الرقية في ضوء القرآن والسنة

منذ 2014-01-13

معنى الرقية في أصل الفعل رقى من الرقى والترقي وهو الصعود والارتفاع، ورقأ بالهمز أي سكن وارتفع، وكأن الرقية ما يزول به المرض ويرتفع، ويسكن به الألم، والرقية هي العوذة بمعنى اللجوء لمن يحتمي به" (لسان العرب).

 

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:



* معنى الرقية:



معنى الرقية في أصل الفعل رقى من الرقى والترقي وهو الصعود والارتفاع، ورقأ بالهمز أي سكن وارتفع، وكأن الرقية ما يزول به المرض ويرتفع، ويسكن به الألم، والرقية هي العوذة بمعنى اللجوء لمن يحتمي به" (لسان العرب).



روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل» [مسلم: [2204])، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أنزل الله داءً إلا أنزل له شفاءً» (ح: [5678]، كتاب: الطب).



وفي رواية الترمذي وأحمد: «إن الله لم ينزل داءً إلا أنزل له شفاءً، علمه من علمه، وجهله من جهله»، وفي رواية: «إن الله لم يضع داءً إلا وضع له دواءً، إلا داءً واحداً»، قالوا: يا رسول الله ما هو؟ قال: «الهرم».



فهذا بيان من الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، يبشر فيه المبتلين بأن الله عز وجل كما قدر المرض فقد قدر الشفاء، وكما أنزل الداء فقد وضع له الدواء، وأن الناس يتفاوتون في تشخيص الأمراض، ومعرفة الدواء، فمنهم من يعلم، ومنهم من يجهل، «علمه من علمه، وجهله من جهله»، وأن الشيخوخة والهرم ليس له دواء.



* القرآن شفاء للقلوب:



القرآن الكريم شفاء للقلوب من أمراض الجهل والشك والريب، فهو شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ . قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس:57-58]، وقال تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء:82]، وقال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت:44].



* هل في القرآن شفاء للأبدان؟



[1]

* الرقية بالقرآن:



قال ابن القيم: "فقد أثر هذا الدواء في هذا الداء، وأزاله حتى كأن لم يكن، وهو أسهل دواء وأيسره، ولو أحسن العبد التداوى بالفاتحة لرأى لها تأثيراً عجيباً في الشفاء".



ومما يُرقى به المريض المعوذات (سورة الإخلاص، وسورتا المعوذتين) ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث، فلما اشتد وجعه كنت أقرأ عليه وأفسح بيده رجاء بركتها (متفق عليه).



وروى مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرض أحد من أهله نفث عليه بالمعوذات" (ح: [2192]).



* الرقية بالأذكار النبوية:



ومما يُرقى به المريض ما ثبت في الصحيح من حديث عثمان بن أبي العاص أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً في جسده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: باسم الله ثلاثاً، وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر» (رواه مسلم).



وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: «باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك» (رواه مسلم).



وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله يمسح بيده اليمنى ويقول: «اللهم ربّ الناس أذهب الباس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً» وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذكار والأدعية التي يتعوذ ويسترقي بها كثير يُلتمس في مظانه من كتب الحديث، والكتب التي جمعت أذكار النبي صلى الله عليه وسلم، وأدعيته الثابتة بالأسانيد الصحيحة.



وهنا سؤال لا بد أن نبحث عن إجابته:



هل الأدوية النبوية التي جاءت بها السنة مما يستشفى به؟



والجواب: أن كتب السنة النبوية تضمنت أبواباً عديدة في الطب والتداوي مثل كتاب المرضى وكتاب الطب في صحيح الإمام البخاري، وفيه عشرات الأحاديث في آداب التداوي، والعجيب أن بعض الناس ممن لا عقل له ينكر هذه الأحاديث، أو يزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها بناءً على ما كان لديه من خبرات بشرية، بل إن بعض السفهاء تكلم عن بعض هذه الأحاديث فوصفها بالقذارة، وإنما القذارة في قلوب دنسها الجهل والبدعة في الدين، وتحكيم الأهواء والعقول في نقد كلام الرسول صلى الله عليه وسلم.



إن نبينا صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم، واختصرت له الحكم، وعصمه ربه في تبليغ شرعه ورسالته فقال سبحانه: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى . إنْ هُوَ إلَّا وَحَيٌّ يُوحَى . عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:3-5]، ولو كانت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في التداوي والرقى مما اعتمد فيه على الخبرات البشرية السائدة في عصره كما يزعم هؤلاء لوجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين هذا للأمة كما فعل في قصة تأبير النخل وقوله صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بأمور دنياكم» (رواه مسلم).



ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يجزم بهذه الأمور ويؤكدها، بل وينسبها إلى وحي الله عز وجل، ولهذا قال للرجل الذي جرب العسل في التداوي فلم ينتفع به أخوه المريض: «صدق الله وكذبت بطن أخيك» (رواه البخاري).



أولاً: رقية شرعية ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما ذكرناه من قبل من أدعية وتعوذات، ولا يدخل في هذا النوع إلا ما صحت به السنة، وعلى هذا فحديث الرقية الشرعية الطويل الذي يقرأ به أكثر المعالجين لا يدخل في هذا القسم لأنه من الأحاديث الضعيفة التي لا تقوم بمثلها حجة، وهذا النوع من الرقى مستحب.



ثانياً: رقية عادية لا تستند إلى نص شرعي، ويدخل في ذلك مطلق الدعاء، وما يستخدمه بعض الناس من أعشاب أو نباتات مجربة، وهذا جائز ما لم يكن فيه شرك أو مخالفة شرعية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «اعرضوا على رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك»، وقوله: «من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل» (رواهما مسلم)، ويدخل في هذا القسم ما يستخدمه الأطباء من أدوية وعقاقير ثبت بالتجربة نفعها.



ثالثاً: رقية بدعية وهي التي تستخدم فيها أوراد وأحراز لا أصل لها، ويخلط فيها بين الصحيح والسقيم، ولا يأمن أن يدخل فيها سحر السحرة، ودجل الدجالين والمشعوذين، وذلك كالأوراق التي يطلقون عليها العهود السليمانية نسبة إلى نبي الله سليمان عليه السلام، ويدخل في هذا الأوراق التي يطلب من الناس تصويرها وتوزيعها بأعداد معينة كالورقة المنسوبة للشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية، والورقة المنسوبة للسيدة زينب، وأمثال ذلك كثير لا يحصى.



رابعاً: رقية شركية وهي التي يُدعى فيها غير الله، ويستخدم فيها الشياطين، وسحر السحرة {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:102]، ويدخل في هذا عمل الكهان والعرافين.



وفي الصحيح: «من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم»، وفي سنن أبي داود وابن ماجة ومسند أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» (صحيح).



شروط الرقية:



(1)- أن تكون من الكتاب والسنة.



(2)- أن تكون باللغة العربية محفوظة ألفاظها، مفهومة معانيها، لئلا يدخل فيها شيء من الشرك.



(3)- أن يعتقد أنها سبب من الأسباب لا تأثير لها إلا بإذن الله، والله عز وجل هو الشافي المعافي لا شفاء إلا شفاؤه.



ومما ينبغي أن يتفطن له المؤمن أن اللجوء إلى الله تعالى والعياذ به، والإلحاح في الدعاء والابتهال، وحضور القلب بين يدي الله عز وجل، والتوسل إليه سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العليا من أنفع الوسائل لدفع الضرر، وطلب العافية، ولهذا فإنه من غير المناسب أن يترك المبتلى بالمرض ذلك، ويتعلق قلبه بدواء حسي، أو طبيب معالج، وقد عرف يقيناً أن الدواء والعلاج والرقية ما هو إلا مجرد سبب من الأسباب المباحة، وأن وراء السبب مسبب الأسباب الشافي المعافي مدبر الأمر الحي القيوم سبحانه.



ولأجل هذا كره النبي صلى الله عليه وسلم الاسترقاء وهو سؤال وطلب الرقية من الراقي، وكره الكي وإن لم ينه عنه فقال: «الشفاء في ثلاث: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنا أنهي أمتي عن الكي»، وفي لفظ: «وما أحب أن أكتوي».



ووصف السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب بأنـ: «هم الذين لا يسترقون -أي: لا يطلبون الرقية من أحد-، ولا يكتوون -أي: لا يلجأون إلى الكي ولا يطلبونه لعلاج-، ولا يتطيرون -أي: يتشاءمون-، وعلى ربهم يتوكلون» (رواه البخاري).



العلاج بالقرآن ليس مهنة:



انتشار ظاهرة المعالجين بالقرآن:



لقد ظن بعض الناس أن العلاج بالقرآن يمكن أن يصبح مهنة فاحترفوه، ودرج الكثير منهم على قلة علمهم على الاسترسال في هذا الأمر، وخلطوا بين ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وبين الضعيف والمكذوب، وأخذوا يخاطبون الجان بزعمهم ويعتمدون قوله، وربما يستعينون به مع ما في ذلك من محاذير لا يزداد بها الناس إلا رهقاً كما قال ربنا تبارك وتعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:6]، وحاول بعضهم تعلم حيل السحرة، وسجع الكهان والعرافين؛ فشوهوا الصورة النقية للقرآن، ولصحيح الأذكار.



فيا أخي القارئ اعلم أن القرآن ليس علاجاً، فالعلاج قد ينفع وقد لا ينفع وربما يضر، ولكن القرآن شفاء كما قال ربنا عز وجل، وشتان بين العلاج وبين الشفاء، والشفاء في القرآن وصحيح الأذكار لا يحتاج إلى واسطة، ولكن قد تحتاج إلى معلم يعلمك كيف تقرأ القرآن الكريم، ويعلمك صحيح الأذكار، ولكنك لا تحتاج إلى معالج فأنت المضطر الملهوف، ودعاؤك أرجى أن يقبله الله عز وجل وهو القائل: {أَمَّنْ يُجِيب الْمُضْطَرّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِف السُّوء} [النمل:62].



فليكن لجوءنا إلى الله وحده، وضرورتنا إلى الله وحده: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف» (صحيح الترمذي).



واعلم أن كل شيء بقدر الله، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم أرأيت رقى نسترقي بها، ودواءً نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «هي من قدر الله» (صحيح الترمذي).



والحمد لله ربِّ العالمين.



ــــــــــــــــــــــــ



(1) (السليم: اللديغ، وقد قيل: هو من السلامة، وإنما ذلك على التفاؤل له بها خلافاً لما يُحذر عليه منه، لسان العرب).

جمال المراكبي

 

 

  • 49
  • -2
  • 186,014

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً