الخلوة... دعوة للشيطان وطرد للعفة

منذ 2013-11-09

إن الشرع قد أغلق منافذ الشر، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان»..


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

يقول الله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:23].

وهذه القصة قصة غرام ومراودة بلغت أشدها من امرأة العزيز: {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [يوسف:30].


ومع ذلك ومع أنها قصة غرام، نجد الدقة في الألفاظ، والعفة في العبارات. حتى امرأة العزيز وهي تراوده تأتي بهذه العبارات، فتقول: {هَيْتَ لَكَ}، وتقول لزوجها بعد مدة: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} [يوسف من الآية:25].

والوقفة هنا؛ تأمَّلوا قصص الغرام التي يكتبها بعض الأدباء، ترى ما فيها من استخفاف، ما فيها من عشق، وما فيها من إسفاف، يستحي المرء من قراءتها فضلًا عن سماعها أو قولها، ومع ذلك تُعرَض هذه القصة التي هي قمة غرام امرأة العزيز بيوسف {قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً}، ومع ذلك تُعرَض بهذا الأسلوب العجيب، بالأسلوب الرفيع، بالأسلوب الأديب. هذا هو الأدب الحقيقي.

إن الأدب إذا لم يكن فيه أدب في نطقه ومعناه فليس أدباً!


كيف يكون أدباً وصاحبه لم يتأدب في عباراته؟

والذي يقرأ بعض هذه القصص التي تقال، قصص الأدب والغرام، يجد فيها ما يستحي المرء من أن يقرأه سراً، فضلاً عن أن ينشر على الملأ!

وقصة امرأة العزيز تبين لنا أهمية الالتزام بالعبارات التي هي الأدب الحقيقي.

إن أساليب القصص الهابطة التي درج على سلوكها كثير من أدباء الزور، ليست من الأدب في شيء، أما أسلوب القرآن فهو القمة السامقة في أدب العبارات وألفاظ. وقوله الله تعالى: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ} [يوسف من الآية:23]، يُبين خطورة الخلوة، تلك البلية التي تساهل فيها كثير من الناس.

إن الشرع قد أغلق منافذ الشر، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان» (صححه الألباني)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم» (رواه مسلم)، ولما سأله الصحابة عن الحمو (وهو قريب الزوج أو أخ الزوج، الذي قد يكون موجوداً في البيت)، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الحمو الموت» (رواه البخاري).

ومصداق ذلك في هذه السورة، فلما حدثت الخلوة، جاء الشيطان إلى امرأة العزيز وأثار كوامن في نفسها مع أنها امرأة متزوجة، وزوجها عزيز مصر، ومع ذلك غلقت الأبواب، وقالت {هَيْتَ لَكَ}، واستمرت في مراودتها، بل لحقته حتى قدت قميصه من دبر وكأن الشيطان يدفعها دفعاً!

ومع ذلك فقد تساهل كثير من الناس في هذا الباب، وبالذات مع بعض الأقارب، وأشد من ذلك مع السائقين والخدم. فكثير من الناس يتساهلوا في خلوة أبنائهم مع الخادمة، يخرج من في البيت ولا يبقى إلا بعض الأبناء والخادمة، والأب مطمئن والأم مطمئنة، وماذا يحدث بعد ذلك كما هو ثابت ومشاهد!

وعكس ذلك يخلو السائق بالزوجة أو بالبنات، فماذا يحدث بعد ذلك؟


اسألوا المؤسسات الاجتماعية. اسألوا الهيئات تجدون... والله عجبًا! إذًا فخطورة الخلوة ظاهرة بينة فلنتق الله جل وعلا ولا نتساهل في أعراضنا.

وليست المسألة اتهام لفلان أو فلان، اتهام لقريب أو سائق أو خادم، و إنما هي قضايا تتعلق بالنفس والشيطان والهوى، و«ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما» هكذا قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم.

وقد قال الله تعالى في شأن يوسف وهو من هو عليه السلام: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ} [يوسف من الآية:24]، وهنا وقفة مهمة تتعلق بالإسرائيليات، فقد رجعت إلى بعض كتب التفسير، ووجدت أن بعضهم قد أورد من الأخبار ما يتنافى مع مقام يوسف عليه السلام، والذي أخبر الله عز وجل عنه، فقال: {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف من الآية:24].


سبحان الله كيف تسود الصفحات بمثل ذلك الكلام، والله جل وعلا يقول: {وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف من الآية:23]، كل الأبواب مغلقة وليس باباً واحداً، ثم يأتي هؤلاء فينقلون عن الإسرائيليات، أنه خلع ثيابه، ثم يذكرون قصصاً غريبة، ولنا أن نتساءل من الذي أعلمكم وقد غلقت الأبواب، ولم يكن هناك أحد حاضر، هل صرّح لكم عليه السلام بشيء!

إن كثيراً من أخبار بني إسرائيل، وقصص بني إسرائيل؛ اشتملت على أباطيل ظاهرة، وبمجرد النظر فيها يدرك المسلم أنها ليست صحيحة، ورحم الله المفسرين الذين خلصوا كتبهم من هذه الإسرائيليات.

ومن الوقفات في هذه القصة أيضاً أن جميع مقومات الإغراء كانت متوافرة ليوسف عليه السلام، الدواعي متوافرة، وزالت الموانع البشرية، ومع ذلك كان موقف يوسف عليه السلام في غاية القوة والصلابة والشجاعة؛ رجل بعيد عن أهله، غريب في هذا البلد، والتي تراوده امرأة العزيز، وغلقت الأبواب، وفيها مقومات الإغراء، مال ومنصب وجمال ومع ذلك يقول: {
مَعَاذَ اللَّهِ}.

فما أحوجنا إلى أن نتدبر هذا الموقف فقد يبتلى الإنسان، وقد يكون في موقع من حيث لا يدري ومن حيث لا يحسب ومن حيث لا يرتب كما حدث ليوسف عليه السلام، وحينها فليتذكر عفة يوسف، وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال» (رواه مسلم).

نسأل الله أن يجنبنا وإياكم مواطن الفتن، وأن يرزقنا العفاف والتقى، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

 

ناصر بن سليمان العمر

أستاذ التفسير بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض سابقا

  • 4
  • 0
  • 15,413

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً