الاستخارة وأثرها التربوي

منذ 2013-10-24

إن تعليم الأبناء والطلاب دعاء الاستخارة والتأكيد على مواظبتهم عليها في شئون حياتهم ليربطهم بالله سبحانه ويحييهم في مشاعر إيمانية رائعة من المراقبة والتقوى، ويذكرهم دائما بقدرة الله عليهم وبعلمه بأعمالهم، وبضرورة الالتجاء له سبحانه، وهذا المعنى هو أكثر ما يحتاجه الشباب في استقامتهم وصلاحهم.

لم يشرع لنا الإسلام شريعة إلا وفيها الخير والفضل والمصلحة التامة، ولم يعلمنا الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم درسًا إلا وكان فيه النصح الصائب والتوجيه الإيجابي المحق. والاستمساك بسنة نبي الهدى صلى الله عليه وسلم، والسير على خطاه هو فعل المهديين الصالحين، الذين اختاروا طريق النورانية والبصيرة في الدنيا والآخرة، فصلحت دنياهم وصلحت آخرتهم.

ومن سنن الهدى دعاء الاستخارة، والاستخارة هي طلب الخيرة، بأن يطلب المسلم من ربه سبحانه وتعالى أن يختار له ما فيه الخير له في دينه ودنياه، وهي سنة بإجماع أهل العلم لمن أراد الإقدام على أي أمر ذي بال، فيصلي ركعتين من غير الفريضة، وبعد الصلاة يدعو بهذا الدعاء الذي رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه ولفظه: «اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر (ويسمي حاجته) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر (...) شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به». والسنة عند جمهور الفقهاء مالك والشافعي وأبي حنيفة أن يكررها كما يكرر الدعاء ولا يكتفي بمرة واحدة، ويمضي المسلم في حاجته فإن كانت خيراً له فسييسرها الله تعالى له، وإن كانت غير ذلك فسيصرفها الله تعالى عنه ويصرفه عنها.

الأثر التربوي للاستخارة

نجد في بداية حديث الاستخارة قول الصحابي الجليل رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن"، وهي إشارة بليغة من الصحابي باهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالاستخارة، وبأثرها، بالحض عليها، وبالحرص على إتقان الدعاء فيها حسبما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم لتكتمل بركة الدعاء وليحصل اثره.

وأول ما يلفت الانتباه تربويًا في صلاة الاستخارة ودعائها هو ذلك الربط الإيماني المهم بين أعمال الدنيا والإيمان بالله سبحانه، فالاستخارة لا تشرع في المحرم ولا في الواجب، وانما تشرع في المباحات، كما نجد في نهاية الدعاء قوله: «في ديني ومعاشي وعاقبة أمري»، فهناك إذن حالة من الثقة في الله سبحانه والإيمان به عز وجل والتوكل عليه سبحانه إنما تكون هي الباعث على اللجوء لصلاة الاستخارة والفرار إليها والراحة بها.

كما أن بها ربطاً واضحًا بين طلب توفيق الله سبحانه وبين ما يقدم عليه المرء من عمل، إذ العمل منقوص منكوس إذا افتقد إلى التوفيق والبركة والرضا منه سبحانه، وهو معنى هام أيضًا على المستوى التربوي، فليس المهم أن يكون العمل براقًا ولا مدرًا للمال أو للمنفعة الظاهرة، ولكن المهم أن يكون موفقًا منه سبحانه مرضيًا عنه.


وبالاستخارة أيضًا إقرار بعلم الله سبحانه الكامل التام بما كان أو يكون، فهو سبحانه علام الغيوب، يعلم السر وأخفى، ولايخفى عليه شيء في السموات ولا في الأرض، {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59].

وفيها كذلك الإقرار بقدرة الله سبحانه العظيم الحي القيوم، فالمستخير يلجأ إلى قدرة الله سبحانه فيقول: «واستقدرك بقدرتك»، فهو يرى نفسه ضعيفًا فقيرًا بحاجة إلى أن يقويه الله سبحانه وأن يوفقه وأن يبصره بمآل الأعمال ويختار له أفضل الاختيارات مما لايدركه الضعف البشري. وهو كذلك يسال الله سبحانه تيسير أمره الذي فيه الصلاح والخير، وأن يباعد بينه وبين أمر الشر في دينه ومعاشه وعاقبة أمره، وهذا التيسير إنما يحصل للمؤمنين بالله سبحانه أصحاب الطاعات والقربات والقلوب السليمة النقية.

إن تعليم الأبناء والطلاب دعاء الاستخارة والتأكيد على مواظبتهم عليها في شئون حياتهم ليربطهم بالله سبحانه ويحييهم في مشاعر إيمانية رائعة من المراقبة والتقوى، ويذكرهم دائما بقدرة الله عليهم وبعلمه بأعمالهم، وبضرورة الالتجاء له سبحانه، وهذا المعنى هو أكثر ما يحتاجه الشباب في استقامتهم وصلاحهم.



خالد روشه
 

  • 2
  • 0
  • 5,118

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً