كالحمار يحمل أسفارا

منذ 2014-03-06

من حين لآخر يخرج بعض الأفاكين الذين يزعمون وصلا بالمعرفة، يتقيأون أكاذيب المستشرقين، ويرددون إفك الذين لا يعقلون، ولا يعلمون، ويزعمون أنهم قرآنيون والقرآن منهم براء، منهم محمد الشرفي وعمر صحابو الذي زعم أن الخمر حلال، ومنهم محمد الطالبي الذي دعا إلى ما وصفها بـ" الثورة الجنسية" معتبرا الزنا غير محرم.


من حين لآخر يخرج بعض الأفاكين الذين يزعمون وصلا بالمعرفة، يتقيأون أكاذيب المستشرقين، ويرددون إفك الذين لا يعقلون، ولا يعلمون، ويزعمون أنهم قرآنيون والقرآن منهم براء، منهم محمد الشرفي وعمر صحابو الذي زعم أن الخمر حلال، ومنهم محمد الطالبي الذي دعا إلى ما وصفها بـ" الثورة الجنسية" معتبرا الزنا غير محرم.

وقد افترى على الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما زعم أن  الرسول صلى الله عليه وسلم، أذن بالزنا، وقوله ما لم يقل بأنه حاشاه صلى الله عليه وسلم، أمر رجل اشتكى له سلوك زوجته بأنه طلب منه أن يتركها تمارس الزنا مع غيره، بعد أن أخبره المشتكي بأنه يحبها ولا يريد طلاقها. وهي قصة من وحي خياله المريض لا أصل لها.

الطالبي دعا إلى ما وصفها بـ" الثورة الجنسية" لمنع قيام مجتمع الشريعة، حسب تخرصه، ودون أدنى حياء طالب الفتيات ببيع أعراضهن وتلقي الأموال من أجل ذلك، لأن الثورة الجنسية، أو المشاعية الجنسية والبغاء والدعارة مع مثيلاتها من الممارسات التي تحاربها الشريعة كفيلة بمنع تطبيق الشريعة، لأن هناك من يؤسس لتطبيق الشريعة من خلال الحرية.

وكانت كاتب أخرى تدعى ألفة يوسف، قد دعت بدورها إلى ممارسة الشذوذ الجنسي زاعمة أن الاسلام لا ينهى عن ذلك. وكل ذلك في إطار حملات يائسة لإنتاج فكر مسخ يزعم "الإسلامية" ويدعون لإحلاله محل الفكر الإسلامي الذي تعرفه الأمة.

لقد كانت هذه الفئة الضالة تعيث فساداً في تونس قبل الثورة، وتعمل على وأد الإسلام، وحصره وتطويعه إلى أن يضمحل ويتلاشى ويقبر في زعمهم. وبعد الثورة خافوا من منسوب الحرية الذي يجعل الناس قادرين على التمييز بين دعاة على أبواب جهنم، ودعاة يدعون الناس إلى الخير وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحاولوا استخدام لبوس الإسلام لتضليل الناس، مستخدمين المتشابه، والمنسوخ والمكذوب وما يعرف بالإسرائيليات لإيجاد إسلام ممسوخ، وفي نفس الوقت يدعون لقمع أصحاب الفكر الإسلامي وحل أحزابهم وجماعاتهم، لأنهم يحصرون الإسلام في حزب سياسي، ويرون ذلك مضرا بالإسلام. وهو ما يذكرنا بقضيدة أحمد شوقي حول الثعلب الذي "خرج في لباس الواعظين"، وسنركز في هذه العجالة على مقاربة يحمل لقب الحمَّار "بتشديد الميم ونصبها"، وما فيها من إطلاقات غير علمية وغير عقلية وبالتالي غير موضوعية وهو بتناول الحركات الإسلامية التي يسميها "الإسلام السياسي" كاشفا عن خلفية فكرية علمانية منحازة لتصور خاص عن الإسلام والمجتمع المدني. ولذلك حاول إيهام القراء في مقال بعنوان "الإسلام السياسي وتحديات المرحلة"، يقول فيه أن ما كاد يحصل للإسلاميين من انقلاب في تونس حسب قوله "تحصيل حاصل". ولأنه ينطلق من عقلية وصائية مقيتة عانت منها شعوبنا دهرا طويلا، رأى في ما جرى من محاولات انقلاب، والانقلابات التي مولتها بعض الدول موقفا مجتمعيا، قائلا: "لما تأكد المجتمع من عدم جاهزية الحزب ذي الخلفية الدينية لأن يقود البلاد إلى الانتقال السياسي والرقي الاجتماعي والتقدم الحضاري"، فقد تحدث الحمار هنا باسم المجتمع، دون الإحالة على دراسات ميدانية محايدة، أو انتخابات ديمقراطية حرة وشفافة، وإنما أراد بطريقة غير مباشرة إحالتنا على الخداع السينمائي الذي صور عدد 3 ملايين معظمهم معادين للعرب وللإسلام والمسلمين 30 مليونا.

ومن المضحك أن يحاول الحمار الدفاع عن فرية "الفشل" الذي يراد أن يلصق بفترة حكم الترويكة في تونس، والذي مثلت فيه النهضة موقعا بارزا لا سيما في الشهور الأولى التي أعقبت انتخابات 21 أكتوبر 2011 م.

لقد أكد الإسلاميون أو بالأحرى المؤمنون قولا وفعلا بالإسلام ومبادئه وفرائضه وتشريعاته وحاكميته، مرارا أنهم يدافعون عن فهم للإسلام يعتقدون أنه الفهم الصحيح، ولكنهم لا يحتكرون الإسلام، وليسوا ناطقين باسمه، ولا يكفرون غيرهم ممن لديهم فهم مغاير للإسلام حتى وإن كان صادما. لكن بعض الاستئصاليين والمعادين للمشروع الإسلامي، ومن يتخذون الإسلام جنة يصرون على أن الإسلاميين تكفيريين بل وضالين بل وتبجح أحد السياسيين الباجي قايد السبسي بأن قال "أنا أكثر اسلاما منهم" في مزايدة رخيصة ومفضوحة ومضحكة في نفس الوقت، فبائع الخمر ملعون، ولا ينبغي له أن يقارن نفسه بمن يدافع عن المنظومة الاسلامية ككل، بل إن حمة الهمامي الشيوعي الملحد والذي غير اسمه من محمد إلى حمة كرها في النبي صلى الله عليه وسلم تبجح في مدينة صفاقص التونسية متهما الشيخ راشد الغنوشي بأنه أكبر كافر، ولم يقل الأخير عنه ولا عن غيره أنه كافر.

إن ما غاب عن الحمار، هو أن الاسلام كل لا يتجزأ، الإسلام سياسة، واقتصاد، واجتماع، كما هو عقيدة وشريعة، ونظام حكم يقبل بالآليات المعاصرة في إدارة الخلاف، وهذا فهمنا ونحن أحرار في ذلك ونعتقد أننا نملك الآليات الصحيحة لفهم القرآن والسنة، وما استنبطه علماء الأمة منهما، مثل الآخرين وربما أفضل.

إن الانقلاب الحقيقي على النفس، هو أن يجعل الإنسان إلها آخر له، أن يجعل إلها آخر مع الله وهو خلقه. فمن خلق شرع، وإذا اعترفنا بربوبية الله ولم نعترف بأولوهيته وحاكميته فمعنى ذلك جعلنا مع الله آلهة أخرى. هذا ما يغيب عن الكثيرين من بينهم الحمار. وهو الأولى بحفظ وجهه هو وأمثاله عندما يعترفون لله بشيء وينكرون عن خالقهم شيئا آخر.

ويسقط الحمار في مطب آخر عندما يؤكد تعطيل جانب كبير من الإيمان، وجزء لا يتجزأ من التوحيد، وأصل أصيل في الألوهية، مما يستوجب عليه مراجعة علاقته بعقيدة الإسلام كما هو في حقيقته، حيث ينكر على الإسلاميين رفع الإسلام كلا لا يتجزأ كما سلف فهو دعوة وهو دولة وهو شريعة وهو منهج حياة يؤخذ كله ولا يترك بعضه تحت أي مسمى من المسميات التي لا تصمد أمام الدليل العقلي أو النقلي، ولا تعارض بين الاثنين.

وليس هناك مجال للمرء بأن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعضه الآخر. ومرة أخرى يسقط الحمار في مطب الوصاية والتعميم ويتحدث باسم المجتمع، "لقد بدأ هذا النضال دعويا توعويا، في السبعينات من القرن الماضي في تونس، وراعى المجتمعات المعنية في مصر والسودان وتونس والأردن، وما إلى ذلك إلا أن تحول النضال إلى عمل سياسي باسم الدين حتى انتهى محكوما عليه بالحجر وبالتحجير وبأساليب إقصائي مختلفة".

لم ينتقد الحمار الحجر والتحجير والإقصاء، وكأنما رآه طبيعيا، ومبررا، ولكنه عاب على الإسلاميين الدعوة إلى تطبيق الإسلام وتحكيمه وجعله منهج حياة، أو على الأقل الإفساح لمن يدعو لذلك حتى يقنع الناس ويخلي بينهم وبين أمتهم فتختارهم أو تلفظهم. فالأنظمة التي حجرت وتحجرت وأقصت لم تكن سوى أنظمة فاسدة استبدادية قمعية عميلة وخائنة، وهو ما لم يتعرض له أو يتطرق إليه الحمار، وإنما حاول تبرير ما قامت به هذه الأنظمة.

وفات الحمار أيضا أن المجتمعات التي تكلم باسمها وجعلها "روعت" اختارت من " روعوها" في أول فرصة حرة سنحت لها للتعبير عن موقفها من الطيف السياسي الواسع في البلاد في تونس وغيرها. وبالتالي لا يمكن أن يتحدث أحد عن المجتمعات في غيابها فهذا العصر انقرض وانتهى ولن يعود أبدا.

ويواصل الحمار اسقاطاته، بل سقطاته المعبرة عن اللاحيادية في تناول القضية الإسلامية في بلادنا عندما يشير إلى أن "الحركات الإسلامية كانت غير قادرة على التأثير الإيجابي على الحياة العامة وعلى الشأن العام" ويجيب "ذلك أنها حبست الإسلام في حزب سياسي بينما كان عليها أن تعمل خارج ذلك الإطار حتى يبقى الإسلام متحررا".

من قال أن الحركات الإسلامية غير قادرة على التأثير الإيجابي؟ وماهي مفردات ذلك؟ وما الدليل على ذلك؟ أليس الانقلاب الذي حدث والدموية التي طبع بها حتى الآن وعمليات المصادرة والقتل والسجن والملاحقة دليل على تغلغل الإسلاميين في جميع مفاصل الحياة، مما يستحيل على أي قوة مهما بلغت درجة الإثخان فيهم أن تستأصلهم، وتاريخ تونس وغيرهما أكبر دليل على ذلك.

في كل الأحوال يقول الحمار للإسلاميين، حلوا أحزابكم، فنحن نفكر لكم نيابة عنكم وباسم الإسلام. فأيهما يحتكر الإسلام؟، ومن يزعم التحدث باسم الإسلام وتخطئيه الآخرين، الإسلاميين أم الحمار وأمثاله؟ إنه يقول لهم "لقد أخطأتهم المرمى، وأخطأتم الوسيلة، بل وأخطأتم العصر" هل هناك فكر استئصالي قمعي وصائي أكبر وأكثر مما عرضه الحمار في مقاله؟

لا يتعرض الحمار للقمع الذي تعرض له الإسلاميون، ولم يتحدث عن الأنظمة القمعية التي قامت والعمالة التي اتسمت بها جميع إجراءاتها، ولم يتحدث عن الظلم الذي تعرض له الإسلاميون بل يحملهم المسؤولية عما جرى لهم لأنهم فهموا الإسلام بطريقة خاطئة، وأن الإسلام الصحيح هو ما يعرضه عليهم؟ فالطرق والآليات التي توخاها الإسلاميون كما يزعم "أكل عليها الدهر شرب" إذن لماذا يقمعون؟ وإذا كان الشعب انفض عنهم بعد أن راعه خلطهم الدين بالسياسة كما يقول لماذا لا تتركهم أيها الحمار أنت وأمثالك للدهر؟ لماذا تخافون من أن يكونوا المستقبل وقانون التطور لا يحابي أحدا، فدائما هناك من ينقرض طبيعيا. لكن الحقيقة هي أن من يهددهم الانقراض يحاولون أن يأخدوا الإسلاميين معهم بل أن يسبقهم الإسلاميون ليس بفعل الانتخاب الطبيعي الذي يمقتونه وإنما بفعل الإجرام والقتل والسجون والإقصاء والمتابعات الأمنية وحتى التضييق في المعاش ومصادرة حق الحياة، هذه هي الحقيقة، وهذا ما يعرفه الحمار للأسف ولكنه يتعامى عليه.

الحمار يبشر بفكر إسلامي جديد بعد أن يباد الفكر الإسلامي المعاصر تحت جنازر دبابات المستبد العلماني أو المحتل الأجنبي الذي وصل لقناعة بأن العملاء أقل تكلفة من الاحتلال المباشر.

لم يقل لنا الحمار ماذا نفعل بالأحزاب اليسارية؟ والأحزاب الليبرالية؟ والأحزاب القومية؟ في إطار مقاربة جديدة تنمحي فيها الأحزاب الإسلامية؟ وماذا لو رفضت الأحزاب الإسلامية مقترحاته التي لم يكن أول من طرحها، وهي أحلام أعداء المشروع الإسلامي. لقد أجاب الحمار على سؤال دور "الفكر الإسلامي الجديد" كما وصفه وهو "التجذير التدريجي للاشتراكية وللشيوعية ولليبرالية ولسائر المكونات النظرية والفلسفية الكونية في داخل النسيج الفكري والعقل المجتمعي. وعندئذ سيكون الفكر الإسلامي الإصلاحي بمثابة القاطرة التي تقود المجتمع السياسي على درب تحقيق الأهداف التي تتطلبها تحديات المستقبل بشأن الرقي والتقدم" بمعنى إعطاء مبرر إسلامي لتجذير الشيوعية والاشتراكية والليبرالية وغيرها من النظريات والمذاهب، وإعطائها صكا إسلاميا بأنها حلال، ثم قيادة هذا الفكر الإسلامي المسخ للقاطرة؟ هل يصدر هذا من عاقل يعرف الاشتراكية والشيوعية والليبرالية، بمعنى إذا سئل الفكر الإسلامي المسخ  الذي يبشر به الحمار عن وجود الله في ظل هذا الكوكتيل العجيب الذي يقترحه أن يجيب فيه قولان، القرآن يقول أن الإنسانية أبناء آدم، وداروين يقول أن الإنسانية من فصيلة للقرود!!

عبد الباقي خليفة
 

  • 2
  • 0
  • 4,276

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً