الإنسانية المفقودة

منذ 2013-10-30

قلوب لا تؤثر فيها أهات الثكالى ولا دموع اليتامى، ولا أنّات الأرامل ولا عذابات المظلومين المعتقلين، قلوب لا تنفطر على حال وطن سليب تُسرَق حريته وإرادته ومستقبل أبنائه ويتحكم فيه أعدائه، قلوب لا تهتز للقتل ولا للحرق ولا للاعتقالات ولا لإهدار حقوق الإنسان، قلوب تسكت على الظلم والطغيان تصمت على تلفيق الاتهامات للأبرياء، والأصل عندنا أن الإحساس بالآخر نعمة عظيمة يرفع صاحبه في أعلى درجات المؤمنين.


قرأتُ عنواناً طريفاً عن أن بعض خبراء الكمبيوتر صمّموا كمبيوتر يستطيع معرفة حال مستخدمه؛ من حيث الشعور بالألم والفرح أو السعادة والشقاء أو الرضى والغضب، فتأثرت حقيقةً بحال البشر الذي لا يبالي بغيره ولا يستشعر فرحهم أو حزنهم، غناهم أو فقرهم، سعادتهم أو شقائهم.

استغربت كثيراً أمام بشر لا تؤثر في قلوبهم رؤية سفك الدماء الطاهرة الزكية، ولا مناظر حرق الجثث وتجريفها بالجرافات ولا رؤيتهم لبيوت الله تُنتَهك حرمتها.

قلوب لا تؤثر فيها أهات الثكالى ولا دموع اليتامى، ولا أنّات الأرامل ولا عذابات المظلومين المعتقلين، قلوب لا تنفطر على حال وطن سليب تُسرَق حريته وإرادته ومستقبل أبنائه ويتحكم فيه أعدائه، قلوب لا تهتز للقتل ولا للحرق ولا للاعتقالات ولا لإهدار حقوق الإنسان، قلوب تسكت على الظلم والطغيان تصمت على تلفيق الاتهامات للأبرياء، والأصل عندنا أن الإحساس بالآخر نعمة عظيمة يرفع صاحبه في أعلى درجات المؤمنين.

يقول صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم).

وفي الحديث الضعيف: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

فمن فقد الإحساس بغيره فقد جزء من الإيمان وأخمد جذوته في قلبه.

قال صلى الله عليه وسلم: «خاب عبد وخسر، من لم يجعل الله تعالى في قلبه رحمة للبشر» (صحيح الجامع الصغير).

ديننا هو الذي أدخل امرأة النار في هرة حبستها وأدخل رجلاً الجنة لأنه سقى كلباً، هو دين الرحمة جاء به نبي الرحمة من ربّ يرحم من عباده الرحماء.

وأخبرنا حبيبنا صلى الله عليه وسلم أن صاحب القلب الرحيم الرقيق من أهل الجنة فقال: «وأهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسِط متصدّق موفَّق، ورجل رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال» (رواه مسلم).

والله الذي لا إله غيره لا أكتب هذا المقال طلباً للشفقة ولا للعطف من أحد؛ فقد وهبنا الله خير مما آتاكم وإنما وربّ الكعبة نحن من نشفق عليك يا صاحب القلب المريض القاسي. يا صاحب الإنسانية المفقودة نرجوا لك سلامة القلب لأنه الموصِل إلى طريق الله المستقيم وبه النجاة في الدنيا والآخرة.

يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً: إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ» (صحيح البخاري).

فلا يصدنك موقف سياسي أو اجتماعي، أو حزبي، أو شخصي أو تعصُّب أو.... عن تعاهد قلبك وإصلاحه؛ فعند الله تجتمع الخصوم. ولن تنفعنا الحجج والمبرِّرات الفاسدة بين يدي الله، ومن غالب الله غلبه ومن على فالله أعلى.


نحن أصحاب رسالة ودعوة ربانية لنرشد الخلق على الخالق ولتعبيد الناس لربّ الناس جل وعلا، ولتعلوا راية الإسلام ربوع الدنيا بكل جوانبه؛ الإسلام السياسي والدعوي والتربوي والسلوكي والأخلاقي والعبادي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والرياضي.

فلا نعادي أحد لمنصبٍ ولا كرسيٍ ولا لشيء من حطام الدنيا، وإنما لتكون كلمة الله هي العليا شاء من شاء وأبى من أبى، وليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار بعزِّ عزيزٍ أو بذل ذليل ولينصرن الله من ينصره. فلين قلوبنا ورقتها من ديننا ومنهجنا وعقيدتنا. وقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من قسوة القلب فقال: «من لا يَرحم لا يُرحم» (السلسلة الصحيحة).

وقال أيضاً صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن الذي لا يُقبِّل ولده ولا يرحمه: «أوَ أملِكُ لك أن نزَعَ اللهُ من قلبِك الرحمة» (صحيح البخاري).

فيا صاحب القلب الرقيق؛ أبشر بالأمن والإيمان، ورحمة الرحمن، والوعد بالجنان، وصحبة الحبيب العدنان، ولا تبخل بطلاقة وجهك، وابتسامتك الحانية، واللمسة الرقيقة الدالة على المحبة رغم الحزن والجرح والألم والقلوب المكلومة بجراحها، رغم الظلم والطغيان، رغم السجن والسجان، رغم الشهداء والمعتقلين والمصابين والمفقودين، رغم تآمر المتأمرين وخيانة الخائنين، رغم الانقلاب والانقلابين فقد كان صلى الله عليه وسلم بسّام المُحيا: «تبسُّمك في وجه أخيك صدقة» (رواه البخاري).

وانظر إلى وصية الحبيب المصطفى لرقة القلب ولين الجانب؛ فيقول صلى الله عليه وسلم: «أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح على رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك» (السلسلة الصحيحة).


فيا صاحب الإنسانية المفقودة صحّح وجهتك، وأصلح بوصلتك، وجدّد نيتك، وأعلم أنه لن يكون في كون الله إلا ما يريده الله، فيُمهلنا ويختبرنا ويقيم علينا الحجة ويُشهِد علينا جوارحنا، ليميز الخبيث من الطيب وأهل الحق من أهل الباطل {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ} [الصف من الآية:14].


ماهر إبراهيم جعوان
 

  • 3
  • 0
  • 7,968

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً