العُجب العُجب

منذ 2014-02-04

ومن أدوية الرياء الفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه وضرره، فلم يحبط عمله ويضر دينه ويشغل نفسه بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعاً ولا ضراً مع أن الله تعالى يطلعهم على نيته، وقبح سريرته.


1 ذكر ابن سعد في الطبقات عن عمر بن عبد العزيز: أنه كان إذا خطب على المنبر فخاف على نفسه العُجب  قطعه، وإذا كتب كتاباً فخاف فيه العُجب  مزقه، ويقول: اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ((الفوائد) لابن القيم).
وفي ترجمته رحمه الله أنه قال: "إني لأدع كثيراً من الكلام مخافة المباهاة  (الطبقات [5/368]).

ودواء ذلك في: تذكر أن علمه وفهمه وجودة ذهنه وفصاحته وغير ذلك من النعم، فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليرعاها حق رعايتها، وأن العُجب  بها كفران لنعمتها فيعرضها للزوال؛ لأن معطيه إياها قادر على سلبها منه في طرفة عين: {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم:20]، {أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللّهِ} [ الأعراف:99].

ومن أدوية الرياء الفكر في أن الخلق كلهم لا يقدرون على نفعه وضرره، فلم يحبط عمله ويضر دينه ويشغل نفسه بمراعاة من لا يملك له في الحقيقة نفعاً ولا ضراً مع أن الله تعالى يطلعهم على نيته، وقبح سريرته، كما صح في الحديث: «من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به» (مجمع الزوائد. ص [10/226].


آداب العلماء والمتعلمين:

2 سُئِلَ الحافظ عبد الغني المقدسي: "لِمَ لا تقرأ من غير كتاب؟ قال: أخاف العُجب " (السير [21/449]).
3 قال مالك بن دينار رحمه الله: "إذا طلب العبد العلم ليعمل به كسره، وإذا طلبه لغير العمل زاده فخرا" ((اقتضاء العلم العمل) ص [33]، للخطيب البغدادي).
قلت: سبحان الله، إذاً فطلاب العلم اليوم قليل، ولن تجدهم في هذا الزمان، إلا في كتاب أو تحت تراب.
4 حُكِيَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: نَظَرَ إلَى الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ يَسْحَبُهَا وَيَمْشِي الْخُيَلَاءَ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا هَذِهِ الْمِشْيَةُ الَّتِي يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ فَقَالَ الْمُهَلَّبُ: أَمَا تَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: بَلْ أَعْرِفُك، أَوَّلُك نُطْفَةٌ مَذِرَةٌ، وَآخِرُك جِيفَةٌ قَذِرَةٌ، وَحَشْوُك فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بَوْلٌ وَعَذِرَةٌ. (أدب الدنيا والدين).
5 اعلم أنه لا يتكبر إلا من استعظم نفسه، ولا يستعظمها إلا وهو يعتقد لها صفة من صفات الكمال، وجماع ذلك يرجع إلى كمال ديني أو دنيوي، فالديني هو العلم والعمل، والدنيوي هو النسب والجمال والقوة والمال وكثرة الأنصار، فهذه سبعة أسباب:

الأول: العلم، وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم فيستعظم نفسه ويستحقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم.
وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم فيخاف عليهم أكثر مما يخاف على نفسه، ويرجو لنفسه أكثر مما يرجو لهم، وسبب كبره بالعلم أمران:
أحدهما: أن يكون اشتغاله بما يسمى علما وليس علما في الحقيقة، فإن العلم الحقيقي ما يعرف به العبد ربه ونفسه وخطر أمره في لقاء الله والحجاب منه، وهذا يورث الخشية والتواضع دون الكبر، قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر:28].
ثانيهما: أن يخوض في العلم، وهو خبيث الدخلة رديء النفس سيئ الأخلاق، فإنه لم يشتغل أولا بتهذيب نفسه وتزكية قلبه بأنواع المجاهدات فبقي خبيث الجوهر، فإذا خاض في العلم صادف العلم من قلبه منزلا خبيثا فلم يطب ثمره ولم يظهر في الخير أثره، وقد ضرب (وهب) لهذا مثلا فقال: العلم كالغيث ينزل من السماء حلوا صافيا فتشربه الأشجار بعروقها فتحوله على قدر طعومها فيزداد المر مرارة والحلو حلاوة، فكذلك العلم يحفظه الرجال فتحوله على قدر هممها وأهوائها، فيزيد المتكبر كبرا والمتواضع تواضعا، وهذا ; لأن من كانت همته الكبر هو جاهل فإذا حفظ العلم وجد ما يتكبر به فازداد كبرا، وإذا كان الرجل خائفا مع علمه فازداد علما علم أن الحجة قد تأكدت عليه فيزداد خوفا.

الثاني العمل والعبادة: وليس يخلو عن رذيلة الكبر واستمالة قلوب الناس العباد فيترشح منهم الكبر في الدين والدنيا، أما في الدنيا فهو أنهم يتوقعون ذكرهم بالورع والتقوى وتقديمهم على سائر الناس، وكأنهم يرون عبادتهم منة على الخلق، وأما في الدين فهو أن يرى الناس هالكين ويرى نفسه ناجيا، وهو الهالك تحقيقا مهما رأى ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا قال الرَّجُل:هَلَكَ النَّاسُ فَهُو أهْلَكَهم» (مسلم[2623]) وإنما قال ذلك; لأن هذا القول منه يدل على أنه مزدر بخلق الله مغتر آمن من مكره غير خائف من سطوته، وكيف لا يخاف ويكفيه شرا احتقاره لغيره، قال  صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء شرا أن يحقر أخاه المسلم» (طبقات الشافعية الكبرى. ص [6/354].

وكثير من العباد إذا استخف به مستخف أو آذاه مؤذ استبعد أن يغفر الله له، ولا يشك في أنه صار ممقوتا عند الله، وذلك لعظم قدر نفسه عنده، وهو جهل وجمع بين الكبر والعُجب  والاغترار بالله.
وقد ينتهي الحمق والغباوة ببعضهم إلى أن يتحدى ويقول: "سترون ما يجري عليه"، وإذا أصيب بنكبة زعم أن ذلك من كراماته، وأن الله ما أراد إلا الانتقام له مع أنه يرى طبقات من الكفار يسبون الله ورسوله، وعرف جماعة آذوا الأنبياء صلوات الله عليهم فمنهم من قتلهم، ومنهم من ضربهم، ثم إن الله أمهل أكثرهم، ولا يعاقبهم في الدنيا، بل ربما أسلم بعضهم فلم يصبه مكروه في الدنيا، ولا في الآخرة: أفيظن هذا الجاهل المغرور أنه أكرم على الله من أنبيائه، وأنه قد انتقم له بما لم ينتقم لأنبيائه به، ولعله في مقت الله بإعجابه وكبره، وهو غافل عن هلاك نفسه، فهذه عقيدة المغترين، وأما الأكياس من العباد فيقولون ما كان يقوله السلف بعد انصرافه من عرفات: "كنت أرجو الرحمة لجميعهم لولا كوني فيهم" فانظر إلى الفرق بين الرجلين: هذا يتقي الله ظاهرا وباطنا، وهو وجل على نفسه مزدر لعمله، وذاك يضمر من الرياء والكبر والغل ما هو ضحكة للشيطان به، ثم إنه يمتن على الله بعمله.
ومن آثار الكبر في العابد أن يعبس وجهه كأنه متنزه عن الناس مستقذر لهم، وليس يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تقطب، ولا في الرقبة حتى تطأطأ، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «التقوى هاهنا» وأشار إلى صدره. (إرواء الغليل. ص [8/100]، فقد كان صلى الله عليه وسلم أكرم الخلق وأتقاهم، وكان أوسعهم خلقا وأكثرهم بشرا وتبسما وانبساطا كما قال تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215].

الثالث: التكبر بالحسب والنسب، فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب وإن كان أرفع منه عملا وعلما، وقد يتكبر بعضهم فيأنف من مخالطة الناس ومجالستهم، وقد يجري على لسانه التفاخر به فيقول لغيره: من أنت ومن أبوك فأنا فلان ابن فلان، ومع مثلي تتكلم.
وقد روي أن أبا ذر رضي الله عنه قال: "قاولت رجلا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له: يا ابن السوداء، فغضب صلى الله عليه وسلم وقال: «يا أبا ذر، ليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل»، فقال أبو ذر: فاضطجعت وقلت للرجل: قم فطأ على خدي".
فانظر كيف نبهه صلى الله عليه وسلم على أن ذلك جهل، وانظر كيف تاب وقلع من نفسه شجرة الكبر إذ عرف أن العز لا يقمعه إلا الذل.

الرابع: التفاخر بالجمال، وذلك أكثر ما يجري بين النساء ويدعو ذلك إلى التنقص والثلب والغيبة وذكر عيوب الناس.


الخامس: الكبر بالمال وذلك يجري بين الأمراء والتجار في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيستحقر الغني الفقير ويتكبر عليه، وكل ذلك جهل بفضيلة الفقر وآفة الغنى.

السادس: الكبر بالقوة وشدة البطش والتكبر به على أهل الضعف.

السابع: التكبر بالأتباع والأنصار والعشيرة والأقارب.
فهذه مجامع ما يتكبر به العباد بعضهم على بعض.
نسأله –تعالى العون بلطفه ورحمته  (موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين. ص [264]).

6 قال الحافظ ابْنِ الْجَوْزِيِّ رحمه الله: إذا تم علم الإنسان، لم ير لنفسه عملًا؛ وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل، الذي يمنع العاقل أن يرى لنفسه عملًا، أو يعجب به، وذلك بأشياء: منها: أنه وفق لذلك العمل: {حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:7]، ومنها: أنه إذا قيس بالنعم، لم يف بمعشار عشرها، ومنها: أنه إذا لوحظت عظمة المخدوم، احتقر كل عمل وتعبد، هذا إذا سلم من شائبة، وخلص من غفلة.
فأما والغفلات تحيط به؛ فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه.
وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك: فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار، لا يفترون، قالوا: «ما عبدناك حق عبادتك» (الألباني (السلسلة الصحيحة.ص [941])، والخليل عليه السلام يقول: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء:82]، وما أدل بتصبره على النار، وتسليمه الولد إلى الذبح.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما منكم من ينجيه عمله»، قالوا: ولا أنت؟ قال: «ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته» وأبو بكر رضي الله عنه يقول: "وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟!"، وعمر رضي الله عنه يقول: "لو أن لي طلاع الأرض، لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر"، وابن مسعود يقول: "ليتني إذا مت لا أبعث"، وعائشة رضي الله عنها تقول: "ليتني كنت نسيًا منسيًا" وهذا شأن جميع العقلاء، فرضي الله عن الجميع (صيد الخاطر. ص [393]).

7 قال الأحنف بن قيس: عجبت لمن جرى في مجرى البول مرتين كيف يتكبر، وقد وصف بعض الشعراء الإنسان، فقال:

 

يا مظهر الكبر إعجابا بصورته *** انظر خلاك فإن النتن تثريب

لو فكر الناس فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب

هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة *** وهو بخمس من الأقذار مضروب

أنف يسيل وأذن ريحها سهك *** والعين مرفضة والثغر ملعوب

يا ابن التراب ومأكول التراب غدا *** أقصر فإنك مأكول ومشروب

قال ابن السماك لعيسى بن موسى: تواضعك في شرفك أشرف لك من شرفك.
وكان يقال: اسمان متضادان بمعنى واحد: التواضع والشرف. (أدب الدنيا والدين).

8 قال خالد بن معدان رحمه: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يرى الناس في جنب الله أمثال الأباعر، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أحقر حاقر (حلية الأولياء).

9 قال محمد بن واسع رحمه الله: لو كان للذنوب ريح ما جلس إلي أحد (السير [6/120]).

10 عن مطرف رحمه الله قال: "لأن أبيت نائما وأصبح نادما، أحب إلي من أن أبيت قائما وأصبح معجبا" (المجالسة وجواهر العلم [6/327]).

11 كيف تُداوي "العُجب " يا طالب العلم؟ للإمام ابن حزم الأندلسي.
قال الإمام ابن حزم رحمه الله تعالى في كتابه: (الأخلاق والسير): من امتحن بالعُجب  فليفكر في عيوبه فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأَخْلاَق الدنيئة فإن خفيت عليه عيوبه جملة حتى يظن أنه لا عيب فيه فليعلم أن مصيبته إلى الأبد وأنه لأتم الناس نقصاً وأعظمهم عيوباً، وأضعفهم تمييزاً، وأول ذلك أنه ضعيف العقل جاهل.
ولا عيب أشد من هذين لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه، إما لقلة علمه وتمييزه وضعف فكرته، وإما لأنه يقدر أن عيوبه خصال، وهذا أشد عيب في الأرض.
وفي الناس كثير يفخرون بالزنا واللياطة والسرقة والظلم، فيعجب بتأتي هذه النحوس له وبقوته على هذه المخازي.

واعلم يقيناً: أنه لا يسلم إنسي من نقص حاشا الأنبياء صلوات الله عليهم، فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط، وصار من السخف والضعة والرذالة والخسة وضعف التمييز والعقل وقلة الفهم بحيث لا يتخلف عنه مختلف من الأرذال، وبحيث ليس تحته منزلة من الدناءة، فليتدارك نفسه بالبحث عن عيوبه، والاشتغال بذلك عن الإعجاب بها، وعن عيوب غيره التي لا تضره في الدنيا ولا في الآخرة.
وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة إلا الاتعاظ بما يسمع المرء منها فيجتنبها، ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته.
وأما النطق بعيوب الناس فعيب كبير لا يسوغ أصلاً.
والواجب اجتنابه إلا في نصيحة من يتوقع عليه الأذى بمداخلة المعيب أو على سبيل تبكيت المعجب فقط في وجهه لا خلف ظهره ثم يقول للمعجب ارجع إلى نفسك فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك.
ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوباً منها فتستسهل الرذائل وتكون مقلداً لأهل الشر وقد ذم تقليد أهل الخير فكيف تقليد أهل الشر! لكن مثل بين نفسك وبين من هو أفضل منك فحينئذ يتلف عجبك وتفيق من هذا الداء القبيح الذي يولد عليك الاستخفاف بالناس وفيهم بلا شك من هو خير منك.
فإذا استخففت بهم بغير حق استخفوا بك بحق لأن الله تعالى يقول: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى من الآية:40].
فتولد على نفسك أن تكون أهلاً للاستخفاف بك بل على الحقيقة مع مقت الله عز وجل وطمس ما فيك من فضيلة.
فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك وفي أضاليل الأماني الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ.
وإن أعجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك وأحفظها ولا تنسها وفي كل رأي قدرته صواباً فخرج بخلاف تقديرك وأصاب غيرك وأخطأت أنت، فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه فتخرج لا لك ولا عليك والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم.
وإن أعجبت بعملك فتفكر في معاصيك وفي تقصيرك وفي معاشك ووجوهه فو الله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك ويعفي على حسناتك فليطل همك حينئذ وأبدل من العُجب  تنقصاً لنفسك.
وإن أعجبت بعلمك فاعلم أنه لا خصلة لك فيه وأنه موهبة من الله مجردة وهبك إياها ربك تعالى فلا تقابلها بما يسخطه فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت.
ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف وهو من أهل الْعِلْم والذكاء واعتدال الأحوال وصحة البحث أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته وأنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد أنساه أكثر ما كان يحفظ وأخل بقوة حفظه إخلالاً شديداً لم يعاوده ذلك الذكاء بعد.
وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له فما عاودته إلا بعد أعوام.
واعلم أن كثيراً من أهل الحرص على الْعِلْم يجدون في القراءة والإكباب على الدروس والطلب ثم لا يرزقون منه حظاً. فليعلم ذو الْعِلْم أنه لو كان بالإكباب وحده لكان غيره فوقه فصح أنه موهبة من الله  تعالى فأي مكان للعجب ها هنا! ما هذا إلا موضع تواضع وشكر لله تعالى واستزادة من نعمه واستعاذة من سلبها.
ثم تفكر أيضاً في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع الْعِلْم ثم من أصناف علمك الذي تختص به. فالذي أعجبت بنفاذك فيه أكثر مما تعلم من ذلك فاجعل مكان العُجب  استنقاصاً لنفسك واستقصاراً لها فهو أولى وتفكر فيمن كان أعلم منك تجدهم كثيراً فلتهن نفسك عندك حينئذ وتفكر في إخلالك بعلمك وأنك لا تعمل بما علمت منه فلعلمك عليك حجة حينئذ ولقد كان أسلم لك لو لم تكن عالماً.
واعلم أن الجاهل حينئذ أعقل منك وأحسن حالاً وأعذر فليسقط عجبك بالكلية.
ثم لعل علمك الذي تعجب بنفاذك فيه من العلوم المتأخرة التي لا كبير خصلة فيها كالشعر وما جرى مجراه فانظر حينئذ إلى من علمه أجل من علمك في مراتب الدنيا والآخرة فتهون نفسك عليك.

12 قال الذهبي رحمه الله: ينبغي للعالمِ أنْ يتكلمَ بنية وحُسن قصدٍ، فإن أعجبهُ كلامهُ فليصمت، فإن أعجبه الصمت فلينطق، ولا يفتر عن محاسبةِ نفسهِ فإنها تحبُ الظهورَ والثناء (سير أعلام النبلاء [4/494]).

13 قال مسروق رحمه الله تعالى: بحسب الرّجل من العلم أن يخشى اللّه عز وجل وبحسب الرّجل من الجهل أن يعجب بعلمه  ((العلم) لزهير بن حرب، ص[9]).

14 عن طالوت: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: ما صدق الله عبد أحب الشهرة.
علق الذهبي رحمه الله: علامة المخلص الذي قد يحب شهرة، ولا يشعر بها، أنه إذا عوتب في ذلك، لا يجرد ولا يبرئ نفسه، بل يعترف، ويقول: رحم الله من أهدى إلي عيوبي، ولا يكن معجبا بنفسه؛ لا يشعر بعيوبها، بل لا يشعر أنه لا يشعر، فإن هذا داء مزمن  ((سير أعلام النبلاء [7/394]).

15 قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد يحبونه لعلمه أو دينه أو إحسانه، أو غير ذلك، فالفتنة في هذا أعظم إلا إذا كانت فيه قوة إيمانية وخشية وتوحيد تام، فإن فتنة العلم والجاه والصور فتنة لكل مفتون، وهم مع ذلك يطلبون منه مقاصدهم إن لم يفعلها وإلا نقص الحب أو حصل نوع بغض وربما زاد أو أدى إلى الانسلاخ من حبه (المجموع [338/10]).

16 قال رجل: أتينا علي بن بكار فقلنا له حذيفة المرعشي يقرأ عليك السلام، فقال: عليكم وعليه السلام، إني لأعرفه يأكل الحلال منذ ثلاثين سنة، ولأن ألقى الشيطان عياناً أحب إلي من أن يلقاني وألقاه. قلت له في ذلك فقال: أخاف أن أتصنع له فأتزين لغير الله فأسقط من عين الله  (حلية الأولياء [4/204]).

17 قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار والضب والحوت فإذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فاقبل على الطمع أولا فأذبحه بسكين اليأس وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص فأن قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح قلت أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه وأما ازهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشين إلا الله وحده كما قال ذلك الأعرابي للنبي أن مدحي زين وذمي شين، فقال ذلك الله عز وجل فازهد في مدح من لا يزينك مدحه وفي ذم من لا يشنيك ذم وارغب في مدح من كل الزين في مدحه وكل الشين في ذمه ولن يقدر على ذلك إلا بالصبر واليقين فمتى فقدت الصبر واليقين كنت كمن أراد السفر في البحر في غير مركب قال تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ} [الروم:60]، وقال تعالى: وجعلنا {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [ السجدة:24] ((الفوائد) لابن القيم. ص [149]).

18 عن عبيد الله بن عمر: أن عمر بن الخطاب كان جالسا ذات يوم، فمرت به جارية تحمل قربة، فقام، فأخذ منها القربة وحملها على عنقه حتى وداها ثم رجع، فقال له أصحابه: يرحمك الله يا أمير المؤمنين! ما حملك على هذا؟ قال: إن نفسي أعجبتني؛ فأردت أن أذلها  (المجالسة وجواهر العلم [6/91]).

19 في ترجمة هشام الدستوائي: قال عون بن عمارة: سمعت هشاما الدستوائي يقول: "والله ما أستطيع أن أقول أنِّي ذهبت يومًا قط أطلب الحديث أريد به وجه الله عز وجل".
قلت أي الذهبي: والله ولا أنا، فقد كان السلف يطلبون العلم لله فنبلوا، وصاروا أئمة يقتدى بهم، وطلبه قوم منهم أولا لا لله، وحصلوه ثم استفاقوا، وحاسبوا أنفسهم، فجرهم العلم إلى الإخلاص في أثناء الطريق  (السير [7/152]).

20 قال الفيض رحمه الله: قال لي الفضيل: لو قيل لك: يا مُرائي، غضبت وشق عليك، وعسى ما قيل لك حق تزيّنت للدنيا وتصنعت وقصرت ثيابك وحسّنت سمتك وكففت أذاك، حتى يقال: أبو فلان عابد ما أحسن سمته، فيكرمونك وينظرونك، ويقصدونك ويهدون إليك، مثل الدرهم السُّتُّوق -هو الرديء الزيف الذي لا خير فيه- لا يعرفه كل أحد فإذا قُشر، قُشر عن نحاس  (السير [8/438]).

21 قال إسحاق بن خلف  رحمه الله: ليس شيء أقطع لظهر إبليس من قول ابن آدم: ليت شعري بما يختم لي، قال: عندها ييأس منه ويقول: متى يعجب هذا بعمله؟! (شعب الإيمان [1/508]).

22 عن المسيب بن رافع، قال: قيل لعلقمة: لو جلست فأقرأت الناس وحدثتهم، قال: أكره أن يوطأ عقبي أن يتبعني الناس ويمشون ورائي  (سير أعلام النبلاء [4/59]).

23 قال إبراهيم النخعي رحمه الله: كانوا يكرهون أن يظهر الرجل أحسن ما عنده  (سير أعلام النبلاء [20/591]).

24 قيل لعمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن مت ندفنك في حجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلي من أن أرى نفسي أهلا لذلك  (صيد الخاطر. ص [282]).

25 قال بعضُ الحُكماء: كيف يَسْتقِرّ الكِبر فيمن خُلِق من ترَاب، وطُوِي على القَذَر، وجَرى مجرى البول.


 

يا مظهر الكبر إعجابا بصورته *** أبصر خلاك فإن النتن تثريب

لو فكر الناس فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب

هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة *** وهو بخمس من الأقذار مضروب

أنف يسيل وأذن ريحها سهك *** والعين مرمصة والثغر ملعوب

يا ابن التراب ومأكول التراب غدا *** أبصر فإنك مأكول ومشروب

26 سُئل عبد الله بن المبارك رحمه الله عن العُجب؟ فقال: أن ترى أن عندك شيئًا ليس عند غيرك  (تذكرة الحفاظ [1/278]).

27 قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم، ومثقال ذرة من بر صاحب تقوى ويقين أعظم وأفضل وأرجح من أمثال الجبال من عبادة المغترين" (حلية الأولياء [1/211]).

28 عن أيوب السختياني، أنه قال: ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعًا لله.
قالوا: المتواضع من طلاب العلم أكثر علمًا كما أن المكان المنخفض أكثر البقاع ماءً.
قيل لبزرجمهر: ما النعمة التي لا يحسد عليها صاحبها؟ قال: التواضع.
قيل له: فما البلاء الذي لا يرحم عليه صاحبه؟ قال: العُجب.
قال ابن عبدوس: كلما توقر العالم وارتفع كان العُجب  إليه أسرع إلا من عصمه الله بتوفيقه وطرح حب الرياسة عن نفسه.
قال عمر: أخوف ما أخاف عليكم أن تهلكوا فيه ثلاث خلال: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه.
عن مسروق، قال: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله، وكفى بالمرء جهلًا أن يعجب بعلمه.
قال أبو الدرداء: علامة الجهل ثلاث: العُجب، وكثرة المنطق فيما لا يعنيه، وأن ينهى عن شيء ويأتيه.
عن علي رحمه الله أنه قال: الإعجاب آفة الألباب.
قالوا: من أعجب برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل، ومن تكبر على الناس ذل، ومن خالط الأنذال حقر، ومن جالس العلماء وقر.
قال الفضيل بن عياض: ما من أحد أحب الرياسة إلا حسد، وبغى، وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحد بخير.
قال سفيان: كنت أتمنى الرياسة وأنا شاب وأرى الرجل عند السارية يفتي فأغبطه، فلما بلغتها عرفتها.
قال مالك بن دينار: من تعلم العلم للعمل كسره، ومن تعلمه لغير العمل زاده فخرًا  (المصدر: جامع بيان العلم وفضله [1/282]).

29 وقال أبو علي الجوزجاني رحمه الله: "النفس معجونة بالكبر والحرص والحسد، فمن أراد الله تعالى هلاكه منع منه التواضع والنصيحة والقناعة، وإذا أراد الله تعالى به خيرًا لطف به في ذلك، فإذا هاجت في نفسه نار الكبر أدركها التواضع من نصرة الله تعالى، وإذا هاجت نار الحسد في نفسه أدركتها النصيحة مع توفيق الله عز وجل، وإذا هاجت في نفسه نار الحرص أدركتها القناعة مع عون الله عز وجل  (الإحياء [3/362]).

30 قال حماد بن زيد رحمه الله: سمعت أيوب يقول: ينبغي للعالم أن يضع الرماد على رأسه! تواضعاً لله جلت عظمته (أخلاق العلماء. ص [48]).

31 قال الحسن رحمه الله: لو كان كلام بني آدم كله صدقاً، وعمله كله حسناً، يوشك أن يخسر، قيل: وكيف يخسر؟ قال: يعجب بنفسه (شعب الإيمان [5/454]).

32 قال كعب الأحبار رحمه الله لرجل أتاه ممن يتبع الأحاديث: اتق الله وارض بدون الشرف من المجلس، ولا تؤذين أحدا، فإنه لو ملأ علمك ما بين السماء والأرض مع العُجب، ما زادك الله به إلا سفالاً ونقصا، فقال الرجل رحمك الله يا أبا إسحاق، إنهم يكذبوني ويؤذوني، فقال قد كانت الأنبياء يكذبون ويؤذون فيصبرون، فاصبر وإلا فهو الهلاك  (حلية الأولياء [5/376]).

33 قال ابن الجوزى رحمه الله: من تلمح خصال نفسه وذنوبها، علم أنه على يقين من الذنوب والتقصير، وهو من حال غيره في شك، فالذي يُحذر منه الإعجاب بالنفس، ورؤية التقدم في أعمال الآخرة، والمؤمن لا يزال يحتقر نفسه، وقد قيل لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: إن مت ندفنك في حجرة رسول الله، فقال: لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إلىّ من أن أرى نفسي أهلاً لذلك (صيد الخاطر. ص [250]).

34 قال ابن الحاج رحمه الله: من أراد الرفعة فليتواضع لله تعالى، فإن العزة لا تقع إلا بقدر النزول، ألا ترى أن الماء لما نزل إلى أصل الشجرة صعد إلى أعلاها؟ فكأن سائلاً سأله: ما صعد بك هنا، أعني في رأس الشجرة وأنت تحت أصلها؟! فكأن لسان حاله يقول: من تواضع لله رفعه (المدخل [2/122]).

35 قال ابن القيم رحمه الله: إن الله سبحانه إذا أراد بعبده خيرًا أنساه رؤية طاعاته ورفعها من قلبه ولسانه، فإذا ابتلى بذنب جعله نصب عينيه، ونسى طاعته وجعل همه كله بذنبه، فلا يزال ذنبه أمامه، إن قام أو قعد، أو غدا أو راح، فيكون هذا عين الرحمة في حقه، كما قال بعض السلف: إن العبد ليعمل الذنب فيدخل به الجنة، ويعمل الحسنة فيدخل بها النار، قالوا: وكيف ذلك؟
قال: يعمل الخطيئة لا تزال نصب عينيه، كلما ذكرها بكى وندم وتاب واستغفر وتضرّع وأناب إلى الله، وذلّ له وانكسر وعمل لها أعمالاً فتكون سبب الرحمة في حقه، ويعمل الحسنة فلا تزال نصب عينيه يمنّ بها، ويراها، ويعتدّ بها على ربه وعلى الخلق، ويتكبر بها ويتعجب من الناس كيف لا يعظمونه ويكرمونه ويجلونه عليها، فلا تزال هذه الأمور به حتى تقوى عليه آثارها فتدخله النار.
فعلامة السعادة أن تكون حسنات العبد خلف ظهره وسيئاته نصب عينيه وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه وسيئاته خلف ظهره والله المستعان  (مفتاح دار السعادة [1/297]).

36 قال السري السقطي رحمه الله: ما رأيت شيئاً أحبطَ للأعمال، ولا أفسدَ للقلوب، ولا أسرعَ في هلاك العبد، ولا أدومَ للأحزان، ولا أقربَ للمقت، ولا ألزمَ لمحبة الرياء والعُجب  والرياسة، من قلة معرفة العبدِ لنفسه، ونظرِهِ في عيوب الناس، لاسيما إن كان مشهورا معروفا بالعبادة، وامتد له الصيت حتى بلغ من الثناء ما لم يكن يؤمله، وتربص في الأماكن الخفية بنفسه، وسراديب الهوى، وفي تجريحه في الناس ومدحه فيهم  (الطبقات الكبرى للشعراني. ص [73])، مستفادة من الشيخ عبد الرحمن السديس).

37 قال الإمام النووي رحمه الله: وطريقةٌ في نفى الإعجاب أن يعلمَ أن العلم فضل من الله تعالى، ومنّة عارية، فإن لله تعالى ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فينبغي ألا يُعجبَ بشيء لم يخترعه، وليس مالكًا له، ولا على يقين من دوامه  (المجموع [1/55]).

38 قال الشافعي رحمه الله: إذا خفت على عملك العُجب، فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، ومن أي عقاب ترهب، فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله (سير أعلام النبلاء [10/42]).

39 قال ابن القيم رحمه الله: اعلم أن العبد إذا شرع في قول أو عمل يبتغي مرضاة الله، مطالعًا فيه منة الله عليه به، وتوفيقه له فيه، وأنه بالله لا بنفسه، ولا بمعرفته وفكره وحوله وقوته، بل هو الذي أنشأ له اللسان والقلب والعين والأذن، فالذي منّ عليه بالقول والفعل، فإذا لم يغب ذلك عن ملاحظته ونظر قلبه لم يحضره العُجب  الذي أصله رؤية نفسه وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه  (الفوائد. ص [152]).

40 قال أبو حازم الأعرج رحمه الله: "إن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها، وما خلق الله من سيئة أضر له منها، وإن العبد ليعمل السيئة حتى تسوءه حين يعملها، وما خلق الله من حسنة أنفع له منها، وذلك أن العبد ليعمل الحسنة تسره حين يعملها، فيتجبر فيها ويرى أن له بها فضلا على غيره، ولعل الله تعالى أن يحبطها ويحبط معها عملا كثيرا، وإن العبد حين يعمل السيئة تسوءه حين يعملها، ولعل الله تعالى يحدث له بها وجلا يلقى الله تعالى، وإن خوفها لفي جوفه باق" (حلية الأولياء [3/242]).

41 قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رحمه الله: كان أبي يقول: أي بني وكيف تعجبك نفسك وأنت لا تشاء أن ترى من عباد الله من هو خير منك إلا رأيته، يا بني لا ترى أنك خير من أحد يقول: لا إله إلا الله حتى تدخل الجنة ويدخل النار، فإذا دخلت الجنة ودخل النار تبين لك أنك خير منه  (حلية الأولياء [3/222]).

42 قال الإمام القرافي رحمه الله: وسر تحريم العُجب  أنه سوء أدب مع الله تعالى، فإن العبد لا ينبغي له أن يستعظم ما يتقرب به إلى سيده، بل يستصغره بالنسبة إلى عظمة سيده، لا سيما عظمة الله تعالى، ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الزمر من الآية:67] أي ما عظموه حق تعظيمه، فمن أعجب بنفسه وعبادته فقد هلك مع ربه، وهو مطلع عليه، وعرض نفسه لمقت الله تعالى وسخطه  (الفروق [4/227]).

43 قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه من ذلك أي ضبط النفس بالذل والانكسار أمرا لم أشاهده من غيره.
وكان يقول كثيراً: ما لي شيء، ولا منّي شيء، ولا فيَّ شيء.
وكان كثيرا ما يتمثل بهذا البيت:


 

أنا المكدّى وابن المكدّى *** وهكذا كان أبي وجدي

وكان إذا أثنى عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدِّد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً.
وبعث إليَّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطِّه، وعلى ظهرها أبياتٌ بخطه من نظمه:

 

أنا الفقير إلى رب البريَّات *** أنا المُسَيْكينُ في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي *** والخير إن يأتنا من عنده ياتي

لا أستطيع لنفسي جلب منفعة *** ولا عن النفس لي دفع المضراتِ

وليس لي دونه مولى يدبرني *** ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتي

إلا بإذن من الرحمن خالقنا *** إلى الشفيع كما جاء في الآياتِ

ولست أملك شيئاً دونه أبداً *** ولا شريك أنا في بعض ذراتِ

ولا ظهير له كي يستعين به *** كما يكون لأرباب الولايات

والفقر لي وصف ذاتٍ لازمٌ أبداً *** كما الغنى أبداً وصفٌ له ذاتي

وهذه الحال حالُ الخلقِ أجمعهم *** وكلهم عنده عبدٌ له آتي

فمن بغى مطلباً من غير خالقه *** فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي

والحمد لله ملء الكونِ أجمعهِ *** ما كان منه وما من بعد قد ياتي

(مدارج السالكين [1 / 521]).

44 قال إبراهيم التيمي رحمه الله: "من جلس مجلسا ليجلس إليه فلا تجلسوا إليه" (حلية الأولياء [4/225]).

45 وما أحسن قول عبيد الله بن أبي جعفر وكان أحد الحكماء يقول: إذا كان المرء يحدث في مجلس فأعجبه الحديث فليسكت، وإذا كان ساكتا فأعجبه السكوت فليحدث.
قال الحافظ: وهذا حسن، فإن من كان كذلك كان سكوته وحديثه بمخالفة هواه وإعجابه بنفسه، ومن كان كذلك كان جديرا بتوفيق الله إياه وتسديده في نطقه وسكوته، لأن كلامه وسكوته يكون لله عز وجل (غذاء الألباب [1/58]).

46 قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "إن استطعت أن لا تكون محدثًا ولا قارئًا ولا متكلمًا. إن كنت بليغًا، قالوا: ما أبلغه، وأحسن حديثه، وأحسن صوته، ليعجبك ذلك فتنتفخ، وإن لم تكن بليغًا ولا حسن الصوت، قالوا: ليس يحسن يحدث، وليس صوته بحسن، أحزنك ذلك وشق عليك فتكون مرائيًا،
وإذا جلست فتكلمت فلم تبال من ذمك ومن مدحك، فتكلم  (سير أعلام النبلاء [8/109]).

47 قال الفضيل بن عياض  رحمه الله: لو أن المبتدع تواضع لكتاب الله وسنة نبيه، لاتبع ما ابتدع، و لكنه أُعجب برأيه فاقتدى بما اخترع  (التذكرة في الوعظ. ص [97]).

48 عن عطاء بن يزيد رحمه الله وقد أكثر الناس، قال: إنكم أكثرتم في "أرأيت؟ أرأيت؟" لا تعلموا لغير الله ترجون الثواب من الله؛ ولا يعجبن أحدكم علمه وإن كثر فإنه لا يبلغ عند عظمة الله مثل قائمة من قوائم ذباب  (شعب الإيمان [2/312]).

49 قال سفيان الثوري رحمه الله: إياك وما يفسد عليك عملك فإنما يفسد عليك عملك الرياء، فإن لم يكن رياء فإعجابك بنفسك حتى يخيل إليك أنك أفضل من أخ لك، وعسى أن لا تصيب من العمل مثل الذي يصيب ولعله أن يكون هو أورع منك عما حرم الله وأزكى منك عملا، فإن لم تكن معجبا بنفسك فإياك أن تحب محمدة الناس ومحمدتهم أن تحب أن يكرموك بعملك ويروا لك به شرفا ومنزلة في صدورهم أو حاجة تطلبها إليهم في أمور كثيرة، فإنما تريد بعملك زعمت وجه الدار الآخرة لا تريد به غيره، فكفى بكثرة ذكر الموت مزهدا في الدنيا ومرغبا في الآخرة وكفى بطول الأمل قلة خوف وجرأة على المعاصي، وكفى بالحسرة والندامة يوم القيامة لمن كان يعلم ولا يعمل  (حلية الأولياء [6/391]).

50 عَنِ الْحَسَنِ البصري رحمه الله: أن أصحابه مَشَوْا خَلْفَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: "رَحِمَكُمُ اللَّهُ، مَا يُبْقِي هَذَا مِنْ مُؤْمِنٍ ضَعِيفٍ" (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع [1/396]).

51 قال الأعمش رحمه الله: كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ في المصحف، فاستأذن عليه رجل، فغطى المصحف، وقال: "لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة" (حلية الأولياء [4/222]).

52 قال الماوردي رحمه الله: وَأَمَّا الْإِعْجَابُ فَيُخْفِي الْمَحَاسِنَ وَيُظْهِرُ الْمَسَاوِئَ وَيُكْسِبُ الْمَذَامَّ وَيَصُدُّ عَنْ الْفَضَائِلِ، وَلَوْ تَصَوَّرَ الْمُعْجَبُ الْمُتَكَبِّرُ مَا فُطِرَ عَلَيْهِ مِنْ جِبِلَّةٍ، وَبُلِيَ بِهِ مِنْ مِهْنَةٍ، لَخَفَضَ جَنَاحَ نَفْسِهِ وَاسْتَبْدَلَ لِينًا مِنْ عُتُوِّهِ، وَسُكُوتًا مِنْ نُفُورِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِهِ. وَلَيْسَ إلَى مَا يُكْسِبُهُ الْكِبْرُ مِنْ الْمَقْتِ حَدٌّ، وَلَا إلَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ العُجب  مِنْ الْجَهْلِ غَايَةٌ، حَتَّى إنَّهُ لَيُطْفِئَ مِنْ الْمَحَاسِنِ مَا انْتَشَرَ، وَيَسْلُبَ مِنْ الْفَضَائِلِ مَا اشْتَهَرَ، وَنَاهِيَك بِسَيِّئَةٍ تُحْبِطُ كُلَّ حَسَنَةٍ وَبِمَذَمَّةِ تَهْدِمُ كُلَّ فَضِيلَةٍ، مَعَ مَا يُثِيرُهُ مِنْ حَنَقٍ وَيُكْسِبُهُ مِنْ حِقْدٍ.
وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: عَجِبْتُ لِمَنْ جَرَى فِي مَجْرَى الْبَوْلِ مَرَّتَيْنِ كَيْفَ يَتَكَبَّرُ، وَقَدْ وَصَفَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ الْإِنْسَانَ، فَقَالَ:

 

يَا مُظْهِرَ الْكِبْرِ إعْجَابًا بِصُورَتِهِ *** اُنْظُرْ خَلَاكَ فَإِنَّ النَّتْنَ تَثْرِيبُ

لَوْ فَكَّرَ النَّاسُ فِيمَا فِي بُطُونِهِمْ *** مَا اسْتَشْعَرَ الْكِبْرَ شُبَّانٌ وَلَا شِيبُ

هَلْ فِي ابْنِ آدَمَ مِثْلُ الرَّأْسِ مَكْرُمَةً *** وَهُوَ بِخَمْسٍ مِنْ الْأَقْذَارِ مَضْرُوبُ

أَنْفٌ يَسِيلُ وَأُذْنٌ رِيحُهَا سَهِكٌ *** وَالْعَيْنُ مُرْفَضَّةٌ وَالثَّغْرُ مَلْعُوبُ

يَا ابْنَ التُّرَابِ وَمَأْكُولَ التُّرَابِ غَدًا *** أَقْصِرْ فَإِنَّك مَأْكُولٌ وَمَشْرُوبُ

وَأَحَقُّ مَنْ كَانَ لِلْكِبْرِ مُجَانِبًا، وَلِلْإِعْجَابِ مُبَايِنًا، مَنْ جَلَّ فِي الدُّنْيَا قَدْرُهُ، وَعَظُمَ فِيهَا خَطَرُهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِعَالِي هِمَّتِهِ كُلَّ كَثِيرٍ، وَيَسْتَصْغِرُ مَعَهَا كُلَّ كَبِيرٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: لَا يَنْبَغِي لِلشَّرِيفِ أَنْ يَرَى شَيْئًا مِنْ الدُّنْيَا لِنَفْسِهِ خَطِيرًا فَيَكُونُ بِهَا نَابِهًا. وَقَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ لِعِيسَى بْنِ مُوسَى: تَوَاضُعُك فِي شَرَفِك أَشْرَفُ لَك مِنْ شَرَفِك. وَكَانَ يُقَالُ: اسْمَانِ مُتَضَادَّانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ: التَّوَاضُعُ وَالشَّرَفُ  (أدب الدني والدين. ص [237]).

53 من بدائع الروائع: منشأ العُجب  وعلاجه.

54 قال العلامة أبو الطيب صديق حسن خان رحمه الله كما في (أبجد العلوم [2/86]):

الغرور هو: سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان.

والمغرورون أصناف:

منهم: العلماء الذين أحكموا العلوم الشرعية والعقلية وتعمقوا فيها وأهملوا محافظة الجوارح عن المعاصي وإلزامها الأعمال الصالحة وهم مغرورون: لأن العلم إذا لم يقارنه العمل لا يكون له مكان عند الله تعالى وعند الخواص من عباده.
ومنهم: الذين أحكموا العلم والعمل وأهملوا تزكية نفوسهم عن الأخلاق الذميمة وهم مغرورون أيضا إذ لا ينجو في الآخرة إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومنهم: الذين اعترفوا بأن النجاة في الآخرة إنما هي بتزكية النفس عن الأخلاق الذميمة إلا أنهم يزعمون أنهم منفكون عنها وهؤلاء مغرورون أيضا لأن هذا من العُجب  والعُجب  من أشد الصفات المهلكات.
ومنهم: الذين اتصفوا بالعلم وتزكية الأخلاق لكن بقي منها خبايا في زوايا القلب ولم يشعروا بها وهؤلاء أيضا مغرورون بظاهر أحوالهم وغفلوا عن تحصيل القلب السليم.
ومنهم: الذين اقتصروا على علم الفتاوى وإجراء الأحكام وهم مغرورون لأنهم اقتصروا على فرض الكفاية وأخلوا بفرض العين وهو: إصلاح أنفسهم وتزكية أخلاقهم وتصفية قلوبهم من الحقد والحسد وأمثال ذلك.
ومنهم: الوعاظ وأعلاهم رتبة من يتكلم في أخلاق النفس وصفات القلب من الخوف والرجاء والإخلاص ونحو ذلك وأكثرهم مغرورون لأنهم يتكلمون فيما ذكر وليس لهم من ذلك شيء.
ومنهم: من اشتغل باللغة ودقائق العلوم العربية وأفنوا عمرهم فيها ظنا منهم أنهم من علماء الأمة لأنهم في صدد أحكام مباني الكتاب والسنة وهم مغرورون لأنهم: اتخذوا القشر مقصودا فاغتروا به.
وأصناف المغرورين من الناس لا يمكن تعدادهم وفي هذا القدر كفاية لمن اعتبر  اللهم ألهمنا طريق دفع الغرور، ولا يمكن ذلك إلا بالعقل الذي هو مبنى الخيرات وأساسها ثم بالمعرفة وهي لا تعم إلا بمعرفة نفسه بالذل والعبودية ومعرفة ربه بالجلال والهيبة وصفا بقلبه بلذة المناجات، واستوت عنده من الدنيا ذهبها ومدرها ولا يبقى للشيطان عليه من سلطان "ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور. (انتهى).

55 قال إبراهيم التيمي رحمه الله: "ما عرضت عملي على قولي إلا خشيت أن أكون مكذباً"  ((الزهد) لأحمد. ص [293]، (حلية الأولياء [4/211]).

56 قال ابن القيم رحمه الله: فَلَا شَيْء أفسد للأعمال من العُجب  ورؤية النَّفس فَإِذا أَرَادَ الله بعده خيرا أشهده منّته وتوفيقه وإعانته لَهُ فِي كل مَا يَقُوله ويفعله فَلَا يعجب بِهِ ثمَّ أشهده تَقْصِيره فِيهِ وَأَنه لَا يرضى لرَبه بِهِ فيتوب إِلَيْهِ مِنْهُ ويستغفره ويستحي أَن يطْلب عَلَيْهِ أجرا، وَإِذا لم يشهده ذَلِك وغيّبه عَنهُ فَرَأى نَفسه فِي الْعَمَل وَرَآهُ بِعَين الْكَمَال وَالرِّضَا لم يَقع ذَلِك الْعَمَل مِنْهُ موقع الْقبُول وَالرِّضَا والمحبة فالعارف يعْمل الْعَمَل لوجه مشاهدا فِيهِ منّته وفضله وتوفيقه معتذرا مِنْهُ إِلَيْهِ مستحييا مِنْهُ إِذْ لم يوفه حَقه وَالْجَاهِل يعْمل الْعَمَل لحظه وهواه نَاظرا فِيهِ إِلَى نَفسه يمنّ بِهِ على ربه رَاضِيا بِعَمَلِهِ فَهَذَا لون وَذَاكَ لون آخر (الفوائد. ص [153]).

57 قال الحارث بن نبهان رحمه الله: سمعت محمد بن واسع، يقول: "واصاحباه ذهب أصحابي" قلت: رحمك الله أبا عبد الله أليس قد نشأ شباب يصومون النهار، ويقومون الليل، ويجاهدون في سبيل الله، قال: "بلى ولكن أخ" وتفل "أفسدهم العُجب" (حلية الأولياء [2/352]).

58 قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "اثنتان منجيتان، واثنتان مهلكتان، فالمنجيتان: النية والنهى، فالنية أن تنوي أن تطيع الله فيما يستقبل، والنهى أن تنهى نفسك عما حرم الله عز وجل، والمهلكتان: العُجب، والقنوط" (حلية الأولياء [7/298]).


جهاد حلس

 

  • 8
  • 0
  • 44,634

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً