إياكم واللعن
إن اللسان عضو صغير، لكن أثره في الخير، أو الشر كبير، فهو المعبر عن قدر الإنسان وقيمته رفعة أو ضعة: يعلي الإنسان أو يدنيه، ويكرمه أو يهينه، ويزينه أو يشينه، ويقربه من الناس أو يبعده عنهم
الخطبة الأولى:
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وحجة للخلائق أجمعين، فصلى الله عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70-71]. أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها الناس: إن اللسان عضو صغير، لكن أثره في الخير، أو الشر كبير، فهو المعبر عن قدر الإنسان وقيمته رفعة أو ضعة: يعلي الإنسان أو يدنيه، ويكرمه أو يهينه، ويزينه أو يشينه، ويقربه من الناس أو يبعده عنهم. والإنسان بلسانه:
لسان الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤاده *** فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
إذا زل اللسان فقد يهلك بزله صاحبه في الدنيا أو الآخرة، وإذا أصاب فقد يسوقه إلى خيري الدنيا والآخرة، فاللسان قائد إما إلى الجنة، وإما إلى النار.
عباد الله: لهذا كله أُمر الإنسان بحفظه، وخطمه، ومراقبته وكفه، وترك إرساله في غير الحق. قال الله تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18]. والمتأمل في أحوال الناس مع اللسان يجد تساهلاً كثيرا، نتج عن ذلك جنايات لسانية عديدة أورثت غرامات دينية ومجتمعية غير قليلة، وغير يسيرة، حينها يتندم الإنسان على عواقب إطلاق هذه الجارحة دون تفكر، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: «ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدا» (أخرجه ابن ماجة، والحاكم، وصححه الألباني). أفما كان خيراً للإنسانيا عباد الله أن يمسك عليه لسانه في غير الرشد، ويحبسه قبل أن يصير أسير سقطاته وتعدياته؟!
أيها المسلمون: ألا وإن من أعظم آفات اللسان خطرا، وأبلغها أثرا، وأفتكها ضررا، وأحدها شررا: زلة لسانية لم يبال في التفوه بها الكبير والصغير، والرجل والمرأة، في البيوت والأسواق، وفي الطرقات وأماكن الاجتماع، وفي الجد والهزل: هذه الخطيئة والجريرة الكبيرة هي: التلاعن بلعنة الله، والعياذ بالله تعالى. كم يسمع السامع من يلعن نفسه، أو زوجته، أو ولده، أو دابته، ومركوبه، بل لم تسلم من ذلك الأرض التي يمشي عليها، والريح التي تمر به، والزمان والعيش الذي قُسم له. وهذا -لعمر الله- إثم صار ديدناً وعادة لدى بعض الناس، حتى نطقت به الألسنة دون وجل، واستمرأته الأسماع من غير نكير ولا خجل، وجهل الناطق، أو تجاهل عظم ذنب هذا اللفظ النابي الجارح، وشدة خطره وعقوبته.
عباد الله: إن اللعن يعني: الطرد والإبعاد عن رحمة الرحيم الرحمن، فمن قال لإنسان: اللهم العن فلاناً، فمعناه: اللهم اطرده من رحمتك، وأبعده عن قربك ورضوانك عياذاً بالله، ولهذا جعل لعن الإنسان المعين كبيرة من كبائر الذنوب التي لا تكفر إلا بالتوبة النصوح، وإصلاح الخلل. قال بعض العلماء: "حتى ولو كان الإنسان كافراً؛ فإنه لا يجوز لعنه بعينه ما دام حياً؛ فلعله أن يسلم ويهتدي إلى دين الحق"، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الآخرة من الفجر يقول: «اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا» بعد ما يقول: «سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد»، فأنزل الله: «لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ» [آل عمران: 128] (رواه البخاري). وعند أحمد: "كان يدعو على أربعة، قال: فأنزل الله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} قال: وهداهم الله للإسلام". وعن أبى هريرة قال: "قيل: يا رسول الله! ادع على المشركين، قال: «إني لم أبعث لعانا وإنما بعثت رحمة»".
وقد جاء هذا المنع عباد الله لبيان أن عرض الإنسان مصون، وحقه محفوظ، وكرامته محترمة، وحال الإنسان وتقلبات قلبه بيد علام الغيوب. فالمسلم أعظم الناس حقاً أن يصان عرضه، ويسلم جانبه من السب والثلب، والطعن واللعن، فلعنه معصية وذنب وبيل وتعدٍّ ظلوم؛ إذ كيف يُطرد من رحمة الله من هو أقرب الناس إليه، أو يدعى عليه بالهلاك والأرض وأهلها في حاجة إلى بقائه؟! ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ولعن المؤمن كقتله» (رواه البخاري). فانظروا عباد الله إلى هذه العصمة، وإلى عظم التعدي عليها، فالقاتل يقطع المقتول عن منافع الدنيا، واللاعن للبريء يريد أن يقطع مَن لعنه عن رحمة الله في الدنيا والآخرة.
أيها المسلمون: وللعجب أن يأخذ مكانه ممن يلعن الحيوانات والدواب التي تقوم بخدمته، ويناط بها تحقيق مصلحته، وقضاء حاجته، وهي غير مكلفة ولا عقل لها، وإنما هي مسخرة ومصرفة مذللة. عن عمران بن حصين قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة»" قال عمران: "فكأني أراها تمشي في الناس ما يعرض لها أحد" (رواه مسلم). وإنما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عقوبة لصاحبتها؛ لئلا تعود إلى مثل قولها؛ إذ الدابة لا تستحق اللعن، أو أن الله استجاب الدعاء باللعن لقوله: «فإنها ملعونة». ومرةً لعن رجل ديكاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة» (رواه أحمد). وتأملوا معي يا عباد الله في قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تلعنه؛ فإنه يدعو إلى الصلاة» هذا فيه بيان أن ما فيه نفع للخلق لا ينبغي لعنه، فماذا يقال عن أولئك الذين يتعرضون للعلماء بالسب والطعن واللعن وتأليب الرأي العام ضدهم، وهم حراس دين الله في الليل والنهار؟! قال أبو الدراء رضي الله عنه: "ما لعن أحد الأرضَ إلا قالت الأرض: لعن الله أعصانا لله".
معشر المسلمين: هناك من الناس صنف لم يكتفوا بلعن كل ذي روح، بل تعدوا إلى لعن ما يسمعونه أو يرونه مما خلق الله في الكون من الريح والهواء والمطر، ونحو ذلك. وهذه المخلوقات لا فعل لها وإنما هي مأمورة من قبل الله تعالى. فعن ابن عباس: "أن رجلا لعن الريح" وقال مسلم: "إن رجلا نازعته الريح رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تلعنها؛ فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه»" (رواه أبو داود والترمذي). وقد جاء عن أبي كعب رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عله وسلم: «لا تسبوا الريح، فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به، ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به» (رواه الترمذي). قال بعض العلماء: "والسب: الشتم واللعن والعيب والقدح وما أشبه ذلك، وإنما نهي عن سبها؛ لأن سب المخلوق سب لخالقه".
عباد الله: وإن من الحمق والجزع والإثم وخفة العقل والدين: سب المعيشة والدهر والزمان. والوقت والزمن لا يتصرف بنفسه وإنما هو مصرف بأمر الله، من سبه فقد تعرض لسب مقلبه ومصرِّفه تعالى والعياذ بالله. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: يؤذيني بن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار» (رواه البخاري). ومعنى هذا: أن سب الإنسان للدهر إيذاء لخالقه ومدبره سبحانه، وهذا محذور أول، والمحذور الآخر: أن من سب الدهر على أنه هو الذي يأتي بالسوء والكدر فقد نسب الفعل لغير الله وقدره، وهذا شرك بالله تعالى.
أيها المسلمون: إن من صفات المؤمن طيب لسانه، وطهر مِقوله، فهو بعيد عن الفحش والألفاظ الجارحة، والكلام الساقط، والقول الضار. فالدعاء باللعنة ليس من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله بالرحمة فيما بينهم، والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه باللعنة فهو في غاية من المقاطعة والتدابر. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا البذيء ولا الفاحش» (رواه ابن حبان). وجاء عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار» (رواه أحمد والترمذي)، يعني: لا يلعن بعضكم بعضاً بلعنة الله فيقول: لعنة الله على فلان، ولا بغضب الله فيقول: غضب الله على فلان، ولا النار فيقول: أدخله الله النار. وقال رسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً» (رواه مسلم).
عباد الله: إن المسلم مأمون الجانب من إيذاء الآخرين بلسانه أو بقية جوارحه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» (متفق عليه). ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فإنه: "لم يكن سباباً ولا لعاناً ولا فاحشاً" (رواه البخاري).
أمة الإسلام: إن اللعن الذي سبق التحذير منه طريق إلى التحلي بالفحش والبذاء، والتخلي عن حسن القول وطيبه، وهو وسيلة إلى إذكاء العداوات وإحياء الخصومات، وقطع الصلات والعلاقات الحميدة. واللعن مجلبة للإثم والبعد عن الرب تعالى، قال الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث: "«ولعن المؤمن كقتله» أي في الإثم"، وهذا ذنب غير هين. وقال حذيفة رضي الله عنه: "ما تلاعن قوم إلا حق عليهم القول". وقال ابن عمر رضي الله عنه: "إن أبغض الناس إلى الله كل طعان ولعان". واللعن ينقص الإيمان ويسلب عن المؤمن كماله فليس المؤمن باللعان.
ومن أضرار اللعن وآثاره السيئة: أن اللعنة إذا لم تصادف محلاً مستحقاً للعن فإنها تعود على لافظها ومرسلها، فكم من جانٍ يجني على نفسه، ولاعن يلعن نفسه وهو لا يشعر. فعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذى لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها» (رواه أبو داود). فتأملوا رحمكم الله إلى عظم اللعنة، وليفكر اللاعن في غير الحق كم قد لعن نفسه! وهذا مثل ما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» (رواه البخاري). قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ومن دعا رجلا بالكفر أو قال: عدوَ الله. وليس كذلك إلا حار عليه» (رواه مسلم). قال ابن حجر رحمه الله: "والحاصل: أن المقول له إن كان كافرا كفرا شرعيا فقد صدق القائل وذهب بها المقول له، وإن لم يكن رجعت للقائل معرةُ ذلك القول وإثمه".
يا عباد الله: هذه آثار اللعن في الدنيا، وأما في الآخرة فإن كثير اللعن لا يشفع يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا دخول النار، ولا يكون شهيداً في ذلك اليوم على الأمم بتبليغ رسلهم إياهم الرسالات، فهو بذلك يكون غير عدل وغير خياركما، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة» (رواه مسلم). بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه الأخيار الأوفياء. أما بعد:
أيها الناس: إن السعيد لمن صرف لسانه فيما ينفعه اليوم في دار الدنيا وغداً في دار الآخرة. وإن الشقي من صار لسانه يفتري في أعراض الأحياء والأموات بالسب والطعن واللعن. فاحفظوا يا عباد الله ألسنتكم من التلاعن بلعنة الله، واستيقظوا من رقاد الغفلة عن هذه المعصية الكبيرة. وأذكِّر كثيراً في هذا الذنب النساء؛ فإنهن الأكثر ممارسة له من الرجال بجهل أو غفلة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء تصدقن؛ فإني أريتكن أكثر أهل النار» فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال: «تكثرن اللعن وتكفرن العشير» (رواه البخاري). فلتنتبه المرأة من هذه الخطيئة قبل أن ترد موارد الهالكين. ولأجل إكثار النساء من اللعن وتساهلهن فيه خصصت المرأة في باب اللعان بالغضب دون الرجل، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ . وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ . وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (النــور: 6- 9).
عباد الله: والأطفال يقتدون بوالديهم في الخير والشر؛ فعلينا أن نحرص على تربية أولادنا على البعد عن التلاعن وكل حديث مشين بأقوالنا وأفعالنا، فتساهل الأبوين في اللعن في البيت يجعل الأطفال يفعلون مثلما يرون، ويقولون مثلما يسمعون. فكيف يريد أب أو أم من الأولاد البعد عن التلاعن المذموم وهم يتلونه على أسماعهم صباح مساء:
تلوم على القطيعة من أتاها *** وأنت سننتها للناس قبلي
وقال الآخر:
مَشَى الطاووسُ يوماً باعْوجاجٍ *** فقلدَ شكلَ مَشيتهِ بنوهُ
فقالَ علامَ تختالونَ؟ قالوا *** بدأْتَ به ونحنُ مقلِدوهُ
فخالِفْ سيركَ المعوجَّ واعدلْ *** فإنا إن عدلْتَ معدلوه
أمَا تدري أبانا كلُّ فرعٍ *** يجاري بالخُطى من أدبوه؟
وينشَأُ ناشئُ الفتيانِ منا *** على ما كان عوَّدَه أبوه
إخواني الكرام: هذا هو اللعن الذي يجب علينا أن نبتعد عنه، ونحذر منه، ولنا في الجمعة القادمة بإذن الله حديث عن اللعن المباح.
ثم صلوا وسلموا على الرحمة المهداة والنعمة المسداة.
عبد الله بن عبده العواضي
- التصنيف:
- المصدر: