لحظة قبل توديع العام!

منذ 2013-11-06

تقويم الأعمال والتفكر والاعتبار في مضي الأيام والليالي نهج سديد ومطلب حميد؛ لما يحدثه من جليل الفكرة، وصادق العبرة، وبليغ العظة حتى يميز اللبيب أعماله وأقواله وأحواله وعلاقته بربه تبارك وتعالى، وعلاقته بالناس.


الحمد لله القائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ} [الحشر:18-19].

صلى الله على نبينا محمد المبلغ عن ربه قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} [سبأ:46].

وبعد:

فكم من التنزيل العزيز من الآيات التي توجه أولى الألباب أن يخلوا بأنفسهم بين وقت وآخر ليقوموا سيرهم إلى الله تعالى، فإنهم كادحون إليه كدحاً فملاقوه، فموقوفون بين يديه كقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} [الأعراف:185].

فتقويم الأعمال والتفكر والاعتبار في مضي الأيام والليالي نهج سديد ومطلب حميد؛ لما يحدثه من جليل الفكرة، وصادق العبرة، وبليغ العظة حتى يميز اللبيب أعماله وأقواله وأحواله وعلاقته بربه تبارك وتعالى، وعلاقته بالناس.

فما كان من شيء محمود على هدي الكتاب والسنة اغتبط به المسلم وذكر جليل إنعام الله تعالى عليه به، وشكره بالمداومة عليه والاستزادة منه، فإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، وإن من عاجل البشرى للمسلم أن يفتح الله له باب عمل صالح يلازمه حتى يلقى الله عليه.

وما كان قد اقترف العبد من معصية خالف فيها شرع الله تعالى وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، تذكر أن تلك المخالفة معصية مستمرة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ونوع من المحادة والمشاقة لهما لقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:36].

فإذا كان اختيار العبد لنفسه غير ما اختار الله له ورسوله صلى الله عليه وسلم ضلالة بينة ومعصية، مؤكدة بنص الوحي، فكم من الناس من هو على هذا النهج الغوي المتمثل بإعلان المخالفات والإصرار على السيئات وكل على شاكلته وربك أعلم بمن هو أهدى سبيلا؟

فمنهم: من معصيته وضلالته باختياره غير ما اختار الله له ورسوله صلى الله عليه وسلم في هجرة المساجد، وصلاته إن صلى في البيت مع النساء والقواعد.

ومنهم: من معصيته وضلالته باختيار غير ما اختار الله له ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمر المال والاقتصاد بأخذه المال من الحرام، وإنفاقه إياه في أنواع الإثم والإجرام.

ومنهم: من مخالفته وضلالته في تضييعه سويعات عمره، وزهرة شبابه أمام الدش وغيره من وسائل الإعلام الهابطة التي تضلل الاعتقاد وتغري بالفساد، وتعلم فنون الإجرام وتهزأ بشعائر وقيم الإسلام.

ومنهم: من مخالفته وضلالته بمعصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أمر السفر والثياب، فيحلق شعر وجهه، ويسبل ثيابه، ويخر من مخالفة وناصحه وهو يعلم أنه لا حجة له تنجيه يوم القيامة، وأن محمد صلى الله عليه وسلم خصمه غداً بين يدي ربه الذي بلغه رسالة ربه ونصحه ولكن ذلك الغوي رد النصيحة وخالف السنة مجاهراً.

ومنهم: من معصيته وضلالته بمحاربة الإسلام عن قصد أو غير قصد لإعجابه برأيه بالتزهيد في العلم الشرعي وإغراء المرأة بالخروج على قيم الإسلام والكيد الخفي للمؤسسات التي تنشر السنة وتحافظ على الفضيلة، فلا تسنح لهذا المشئوم فرصة إلا أشار أو احتال ليتصدر ما أمكنه من قرار لحمته وسداه الكيد لأحكام الشريعة، وأذية المؤمنين والتمكين لأهل الأهواء ومتبعي الشهوات ليفسدوا في الأرض بكل ما أوتوا من قوة، وما أتيح لهم من أسلوب ووسيلة وحيلة؛ {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ} [البقرة من الآية:220].

وهو سبحانه: {لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس من الآية:81]، ولكن اقتضت حكمته سبحانه أن يعجلوا الناس ببعض ليهدي المجاهدين فيه سبيله، ويمن عليهم بمعيته، ولينتقم من المفسدين ولو بعد حين؛ {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل:25].

ولسان حال هذا الصنف المفسد المشئوم المطيع لضلال اليهود والنصارى الذين يحرضونه على التغيير والتغريب ما ذكره الله عن سلفه المنافقين في عهد النبوة الذين أخبر الله عنهم بقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ . أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة:11-12]، {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً . فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:61-63]، ويا ويح هذا الصنف إن لم يتب من جرمه قبل موته في يوم ينظر المرء ما قدمت يداه.

ومنهم الظالم لنفسه بالتعدي على أموال العباد وحرماتهم وأعراضهم وهو مقيم على ظلمه. فلم يخطر بباله أنه إن لم يتخلص من مظالمه في هذه الدار فسيدفع ثمنها في دار القرار بالتخلي عن بعض حسناته للمظلومين حتى يوفيهم حقهم، فإن لم توف حسناته مظالمه حُمّل من سيئاتهم ما لا قبل له به ثم طرح في النار.

فما أحوج الجميع وهم في نهاية العام إلى أن يقوموا ويتفكروا وينظروا فيما قدّموا ويعتبروا بمن فارقوا من الأحباب والأصحاب، وودعوهم للإلحاد في جوف التراب، فلعل المحسن أن يزداد ولعل المسيء أن يرجع ويستجيب، فإن الجميع مسئولون عما عملوا، فليعدوا للسؤال جواباً، وليكن الجواب صواباً.

 

  • 2
  • 1
  • 4,652

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً