الانقلاب!

منذ 2013-11-08

وليس المقصود هو ما يتبادر إلى الأذهان مما يُسمّى بالانقلاب العسكري! وإنما هو انقلاب أعظم وأخطر وأهول؛ وهو انقلاب الخلائق لربّ العالمين.


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهذه أسطر تتناول قضية "الانقلاب".

وليس المقصود هو ما يتبادر إلى الأذهان مما يُسمّى بالانقلاب العسكري! وإنما هو انقلاب أعظم وأخطر وأهول؛ وهو انقلاب الخلائق لربّ العالمين.

وقد ذكر الله هذا الانقلاب الهائل بقوله: {لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} [الزخرف:13-14].

ويا له مِن انقلاب...!

ويا له من يوم...!


يوم القيامة لو علمتَ بهوله *** لفررتَ من أهل ومن أوطان
يوم تشققت السماء لهوله *** وتشيب فيه مفارق الولدان
يوم عبوس قمطرير شره *** في الخلق منتشر عظيم الشان


وهو الحشر.

وذاك الانقلاب يشمل الكل ويعم الجميع؛ فلا يبقي ولا يذر، يقول جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ} [الأنعام:38].

أما صفة الحشر فقد ذكرها الله تعالى بقوله: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا . وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا} [مريم:85-86]. {وَفْدًا} أي: ركبانًا. {وِرْدًا} أي: عطاشًا قد بلغ بهم الظمأ كل مبلغ.

وعن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟! قَالَ: «أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟»، قَالَ قَتَادَةُ: "بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا" (متفق عليه).

فنقول كما قال قتادة رحمه الله: "بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا"، واقرؤوا إن شئتم: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الإسراء:97].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ؟! فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ الأَمْرُ أَشَدُّ مِنْ أَنْ يَنْظُرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ» (متفق عليه).

والإيمان بالبعث والانقلاب للحساب أصل الإيمان، وقاسم مشترك بين رسل الله جميعًا عليهم السلام، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [الزمر:71].

وقد ذكر الله في القرآن أقوال المكذبين للبعث، وذمَّهم وتهددهم وتوعدهم بقوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الرعد:5].

وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا!» (رواه البخاري).

جمع عمر بن عبد العزيز رحمه الله الناس يومًا فقال: "أنتم مع أمر البعث والانقلاب المهيب إلى الله أحد رجلين: إما مكذب هالك، وإما مصدق أحمق...!" -فجعل الناس يضربون أخماسًا في أسداس وإلا فكيف يوصف المصدق بالحمق؟!-.

وفك هذه الشفرة، وحلُّ هذا اللغز: أن المصدق لما وافق المكذب في الإثم والفسوق والعصيان كان من الحمق والغباء بمكان!

فلله در عمر!

ولله در شاعر الإسلام حيث كتب تحت عنوان: "رحلة الأهوال" قائلاً:


أما والله لو علم الأنام *** لِما خلقوا لَما غفلوا وناموا
لقد خلقوا لما لو أبصرته *** عيون قلوبهم لتاهوا وهاموا

ممات ثم قبر ثم حشر *** وتوبيخ وأهوال عظام
ليوم الحشر قد عملت رجال *** فصلوا من مخافته وصاموا
ونحن إذا أمرنا أو نهينا *** كأهل الكهف أيقاظ نيام


فعلينا أن نحسن المسير إلى الله، وأن نتقي يومًا نرجع فيه إلى الله، وليكن كل منا على باله قول الله تعالى في معرض بيان حكمة الانقلاب والغاية من البعث: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران:185].

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله ربّ العالمين.


سعيد صابر

 

  • 0
  • 0
  • 5,515

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً