متميزون

منذ 2013-12-02

العطاء والبذل والجود يدل على كرم النفس وسخائها من جهة، وتميز وقدرة وخبرة وثقة، من جهة أخرى، وكما قيل: "إن فاقد الشيء لا يعطيه".

 

الحمد لله واهب النعم ومُسديها، ومُقسم الأرزاق ومُوليها، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، أعطى لحكمة ومنع لحكمة، والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه، وخيرته من خلقه ومن والاه، جرت على يده ألواناً من الجود، أولها بدعوته وتربيته لأصحابه ولأمته من بعدهم، ومن ثم جوده بنفسه وبيته وماله ووقته وجاهه وعمره كله، بذل لدين الله دعوةً ونصرةً وبياناً وجهاداً وإنفاقاً وتضحية وتواصلاً وحباً وتربية وتعليماً، لا يرد يد سائل ولا حاجة ملهوف، ولا حملُ كلٍ ولا إقراءُ ضيفٍ ولا إعانة على نوائب الحق.

قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تصفه صلى الله عليه وسلم: "أنه صلى في آخر عمره جالساً -مما حطمه الناس وفوداً وأفراداً زرافات ووحداناً-".

قال العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ترك السبيل نهجاً واضحاً وحلّل الحلال وحرّم الحرام، ونكح وطلّق وحارب وسالم، وما كان راعي غنم يتبع رؤوس الجبال، يخبط عليها العضاة بمخبطته ويمدر حوضها بيده بأنصب ولا أدأب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فيكم".

والعطاء والبذل والجود يدل على كرم النفس وسخائها من جهة، وتميز وقدرة وخبرة وثقة، من جهة أخرى، وكما قيل: "إن فاقد الشيء لا يعطيه".

والعاملون في الأنشطة إخواني المعلمين في المدارس أقول لهم:

هنيئاً لكم هذا العطاء وهذا البذل، وأنا أؤمن أنه لم يأت من فراغ، بل جاء من شخصية محبة للعمل متفهمة له مستكملة لجوانبه التربوية، وأنكم أصحاب قدراتٍ وإمكانات خاصة متميزة جعلتكم عاملين منتجين في صفوف أبنائكم الطلاب ومدارسكم، وأخص مشرفي الأندية العلمية المدرسية بمزيد ذكرٍ.

وذلكم عندما أزور مشرف النادي العلمي بمدرسة ما، وأرى أنه قد نفذ دورة في الحاسب الآلي، وأخرى في الإلكترونيات وثالثة في طريقة عمل المعشبة النباتية وغيرها، فضلاً عن تجارب الكتاب.

ومعلم آخر في المدرسة نفسها، لم ينفذ تجربة واحدة من تجارب المقرر، والمدرسة يوجد بها ثلاثةُ معامل مجهزة وثلاثةُ مُحضري مختبر، وكلاهما معلم فما هو الفرق؟

الفرق أن الأول منهم صاحب قدرات وإعداد وحب للعمل، وانتماء إليه وتحمس له، وتطوير لذاته وشعور بالمسؤولية تجاه الجيل من أبناء أمتنا وبلادنا، وأن المعلم صاحب رسالة سامية، يعشقها ويقدِّم لها ومن أجلها كل شي تعليمياً وتربوياً.

وأما الثاني فلا تنظر إلى قدراته ولا تقيس مدى حبه وانتمائه للعمل ولهذه الرسالة، وعندها لا تسأل عن تطويره لذاته وشعوره بالمسؤولية تجاه أبناء الجيل، ولسان حال البعض "أن الذي يربطني بهذا العمل هو يوم 25 من الشهر وإدخال الراتب في الرصيد الشخصي"، وبقية الوقت تضجُّر وتبرُّم وشكوى وحسابات مبكرة للتقاعد وراتب التقاعد وتغيُب وتأخُّر، ويوم السبت من كل أسبوع كالجبل ويوم الأربعاء "خفيف ظل" فضلاً عن الأسوة والقدوة للطلاب والاهتمام بهم والقيام على تربيتهم.

بل حتى درس الواحد منهم يؤدي "كيفما اتفق" دون اهتمام أو عناية أو إعداد. وأقول لكلا الأخوين (معلِّم1) و(معلِّم2) أن العمر يمضي والقلم يُسجِّل والتاريخ يُدوِّن ويشهد وكم نتذكر من معلمينا الأجلاء الذين أعطونا كل ما لديهم ولا نملك. لهم إلا الاحترام والدعاء، وإذا رأيناهم قبلنا مابين أعينهم، وآخرين نسيناهم ونسيهم التاريخ، لأنهم ليس لهم حضور في أذهاننا وقلوبنا، ولا بصمة في شخصيتنا. وكذلك اليوم فإن الأبناء يعلمون بل يُفرقون ويُقيمون الذي أمامهم هل هو (معلِّم1) أو (معلِّم2).

 


قد مات قوم وما ماتت مكارمهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات

 

 

أحمد إبراهيم فقيرة
 

  • 2
  • 0
  • 2,945

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً