هل نستحق النصر! أم الظلم مِنَّا؟!

منذ 2014-03-20

فهل ننتظر النصر ومخالفتنا تكاد الأرض تئن منها وتشتكي لباريها مِنَّا ومن أفعالنا؟!

بسم الله الرحمن الرحيم

مع ما نراه في عصرنا الحاضر من بلايا المسلمين في كل بقاع الأرض؛ كثير مِنَّا يكاد يدب اليأس في قلبه من اقتراب نصر الأمة وسيادتها وزوال الهوان عنها.

البعض يكاد يتهم الله عز وجل -عياذًا بالله- بأنه لا ينصر عباده.

بالطبع هذا الذي يلوم الله وذاك الذي يستعجل النصر وكعادتنا نظر إلى ما وعد الله، ولم ينظر على الإطلاق ما عليه من واجبات، ولم يتطرق ذهنه للسؤال الأهم: هل نحن بحالنا هذا نستحق النصر؟

إن النصر تخلَّف عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم بسبب مخالفة واحدة ارتكبوها في غزوة أُحد....

يقول تعالى لصحابة رسوله صلى الله عليه وسلم لمَّا خالفوا أمره في أُحد، فحل بهم ما حل، قال الله لهم: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165].

فهل ننتظر النصر ومخالفتنا تكاد الأرض تئن منها وتشتكي لباريها منا ومن أفعالنا؟!

مخالفتنا في النفس وفي الأسرة وفي المنزل الواحد وفي الشارع والحي والسوق والمدرسة ومكان العمل والجامعة والمصالح الحكومية والوزارات والرياسات والإمارات والممالك بل وللأسف مخالفاتنا بالمساجد لا تُعد ولا تُحصى.

فأي نصرٍ ننتظر إذا كنا لا نستحق النصر؟!

وأي أزمة نرجو حلها إذا كنا نحن الأزمة ذاتها؟!

{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41].

قال ابن كثير في تفسيره:

"ومعنى قوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} أي: بان النقص في الثمار والزروع بسبب المعاصي.

وقال أبو العالية: من عصى الله في الأرض فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة؛ ولهذا جاء في الحديث الذي (رواه أبو داود): «لحدٍ يُقام في الأرض أحب إلى أهلها من أن يمطروا أربعين صباحًا»[1]. والسبب في هذا أن الحدود إذا أُقيمت، انكف الناس -أو أكثرهم، أو كثير منهم- عن تعاطي المحرمات، وإذا ارتُكِبت المعاصي كان سببًا في محاق البركات من السماء والأرض؛ ولهذا إذا نزل عيسى [ابن مريم] عليه السلام، في آخر الزمان فحكم بهذه الشريعة المطهرة في ذلك الوقت، من قتل الخنزير وكسر الصليب ووضع الجزية، وهو تركها - فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف..

فإذا أهلك الله في زمانه الدجال وأتباعه ويأجوج ومأجوج، قيل للأرض: أخرجي بركاتكِ. فيأكل من الرمانة الفئام من الناس، ويستظلون بقحفها، ويكفي لبن اللقحة الجماعة من الناس. وما ذاك إلا ببركة تنفيذ شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلما أُقيم العدل كثرت البركات والخير؛ [ولهذا] ثبت في الصحيح: «إن الفاجر إذا مات تستريح منه العباد والبلاد، والشجر والدواب».

ولهذا قال الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا محمد والحسين قالا حدثنا عوف، عن أبي قحذم قال: وجد رجل في زمان زياد -أو ابن زياد- صرة فيها حب، يعني من بر أمثال النوى، عليه مكتوب: هذا نبت في زمان كان يعمل فيه بالعدل" أ هـ (من تفسير ابن كثير).

ويقول ربنا تعالى: {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا} [الكهف:59]، والظلم هنا شامل للمعاصي وأعظم المعاصي الشرك.

أين الحل وكيف النجاة؟!

النجاة في وجوب وسرعة التغيير الإيجابي: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11].

النجاة في تجريد التوحيد والتخلص من الشركيات التي يعج بها المجتمع، النجاة في اتباع السنة والتخلص من البدع التي تنهش في مجتمعاتنا وأخشى أن نرد عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم بما اقترفت أيدينا ويقال لنا: «ألا سحقًا سحقًا».

عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا، لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي، ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ، فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: سُحْقًا، سُحْقًا، لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي» (رواه البخاري: [6212]، ومسلم: [2290]).

النجاة في تغيير الأخلاق والتمسك بأخلاق القرآن والسنة المتمثلة في خُلق النبي صلى الله عليه وسلم بدءًا من برِّ الوالدين والإحسان إليهما والبعد عن العقوق وسوء الخلق معهما مرورًا بإصلاح منظومة الأخلاق في التعامل بين الإخوة والأصحاب والجيران وأهل الحي والمدينة وزملاء الدراسة والعمل وصولًا لسمو الأخلاق بين الحاكم والمحكوم -وللأسف كل هذا مفقود-.

النجاة في إصلاح منظومة الاقتصاد والبعد عن الربا والحرام:

النجاة في البراء من أعداء الله وعدم التمسح بهم وموالاتهم ومحبة أولياء الله والتعاون معهم وعدم الرضى بمناهج الكفار سواءً ماركسية، أو علمانية، أو برجماتية... إلخ، فالشريعة الإسلامية ما تركت خيرًا إلا دلتنا عليه وما تركت شرًا إلا حذرتنا منه {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام من الآية:38].

يقول الإمام القرطبى رحمه الله:

"{مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}: في اللوح المحفوظ فإنه أثبت فيه ما يقع من الحوادث".

وقيل: أي في القرآن أي ما تركنا شيئًا من أمر الدين إلا وقد دللنا عليه في القرآن؛ إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول عليه الصلاة والسلام، أو من الإجماع، أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب؛ قال الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل من الآية:89]

وقال: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل من الآية:44]، وقال: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر من الآية:7]، فأجمل في هذه الآية وآية (النحل) ما لم ينص عليه مما لم يذكره، فصدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شيء إلا ذكره، إما تفصيلًا وإما تأصيلًا؛ وقال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة من الآية:3]" أ هـ (من تفسير القرطبي).

النجاة في الاستغناء عن الناس وتكسب العيش بالعرق وجهد الشعوب التي تعاني الكسل والخمول.

النهضة العلمية ضرورية واليأس منها مُدمِّر فالجيل الفريد جيل محمد صلى الله عليه وسلم ساد الدنيا كلها في عصر عمر رضي الله عنه أي بعد قرابة العشرين عامًا من تأسيس الدولة.. هذا النموذج يدعونا لعدم اليأس والمحاولة من جديد ولو تغيرنا فعلًا فالنصر حليفنا بلا أدنى شك... فقط نبدأ ونبادر بالتغيير وسنجد الحلول والأبواب مشرعة والخيرات تتنزل من السماوات وتتفجر بها الأرض.

ــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع

[1]- (لم يوجده عند أبي داود وإنما رواه ابن ماجة في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وحسَّنه الألباني في صحيح ابن ماجة).

 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 3,565

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً