أب للبيع

منذ 2006-12-04

هذه القصة نُشرت في مجلة دار الملاحظة العدد الثاني. بعنوان "أب للبيع"

يروي أحد المدرسين في دار الملاحظة - وهي دار مخصصة للأحداث الذين يرتكبون بعض الجرائم الأخلاقية أو غيرها من الجرائم - يقول :

 من أعجب الحالات التي قابلتنا في ميدان العمل الاجتماعي حالة "حَدَث" كان موجودا في قضية (أخلاقية) فبعد انتهاء مدته في الدار قمت بإبلاغه بانتهائها وأنه سيطلق سراحه في الأسبوع القادم ومطلوب منه إبلاغ أهله في الزيارة لإحضار الكفالة اللازمة.. فانخرط الحدث في بكاء شديد ظننت في البداية أنها دموع الفرح لخروجه من الدار ولكن استمرار البكاء وتعبيرات الحزن والقلق على وجهه جعلتني أتنحي به بعيداً عن إخوانه وأسأله عن سبب ذلك.. فإذا به يقول: لا أريد أن أطلع من الدار.. أرجو إبقائي هنا.. !!

 ماذا تقول؟ قلتها وأنا في دهشة.

قال: أريد أن أبقى في الدار , فالدار بالرغم مما بها من قيود لحريتي فهي أفضل من بيت أبي..!!

قلت له : لا شك أنك مخطئ .. فلا يوجد مكان أفضل من منزل الأسرة..

رد قائلا: اسمع قصتي واحكم بنفسكت.

قلت : هات ما عندك.

 بدأ الحدث ابن الثالثة عشرة يروي قصته فقال: توفيت والدتي منذ حوالي ثمانية أعوام وتركتني أنا وشقيقة أصغر مني بعامين وبعد وفاتها بعدة شهور أبلغني أبي أنه سيتزوج .. وستكون لي خالة في مقام أمي .. لم أستوعب جيدا لصغر سني هذا الكلام.. وبعد حوالي أسبوع أقام والدي حفل عرس كبير وجاءت زوجة أبي إلى المنزل. عاملتنا خالتي في بداية الأمر معاملة طيبة ثم بدأت معاملتها تتغير بالتدريج فكانت دائمة الشكوى لوالدي كلما عاد إلى المنزل من عمله.

 فتقول له: ابنك عمل كذا وابنتك سوت كذا.. ولم يكن أبي الذي يعود مرهقا من عمله لديه استعداد لسماع المشكلات وحلها كما أن صغر سننا وضعف قدرتنا أنا وشقيقتي على التعبير لم يكن يسمح لنا بالدفاع عن أنفسنا أما القصص التي تختلقها زوجة أبي وتجيد حبكها وروايتها. في البداية كان أبي ينصحنا وأحيانا يوبخنا.. ثم تطور الأمر مع استمرار القصص والشكاوي إلى الضرب والسباب والإهانات وازداد الأمر سوءا بعد أن رُزق أبي بثلاثة أولاد من زوجته..

 وبمرور الأيام تحولت أنا وشقيقتي إلى خدم بالمنزل علينا أن نلبي طلبات خالتي وأبنائها فأنا مسئول عن شراء كل ما يحتاجه البيت من السوق وشقيقتي مسئولة عن التنظيف والعمل بالمطبخ.. وكنا ننظر بحسد إلى أبناء أبي الذين يتمتعون بالحب والتدليل وتُستجاب رغباتهم وطلباتهم.. وكان أبي يشعر أنني أنا وشقيقتي عبء عليه وعلى سعادته، وأننا دائما نتسبب في تكدير جو البيت بما تقصه عليه خالتي من قصص مختلفة عنا.

 وكان رد فعل أبي السباب الدائم لنا، ونعتنا بالأبناء العاقين. وأنه لن يرضى عنا إلا إذا رضيت عنا زوجته وأبناؤه.. كما أطلق علينا النعوت السيئة، وكان الجميع بالمنزل ينادوننا بها حتى كدنا ننسى أسماءنا الحقيقية .. وكنا محرومين من كل شيء - حتى المناسبات التي تُدعى إليها الأسرة - كنا نُحرم منها ولا نذهب معهم. ونجلس وحدنا في الدار ننعي سوء حظنا.

 وهناك حادثة لا أنساها حدثت في الشتاء الماضي.. فقد أحسست بتعب شديد في بطني وطلبت مني خالتي أن أخرج لشراء خبز للعشاء.. وكانت البرودة شديدة فقلت لها إنني مريض ولا أستطيع الخروج الآن.. فقالت لأبي إنني أتمارض حتى لا أقوم بما هو مطلوب مني .. فانهال أبي علي ضرباً وصفعاً وركلاً حتى سقطت من المرض والإعياء واضطروا إلى نقلي إلى المستشفى عندما ساءت حالتي ومكثت في المستشفى خمسة أيام وعلى الرغم من الألم والتعب فقد استبشرت خيرا بهذه الحادثة وقلت لعلها توقظ ضمير أبي وتجعله يراجع نفسه إلا أنه للأسف استمر على ما هو عليه..

 وبدأت بعد ذلك أعرف طريق الهروب من المنزل. والتقطني بعض الشباب الأكبر سناً وأظهروا لي بعض العطف الذي كنت في حاجة شديدة إليه.. ومن خلال هذه المشاعر المزيفة استطاعوا خداعي.. وانزلقت معهم في الانحراف الأخلاقي ولم أكن أدرك بشاعة ذلك لصغر سني وعدم إدراكي .. ثم قُبض علي في قضية أخلاقية وأدخلت الدار، وعرفت فيها مقدار الخطأ الذي وقعت فيه..

 وأحمد الله على توبتي..

فهل أنا على حق في بكائي وحزني وتمسكي بداركم أم لا؟

وسكت بعد أن أُثقل ضميري بالحمل الذي ينوء بحمله الرجال فكيف بطفل لم يبلغ مرحلة الشباب؟ ! وتحيرت في الرد عليه.. من الذي جنى على هذا الابن؟ ومن المسئول عن هذه المأساة؟

هل هي زوجة الأب التي لم ترع الله في أبناء زوجها؟

 أم هو ذلك الأب الذي أنسته زوجته الجديدة عاطفة الأبوة وأبعدته عن العدل وجعلت منه دمية تحركها بخيوط أكاذيبها وألاعيبها.

وشرد خيالي بعيدا وأنا أتخيل لو أن هناك سوقا يختار فيه الأبناء الآباء الجيدين لدفع هذا الحدث كل ما يملكه ثمناً لأب جيد.

ولكن, كم يساوي رجل مثل أبيه الحقيقي في مثل هذا السوق؟

المصدر: ألبوم : نخبة النخب
  • 9
  • 1
  • 13,616
  • فاطمه

      منذ
    [[أعجبني:]] اعجبنى صمود الطفل وتوبته ورجوعه الى الله وعدم انحرافه مره اخرى [[لم يعجبني:]] لم يعجبنى اتباع الوالد كلام زوجته وعدم العدل بين اولاده وايضا الزوجه كان من الممكن لها ان تعوض الطفلين امهما وتكتسب زوجها وتنشر المحبه بين اولادها واولاد زوجها وتعيش حياه سعيده ويكرمها الله ويدخلها الجنه لتربيتها هؤلاء اليتامى
  • سحابة عابرة

      منذ
    [[أعجبني:]] تساؤل الكاتب عن ثمن هذا الاب في سوق الآباء. لفت النظر إلى قضية كهذه وتسليط الضوء على هذا النوع من الظلم الذي يقع تحت وطأته الكثير من الابناء فيصورهم المجتمع على انهم حثالة البشر...هذا ولدوسيصبح رجلا إن شاء الله , فهل تساءلتم عن مصير الفتاة؟؟!! [[لم يعجبني:]] موت الأحساس بالابوة عند الرجل ذكرني بوالدي غفر الله له ولامثاله. وقوع الولد المسكين في المحظور.وعدم وجود سند له. قساوة المرأة وإصرارها على الظلم ....
  • سالي

      منذ
    [[أعجبني:]] حسبى الله على مثل هذا الاب وزوجته اللهم اهدهم او خذهم اخذ عزيز مقتدر . هذه المعاملة واهمال الابناء هى التى دمرت الشباب المسلم واضعخت شخصيته مما ادى بنا الى الهزيمه امام اعدائنا , ولا نقول الا لاحول ولا قوة الا بالله واتقا الله يااباء بابنائكم الم تسمعوا قول الله عز وجل ( قوا اهليكم وانفسكم نارا وقودها الناس والحجارة )
  • عائشة

      منذ
    [[أعجبني:]] وعي الطفل بالموقف رغم صغر سنه [[لم يعجبني:]] عدم وعي زوجة الأب لو فكرت ولو لبرهة أنه ماجرى لأبناء زوجها وقع لأبنائها ماذا لو عوضت هؤلاء الأبناء حنان أمهم لالالالا بل هي والقدر عليهم
  • محمد عادل

      منذ
    [[أعجبني:]] لا يوجد شئ بهذه القصه يعجبني ولكن الشئ الذي اريد ان اعرفه اين كان هذا الرجل الذي سمع القصه من هذا الطفل طوال هذه المده في هذا الدار الم يكن هذا الطفل والرجل موجودون بهذه الدار كل هذا الوقت ولم يكن هناك وقت ليستمع لمشاكل هذا الطفل لكي يعرف ماهوا الثواب وما هو العقاب [[لم يعجبني:]] الاب طبعا لم يعجبني ام زوجة الاب فما استطيع قوله هو حسبي الله ونعم الوكيل فيها وفي امثالها الم تراعي الله في ان هذا الطفل واخته محرومون من الحنا والامومه التي هي غير موجوده عندهم الم تخاف الله فيهم اين ضميرها لقد نسيت ان الضمير معدوم هذه الايام صحيح والاب اين هو من سماع اطفاله الذي هو يعرف جيدا واقسم لكم انه يعرف جيدا ان زوجته تفتري علي اولاده ولكنه رجل معيوب فعلا ولابدمن عقاب الاب فقط وليست الزوجه وليس الابن وليست الاخت وانما الاب وحده ويجب ان يقطع راسه في ميدان عام وامام ابنه واراهن ان الابن والاخت سوف يتقدموا الصفوف لمشاهدة والهم وهو يقطع راسه اذا لم يكن هم من تقدموا لقطع راس ابيهم واخيرا اقول اللهم ارحمنا برحمتك يالله وتوب علينا انت التواب الرحيم ووفقنافيماتحبه وترضاه ياالله
  • شيرين

      منذ
    [[أعجبني:]] موت هذا الأب سيكون مفيد
  • مهندس

      منذ
    [[أعجبني:]] لا حول ولا قوة الا بالله يا اخى اعجبنى صبرك و اختك وان كان لا وجود لخيار اخر امامكما0 اصبرا واحتسبا الاجر عند الله 0 اعلم ان الله ليس بغافل عمافعله ابوك و زوجته الجديده بكما 0 ادعوا الله ان يوقظ ضمير هذا الاب وزوجته 0 اصبر ان مع العسر يسرا ان مع العسر يسرا0 ثبتك الله على الحق و التوبه [[لم يعجبني:]] اتق الله ايها الاب الغافل قبل فوات الاوان وتصالح مع ابنائك لاتفرق بينهم 0 انتبه قبل ان ياتى يوم لا ينفع فيه الندم0 ستموت فما ستقول لربك غدا000؟!
  • ابو أنس

      منذ
    [[أعجبني:]] ان حال هذا الشاب مثل حالي الا انه لا يوجد اولاد,ولكن تغير ابي كثيرا منذ وفاة والدتي... حتى نسي انه لديه اولاد. أصبح انانيا ولا يهتم لامر اولاده ابدا. حتى انه مرة تم التشابه باسمي لخدمة العلم وتم حجزي ثلاثة ايام وعلم ابي بالموضوع و لم يسأل كأن شيئا لم يكن. فأن كان ابوه رخيصا في السوق ليباع فأضف عليه ابي. ولكن في النهاية أعود و اتذكر قول الله تعالى (ولا تقل لهما اف ولا تنهرهما....) فأقول حسبي الله ونعم الوكيل
  • ابو حسان

      منذ
    [[أعجبني:]] أعجبني صمود هذا الفتى وإعترافه بأنه مخطئ وهذا دليل على أنه بداية النجاح والسعادة والقوة في حياته. [[لم يعجبني:]] اسلوب الأب الجاهل وأدعوكم جميعا إلى الدعاء له بالهداية.
  • omar

      منذ
    [[أعجبني:]] el que m, ha gustua es este nino ha guantua mucho y mucho gracias a ell

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً