بُنيّ الحبيب... (1)

منذ 2014-04-01

لا تجد لمشكلتك حلاً إلا من فم الذي لم ينطق عن الهوى، ولم يترك خيراً إلا دعانا إليه.. النبي الكريم الذي جاء ليخرجنا من الظلمات إلى النور، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك» (صحيح الجامع، برقم: [1077]).

لا تبكِ على ما فات، ولا تتقطع نفسك حسرات على ما لم تدرك.. هدئ من روعك، ولا تملأ وجه حاضرك بالدموع.. واجعل من صبرك مشاعر فرح لا تبقى لديك أحزاناً.

بُنيّ الحبيب! ما أكتبه لك غايته ووسيلته هو الحب.. فلا تمل من كلماتي، ولا يحملك سوء الفهم إلى قلق أو ضجر.. وتذكر قول من قال: ليتني كنت أعلم أن السماع له الشرف على القول، وما كنت أتلفت عمري في الثرثرة والقول..

بُنيّ الحبيب! قد يشعر المرء بثقل في ضميره، وبألم في نفسه عندما يرى ذكريات أفعاله أمام عينيه.. عندها يشعر بالندم، فماذا يفعل؟

لا تجد لمشكلتك حلاً إلا من فم الذي لم ينطق عن الهوى، ولم يترك خيراً إلا دعانا إليه.. النبي الكريم الذي جاء ليخرجنا من الظلمات إلى النور، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه: «اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هِرَمِك، وصِحَّتَك قبل سِقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك» (صحيح الجامع، برقم: [1077]).

بُنيّ الحبيب! لا زلت غصناً غضاً، فلا تدع الرياح تتلاعب بك، ولا تقبل أن تُسقط أوراقك الأعاصير.. لا تقبل أن تتحول إلى جذع خشبي أجرد لا ورق فيه ولا ثمر.. لأنك إن فعلت لن تحصد إلا الندم..

بُنيّ الحبيب! أنا أعلم أنك إنسان، وبداخلك معركة بين الخير والشر، ومحاولتك الدائمة هي أن تحاول أن ينتصر خيرك على شرك.. فما أظلت الإنسان إلا أشجار نفسه، وما ستره إلا أوراق أشجاره.. فإذا بقي عمره يسقي أشجار خيره، أدرك صلاح ثمرة حياته بين أغصانه الغضة قبل أن يمرّ عمره فتتحول أغصان حايته الغضة إلى أخشاب يابسة بفعل العمر والسنين..

بُنيّ الحبيب! حين تقتل التعصب بداخلك، وحين تنفي الكِبر من ذاتك.. حين تنظر بعين الحقيقة إلى كل من حولك وما حولك.. حينها سترى عجباً.. سترى أن اغلب من حولك قد تحولوا إلى قطيع ؛ فعطلوا عقولهم وضمائرهم، وساروا وراء ذئاب لا يعرفون إلا الافتراس..

بُنيّ الحبيب! لا تقل إلا ما يمليه عليك دينك، ولا تفعل إلا ما تمليه عليك تقاك.. لا تقل فُحشاً ولا تظلم أحداً.. وليكن منك على ذكر قول ربك: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} [النحل:111]. فماذا تقول جدالاً عن نفسك أما الملك الجبار المنتقم؟!

بُنيّ الحبيب! إني لأرجو أن ترافقك السعادة في الدارين، في الدنيا والآخرة، وطريقها قد أوضحه ربنا: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97].

بُنيّ الحبيب! ترى كم بيننا اليوم، وبين قيم مدرسة المدينة وروادها من صحابة النبي الكرام؟ أولئك الذي ملكوا القدرة على التوازن ونصبوا ميزان العدل في أرض الله.. لا شك أنك تقول الآن، وأين نحن منها؟ إن بيننا وبينها مسافات بعيدة.. إن واقعنا لا يثير إلا السخط والقلق. لقد قسى الجميع على بعضهم، وصار الأخ يرمي أخاه بتهمة ترديه قتيلاً كما لو كانت رصاصة!

بُنيّ الحبيب! أنا أعلم أنك محق في كل حرف نطقته، ولكني أسائلك: ألا يمكن أن نصغي إلى هذا الماضي البعيد الذي كنا فيه في القمة خلقاً وديناً؟! ألا يمكننا استقراء ذلك الماضي والسير وفق خطى أولئك الصالحين الذي الذين أظلت شجرة الخير لديهم كل المتعبين والتائهين؟!

إننا إن فعلنا ذلك؛ امتلكنا القدرة على الخروج من أزماتنا، والتأمت جروح أرواحنا مهما كانت عميقة..

بُنيّ الحبيب! أنا لا أطمع منك إلا في المحاولة، ولا أطلب منك إلا المستطاع.. أطمع في محاولة الخروج من قافلة الرقيق، حتى لا يبقي أعداؤنا هم الذين يفكرون لنا، ثم يصوغون وفق أفكارهم طريقة حياتنا..

أنا أعلم -يا بُنيّ- أنهم لن يتركونا نسير خارج القطيع، وأن سيرنا سيكون وعراً وخطراً.. بل ربما أصابنا في هذا الطريق الدوار فسقطنا من الإعياء..

ولكني -يا بُنيّ- على يقين أننا إن غيرنا ما بأنفسنا، سيتغير ما بنا، فهذا هو القانون "غيّر نفسك تغيّر واقعك". فيا ليت وعينا -أنا وأنت وكل من نحب- يستيقظ فيرى الأحداث الجسام، فيبدأ في مواجهتها ببصيرة.. ليتنا نحاول عتق رقابنا من الرق الذي يُراد لنا جميعاً.

بُنيّ الحبيب! أدعوك إلى ما أطالب به نفسي.. أدعوك إلى محاولة التوازن في مواجهة أحداث الحياة، وأدعو الله لك ولنفسي ألا يصيبنا دوارها فنقع في خطأ التقدير.

ولا سبيل إلى التوازن وعدم الدوار إلا أن نزن كل أعمالنا بميزان شريعتنا السمحة، تلك الشريعة التي لا حارس لصحة أعمالنا سواها.. فمن لم يهتد بهديها فقد حملت رقبته ثقلاً يفقده توازنه: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً} [الإسراء:13].

بُنيّ الحبيب! تتجاوز بنا الأيام مشاعرنا وأحاسيسنا، وتبقى لنا منها ذكريات تعيدنا أطفالاً على صدر الحياة، ولا يوقظنا من رضاعنا إلا حوادث أيامها التي لا تبقى على ربيع أنبتته غيومها الممطرة إلا بخريف يلاحقه...!

إنها الدنيا يا بُنيّ.. فلا تستغرب وقوع الأكدار فيها، فهي قد خُلقت على كدر، ومن يبحث عن دنيا بلا كدر؛ فهو باحث عن شيء لم يُخلق.

بُنيّ الحبيب! ما ترهّل فكر إنسان إلا وتخلَّف عن السباق في ميدان الحياة؛ فحاول بكل ما تستطيع أن تخط دورك في الحياة، ولا تقتفي آثار الجبناء الذين لا يتجاوز نظرهم التراب الذي يمشون عليه..

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 0
  • 0
  • 3,511

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً