المصالح الإسرائيلية في الضربة العسكرية لسوريا

كثيرة هي المقالات والكتابات التي زخرت بها المجلات والصحف العربية والعالمية بخصوص الضربة العسكرية الوشيكة ضد سوريا، عقوبة وردا على جرأة الأسد بضرب السلاح الكيماوي على الغوطة بريف دمشق، في 21 أغسطس من هذا العام، والذي أودى بحياة الآلاف من الشهداء والمصابين، واعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تحديا سافرا للقوى الغربية...

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


كثيرة هي المقالات والكتابات التي زخرت بها المجلات والصحف العربية والعالمية بخصوص الضربة العسكرية الوشيكة ضد سوريا، عقوبة وردا على جرأة الأسد بضرب السلاح الكيماوي على الغوطة بريف دمشق، في 21 أغسطس من هذا العام، والذي أودى بحياة الآلاف من الشهداء والمصابين، واعتبرته الولايات المتحدة الأمريكية والغرب تحديا سافرا للقوى الغربية، وانتهاكا أخلاقيا صارخا كما قالت. ولكن الكثير من هذه المقالات والتحليلات أغفل الدور الإسرائيلي والمصالح الصهيونية المتوخاة من هذه الضربة العسكرية، مع أن القاعدة التي أصبحت شبه مؤكدة في الحروب والضربات العسكرية المعاصرة، وخاصة تلك المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط، تجعل من المصالح الإسرائيلية في قائمة أولويات كل حرب أو ضربة عسكرية في الشرق الأوسط، الأمر الذي كان واضحا في كل من حرب الخليج واحتلال العراق.

وهو أمر ليس بجديد على اليهود، فقد وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم بإشعال نار الحروب والمعارك لتحقيق مصالحهم وغاياتهم، قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64].

والمتابع لزخم اللقاءات والاتصالات المكثفة التي تجريها الولايات المتحدة الأمريكية والغرب قبل البدء بتنفيذ هذه الضربة العسكرية، يلحظ الدور الكبير للجانب الإسرائيلي، والتنسيق الكامل معها بخصوص موعد وتوقيت هذه الضربة، مما يوحي بموافقة إسرائيل التام لتوجيه هذه الضربة. وقد أكدت مصادر إسرائيلية إجراء اتصالات مكثفة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بشأن التخطيط للحملة العسكرية التي تعد لها مجموعة دول على سوريا. وأفادت الإذاعة العبرية صباح الثلاثاء الماضي، بأن وفدا إسرائيليا رفيعا برئاسة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي يعقوب عامي درور، ورئيس شعبة التخطيط في الجيش نمرود شيفر، يجريان بهذا الخصوص اتصالات في واشنطن مع مستشارة الأمن القومي سوزان رايس. وأضافت أن الولايات المتحدة ستقوم بإبلاغ إسرائيل قبل وقت كاف من تنفيذ الهجوم حتى تأخذ الاحتياطات اللازمة.

ونظرا لرضا إسرائيل الكامل عن نظام بشار الأسد ووالده من قبله، ونظرا لخدمات آل الأسد الجليلة للكيان الصهيوني، عبر أربعين عاما من الهدوء التام على جبهة الجولان، فإن الضربة العسكرية لا تتوخى إسقاط بشار الأسد ونظامه، ولا تتوخى القضاء على قوات الأسد العسكرية، وهو ما صرح به المسؤولون الأمريكيون والغربيون. فقد قال الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني: إن الخيارات التي تتم دراستها حول سوريا لا تتعلق بتغيير النظام، ونقلت صحيفة الحياة عن مسؤولين أمركيين قولهم: إن الضربات ستكون محدودة وتستمر ثلاثة أيام، وهي تهدف إلى توجيه رسالة إلى الرئيس السوري بشار الأسد وليس لتدمير قدراته العسكرية وأنها لا تهدف إلى قتل الأسد، وهو نفس المعنى الذي عبر عنه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون والمسؤولون الغربيون بشكل عام.

إذن فالضربة العسكرية الغربية المحتملة على سوريا لا تريد إسقاط نظام بشار الأسد، ولا حتى إضعافه بشكل يخل بالتوازن بينه وبين الثوار، وإنما تريد عقابه فقط كما تقول، على استخدامه للكيماوي في الغوطة بريف دمشق، متجاهلا التحذيرات الأمريكية الغربية الكثيرة تجاه ذلك، إضافة إلى الهدف الرئيسي المخفي بضرب كتائب وتجمعات المجاهدين غير المرضي عنهم من الغرب وإسرائيل. ومن هنا يمكننا استنتاج المصالح الإسرائيلية المتوخاة من توجيه هذه الضربة، وذلك بعيدا عن تصريح وزير الخارجية السوري وليد المعلم بالأمس بدمشق، عن أن أي ضربة عسكرية ضد سوريا ستخدم مصالح إسرائيل والقاعدة، فالجميع يعلم المصلحة الإسرائيلية القوية ببقاء نظام الأسد وعدم إسقاطه، خاصة وأن جميع المسؤولين الإسرائيلين لا يتوقعون ردا من الأسد بعد تنفيذ الضربة.

و يمكن تلخيص المصالح والأهداف الإسرائيلية من هذه الضربة العسكرية في:
1- ضرب المواقع التي يتوقع أنها مخازن الأسلحة الكيماوية التي يملكها نظام بشار الأسد، وذلك ليس خوفا من استخدامها مرة أخرى ضد المدنيين فحسب، وإنما خوفا من وصولها إلى أيدي الثوار في سوريا، الأمر الذي يهدد أمن إسرائيل بشكل مباشر، وهو أخشى ما تخشاه في الوقت الراهن، وخاصة مع تقدم الكتائب المجاهدة هناك.
2- ضرب المواقع الإستراتيجية الحيوية للكتائب والتجمعات الإسلامية الجهادية، والتي لا تقتصر بطبيعة الحال على جبهة النصرة، التي صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية ضمن لائحة الإرهاب عندها، وإنما يشمل أحرار الشام ولواء الإسلام وغيرها من الكتائب ذات الصبغة الإسلامية، والتي تخشى إسرائيل من زيادة قوتها ونفوذها في سوريا.
3- تهيئة الأجواء بعد هذه الضربة المزدوجة لكل من سلاح بشار الكيماوي وكتائب المعارضة السورية ذات الصبغة الإسلامية، لتشكيل جيش سوري وطني لقوى المعارضة السورية، وربما بمشاركة بعض أفراد وشخصيات جيش بشار، كمناف طلاس وغيره، ضمن تسوية ترضي الغرب وإسرائيل.

فقد نقلت وكالة رويترز عزم المعارضة السورية المدعومة من الغرب تشكيل نواة جيش وطني لتنظيم صفوف الجيش السوري الحر، وغيره من الكتائب والألوية التي تقاتل ضد بشار الأسد، بدعم عربي وغربي. وهو أمر يخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى، فهي لا تريد أن ترى على حدودها الشمالية مقاتلون ومجاهدون إسلاميون، يصطبغ قتالهم بطابع اسم الجهاد في سبيل الله، الذي يرعبهم ويبث في نفوسهم الخوف والفزع، ويعيد لأذهانهم صورة الغزوات والمعارك الإسلامية التاريخية المعروفة.

إن المدقق في كل حرب تستعر نارها في منطقة الشرق الأوسط وغيرها في العالم، يتأكد من صدق مقولة: (فتش عن الأصابع اليهودية الصهيونية، في كل حرب إقليمية أو دولية).