا لما طلبوا بل تقدم الجنود بخطة مرسومة إلى الجامع الأزهر وارتكبوا فيه أبشع ما عرفه التاريخ البشري من جرائم ووحشية، فقد أعملوا القتل فيمن فيه ومن التجأ إليه حتى تحول الجامع إلى بركة دماء أو مستودع جثث وأشلاء".أ.هـ.

وفي نفس المصدر: "لقد اعتبروا دخولهم للجامع الأزهر غنيمة تكتسب فأعملوا السلب والنهب لكل ما فيه!! حَسِب الناس أن نابليون سيراعي حرمة هذا المكان فيعف عنها!! كل هذه المأساة جرت في ليلة واحدة وهكذا كشر نابليون عن أنيابه وظهر على حقيقته عدوا لله ولرسوله، لا يألو في مؤمن إلا ولا ذمة، ولا يحمل في قلبه مثقال ذرة من رحمة".

قلت: كانت منشورات نابليون قبل دخول أسطوله موانيء الأسكندرية تقول للمصريين إنما جئنا لإنقاذكم من المماليك الذي استأثروا بالحكم والنفوذ والمال وتركوكم في مهب الفقر والمعاناة!!

وفي كتاب (واقعنا المعاصر) لمحمد قطب يتكلم عن هذه المنشورات، قال رحمه الله تعالى: "أرسل نابليون منشوراً إلى المصريين بعد احتلال الإسكندرية جاء فيه: "بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله لا ولد ولا شريك له في ملكه، من طرف الفرنساوية، المبني على أساس الحرية و التسوية: أمير جيوش الفرنساوية بونابرت، يعرف أهالي مصر جميعهم أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية، قد قيل لكم إنني ما زلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب صريح فلا تصدقوه! وقولوا للمغترين إننى ما قدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين! وإننى أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى واحترم نبيه والقرآن العظيم! أيها المشايخ والقضاة والأئمة والجريجية وأعيان البلد: قولوا لأمتكم إن الفرنساوية هم أيضاً مسلمون مخلصون (!!) وإثبات ذلك أنهم قد نزلوا فى رومية الكبرى وخربوا فيها كرسى البابا الذى كان دائماً يحث النصارى على محاربة الإسلام (!!).. ومع ذلك الفرنساوية في كل وقت من الأوقات صاروا محبين مخلصين لحضرة السلطان العثمانى، وأعداء أعدائه، أدام الله ملكه (!!).. الخ.. إلخ".

قلت أنا إيهاب عدلي أبو المجد: هل ما قرأناه هاهنا أحداث فض اعتصام رابعة أم فض اعتصام ثورة الأزهر؟

ولكن ثوار جامع الأزهر كان معهم سلاح.
وجنود نابليون لم يكن معهم طائرات.
نابليون لم يكن مصرياً سيسياً.
طرفا المواجهة في فض اعتصام ثورة الأزهر كانا مختلفي العقيدة والجنسية.
مع العلم أن كل المصادر التي نقلت عنها فض اعتصام ثورة الأزهر متقدمة جداً في الزمان على زمان فض اعتصام رابعة والنهضة!

وكلمة أخيرة اعلموا أن المماليك التي زعم نابليون أنه إنما جاء لمصر ليخلص أهل مصر من المماليك الذين لم يحنوا عليهم كانت السلطة كاملة بأيديهم، أما مرسي والإخوان كانت معهم سلطة بلا سلطات.

أكيدٌ أن السيسي ومحمد إبراهيم ليس عندهم من الثقافة ما يعرفون به كل هذه التفاصيل في فض ثورة الأزهر على يد المحتل الفرنسي! فمن إذاً علمهم ذلك؟

أترك الإجابة للنخبة المصرية
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

إيهاب عدلي أبو المجد

الاسم : إيهاب عدلي أبو المجد الرفاعي مشعل. مواليد 5 / 2 / 1970 بطنطا

  • 3
  • 1
  • 9,311

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً