من نواقض الإسلام - (2) من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم (3)

منذ 2014-03-30

تفصيل في قول المصنف: "يدعوهم ويسألهم الشفاعة". وبيان المقصود بالشفاعة وأنواعها والأعمال الموجبة لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم

قول المصنف: "يدعوهم ويسألهم الشفاعة".

 

المسألة السادسة: الشفاعة وما يتعلق بها:

 

الشفاعة لغة: اسم من شفع يشفع إذا جعل الشيء اثنين، والشفع ضد الوتر.
واصطلاحًا: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة.

ومقصود المؤلف هنا الشفاعة المتعلقة بالآخرة: كطلب المغفرة والتجاوز عن الذنوب وهي على نوعين:

النوع الأول: الشفاعة الخاصة:


وهي التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم وتكون كذلك لأناس معينين يشفع لهم، وهي ثلاثة أقسام:

الأولى: الشفاعة الكبرى:
وهي خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك عندما يؤخر الله عز وجل محاسبة العباد فيأتي الناس إلى الأنبياء وكل واحد منهم يقول: (نفسي نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري) حتى تصل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى جميع الأنبياء أزكى الصلاة وأتم التسليم، فيقوم فيشفع للناس عند ربه عز وجل.

ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه المتفق عليه الطويل وساق فيه حال الناس وإتيانهم الأنبياء حتى يأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيشفع لهم بعدما يقع ساجدًا تحت العرش.
وأيضًا روى ابن عمر رضي الله عنه: "أن الناس يصيرون يوم القيامة جُثًا، كل أمة تتبع نبيها، يقولون: يا فلان اشفع، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود" رواه البخاري.

الثانية: الشفاعة لأهل الجنة في دخول الجنة:

ويدل على هذا: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «آتي باب الجنة يوم القيامة فاستفتح فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أُمِرت لا أفتح لأحد قبلك» رواه مسلم.

الثالثة: شفاعة الرسول لعمه أبي طالب:

ويدل على هذا: حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذُكر عنده عمه أبو طالب فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه».
وفي رواية: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» متفق عليه، فالشفاعة له أن يخفف عنه العذاب لا أن يخرج من النار لأنه مات كافرًا.


النوع الثاني: الشفاعة العامة:


وهي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ولجميع المؤمنين، وهي خمسة أقسام:
الأولى: الشفاعة لأناس من أهل الإيمان قد استحقوا الجنة أن يزدادوا رفعة ودرجات في الجنة:
مثال ذلك: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا لأبي سلمة فقال: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين» رواه مسلم، وقد يستدل لهذه الشفاعة ما سيأتي في أدلة القسم الثاني.

الثانية: الشفاعة لأناس قد استحقوا النار في أن لا يدخلوها:
وقد يستدل لها بما جاء في صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه».

ووجه الدلالة: أن هذا الحديث عام يدخل فيه كل رجل صلّى عليه هذا العدد بهذه الصفة ويدخل في هذا العموم من استوجب النار فلم يدخلها لشفاعة هؤلاء المؤمنين.

الثالثة: الشفاعة لأناس قد دخلوا النار أن يخرجوا منها:
ويدل عليها ما جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار فيخرجون خلقًا كثيرًا... فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط» رواه مسلم.

وأيضًا يستدل لها بحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، فيدخلون الجنة يسّمون الجهنميين» رواه البخاري.

الرابعة: الشفاعة في قوم تساوت حسناتهم مع سيئاتهم حتى يدخلوا الجنة، وقد يستدل لهذه الشفاعة بحديث ابن عباس عند مسلم وسبق في الشفاعة الثانية.

الخامسة: الشفاعة في دخول من لا حساب عليهم الجنة من الباب الأيمن:
ويدل عليها: حديث أبي هريرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بلحم فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه -فذكر الحديث إلى أن قال-: «فيقال يا محمد أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب» متفق عليه، وقيل أن هذه خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم.

فأصبح عدد الشفاعات جميعًا ثماني شفاعات.

والنوع الثاني من الشفاعة وهي الشفاعة العامة لها من شروط:
1- رضا الله عن المشفوع له.
ويدل عليه قوله تعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ} [الأنبياء من الآية:28].

2- رضا الله عن الشافع.
ويدل عليه قوله تعالى: {إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ} [النجم من الآية:26].

3- إذن الله للشافع أن يشفع.
ويدل عليه قوله تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة من الآية:255]. وأيضًا الآية السابقة.

4- أن لا يكون الشافع من اللعانين.
ويدل عليه: ما رواه مسلم عن أبي الدرداء مرفوعًا: «إن اللعانين لا يكونوا شفعاء ولا شهداء يوم القيامة» رواه مسلم.

ومقصود المؤلف في الشفاعة في هذا الناقض: أن الطلب من المخلوقين بعد وفاتهم أن يشفعوا عند الله وجعلهم واسطة بينهم وبين الله تعالى محرم وشرك، لما في ذلك من وصفهم بصفات الخالق سبحانه لأن من صفاته سبحانه أنه هو الحي الذي لا يموت.


المسألة السابعة: الأعمال الموجبة لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم:


- قول (لا اله إلا الله) خالصة من القلب:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة قال: «ظننت أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك لما رأيت حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: (لا اله إلا الله) خالصًا من قلبه» رواه البخاري.

- قول الذكر الوارد بعد الأذان:
عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة» رواه البخاري.

- الصبر على جدب المدينة ولأوائها:
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يثبت أحد على لأواء المدينة وجدبها إلا كنتُ له شفيعًا أو شهيدًا يوم القيامة» رواه مسلم.

- الموت في المدينة:
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها» رواه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

يشفع النبيون والملائكة والشهداء والصالحون على قدر مراتبهم ومقاماتهم عند ربهم، فالشهيد مثلًا يشفع في سبعين من أهل بيته كما ورد عند أبي داود وابن حبان.

 

المسألة الثامنة: الشفاعة المتعلقة بالدنيا:


وهي التي بوسع العباد القيام بها كطلب مال أو نكاح أو أي منفعة.

قال الشوكاني: "وأما التشفع بالمخلوق، فلا خلاف بين المسلمين أنه يجوز كطلب الشفاعة من المخلوقين فيما يقدرون عليه من أمور الدنيا" (انظر (الدر النضيد)، ص[16]).

وهذه الشفاعة في أمور الدنيا سواءً سميت شفاعة أو (واسطة) كما هو المصطلح الشائع عند الناس اليوم فإنها لابد لها من شرطين:

الشرط الأول: أن تكون في شيء مباح:
ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ} [المائدة من الآية:2].
أما إذا كانت في شيء محرم فإن هذه الشفاعة لا تجوز لقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة من الآية:2].

مثال ذلك: كأن يشفع شخص لآخر وجب عليه حدّ من حدود الله أن لا يقام عليه الحد فيتوسط له عند القاضي أو السلطان، وفي الحديث عن عائشة: أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول الله ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله؟ فكلم رسول الله فقال: «أتشفع في حدّ من حدود الله؟»، ثم قام فخطب فقال: «يا أيها الناس إنما ضلَّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها» رواه البخاري.

الشرط الثاني: أن لا يكون فيها تعدّ وتجاوز وظلم لأناس آخرين.

فإذا تحقق الشرطان فالسنة أن يشفع الإنسان لأخيه لقوله صلى الله عليه وسلم: «اشفعوا فتؤجروا وليقض الله على لسان رسوله ما شاء» رواه البخاري.

أما إذا كانت الشفاعة الدنيوية فيها هضم لحقوق أناس آخرين وتعدّ عليهم فإن هذا من الظلم وتكون هذه الشفاعة محرمة، لعموم الأدلة التي تحذر من الظلم وهضم حقوق الآخرين وهي كثيرة مستفيضة.

عبد الله بن حمود الفريح

حاصل على درجة الدكتوراه من قسم الدعوة والثقافة الإسلامية في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، عام 1437هـ.

  • 2
  • 1
  • 10,826
المقال السابق
(2) من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم (2)
المقال التالي
(2) من جعل بينه وبين الله وسائط يتوكل عليهم (4)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً