نماذج في الشجاعة

- وعنه رضي الله عنه، قال: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفًا يوم أحد فقال: «من يأخذ مني هذا؟» فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول أنا أنا. قال: «فمن يأخذه بحقه؟» قال: فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين" (رواه مسلم: 2470).

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -


نماذج من شجاعة النَّبي صلى الله عليه وسلم:

- عن علي رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد النَّاس يومئذ بأسًا" (رواه أحمد (1/86)، (654)، وابن أبي شيبة (6/426)، (32614). جوَّد إسناده العراقي في (تخريج الإحياء) (2/467)، وصحح إسناده أحمد شاكر في (تخريج المسند) (2/64).

- قال رجل للبراء رضي الله عنه: يا أبا عمارة، أفررتم يوم حنين؟ قال: لا والله، ما ولَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه خرج شبان أصحابه وأَخِفَّاؤُهم حُسَّرًا ليس عليهم سلاح أو كثير سلاح، فلقوا قومًا رماة لا يكاد يسقط لهم سهم، جمع هوازن، وبني نصر، فرشقوهم رشقًا ما يكادون يخطئون، فأقبلوا هناك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يقود به، فنزل فاستنصر وقال: «أنا النَّبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب»، ثُمَّ صفَّهم (رواه البخاري: 2930، ومسلم: 1776).

- وعن عباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي، فلما التقى المسلمون والكفار، ولَّى المسلمون مدبرين، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يركض بغلته قِبَلَ الكفار، قال عباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكفها؛ إرادةَ أن لا تسرع، وأبو سفيان آخذ بركاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيْ عباس، ناد أصحاب السمرة». فقال عباس: -وكان رجلًا صيِّتًا- فقلت بأعلى صوتي: أين أصحاب السمرة، قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي، عطفة البقر على أولادها. فقالوا: يا لبيك يا لبيك، قال: فاقتتلوا والكفار، والدعوة في الأنصار يقولون: يا معشر الأنصار يا معشر الأنصار، قال: ثُمَّ قصرت الدعوة على بني الحارث بن الخزرج، فقالوا: يا بني الحارث بن الخزرج، يا بني الحارث بن الخزرج، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته كالمتطاول عليها إلى قتالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا حين حمي الوطيس (رواه مسلم: 1775).

- وعن أنس رضي الله عنه قال: "كان النَّبي صلى الله عليه وسلم أحسن النَّاس، وأجود النَّاس، وأشجع النَّاس، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق النَّاس قِبَل الصوت، فاستقبلهم النَّبي صلى الله عليه وسلم، قد سبق النَّاس إلى الصوت وهو يقول: «لن تراعوا لن تراعوا»، وهو على فرس لأبي طلحة عري، ما عليه سرج، في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرًا" (بحرا: أي واسع الجري) (شرح النووي على مسلم: 15/68). "أو إنَّه لبحر" (رواه البخاري: 6033).

نماذج من شجاعة الصحابة رضي الله عنهم:
(وقد كان الموروث صلوات الله وسلامه عليه أشجع النَّاس، فكذلك وارثه وخليفته من بعده أشجع الأمة بالقياس، ويكفي أنَّ عمر بن الخطاب سهم من كنانته، وخالد بن الوليد سلاح من أسلحته، والمهاجرون والأنصار أهل بيعته وشوكته، وما منهم إلا من اعترف أنَّه يستمد من ثباته وشجاعته) (الفروسية لابن القيم: ص 502).

شجاعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه:
قال ابن القيم رحمه الله: "وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله... برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه، في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم ويشجعهم، ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار، وليلته، وثبات قلبه يوم بدر، وهو يقول للنَّبي يا رسول الله كفاك بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعدك، وثبات قلبه يوم أحد، وقد صرخ الشيطان في النَّاس بأن محمدًا قد قتل، ولم يبق أحد مع رسول الله إلا دون عشرين في أحد، وهو مع ذلك ثابت القلب ساكن الجأش، وثبات قلبه يوم الخندق وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إنَّ الصديق ليثبته ويسكنه ويطمئنه، وثبات قلبه يوم حنين حيث فر النَّاس وهو لم يفر، وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعقرت لها أقدام الأبطال، وماجت لها قلوب أهل الإسلام،كموج البحر عند هبوب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصياح، وخرج النَّاس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله بها أقطار الأرض عجاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، وكيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهرهم، وحبيبهم، وطاشت الأحلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشْرَأَبَّ النفاق، ومد أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول موضوعًا، وسمع المسلمون من أعداء الله ما لم يكن في حياته بينهم مسموعًا، وطمع عدو الله أن يعيد النَّاس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصد قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهود، والتمجس، والشرك، وعبادة الصلبان، فشمَّر الصديق رضي الله عنه من جده عن ساق غير خوار، وانتضى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظهور عزائمه جوادًا لم يكن يكبو يوم السباق، وتقدم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنَّما همه اللحاق، وقال والله لأجاهدن أعداء الإسلام جهدي، ولأصدقنهم الحرب حتى تنفرد سالفتي، أو أفرد وحدي، ولأدخلنهم في الباب الذي خرجوا منه، ولَأَرُدَّنَّهُمْ إلى الحق الذي رغبوا عنه، فثبَّت الله بذلك القلب الذي لو وزن بقلوب الأمة لرجحها جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين، والمرتدين، وأهل الكتاب، وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها، وجرت الملة الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولَّى حزب الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذن الإيمان على رؤوس الخلائق {فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 56]. هذا وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مغلوبة مكسورة، تلك لعمر الله الشَّجَاعَة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمَّة التي تصاغرت عندها عليات الهمم، ويحق لصديق الأمة أن يضرب من هذا المغنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوة بكمال التعصب" (الفروسية: ص 502).

- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لأبي بكر: كيف تقاتل النَّاس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل النَّاس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه. فقال عمر بن الخطاب فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عزَّ وجلَّ قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنَّه الحق" (رواه البخاري: 1399، ومسلم: 20).

- وعن عروة بن الزبير، قال: سألت ابن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون بالنَّبي صلى الله عليه وسلم، قال: "بينا النَّبي صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة، إذ أقبل عقبة بن أبي معيط، فوضع ثوبه في عنقه، فخنقه خنقا شديدًا، فأقبل أبو بكر حتى أخذ بمنكبه ودفعه، عن النَّبي صلى الله عليه وسلم وقال: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} الآية [غافر: 28] (رواه البخاري: 3856).

- وعن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قال: "خطبنا علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فقال: أيها النَّاس، أخبروني بأشجع النَّاس، قالوا: لو قلنا أنت يا أمير المؤمنين، فقال: أما إني ما بارزت أحدًا إلا انتصفت منه، ولكن أخبروني بأشجع النَّاس؟ قالوا: لا نعلم، فمن؟ قال: أبو بكر الصديق، إنا لما كان يوم بدر جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشًا فقلنا: من يكون مع النَّبي صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد من المشركين؟ فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر شاهرًا بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يهوي إليه أحد إلا هوى إليه، وهذا أشجع النَّاس، قال علي: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش فهذا يجؤه، وهذا يتلتله، وهم يقولون: أنت الذي جعلت الآلهة إلهًا واحدًا، قال: فوالله ما دنا منه إليه أحد إلا أبو بكر، يضرب هذا، ويجأ هذا، ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى أخضل لحيته، ثم قال علي: أنشدكم الله، أمؤمن آل فرعون خير أم أبو بكر؟ قال: فسكت القوم، فقال: ألا تجيبوني؟ والله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض مثل مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه، وهذا رجل أعلن إيمانه (رواه البزار: 3/14، 761، وأبو نعيم في (فضائل الخلفاء) 181، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/49): فيه من لم أعرفه).

شجاعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، قال: "ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر" (رواه البخاري: 3863).

- وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: "لما أسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لم تعلم قريش بإسلامه، فقال: أي أهل مكة أنشأ للحديث؟ فقالوا: جميل بن معمر الجمحي، فخرج إليه وأنا معه أتبع أثره، أعقل ما أرى وأسمع، فأتاه فقال: يا جميل، إني قد أسلمت، قال: فوالله ما رد عليه كلمة حتى قام عامدًا إلى المسجد، فنادى أندية قريش، فقال: يا معشر قريش، إنَّ ابن الخطاب قد صبأ، فقال عمر: كذب ولكني أسلمت وآمنت بالله، وصدَّقت رسوله، فثاوروه، فقاتلهم حتى ركدت الشمس على رؤوسهم، حتى فتر عمر وجلس، فقاموا على رأسه، فقال عمر: افعلوا ما بدا لكم، فوالله لو كنا ثلاث مائة رجل لقد تركتموها لنا أو تركناها لكم" (رواه البزار (1/260) (156)، وابن حبان (15/302) (6879) واللفظ له، والطبراني مختصرًا (1/72) (83). جوَّد إسناده وقوَّاه ابن كثير في (البداية والنهاية) (3/79)، وقال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (9/68): رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس، وحسن إسناده الشوكاني في (در السحابة) (99) وقال: [وروي] من حديث عمر نفسه بإسناد رجاله ثقات).

- وعن محمد بن إسحاق قال: "فلما قدم عبد الله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، على قريش ولم يدركوا ما طلبوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وردهم النجاشي بما يكرهون، أسلم عمر بن الخطاب، وكان رجلًا ذا شكيمة، لا يرام ما وراء ظهره، امتنع به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبحمزة بن عبد المطلب، حتى غزا قريشًا، فكان عبد الله بن مسعود يقول: ما كنا نقدر على أن نصلي عند الكعبة حتى أسلم عمر بن الخطاب، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلَّى عند الكعبة وصلَّينا معه، وكان إسلام عمر بعد خروج من خرج من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى أرض الحبشة" (رواه ابن هشام في (السيرة) (1/342)، وأحمد في (فضائل الصحابة) (1/278).

شجاعة علي رضي الله عنه:
- عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه -في سياق ذكره ليوم خيبر- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله». قال: فأتيت عليًّا فجئت به أقوده وهو أرمد، حتى أتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فبسق في عينيه فبرأ، وأعطاه الرَّاية وخرج مرحب فقال:

قد علمت خيبر أني مرحب
شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب


فقال علي:

أنا الذي سمتني أمي حيدره
كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره

قال فضرب رأس مرحب فقتله ثم كان الفتح على يديه (رواه مسلم: 1807).

شجاعة الزبير رضي الله عنه:
- عن عمرو بن دينار قال كان يقال: "أشجع النَّاس الزبير، وأبسلهم علي رضي الله عنهما"، والباسل فوق الشجاع (مكارم الأخلاق: لابن أبي الدنيا ص 57).

- وعن هشام بن عروة، عن أبيه، أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك، ألا تشد فنشد معك؟ فقال: إنِّي إن شددت كذبتم، فقالوا لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلًا فأخذوا بلجامه فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير (رواه البخاري: 3975).

- وعن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قال: "كنت يوم الأحزاب، جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين، أو ثلاثًا، فلما رجعت قلت يا أبت رأيتك تختلف، قال: أو هل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم؟ فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه، فقال: فداك أبي وأمي" (رواه البخاري: 3720).

شجاعة خالد بن الوليد رضي الله عنه:
قال خالد بن الوليد رضي الله عنه: "لقد رأيتني يوم مؤتة تقطَّعت في يدي تسعة أسياف، وصبرت في يدي صفيحة لي يمانية" (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا: ص 61).

ولما احتضر قال: "لقد طلبت القتل مظانه، فلم يقدر لي إلا أن أموت على فراشي، وما من عملي شيءٌ أرجى عندي بعد لا إله إلا الله من ليلة بتها وأنا متترس بترسي، والسماء تهلبني ننتظر الصبح حتى نغير على الكفار، ثُمَّ قال: إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي فاجعلوها عدَّة في سبيل الله عزَّ وجلَّ" (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا: ص 62)، تهلبني: أي تبلني وتمطرني.

شجاعة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:
عن عامر بن سعد عن أبيه رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه قال: كان رجل من المشركين قد خرق المسلمين، فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم لسعد: «ارم فداك أبي وأمي»، قال: فنزعت بسهم لي فيه نصل، فأصبت جنبه، فوقع وانكشفت عوراته، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نظرت إلى نواجذه" (مكارم الأخلاق لابن أبي الدنيا: ص 63).

نماذج أخرى من شجاعة الصحابة رضي الله عنهم:
- عن أنس رضي الله عنه، قال: "غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئنِ اللهُ أشهدني قتال المشركين ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء، يعني أصحابه، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء، يعني المشركين، ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إنِّي أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع، قال أنس: فوجدنا به بضعًا وثمانين ضربةً بالسيف، أو طعنة برمح، أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس كنا نرى، أو نظن أنَّ هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} إلى آخر الآية (رواه البخاري: 2805).

- وعنه رضي الله عنه، قال: "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفًا يوم أحد فقال: «من يأخذ مني هذا؟ »فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول أنا أنا. قال: «فمن يأخذه بحقه؟» قال: فأحجم القوم، فقال سماك بن خرشة أبو دجانة: أنا آخذه بحقه. قال: فأخذه ففلق به هام المشركين" (رواه مسلم: 2470).

نماذج من شجاعة العلماء المتقدمين:
شجاعة العز بن عبد السلام رحمه الله في إنكار المنكر:
ذكر الباجي موقفًا من مواقف بن عبد السلام رحمه الله، فقال: "طلع شيخنا عز الدين مرة إلى السلطان في يوم عيد إلى القلعة، فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ومجلس المملكة، وما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة، وقد خرج على قومه في زينته على عادة سلاطين الديار المصرية، وأخذت الأمراء تقبل الأرض بين يدي السلطان، فالتفت الشيخ إلى السلطان، وناداه: يا أيوب ما حجتك عند الله إذا قال لك ألم أبوئ لك ملك مصر ثم تبيح الخمور؟ فقال: هل جرى هذا؟ فقال: نعم الحانة الفلانية يباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون، فقال: يا سيدي هذا أنا ما عملته، هذا من زمان أبي، فقال: أنت من الذين يقولون {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22]، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة. يقول الباجي: سألت الشيخ لما جاء من عند السلطان وقد شاع هذا الخبر: يا سيدي كيف الحال؟ فقال: يا بني رأيته في تلك العظمة، فأردت أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه، فقلت: يا سيدي أما خفته؟ فقال: والله يا بني استحضرت هيبة الله تعالى، فصار السلطان قدامي كالقط" (طبقات الشافعية للسبكي 8/211).

شجاعة ابن تيمية رحمه الله:
قال البزَّار: "كان رحمه الله من أشجع النَّاس، وأقواهم قلبًا، ما رأيت أحدًا أثبت جأشًا منه، ولا أعظم عناءً في جهاد العدو منه، كان يجاهد في سبيل الله بقلبه، ولسانه، ويده، ولا يخاف في الله لومة لائم، وأخبر غير واحد أنَّ الشيخ رحمه الله، كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم، وقطب ثباتهم، إن رأى من بعضهم هلعًا، أو رقَّة، أو جبانة، شجَّعه وثبته، وبشَّره، ووعده بالنصر، والظفر، والغنيمة، وبيَّن له فضل الجهاد والمجاهدين، وإنزال الله عليهم السكينة. وكان إذا ركب الخيل يتحنَّك ويجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، ويكبر تكبيرًا أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم، ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت. وحدَّثوا أنَّهم رأوا منه في فتح عكا أمورًا من الشَّجَاعَة، يعجز الواصف عن وصفها. قالوا: ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله، ومشورته، وحسن نظره، ولما ظهر السلطان غازان على دمشق المحروسة، جاءه ملك الكرج وبذل له أموالًا كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق، ووصل الخبر إلى الشيخ فقام من فوره، وشجَّع المسلمين ورغبهم في الشهادة، ووعدهم على قيامهم بالنصر، والظفر، والأمن، وزوال الخوف. فانتدب منهم رجال من وجوههم، وكبرائهم، وذوي الأحلام منهم، فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غازان، فلما رآهم السلطان قال: من هؤلاء؟ فقيل هم رؤساء دمشق، فأذن لهم فحضروا بين يديه، فتقدم الشيخ رحمه الله أولًا، فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبةً عظيمة، حتى أدناه وأجلسه، وأخذ الشيخ في الكلام معه أولًا في عكس رأيه عن تسليط المخذول ملك الكرج على المسلمين، وضمن له أموالًا وأخبره بحرمة دماء المسلمين، وذكَّره ووعظه فأجابه إلى ذلك طائعًا، وحقنت بسببه دماء المسلمين وحميت ذراريهم وصِين حريمهم" (الأعلام العلية للبزار، بتصرف ص 67).

المصدر: الدرر السنية